بلد سيء الحظ
15 March, 2010
خواطر سودانية -8-
gibriel47@hotmail.com
من يطالع المرشحين لرئاسة الجمهورية والولاة ومجالس الولايات وغيرها في تلفزيون جمهورية السودان يدرك أن هذا السودان بلد غير محظوظ. فمثلما أن هناك بعض الناس غير محظوظين في هذه الحياة أو حظهم نحس – كم يقال - فهناك دول غير محظوظة أيضا.
أطلت علينا بعض الوجوه القديمة - وبلا حياء – ببرامجها القديمة التي لم تجد نفعا في سابق الأيام ولا زالت تروج لهذه البضاعة القديمة المنتهية الصلاحية، وتريدنا أن نصوت لها لندخل هذا (الفيلم الفاشل) مرتين. يا ناس حرام عليكم الإصرار على جر السودان للوراء وبهدلته!!!
وظهرت بعض الوجوه الجديدة الخالية الوفاض ولا أدري علام تروج؟!!! فهي غير مقنعة بتاتا. و لا تجيد حتى عرض قضيتها، ولا تملك برامج واضحة. فكيف بنا أن نجازف بوضع مصائرنا في أكف أناس كهؤلاء لا يدرون إلى أين هم سائرون!!!
نعم هناك بعض الوجوه الجديدة والمؤهلة أكاديميا وعالميا ولكن حظها في الفوز (كعشم إبليس في الجنة). لا لكونها سيئة ولكن لأن الساحة موبوءة بعنصريات وعصبيات وتمحورات وتكتلات وتكورات وحزبيات لا تتيح الفرصة لأمثال هؤلاء العقلاء المؤهلين. ولأن المتعلمين من غير الحزبيين لم يأخذوا المسائل بجدية ويقفوا خلف هذه الشخصيات حتى يلقنوا المجموعات الحزبية المنافسة دروسا في الأداء الجيد للمثقف السوداني النبيل.
ولن يتمخض هذا المهرجان الانتخابي التعيس في زمن الفشل العام سوى عن ولادة فأر في مقبل الأيام. وأغلب السودانيين غير متفائلين بالانتخابات التي أضحت على الأبواب. فيا له من بلد وشعب سيء الحظ!!!
حقيقة أن الديمقراطية مسخرة ما بعدها مسخرة. كل يدعي وصلا بليلى وليلى لا تدري شيئا!! ويجب علينا أن نتحمل هذا السخف والغثاء وهذا العدد الكبير من الحمقى حتى يذهب الزبد جفاء. وشر البلية ما يضحك!!!
فعلا هذا هو الفارق الكبير بين الشورى الإسلامية التي لا تدع كل من هب ودب أن يتقدم لقيادة الناس إلا وفق مواصفات علمية وأخلاقية وسلوكية محددة وليس كما تفعل الديمقراطية. فكل (زعيط ومعيط ونطاط الحيط) يتقدم ليقود الناس وهو غير كفؤ ليقود نفسه!!!
ومعذرة أن ذكرت كلمة "الإسلامية" التي شوهتها حكومة الإنقاذ "الإسلامية" لأن أول ما يتبادر إلى المرء الغش والخداع والكذب والنفاق في السمت والتعامل.
بلا شك سيمضي وقت طويل قبل أن يستعيد الناس ثقتهم ويطمئنوا إلى كل من ينادي بالمنهج الإسلامي. وأن كلمة "إسلامي" تعني الصدق والنزاهة والشرف والأمانة وكل الصفات الفاضلة وليس العكس.
يستغرب المرء لماذا يصر المأفونون من البشر وأقبح الناس أفعالا على إلصاق أنفسهم بالدين ويشوهونه. لم يكن الدين في يوم من الأيام قبيحا أبدا أبدا وحاشا لله. (فالله جميل يحب الجمال). لكن مشكلة الدين أن الحمقى والأغبياء من البشر يصرون على إلصاق صفاتهم القبيحة بالدين ويدعون أن الدين كذلك ويصبح الدين بعضا من ممتلكاتهم!!!
