هدية الغازي صلاح الدين للأحزاب

 


 

سارة عيسى
15 April, 2010

 

 

لا تؤمن الحركة الإسلامية في السودان بالصندوق الإنتخابي ، فهي تعتبر  الديمقراطية ثقافة غربية  دخيلة على المجتمع الإسلامي ، والبديل الذي طرحته هو الشورى ، وآلية الوصول للحكم هي البيعة ، والرئيس البشير هو خليفة  مبايع من قبل الشعب السوداني  ، والبيعة لا يسقطها الصوت الإنتخابي ، و لو قام  بها البعض سقطت عن الباقين ، لذلك   كان المرحوم محمد طه محمد أحمد يردد  في أركان النقاش بجامعة الخرطوم : أن الشخص الذي ينحيهم عن السلطة هو سيدنا عيسي  عليه السلام ، لكن نيفاشا لم تكن داخل حسابات الحركة الإسلامية ، فتصور الحركة الإسلامية لقضية  الجنوب كان  قائماً  على مبدأ الحرب بين الخير والشر ، الحرب بين الكفار والمسلمين ، الحرب بين العرب وإسرائيل وغيرها من متناقضات الساحة السياسية ، كنت أتمنى أن تستضيف الفضائيات  في هذه الأيام   كل من د.حسن مكي أو د.التيجاني عبد القادر حتى نعرف مصير المشروع الحضاري من هذا السجال  ، هذا الشخصان  هما من الأوائل الذين خططوا فكرياً لهذا المشروع  ، على ما أذكر ، وفي أول مؤتمر عقدته الإنقاذ ، اثار أحد المشاركين فكرة عودة الأحزاب السياسية  للحكم ، فرد عليه الصحفي عبد الرحمن الزومة : أن الشيطان الرجيم حُرم من دخول الجنة بسبب ممارساته  ، تمت مصادرة أملاك السيد/محمد عثمان الميرغني ، وعمارة بنك أبو ظبي تم تغيير إسمها إلى عمارة برج الشهيد وكتبوا في لوحتها الآية الكريمة : كم تركوا من جنات وعيون ، الإنقاذ كانت تعتبر الأحزاب السياسية مثل قوم عاد وثمود وفرعون ،أي أنها أقوام بائدة تحتاج لقيامة تعيدها للحياة ،  كانت الحركة الإسلامية ترى أن نصرها في الجنوب مفرغ منه ، كان الرئيس البشير يتحدث في كل عام من أعياد الثورة و يعد جماهيره بأن نهاية التمرد قد أوشكت ويبشرهم بالنصر  ، فهو يحارب بسيف الإسلام ويحمل سيفاً ومصحفاً ..فكيف له أن ينهزم ؟؟؟ بداية الإنقاذ كانت هي  المشروع العملي  لدولة الأخوان المسلمين ، لكن الصراع الإجتماعي داخل الحركة الإسلامية بدأ مبكراً ، فحركة الشهيد داوود يحى بولاد كانت هي  الشرارة الأولى  ، الصراع التقليدي في السودان بين أبناء البحر وغرب السودان لا يُمكن أن ينتهي  ، تعاملت الأجهزة الأمنية مع حركة الشهيد بولاد بعنف منقطع النظير ، فقد تم تعذيبه وسحله حتى الموت ، وقد تم  تشويه صورته بأنه أرتد عن الإسلام ولبس الصليب وشرب المريسة وأكل لحم الخنزير ، فالحركة الإسلامية المفتونة بالسلطة والمزهوة بالأجهزة الأمنية لم تتنبه لمسألة التوازن في السلطة أو أن مشروعها مكتوب عليه الموت بسبب الصراع الإجتماعي  ،  ولذلك ، فإن قضت الحركة الشعبية على المشروع الحضاري فإن قضية دارفور قضت على رجال الإنقاذ كأشخاص .

