انتخابات مؤجلة خير من انتخابات معيبة … بقلم: أ. د. الطيب زين العابدين
28 March, 2010
كنت من المدافعين عن إجراء الانتخابات العامة في موعدها الذي حددته مفوضية الانتخابات القومية في الحادي عشر من أبريل القادم، وذلك وفاءً بالاستحقاق الدستوري وبتحقيق الشرعية السياسية للحكومة ولأن مبلغاً ضخماً بمعايير السودان قد صرف على إجرائها ( 312 مليون دولار)، ولكني أرى اليوم غير ذلك لأسباب أفصلها فيما بعد. ينبغي أن تحقق الانتخابات القادمة في هذه المرحلة المصيرية من تاريخ السودان ليس فقط الوفاء بالنصوص الدستورية رغم أهميتها ولكن أيضاً بالشرعية السياسية لنظام الحكم، وتثبيت أركان التحول الديمقراطي، وتعزيز الاستقرار السياسي بعد عقود من الحرب الأهلية والاضطرابات السياسية والحكم العسكري. ولن تتحقق الأهداف السابقة إلا إذا جاءت الانتخابات شاملة لكل السودان وذات مصداقية لدى الكافة، ولا أحسب أن ذلك ممكن في ظل البيئة السياسية والمناخ الانتخابي السائد والذي يشير إلى أن العيوب التالية ستكتنف الانتخابات: ستكون انتخابات غير مكتملة في كل أنحاء البلاد، والاستعدادات اللوجستية لها ناقصة، وتشوبها حوادث العنف، والحرية فيها منتقصة، وحيادية مفوضية الانتخابات مطعون فيها من بعض القوى السياسية الفاعلة. ومن المفهوم أن يحرص المؤتمر الوطني على إجراء الانتخابات في وقتها لأنه في قمة الاستعداد لها متفوقاً على كل الأحزاب الأخرى، ومن المفهوم أيضاً أن تطلب أحزاب المعارضة تأجيل الانتخابات لعدم جاهزيتها لها في الوقت القصير المتبقي. وهذه اعتبارات حزبية مشروعة ولكنها لا ينبغي أن تكون على حساب الأهداف السياسية الكبيرة التي تؤدي إلى إحداث التحول الديمقراطي وتعزيز الاستقرار السياسي، ونفصل فيما يلي الأسباب والمؤشرات التي تدل على أن الانتخابات إن أجريت في الأسابيع القليلة القادمة لن تكون مكتملة ولن تكون ذات مصداقية.
1- انتخابات غير مكتملة: اتفق شريكا نيفاشا بعد سجال طويل حول صحة التعداد السكاني الذي تقوم على أساسه الانتخابات بزيادة حصة الجنوب في المجلس الوطني القومي بأربعين مقعداً، وزيادة حصة كردفان بأربعة مقاعد. وستنظر الحكومة المنتخبة في كيفية هذه الزيادة بعد الانتخابات مما يعني تعديل قانون الانتخابات وفتح باب الترشح والتصويت من جديد أو التعيين بواسطة مؤسسة الرئاسة، وهذه بدعة غير مسبوقة في تاريخ البرلمانات أن ينتخب برلمان وفقأً لقانون أجازته الهيئة التشريعية الدستورية ثم تزاد عضوية البرلمان الجديد بناءً على تسوية سياسية عشوائية بقرار من ذات البرلمان. وإذا حدثت زيادة مقاعد للجنوب ولجنوب كردفان، فلماذا لا تحدث أيضاً لدارفور التي ستقاطع الفصائل المسلحة انتخاباتها لأنها لم تتحول لأحزاب بعد؟ وقد يطالب آخرون بمعاملة مماثلة لأن التعداد ظلمهم أو لأنهم لم يسجلوا أسماءهم في مرحلة إعداد السجل الانتخابي. كما تم تأجيل انتخابات المجلس التشريعي والوالي في جنوب كردفان لشهرين أي إلى ما بعد ظهور نتائج الانتخابات العامة، ولقد كان التسجيل ضعيفاً في بعض دوائر جنوب وغرب ولايتي دارفور وكذلك في معظم معسكرات النازحين الذين يعدون بمئات الألوف ويتطلب ذلك معالجة خاصة لهم. وإذا قاطعت أحزاب المعارضة (17 حزباً) التي رفعت مذكرة التأجيل والتي يبدو أنها تجد تعاطفاً من الحركة الشعبية انتخابات أبريل فسيعني ذلك برلماناً فاقد الشرعية السياسية إلى حد كبير.