عجبا لهؤلاء !! فالدين دين الله. والدين رفق ورحمة وهم العنف والقسوة، وشتان بينهما. والدين يسر وتبشير وهم العسر والتنفير بعينه. والدين المجادلة بالحسنى وهم الغلظة والفظاظة!! والدين دين الوسطية وهم التطرف والتنطع. والدين فطرة والفطرة جميلة. وقد قال تعالي: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) وقال: (من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) وهؤلاء الحمقى ينهجون نهج (يا تشربي يا أكسر قرنك).
بدأت طالبان في أفغانستان وفي سنوات قليلة حولت البلد إلى جحيم لا يطاق. وبدأت الجبهة الإسلامية في السودان وأسمت نفسها بالإنقاذ فأغرقت السودان في بحر من الدماء والممارسات السيئة التي لا تمت إلى الدين بصلة. وبدأت الإنقاذ في الجزائر فنهجت نهج إنقاذ السودان ولم تصل إلى بر الأمان حتى الآن. هذه تجارب مجموعات غريبة تدعى الإسلام وتلصق كل تصرفاتها السيئة بالإسلام والإسلام منها براء. إلى متى ونحن نظل نشاهد مثل هذه الممارسات الغريبة!!!
تعزى هذه الفوضى الإسلامية – إن جازت التسمية -إلى سلوك بعض الفقهاء وتقوقعهم في مجالات بعينها وكأنما الدين لا يصلح لغير ما ذهبوا إلية. فبعض الفقهاء لا تجد لديهم هما سوى فقه المعاملات من بيوع وتجارة، والأحوال الشخصية من زواج وطلاق حيض ونفاس، و العبادات من مبادئ الدين من غسل ووضوء وكأن الدنيا ليس بها غير هذا. ونظل نردد قال ابن تيمية وقال فلان وعلان و(المحجة البيضاء بين ظهرانينا).!!!
أليس إصلاح الحكم وسياسة الناس ومعايش البشر من الدين. أم هو الجبن والخور؟ ألم يكن الخلفاء الراشدون ساسة وفقهاء أم أنهم زهاد ونساك لزموا المساجد فقط؟ عجبا لأمر هؤلاء. فهم إما درويش يهذي بما لا يدري ويدور (كالمترار) في حلقات الشيخ حمد النيل ويتفرج عليه الناس من كل حدب وصوب أو متفيقه يطل علينا من التلفاز بين حين وآخر ويتحفنا بالوعظ والإرشاد ويكتفي بهذا.
لماذا لا يقدم فقهاؤنا وعلماؤنا شيئا ملموسا في المجتمع حتى ولو جمعيات خيرية تعين الفقراء والمساكين والشباب والشابات والأرامل، والأيتام الذين بنينا لهم دورا والرسول صلي الله عليه وسلم يقول (أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة ) وقرن بين السبابة والإبهام. لماذا لا تقدمون على مثل هذه الدور وتوزعوا الأيتام على الأسر المقتدرة وتجففوا معين هذه الدور. ألا تريدون الجنة؟ أيعقل أن يكون بلد إسلامي وبه هذا النوع من الدور؟ أي إسلام هذا!!!
وينفطر القلب عندما يرى المرء أن هناك دورا لكبار السن والعجزة. أليسوا هم الذين قال فيهم خير البشر – صلي الله عليه وسلم (رغم أنف أمريء أدرك أحد أبويه أو كلاهما ولم يدخل الجنة)؟ فكيف نسمح بممارسات كهذه. هل وصلنا إلى هذا الحد من القسوة. فأي أمن ونعيم يرتجى من مجتمع كهذا؟!! وكيف نأمن غضب الله!!!
