بعد سحب عرمان: الشعبية والاحزاب…تباين المواقف يحدد المصالح ..تقرير: خالد البلوله ازيرق

 


 

 

khalid balola [dolib33@hotmail.com]

«سلفاكير تلقى تهديداً من الرئيس البشير بحسب عرمان» هكذا قال مبارك الفاضل المهدي عن سحب الحركة الشعبية لمرشحها ياسر عرمان من سباق الرئاسة، انسحاب إن كان لجهة تقوية الشراكة بين سلفاكير ميارديت والرئيس البشير، ولكنه تعداه الى ارباك الساحة السياسية الانتخابية خاصة وسط أحزاب المعارضة المتحالفة مع الحركة الشعبية والتي تضاربت مواقفها من الانسحاب وتأثيره عليها في السباق الانتخابي، انسحاب عده كثيرون انه يشكل بداية انهيار تحالف جوبا من جهة، وانه سيفسح المجال الانتخابي لفوز الرئيس البشير بلا منافسة حقيقية.

دوإن كانت الحركة الشعبية قد إتخذت قرار سحب مرشحها لرئاسة ياسر عرمان بناء على تهديدات او قراءات سياسية او صفقة مع المؤتمر الوطني، إلا انه قرار أحدث كثيراً من الخلل في بنية تركيبة قوى الاجماع الوطني الذي تقوده الحركة الشعبية، والذي تمظهر في اجتماع الأحزاب يوم الخميس الماضي بدار حزب الامه القومي، لإتخاذ موقف بشأن المشاركة في الانتخابات والذي تباينت فيه مواقف الاحزاب بين مؤيد للانسحاب ومعارض له، لتمثل «الفوضى» العنوان الابرز لهذا الاجتماع من خلال تقاطع المصالح والمواقف من العملية الانتخابية. وبعد قرار سحب عرمان تبدو احتمالات الساحة السياسية اتجاه الانتخابات أكثر ميلاً لصالح المؤتمر الوطني الذي يبدو ان الساحة قد خلت له تماماً بسحب الشعبية لمرشحها، فيما ترك الانسحاب ومترتباته عملية الانتخابات تبدو اقل ضعفاً مما كانت عليه، وبالتالي ربما فقدت كثيراً من فعاليتها السياسية في المشهد السياسي.

وما أن أخرجت الحركة الشعبية بليل قرارها القاضي بحسب مرشحها للرئاسة دون مبررات مقنعة لحلفائها، حتى ارتبكت الساحة السياسية، وبدأت القوى السياسية المتحالفة معها تمور بدواخلها حول حقيقة ما حدث، بعد أن كانت تعول على مرشح الحركة الشعبية ياسر عرمان في السباق الرئاسي في تنفيذ نظرية تشتيت الاصوات التي اعتمدتها قوى الاجماع الوطني في جوبا، في وقت بدأت فيه الاحزاب مرتبكة في مواقفها من المشاركة في العملية الانتخابية من عدمها بعد أن تباينت مواقفها نتيجة تباين قراءاتها للمشهد السياسي بعد الانسحاب الكبير للحركة الشعبية، فالذين نظروا للانسحاب على انه صفقة بين الرئيس البشير وسلفاكير أعلنوا مواصلة السباق بعد أن ايقنوا بأن الحركة الشعبية قد فعلت بهم ما اعتادت عليه، في الحفاظ على مصالحها ومواقفها السياسية، وكان على رأس هؤلاء «المؤتمر الشعبي، حزب الأمة القومي، الاتحادي الديمقراطي، المؤتمر السوداني، الحزب القومي السوداني» أما الذين فهموا الانسحاب بانه تضامناً مع موقف القوى السياسية المعارضة التي كانت تعتزم اتخاذ ذات القرار بشكل جماعي قبل ان تسبقهم الحركة الشعبية إليه فقد قرروا المقاطعة نهائياً والانسحاب من السباق الانتخابي في كل مستوياته، ووقف على رأس هؤلاء الحزب الشيوعي السوداني الذي قاطع الانتخابات في كل مستوياتها وسحب مرشحه في السباق الانتخابي محمد ابراهيم نقد. ولكن الدكتور محمد الأمين العباس استاذ العلوم السياسية بجامعة الازهري، عزا لـ»الصحافة» قرار الحركة الشعبية سحب مرشحها الرئاسي، الى انه لا يوجد حليف استراتيجي يحقق للحركة الشعبية ماتم التوقيع عليه في نيفاشا سوى المؤتمر الوطني، رغم انه قال ان الحركة الشعبية اخطأت خطأ استراتيجياً بسحبها لعرمان الذي كان يوفر لها فرصة معرفة وزنها الحقيقي في الشمال، وذلك ضروري لها لتقوية مواقفها التفاوضية وفرض شروطها على المؤتمر الوطني، واضاف العباس «انه بقرار سحب عرمان خرجت الحركة الشعبية من الشمال وانحصرت في الجنوب، وان هذا الانسحاب سيترك آثاراً سالبة في بعض قيادات الحركة الشعبية ويعد بداية العد التنازلي لتفتت الحركة الشعبية وخروج معظم الشماليين منها، وقال العباس ان تقديرات الحركة الشعبية ان المؤتمر الوطني سيفوز بأغلبية ولكنها ليست كاسحة لذا تريد ان تضمن مشاركتها في السلطة القادمة، بالاضافة الى حرصها على مسألة الاستفتاء، وارجع العباس حالة الارتباك في مواقف القوى السياسية بعد سحب عرمان الى ان هذه الأحزاب تفتقد بصورة عامة للحيوية وللقيادات الكاريزمية، كما أنها أصابها الهرم في قياداتها مما ابطل فعاليتها السياسية».