2- نقص الاستعدادات: قامت مفوضية الانتخابات بنقص عدد مراكز الاقتراع من 21 ألف التي خطط لها ابتداءً إلى 10320 أي بنسبة تخفيض بلغت 50%، وذلك بسبب ضعف قدرة السلطات الولائية على توفير العدد المطلوب من أفراد الشرطة وموظفي الاقتراع. ويعني هذا أن المدة المقدرة لتصويت الناخب الواحد (من 3 إلى 4 دقائق) وهي متفائلة كثيرا ستنقص إلى حوالي نصف ذلك الزمن، ويشكل ذلك خطراً على إكمال العملية الانتخابية في الأيام الثلاثة المحددة لها. ويعني تقليص المراكز بهذه النسبة الكبيرة إعادة النظر في خطة ترحيل بطاقات الاقتراع وإعادة تعبئتها حسب عدد المراكز الجديدة وتوزيعها على الدوائر الانتخابية. ويصحب ذلك تأخير في اختيار ضباط الاقتراع بالمراكز ومن ثم تدريبهم على إجراءات عملية الاقتراع وقانون الانتخابات. يقول مركز كارتر بأن هناك تبايناً كثيراً بين كراسات تسجيل الناخبين المدونة بخط اليد وتلك التي أدخلت في السجل الإليكتروني، أي أن هناك أسماءً قد اختفت من السجل الإليكتروني الذي سيعمل به عند الاقتراع ويستشهد باختفاء 78 ألف اسم في ولاية واراب وحدها. ويحتاج هذا الأمر إلى مراجعة شاملة ليس فقط في واراب ولكن في كل الولايات حتى يطمئن الناس إلى مشاركة انتخابية واسعة ولكن الزمن المتبقي لا يسمح بذلك. وكان هذا هو السبب الذي دفع مركز كارتر باقتراح تأجيل الانتخابات لوقت قصير يسمح باستكمال الاستعدادات اللازمة لها وما كان ذلك الاقتراح يستحق التهديد بالطرد من البلاد والسحق بالجزمة! وقد تحفظت لجنة الأمن بولاية شمال دارفور على 75 مركزاً للاقتراع في الولاية بأنها قد لا تكون آمنة (تساوي عدد المراكز لثمانية دوائر من مجموع 14 دائرة بالولاية)، وقيل أنه طلب من لجنة الانتخابات العليا بالولاية دمج المقترعين بهذه المراكز إلى المراكز الأخرى الآمنة ولكن ذلك يعني سفر هؤلاء المقترعين إلى مسافة 50 أو 100 كيلو متر مما يعني تثبيطاً لهم من الإدلاء بأصواتهم في تلك المواقع البعيدة عنهم وتكلفة إضافية للمرشحين إذا ما رغبوا في ترحيل ناخبيهم. ويقول بعض المتشككين في صدق لجنة الأمن بأن المراكز المذكورة يمكن تأمينها إذا رغبت حكومة الولاية ولكنها تقع في دوائر لا تنحاز إلى المؤتمر الوطني لذا تريد الحكومة «تشتيت» التصويت لها في أماكن متباعدة لا يصلها إلا أولي العزم من المقترعين! وجاء في صحف يوم (25/3) أن قبائل المسيرية أغلقوا كل الطرق المؤدية إلى الولايات الجنوبية ويبدو أن ذلك كان رداً على هجوم الجيش الشعبي عليهم قبل عدة أيام مستعملاً أسلحة ثقيلة مثل الدبابات، وليس من المستبعد أن يتكرر هذا السيناريو أثناء عملية الاقتراع مصحوباً بقدر من استعمال العنف.
3- حوادث العنف: انتشرت حوادث العنف في عدد من أجزاء البلاد مثل النزاع القبلي في الجنوب وغرب وجنوب دارفور وبعض مناطق جبل مرة، فقد جاء في صحف (25/3) أن عشرات القتلى وقعوا في اشتباكات بين المسيرية والرزيقات في جنوب دارفور. كما أن عدم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار مع حركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان (جناح عبد الواحد) يهدد سلامة الانتخابات في عدد من مناطق دارفور التي تقع قريباً من مواقع تلك المليشيات المسلحة. وبيئة انعدام الأمن لا تصلح للحياة الطبيعية دعك من أن تكون صالحة لعقد انتخابات مصيرية شديدة التنافس.