وهناك دور للقطاء. فهذه الدور بيان واضح لما آل إليه حال الرجال والنساء من فحش وفجور بسبب أشياء كثيرة أولها ضيق العيش. فهذه الحكومة "الإسلامية" أفقرت وأجاعت الناس (والجوع كافر) وشبعت هي ولا تستحي بعد ذلك بل تطالعنا بعد كل حين وآخر بأحاديث عن مكارم الأخلاق!!!
هذا النوع من الممارسات "الإسلامية" هو الذي أوجد أحزاب اليسار – من شيوعيين واشتراكيين - في الوطن الإسلامي أينما كان. فقد يئس الناس منكم – واليساريون خاصة - ومن تطبيق شرع الله من عدل ومساواة بين الناس والسعي لتحقيق العدالة الاجتماعية على الأرض، فاعتسف اليساريون والاشتراكيون الطريق بلا هدي وخط لهم أمثال كارل ماركس ولينين وغيره الخطط لإيجاد جنة الله على الأرض ويئسوا من نعيم الآخرة. ولهم كل العذر في ذلك لأنهم لم يروا خيرا فيكم سوى الجعجعة بالعدل والمساواة.
فبرغم الجعجعة "الإسلامية" نجح الشيوعيون والاشتراكيون في إقامة دولتهم في الإتحاد السوفيتي السابق لأكثر من 70 عاما ولا يزال من أطلق على نفسه لقب "إٍسلامي" -زورا وبهتانا - يعادي وبكل بقوة كل أحزاب اليسار وكأنه لم يخلق لشيء غير المعاداة والنكد. ويسقط في أول امتحان (للسلطة والثروة) ويقبل عليهما بنهم وجشع كأنه مخلد في الأرض!!!
ألم يقل سبحانه وتعالي: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا). فما حجتكم بعد هذا؟ وقال تعالى(ما فرطنا في الكتاب من شيء) فهل لا زالت الرؤية غير واضحة أم أنه الجبن والخور والنفوس الدنيئة؟!!!
هناك نماذج من البشر مثل السيد مهاتير الذي فقه أساسيات الإسلام في الحكم فنعمت به ماليزيا ونعم بها وأصبحت ماليزيا وجهة لمجموعاتنا "الإسلامية" لتكديس أموالهم هناك. فهو شخصية لم تجعجع كثيرا بفقه السلطة وفقه الأزمات الخ.
وهناك شباب تركيا رجب أوردغان وإخوته الذين صمدوا في وجه العلمانية ليس بالقوة ولكن بالسلوك المهذب والصدق في القول والإخلاص في النوايا والعمل فصدقهم الناس وساندوهم بقوة أذهلت عسكر تركيا العلماني الذي يتصدى لكل شيء إسلامي.
وهناك تجربة حسن نصر الله في لبنان الذي صدق مجموعته وأخلص النية تجاهها وكان معهم في كل كبيرة وصغيرة وفي الأفراح والأتراح فصدقوه العمل والإخلاص وبادلوه المودة بمودة ووقفوا بجانبه بقوة أعيت كل قوى الشر في العالم – من يهود وأمريكان وعرب وعجم -على استئصال شأفتهم.
هذه نماذج لشخصيات إسلامية وسياسية بارزة منها المعتدل والوسطي ومنها القوي. نماذج يفخر بها كل مسلم. فهل يعقل أن كل علماء وفقهاء السودان هم رجال ونساء فقه ودعوة فقط؟
دعونا نقل أنهم كذلك. ولا يفلحون إلا في فقه العبادات والمعاملات فقط ولا قبل لهم بهذه النماذج القوية. فأضعف الإيمان أن يقوموا بالأعمال الخيرية كل في مجال من مجالات الحياة وما أكثرها وما أكثرهم!! دعونا نرى منهم من يسعى جاهدا لتزويج الشباب وتأمين المأوى وسبل كسب العيش لهم، وآخر للأيتام والأرامل وآخر للفقراء والمساكين، وآخر لكبار السن والعجزة واللقطاء الذين لا حول لهم ولا قوة الخ.