ويبدو المدخل لقراءة المشهد السياسي الراهن وفهم مخرجاته التي يتكيف إليها، وينقلب عليها احياناً أخرى، ينطلق من فهم محطة بداية الارتباك الذي شهدته الساحة وهو سحب الحركة الشعبية لمرشحها للرئاسة، والذي ترتبت عليه تغيير اتجاهات الساحة السياسية ومواقفها السياسية من بعضها ومن العملية الانتخابية موضع الجدل الدائر في الساحة، إرباك ربما يبدأ استيعابه من طرح السؤال الغائب في الساحة السياسية والمتعلق بمن سحب عرمان من سباق الرئاسة؟ وتكاد الروايات تتضارب حول ذلك حتى داخل الحركة الشعبية نفسها، فبينما أعُلن ان القرار اتخذه المكتب السياسي للحركة الشعبية ومبرراته بوجود تجاوزات في نزاهة العملية الانتخابية في دارفور والسباق الرئاسي، أعلن نائب رئيس الحركة الشعبية رياك مشار امس ان انسحاب عرمان تم بناءاً على طلبه وعندما فشلت الحركة الشعبية في اثنائه عن القرار تمت الموافقة عليه، ويبدو التبرير الذي ساقه مشار غير مقنع حتى ان كان صحيحاً، لان اختيار عرمان تم من قبل المكتب السياسي بالاجماع ووافق عليه عرمان وبالتالي من المستبعد لم يعرف عرمان ويتابع حملته الانتخابية يكون هو من اتخذ قرار الانسحاب، كما أن قرار الانسحاب من مثل هذه الانتخابات ليس قرار المرشح وانما قرار الحزب، لذا من المرجح ان تكون هناك تطورات وقراءات سياسية داخل المكتب السياسي للحركة الشعبية هى ما قادت لسحب عرمان من السباق الرئاسي. وكان السيد مبارك الفاضل المهدي رئيس حزب الأمة، قال لقناة العربية اول أمس ان صفقة جرت بين البشير وسلفاكير قادت لسحب ياسر عرمان، وقال مبارك «ان البشير أرسل تحذيراً لسلفاكير يطلب منه سحب عرمان، وأكد له انه لن تكون هناك جولة ثانية لأن المؤتمر الوطني سيحدث انقلاباً عسكرياً، وان سحب عرمان من السباق الرئاسي سنمنحكم تسهيلات في ترسيم الحدود وفي مسألة أبيي وسوف نسمح لكم بالاستقلال اذا أردتم ذلك».

