هل ينفصل جنوب السودان سلمياً … بقلم: د. تيسير محي الدين عثمان

 


 

 

ربما كان منطق الوقائع و الأشياء يحتم علي الطرفين المتفاوضين في نيفاشا الكينية أن يسبق الاستفتاء وحق تقرير المصير مسألة الانتخابات طالما أن هناك قناعة واتفاق وضرورة علي مسألة حق تقرير مصير جنوب السودان لدي جميع الأطراف وكانت سوف تتم هذه المسألة بمراقبة دولية وإقليمية متحفزة وجاهزة في ذلك الوقت وليس المنطق كما نسمع أن تدير مسألة الاستفتاء وتجريه حكومة منتخبة ومختارة من الجماهير ولأنها قد يشكك البعض في شرعيتها ونزاهة الانتخابات والتي ستجري وكما رتبت المعارضة لذلك بسبقها للعملية الانتخابية بإثارة الغبار والشكوك حولها في مسألة التعداد السكاني من قبل وبتشكيكها في أداء مفوضية الانتخابات وبتكهن هذه الأحزاب والجماعات بالفوز المسبق لحزب المؤتمر الوطني بالانتخابات القادمة مستغلاً موقعه في السلطة أو من خلال عمليات التزوير كما يروجون ويقولون.

 وبالتالي مجمل هذه العملية الانتخابية سيؤثر بشكل أو بآخر في الاستفتاء لتقرير المصير لجنوب السودان وستشكل عملية ضغط علي حزب المؤتمر الوطني إذا فاز في الانتخابات المقبلة وسيظهره الآخرين وكأنما هو الذي قاد الجنوب للانفصال وهذا قول بدأت الحركة الشعبية تروج له منذ فترة وأصبح مترافق مع دعايتها الانتخابية الخاصة بمرشحيها بينما الحركة الشعبية تبني إستراتجيتها علي انفصال الجنوب ولأنها فرصتها الوحيدة لأن تقود دولة وتحكم علي مستوي رئيس وهي لن تفرط في هذه الفرصة والتي قدمتها لها اتفاقية نيفاشا علي طبق من ذهب بعد أن كان حلم بعيد المنال من خلال الحرب والميدان .

 ولو تم هذا الترتيب بالاستفتاء أولاً لكنا وفرنا علي أنفسنا الكثير من الوقت والجهد والمال ولكانت قد بذلت المساعي في أمور كثيرة مثل ترسيم الحدود وتحديد الثروات والأموال وغيرها ولما كان هنالك لوم من أحد للآخر أو تم التشكيك في النوايا والمرامي والأجندة ولتحدد شكل السودان المستقبلي ولرسمت له خطة إستراتيجية معبرة وواقعية.

 وتجربة الشراكة طيلة الفترة الانتقالية لم تولد إلا مزيداً من الأزمات وفقدان الثقة بين الأطراف مصاحباً باستقطاب حاد لأطراف أخري وأحزاب وتكتلات خلقت وساهمت في زيادة الأزمات مثل تجمع تحالف جوبا أو تحالف أحزاب الجنوب وغيرها وبات أمر الوحدة وجاذبيتها نغمة وكلمة للاستهلاك السياسي وكسب للوقت مع التقادم الزمني للانتخابات والتي قد تفرز نتائج تغير واقع الأشياء بما فيها نتيجة الاستفتاء وبما فيها واقع الدولة أو الدولتين القادمتين .

معروف أن انفصال الجنوب ومنذ زمن بعيد تسعي إليه نخب غربية التوجه والأفكار والثقافة داخل الكيان الجنوبي وهو يتم بدعم من أمريكا وإسرائيل والاتحاد الأوربي وبعض الدول الأفريقية ولا يقتنع بعض الجنوبيين بذلك وخاصة الذين يمثل لهم الشمال موئل هجرة واستقرار وسكن وكسب للعيش وهذا الشئ قد لا يتوفر لهم في ظل دولة قادمة موعودة بالصراعات القبلية واحتكار السلطة من قبل حركات وجهات وقبائل معينة تذيق بقية أهل الجنوب كل صنوف وألوان الاستبداد والشمولية والإرهاب.

بعض القياديين من الطرفين وخاصة من الذين قادوا عملية التفاوض وشاركوا في اتفاقية نيفاشا لم يخفوا بعض الوقائع والمؤشرات والتي يمكن أن تقود لواقع جديد في السودان آلا وهو انفصال جنوب السودان ومنهم الأستاذ الدرديري محمد احمد, أحد قيادي المؤتمر الوطني وممثله في كثير الأمور والذي أورد في لقاء إذاعي نقلته بعض الصحف المحلية والعالمية قبل عدة شهور ودعي فيه إلي انفصال سلس وسلمي يجنب البلاد العودة لمربع الحرب قائلاً أن المواطن الجنوبي سيصوت في تقرير المصير 2011م للانفصال وإن اتفق الشريكان وأضاف أن الفرصة أمام الشريكين لا تسمح بالوحدة الطوعية وإنما للانفصال وأدعو لانفصال طوعي وسلمي وسلس يجنبنا العودة لمربع الحرب.