هناك قلة من المسلمين بذلت الكثير في هذه المجالات. وعلى سبيل المثال لا الحصر منهم أعلام كالشيخ (البرعي) في الغرب ومجموعة البادراب (أم ضوا بان) في الوسط ومجموعة (علي بيتاي) في الشرق ومجموعة (الشريف محمد الأمين) في كركوج جنوبا. وهذه ظاهرة لا مثيل لها في العالم أن تجد مكانا يعج بالناس – رجالا ونساء وأطفالا - من كل حدب وصوب أتوا وليس في نيتهم شيء غير حفظ القرآن الكريم والعلم النافع ومجانا.
لم يسع هؤلاء النفر لسلطة أو جاه لكنهم نذروا أنفسهم للدين وأعمال الخير فأحبهم الناس وحملوهم فوق هاماتهم. ودعونا من السفسطة والتنطع بأنهم من الصوفية ولديهم شوائب عقدية. فأين أنتم يا من ليس بكم شوائب عقدية؟ ماذا فعلتم حتى الآن؟ دعوا أعمال القلوب لله وابذلوا الأنفس رخيصة في سبيل الله.
علم المهدي – عليه رحمة الله – بذكائه الشديد كيف يستعين بهذه المجموعات من البشر في دحر الحمرة (الترك) فجمع السودان المترامي الأطراف في أربع سنوات فقط تحت دولة واحدة سامية الأهداف دامت قرابة الستة عشر عاما حتى تداعى عليها الخونة من الداخل والخارج فأسقطوها.
لقد سجل فقهاؤنا وعلماؤنا غيابا كاملا في معترك السياسة الذي دخله (البسوى وما بسوى) وعرض كل بضاعته. أبضاعتكم أكسد من بضاعتهم؟!!!! اتقوا الله يا هؤلاء. أليس هذا مجال من مجالات الحياة؟ فلماذا غاب علماؤنا وفقهاؤنا – رجالا ونساء من حملة الدكتوراه والشهادات الأخرى – عن هذا المجال؟ أم أنهم ركنوا للوعظ والإرشاد والدعوة. وإلى متى هذا الركون؟!!!
العجيب أن تطل علينا بعض الوجوه من حكومات فاسدة وبائدة مثل حكومة مايو (سبة الدهر) التي أورثت السودان الصعلكة و(قلة الأدب) بكل أنواعها وعلمتنا الأغاني المبتذلة ( الشحم ده واللحم ده وقدر دة) وتريد منا أن نصوت لها في الانتخابات القادمة!!!!
وفي ذات الوقت تحصر بعض الداعيات حركتها في برامج (بيوت آمنة وبيوت فاطمة وبيوت ناعمة). أبضاعتك أكسد من بضاعة (رموز) حكومة مايو الفاسدة؟!! أم أن الالتزام السياسي الحزبي قد فت في عضدك؟!! فماذا أنت قائلة لله رب العالمين حين تلقينه كمسلمة بدون انتماءات سياسية؟!!!
أرجو أن تفيقوا قبل فوات الأوان وقبل أن تسعر بكم النيران. فقد مللنا (الدعوة والإرشاد والنصح والوعظ الكثير) ونريد أن نرى شيئا عمليا وملموسا يغير حياتنا كما فعل العلماء المجددون في غابر الأيام ولم يتركوا أمور الناس لمن يسومهم الخسف والهوان.
لقد آن الأوان للعمل الجاد وأنتم تشاهدون ما آلت إليه الأمور في السودان. فلماذا لا ينبري منكم أحد – رجل أو امرأة – ويجمع الناس حوله بالرفق واللين ويتولى زمام الأمور من غوغاء الساسة – من أدعياء الإسلام وغيرهم - الذين ساموا الناس في السودان الذل وأشبعوهم الجوع والفقر وأوردوهم موارد الهلاك؟!!!