اذاً احتمال وجود صفقة بين الرئيس البشير وسلفاكير تبدو من أكبر الاحتمالات التي دعت الحركة الشعبية لسحب مرشحها الرئاسي عرمان، حتى وإن لم تكن الصفقة تلك التي رواها السيد مبارك الفاضل المهدي، وبحسب متابعين فإن صفقة «البشير، سلفا» قد فتحت الباب لصفقات أخرى بين «البشير، والميرغني» من جهة، وبين «البشير والصادق المهدي» من جهة أخرى، وتبدو محصلة ما جرى في الساحة السياسية الأيام الماضية، ان نظرية تشتيت الاصوات في الانتخابات التي تبنتها أحزاب جوبا، قد إنقلبت على الاحزاب نفسها وشتتها بفعل الصفقات التي تجري من وراء الكواليس في المسرح السياسي، قبيل ايام من بدء الاقتراع المقرر الاحد القادم. وقال الدكتور صلاح الدومة استاذ العلوم السياسية بالجامعة الاسلامية لـ»الصحافة» ان التردد من قبل الاحزاب، وعدم وضوح الرؤية، وضبابية المواقف، والضغط بدون اسنان وعدم الجدية في الضغط نفسه، جعل المؤتمر الوطني يستأسد ويصبح بطلاً في نظر الآخرين، وقال الدومة ان الانتخابات فقدت كثيراً من مصداقيتها وشرعيتها الآن نتيجة اضافة «40» مقعداً للجنوب بعد قفل باب الترشيح، وعدم توضيح كيفية تخصيص تلك المقاعد لمستحقيها بدون خرق الدستور، بالاضافة الى تأجيل الانتخابات في جنوب كردفان ومجلس تشريعي الجزيرة، نتيجة اخطاء فنية بحصول الولاية على «84» مقعداً بدلا من «48» التي اعلنتها المفوضية، كما أن الانتخابات في دارفور جزئية، وأن التشكيك في عملية التعداد السكاني والسجل الانتخابي، افقد هذه الانتخابات شرعيتها وقانونيتها وجعلها انتخابات مشوهة، واضاف الدومة «ان انسحاب عدد من مرشحي الرئاسة يفقد الانتخابات شيئاً من شرعيتها خاصة وان بعض الاحزاب انسحبت من كل المستويات».

وبدأ التباين الذي شهدته مواقف الاحزاب في اجتماعها الأخير يظهر على المسرح السياسي بشكل أكثر وضوحاً فبعد بيان مرشحي الرئاسة بمقاطعة معظمهم للانتخابات الرئاسية بعد مذكرتهم التي رفعوها للمفوضية القومية للانتخابات، وقرار قوى الاجماع الوطني عبر بيان «مبهم» مقاطعة الانتخابات يوم الخميس الماضي، شهدت الساحة السياسية أول امس تطورات أخرى بعد قرارات المقاطعة والانسحاب، فقد كشفت تقارير صحافية ان المؤتمر الوطني قد توصل الى تفاهمات مع بعض الاحزاب الكبيرة ساهمت في تغيير مواقفها من المقاطعة، فيما يتجه الحزب الاتحادي الديمقراطي الاصل الى اتخاذ قرار بخوض الانتخابات على كافة مستوياتها واعادة مرشحه حاتم السر لسباق الرئاسة، وقد اجتمعت قيادات من المكتب السياسي للحزب واشارت مداولاتهم الى ضرورة خوض الانتخابات في كافة مستوياتها أو مقاطعتها كلها ورفع المجتمعون توصيات بذلك لرئيس الحزب مولانا محمد عثمان الميرغني، بينما قرر حزب الأمة القومي برئاسة الصادق المهدي عبر بيان رسمي خوض الانتخابات بكافة مستوياتها ومواصلة حملته الانتخابية وخوض الانتخابات في كل مستوياتها، بعد أن كان الحزب قد اعطى مهلة الى الثلاثاء القادم لتحديد موقفه بعد ان تقدم بثمانية شروط لخوض السباق الانتخابي.

 

 

آراء