 

كانت نيفاشا هي المخرج المناسب من حرب الجنوب ، هي كما الإمام الخميني وهو يصف توقيع  إتفاقية السلام مع نظام صدام حسين في العراق : بأنه كان كممن يتجرع السم ، نيفاشا كانت هي رصاصة الرحمة على المشروع الحضارى الذي أختفى منظروه من الساحة السياسية وتوزعوا بين المؤتمرين الوطني والشعبي ، وقد أعادتنا نيفاشا لصناديق الإقتراع للمرة الثانية ، هذه المرة أمامنا جنوب منفصل وأزمة في دارفور مؤجلة ومرشح مطلوب للعدالة ، لكن العقبة الكبيرة أننا لسنا بصدد مواجهة الحركة الإسلامية ذات المشروع الحضاري ، فإننا أمام كيان جديد يجمع كل التناقضات ، قسيس وفنان وبائع فتوي ولاعب كرة قدم ، يجمعهم الهوى ويفرقهم الحق ، فكل  هؤلاء يُمكن أن تجدهم داخل حزب المؤتمر الوطني ، كما أن الحزب أعتمد على إسلوب الإدارة البريطانية عندما أستقوى بالقبائل ورجال الطرق الصوفية ، والأخطر من كل ذلك أن الدولة وأجهزتها هي الحزب نفسه  ، لذلك كان من الطبيعي أن يتحايل حزب المؤتمر الوطني على المسرح الديمقراطي ، هذا التحايل بدأ عندما بدأ الحزب في تلميع شخصية  دكتور مختار الأصم وإستضافته بشكل متكرر في وسائل الإعلام  ، فكل رجال المفوضية هم رجال الإنقاذ ، ويُمكن أن نختلف في شخص أبيل ألير ، لكنه في خاتمة المطاف يمثل المشروع الثنائي لإتفاقية نيفاشا ، فالحركة الشعبية أيضاً تحتاج لرجل  يمثلها داخل المفوضية أما الأحزاب السياسية فقد وقعت في خطأ التحكيم عندما قبلت بهذه المفوضية المهزوزة ، فنحن أمام صفين جديدة نعيشها كل يوم ، والأدهى من كل ذلك أن هناك دعم أمريكي لهذا العبث ، السيد/كارتر رضي عن إجابات المفوضية ، وهذا موقف متوقع من السيد/كاتر ومركزه ، فالرجل هو طرف في اللعبة السياسية ، لذلك كانت  المقاطعة كانت هي الخيار الأنسب  ، وحتى الذين شمروا سواعدهم وخاضوا الإنتخابات تحسروا على عدم المقاطعة ، والآن أنصرف الإعلام عن الإنتخابات السودانية لأن النتيجة تكاد تكون معروفة  ، فالمفوضية شرعت في الإفراج عن نتائج الإنتخابات ، سبعة وعشرون نائباً فازوا بالتزكية ،  لكن المؤتمر الوطني أستفاق على هذا الفوز المبني على نظرية الإستبعاد ، وقبل أن تخرج النتيجة بشكل نهائي  وعد الدكتور غازي صلاح الدين بتقاسم الكعكة مع الأحزاب المقاطعة  ، وهذا وعد من لا يملك لمن لا يستحق ، فحزب المؤتمر الوطني قد زوّر الإنتخابات ، أما الأحزاب السياسية لو كانت تريد تقاسم الكعكة فقد كان من الممكن أن تأخذ دورها في المسرح لتحظى بنفس عدد المقاعد ، هذا الوعد يكشف أن حزب المؤتمر الوطني فقد عذرية الشرعية ويبحث عنها بين خصوم ساهم في طردهم من الساحة السياسية ، كل المراقبين الذين يتابعون شئون حزب المؤتمر الوطني قد أجمعوا أن سياسة الحزب في هذه الولاية هي المساهمة في فصل الجنوب ، أما هدفه الثاني هو الخروج من خناقة المحكمة الدولية ، سوف يساوم الحزب المجتمعي الدولي على إسقاط التهم المنسوبة للبشير ِ مقابل الوصول لتسوية سياسية في دارفور ، أما هدية غازي صلاح الدين فهي " عطية مزين " ، فالمؤتمر الوطني لا يمنح غير وزارتي  التعليم والصحة ، والحركة الشعبية التي حاربته بعد جهد جهيد أنتزعت منه وزارة الخارجية ، وحتى هذه الوزارة خلقت لها وزير موازي وهو المستشار مصطفى عثمان إسماعيل .

 

سارة عيسي

   sara issa (sara_issa_1@yahoo.com) 

 

آراء