وأخيراً هاهو المبعوث الأمريكي للسودان غريشن يلخص لنا الرؤية الأمريكية لانفصال جنوب السودان وذلك في تصريح تناقلته مختلف وسائل الإعلام العالمية , حيث أشار إلي أن واشنطن تدرس كل الخيارات بشأن كيفية مساندة جنوب السودان إذا حصل علي الاستقلال في المستقبل مركزة علي محاولة ضمان الانتقال السلمي. وقال إن القضايا التي تجري دراستها تشمل علي مسألة المواطنة وترسيم الحدود وكيفية تقسيم أرباح الثروة النفطية السودانية والتي ينتج جزء كبير منها في الجنوب ولكنها تشحن للخارج عبر الشمال .

كذلك أفاد غريشن إلي أنهم يحاولون الوصول إلي وضع يفوز فيه الجميع وأن واشنطن بدأت فعلاً تأخذ في الحسبان احتمال انفصال الجنوب لأن الحقائق علي الأرض تظهر أن احتمال وقوعه كبير, وقال أن الولايات المتحدة تأمل في أن تمهد انتخابات الشهر القادم في السودان السبيل إلي "طلاق مدني لا حرب أهلية" بين جنوب السودان الغني بالنفط وشماله وأن الولايات المتحدة مستعدة لأي انفصال قد يسفر عنه الاستفتاء ولا أري أن الشمال مضطر لإعادة غزو الجنوب وبدء الحرب مرة أخري... انتهي حديث غريشن.

لا يتفق كثير من المتابعين والمراقبين والمواطنين مع أصحاب الرأي القائل بأن انفصال الجنوب المحتمل هو بسبب الحكومة الحالية التي لم تجذب المواطن الجنوبي لصالح الوحدة وخاصة ونحن نعرف أن الانفصال رغبة عند كثير من قبل أهل الجنوب وفي أزمان حكومات مختلفة وبمن فيهم حكومات كان يقودها معارضو الحكومة الحالية والمتباكين علي الوحدة !!! ولكن يسجل لهذه الحكومة في أنها الوحيدة والتي حفظت وساهمت معهم في الإقرار بهذا الحق آلا وهو تقرير المصير ووقعته معهم اتفاقاً وستنفذه معهم ولكنها لن تحدد اختيارهم وخيارهم.

ويقول رأي آخر لماذا لا يكون السبب والمسئول الأول عن هذا الانفصال لو حدث هو الحركة الشعبية ورئيسها وقادتها والذين لم نسمع منهم طيلة فترة السنين الفائتة كلاماً مسئولاً يرجح كفة الوحدة بل كانوا علي الدوام يبشرون بالانفصال ويزينونه في عقول الجنوبيين بينما يتغيرون في خطابهم علي مستوي المنابر منادين بالوحدة ومعاتبين للطرف الآخر وما فتئوا يعملون وبكل جهد ومسعى علي التشكيك في نوايا الشمال وكيف أنهم سيكونون مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة أو العاشرة إذا ما صاروا موحدين مع الشمال .

 وكما قال أحد المقاتلين الجنوبيون والذي عايش الحرب زهاء أكثر من ثلاثون عاماً, أنهم قاتلوا عشرات السنين ضد الأنظمة المتعاقبة من أجل الانفصال وأنه عايش مختلف الحروب في الجنوب ولم يجد من رفاقه المقاتلين الجنوبيين من قاتل من أجل الوحدة ويضيف أننا ظللنا عشرات السنين نموت من أجل هدف الانفصال ولا شي غيره وأي كلام يقال غير ذلك هو من باب السياسة فقط وهذا الأمر لا يثني أي واحد منا عن حقيقة توجهنا نحو الانفصال.... انتهي حديثه.

لكن تبقي في النهاية حقيقة واحدة ..أن هذا الأمر هو فقط بيد أهل الجنوب وهم من يختارون بعيداً عن أمنيات المؤتمر الوطني وتمنيات الحركة الشعبية ومزايدات آخرون ويجب علي الجميع احترام خيار أهل الجنوب وخاصة أن خيار الانفصال ليس عيب أو جريمة والتصريح والمجاهرة بهذه الأمور ليست من باب الذم والقدح في الوطنية أو مصلحة البلد والدليل علي ذلك أنه ورد في اتفاقية سلام نيفاشا للجنوب والتي هللنا لها كثيراً, ولسنا أول شعب أو دولة يحدد مصيرها ويختار شعبها أين وكيف يكون ولكن السؤال هو هل سيكون هذا الانفصال إذا ما تم سلمياً وسلساً وآمناً كما يتمني الجميع وإذا ما كان خيار أهل الجنوب تكوين دولة جديدة؟.

      

 

 

tayseer marawe [tmarawe@gmail.com]

 

 

آراء