أفعل ماتشاء …انت وشأنك … بقلم: امير حمد _برلين

 


 

د. أمير حمد
16 March, 2010

 

نعود فنذكر بأن البطل حينما رغب في الالتحاق بالمدرسة ذهب فأخبر أمه ، لم يكن شيء ، فقد تحجرت أمه ولم يشعر إلا بالبرود واللا اكتراث "نظرت إلي برهة كأنها أرادت أن تضمني إلى صدرها ورأيت وجهها يصفو برهة وعيناها تلمعان ،وشفتيها تفتران كأنها تريد أن تبتسم أو تقول شيئا ،  ولكنها لم تقل شيئاً وكانت تلك نقطة تحول في حياتي . كان ذلك أول قرار اتخذته بمحض إرادتي......." هنا يتأكد لنا مفهوم الحرية الخطرة المخيفة

وهي الحرية المطلقة دون أي ضوابط إذ سرعان ما  تتحول إلى فوضى و لا اكتراث كما حدث للبطل فيما بعد ، لقد وضع  الكاتب  الأسس الأولى " للطفولة البائسة" ، في شخصية البطل لندرك أهمية( التربية السوية ) في حياة الفرد كلسان الراوي وتحطمه بانتفائها كما هو الحال مع البطل   .

 

كان وداع البطل لأمه حينما أزمع السفر إلى القاهرة وداعا فاترا ، لم يكن إلا امتدادا إلى برودها نحوه ، ولا اكتراثه هو  فلم يتذكرها بعد ذلك إلا حينما أتاه خبر وفاتها وهو مخمور في حضن امرأة بلندن، كما سنرى فيما بعد.قالت له أمه حين ودعته "

افعل ما تشاء سافر أو ابعد  أنت وشأنك أنها حياتك وأنت حر فيها.، في هذه الصرة ما تستعين به . كان ذلك وداعا، لا دموعا ولا قبل ولا ضوضاء.مخلوقان صارا شطرا في الطريق معا ثم سلك كل منهما سبيله وكان ذلك في الواقع آخر ما قالته لي ، فأنني لم أرها بعد ذلك . بعد سنوات طويلة وتجارب عدة تذكرت تلك اللحظة وبكيت...."لقد كان البطل في بيئته البلقع بلا علاقة بالمكان\ البيئة والزمان\الذكريات . فسافر بلا هدف واضح في الحياة متوسما في المستقبل_ المحطات القادمة في حياته ان يجد ما يثبت وجوده الإنساني ويؤسس له وطنا وذكرى تمنحاه الاستقرار والاستمرار .

وكما ذكرنا من قبل فان طفولة البطل العاثرة قد جعلت من شخصيته إنساناً بارد الإحساس , أناني لامبالي , ودونما هدف محدد في الحياة .

 

كان البطل منذ نعومة أظفاره طفلا معذبا إذ نشأ يتيما , وربته أمه باردة الإحساس والآمبالية كما أنه بلا أهل وأقارب . مهدت هذه البيئة , انعدام الصلة بالأهل . إلى فقدانه لأي إحساس وصلته بالمكان على النقيض تماما  من الراوي أما الزمان الذي عايشه فهو فترة الاستعمار التي لم تمنح سوى اللآ تكافؤ والجشع وشعل الفتنة والحقد في نفوس المستعمرين.

 

كانت أهم محطات تنقل البطل في الحياة هي القاهرة , ولندن فالأولى محطة أولية لا كمال تعليمه الثانوي , ومواصلة من ثم في لندن مسرح الجريمة والانتحارات ....  

 

 سافر إلى القاهرة بلا ذكريات وماض يحن إليه  فكل محطة في حياته تدفعه إلى ثانية أخرى(( وضرب القطار في الصحراء.

تفكرت قليلا في البلد الذي خلفته ورائي فكان مثل جبل ضربت خيمتي عنده وفي الصباح قلعت الأوتاد, وأسرجت بعيري وواصلت رحلتي. وفكرت في القاهرة ونحن في وادي حلفا فتخيلها عقلي جبلا آخر أكبر حجما سأبيت عنده ليلة أو ليلتين ثم أواصل الرحلة إلى غاية أخرى....."

 

 

كانت أهم محطات تنقل البطل في الحياة هي القاهرة , ولندن فالأولى محطة أولية لا كمال تعليمه الثانوي , ومواصلة من ثم في لندن مسرح الجريمة والانتحارات ....  

 

 سافر إلى القاهرة بلا ذكريات وماض يحن إليه  فكل محطة في حياته تدفعه إلى ثانية أخرى(( وضرب القطار في الصحراء.

تفكرت قليلا في البلد الذي خلفته ورائي فكان مثل جبل ضربت خيمتي عنده وفي الصباح قلعت الأوتاد, وأسرجت بعيري وواصلت رحلتي. وفكرت في القاهرة ونحن في وادي حلفا فتخيلها عقلي جبلا آخر أكبر حجما سأبيت عنده ليلة أو ليلتين ثم أواصل الرحلة إلى غاية أخرى...

 

           نرى البطل لأول مرة خارج محيطه الاجتماعي الفقير في القطار المتجه إلى القاهرة , إذ اتضح أثر انتقاء البيئة بإحساسه ( بالتضخم والانسحاب إلى الداخل وبحثه عن معلم ما زمانا أو مكانا , لشده إليه ولكن سدى "

 

تمثل رحلة البطل بالقطار من السودان إلى مصر كشفا أعمق البيئة البلقع التي عاشها البطل    إذ تجذرت فيه الوحدة " ومجابهة الحياة بمفرده . لم يتجاوز البطل سن الخامسة عشر وهو يلج إلى عالم الغربة " غير أنه كان ثابتا في داخله متهيئا لهذا التحول النوعي.

شاطر  قسيس البطل في قمرة القطار  جزء الكاتب لقاءه به في قطع فني مشون وببراعة فأول هذا اللقاء كشف عن مقدرة البطل على مجابهة الآخر وإقناعه " أذكر أنني جلست في قطار فيه رجل مسيحي  وفي  رقبته صليب كبير أصفر, ابتسم الرجل في وجهي وتحدث معي باللغة الانجليزية فأجبته . أذكر تماما أن الدهشة بدت على وجهه .......... وقال لي : كم سنك؟ فقلت له خمسة عشر, وكنت في الواقع في الثانية عشرة, لكنني خفت أن يستخف بي فقال الرجل أين تقصد: فقلت له إنني ذاهب إلى القاهرة للالتحاق بالمدرسة الثانوية, فقال:" وحدك " فقلت: "نعم"...... قلت له إنني أحب السفر لوحدي . مم أخاف ؟ ......... قال لي جملة لم احفل بها كثيرا وحينذاك....... وأردف أنك تتحدث اللغة الانجليزية بطلاقة مذهلة " .

يعود الكاتب ليواصل   القطع الفني_الجملة التي ذكرها القسيس للبطل, ولكن في موقع آخر في رحلته بالقطار إلى  لندن فيربط الأحداث والمواقف بتذكر البطل لمسيرة حياته. " كنت عائدا حينذاك وتذكرت ما قاله القسيس في طريقي إلى القاهرة " كلنا نسافر وحدنا في نهاية الأمر.........".

 

Amir Nasir [amir.nasir@gmx.de]

 

آراء