4- نقص الحرية. ما زال قانون الطوارئ سارياً في دارفور ويمكن للحزب الحاكم أن يستعمله في أي وقت شاء إذا ما شعر بأن موقفه الانتخابي ليس جيداً، وهناك تضييق شديد على حملات المرشحين المنافسين للحركة الشعبية في عدد من مناطق الجنوب ولا يستثنى من ذلك مرشحي المؤتمر الوطني. وتشكوا أحزاب المعارضة الشمالية بأن حريتها في النشاط خارج الدور محدودة خاصة بعد المنشور غير الموفق الذي أصدرته مفوضية الانتخابات يؤكد فيه أن النشاط الانتخابي الخارجي يتطلب إذناً من السلطات المختصة قبل 72 ساعة، وكأن المفوضية تخلت عن صلاحياتها في حماية حرية المرشحين وتركتهم فريسة «للسلطات المختصة» التي تعلم يقيناً أنها منحازة للحزب الحاكم. وقد جاء في صحف (25/3) أن الشرطة قد فرقت ندوة سياسية للمؤتمر الشعبي في الحلفاية حيث ينافس مرشح الشعبي إبراهيم عبد الحفيظ بقوة المرشح القيادي في المؤتمر الوطني إبراهيم غندور، وكانت الحجة أن الندوة لم تحصل على إذن مكتوب من السلطة المختصة! وما زال قانون جهاز الأمن الوطني الذي يبيح التحقيق والتفتيش والاعتقال سارياً وإن لم يرد حتى الآن أنه استعمل لمصالح انتخابية.
5- الطعن في حيادية المفوضية. بادرت أحزاب المعارضة الشمالية منذ تكوين لجان الانتخابات العليا بالولايات وتقسيم الدوائر الجغرافية ومرحلة التسجيل بالطعن في حيادية المفوضية، خاصة بعد ما سمحت بتسجيل القوات المسلحة قريبا من مواقع عملهم بدلاً من مواقع سكناهم كما يقول قانون الانتخابات، وتكوينها الآلية الإعلامية التي يغلب عليها مديرو الأجهزة الإعلامية التابعين للحكومة ثم جاء منشور المفوضية الذي يكل نشاط المرشحين المنافسين للمؤتمر الوطني خارج الدور إلى رحمة الأجهزة المختصة التي ظلت حارسة أمينة للنظام الشمولي سنوات طويلة. ولم تكلف المفوضية نفسها مراقبة التغطية الإعلامية لحملات الأحزاب في الإذاعة والتلفزيون لتعرف هل هي عادلة أم منحازة إلى جهة بعينها. وأخيراً انضمت إلى الطعن في حيادية المفوضية الحركة الشعبية التي قالت إن المفوضية طلبت من حكومة الجنوب الموافقة على نقل بطاقات الاقتراع للجنوب بواسطة القوات المسلحة رغم علمها أين تقف القوات المسلحة في المنافسة الانتخابية. واتهمت الحركة المؤتمر الوطني بتعطيل منح تأشيرات دخول لطياري الأمم المتحدة التي اتفق معها على نقل المواد الانتخابية إلى الجنوب والأماكن النائية، وكذلك احتجت الحركة على طبع بطاقات الاقتراع في مطبعة العملة التي تسيطر عليها الحكومة وتستطيع أن تعبث بها. ولا أشك في نزاهة أعضاء مفوضية الانتخابات ولكن يغلب عليهم عدم الخبرة السياسية في مناخ تعددي ديمقراطي، وعدم الحساسية لاتهامات القوى السياسية وشكوكها، وميلهم لقبول الطلبات الصادرة من مؤسسة الرئاسة وإن كانت غير مبررة قانوناً مثل تأجيل انتخابات مجلس تشريعي جنوب كردفان.
لكل هذه الاعتبارات الهامة أظن أن من الأفضل تأجيل الانتخابات إلى فترة معقولة يمكن فيها معالجة كل النواقص المذكورة سابقاً، فمن الأفضل للبلاد في هذه الفترة الحرجة عقد انتخابات شاملة لكل أنحاء القطر وذات مصداقية وشفافية بدلاً من التعجيل بعقد انتخابات معيبة لن توقف التوتر والاضطراب السياسي بل تزيده سوءاً على سوء. ولا بأس على المفوضية أن تأخذ زمام المبادرة وتخاطب مؤسسة الرئاسة بواقع المشكلات والعقبات التي تواجه الانتخابات القادمة وأنه من الأفضل تأجيلها لزمن محدد بصورة دستورية مقننة حتى تقام في مناخٍ مواتٍ يسمح بانتخابات شاملة تجد المصداقية والقبول من جماهير الشعب السوداني.