السلام مع العدل والمساواة – تجميد للمجمد !؟ …
9 May, 2010
كان واضحاً منذ توقيع الاتفاق الاطارى بين الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة فى الدوحة فى 23 فبراير 2010م ، ، والذى يشمل 12 مادة تعالج قضايا النزاع في اقليم دارفور من كافة جوانبها، ويركز على التفاوض للتوصل لاتفاق سلام شامل قبل 15 مارس من هذا العام !. كان جليا أن الحركة لها تقديراتها التكتيكية التى برزت أثناء التفاوض الجدى حول ما جرى الاتفاق حوله، مما جعلها تخرج عن المسار الجارى وتتنكب العمل بروح ما وقعت عليه !. العدل والمساواة ظلت تقول بأنها الحركة الوحيدة التى تملك الوجود العسكرى على الميدان توهما ، وبالتالى هى الأحق باحتكار التفاوض ومغانمه ، وعليه لا يحق للحكومة مباشرة أى حوار مع أى طرف دارفورى آخر كشرط لازم للمضى قدما فى انفاذ بنود الاتفاق أو البت فى تفصيلاته وصولا للاتفاق الكبير وقبله وقف اطلاق النار !. هذه الفرضية فى الهيمنة على المشهد السياسى والعسكرى هى التى توجه تحركاتها واحتكارها تمثيل دارفور ، فضلا عن السقوف العالية التى دفعت بها الى الوسطاء جعلت من العصى جدا ان لم يكن من المستحيل تفهمها أو الاستجابة لها حتى وان كانت بغرض المزايدة السياسية لأن الظرف الذى كانت تمر بها البلاد يملى عليها ان كانت جادة فى انجاح العملية السلمية أن ترفع مطالب معقولة وواقعية يمكن التراضى حولها !. عقلية التهميش واقصاء الآخر والتقليل من شأن الأطراف الأخرى على قلة ما تملك لجهة الرجال والعتاد والمواقف تعتبر اشكالية أساسية فى انطلاقة هذه الحركات وخلافاتها، وهو لا ينم عن قراءة واقعية لمآلات الانشقاقات التى باتت سمة أساسية وبارزة لكل حركات التمرد فى دارفور !. وان كانت العدل والمساواة وغيرها من الحركات تدعى أن الحكومة هى وراء هذه الانشقاقات وسط الحركات بالاغراءات المالية والوظيفية ، فلا يمكن أن تتجاهل هذه الحركات دورها فى تفتيت كياناتها ، لأن التركيبة التى قامت وتعمل بموجبها والاحتكارية لأسر بعينها وبعض المقربين فى المناصب وتوزيع الغنائم وسياسة الترغيب والترهيب والممارسات البشعة التى طالت العديد من القادة ، هى أيضا كانت أسباب مهمة فى انشطار هذه الحركات وتكوين جبهات مناوئة لها ، وتكوينات حتى وان كانت هشة أوعلى مستوى النت ومحدودة التأثير ، الا أنها تنال من حقها فى الادعاء و التمثيل طالما جميعهم من أبناء دارفور ولهم من حقوق المواطنة والمطالب لأهليهم وقبائلهم واقليمهم ما يجعلهم يتساوون فى هذه المكانة وتملى على الطرف الحكومى أخذها بعين الاعتبار فى التفاوض واجراء أى تسوية يراد لها أن تكون كاملة ومستدامة وهذا ما أثبتته الأيام من خلال اتفاق أبوجا الذى تم مع مناوى ، وظل عبد الواحد وخليل خارج دائرته !. ومضت الأيام وبقى عبد الواحد على رفضه واستعصامه بباريس لا يرغب فى التفاوض ولا يريد أن يتوحد مع خليل أو أى من الأطراف الأخرى ، وليس له رؤية للحل ، سوى اطلاق الشروط والمواقف المتوهمة دون أن يتبعها بخطى تدل على جديته للتقارب مع هذا الطرف أو ذاك مما جعله بفعاله ومواقفه خارج دائرة الحراك والتأثير ، بل أضحى مصدر قلق وتبرم لدى فرنسا التى بدأت تتحدث عنه بسلبية لأول مرة ، ويئس من وعوده قاطنى المعسكرات حول حواضر دارفور التى كان يعيش عليها ويتكسب من ورائها ويطلق مواقفه لأجلها !. لقد تبدل الحال كثيراً على الصعيد الداخلى والاقليمي والدولي ، فضلا عن مواقف الوسطاء والمنظمات الدولية فى الشأن الدارفورى ، ولكن عقلية عبد الواحد لم تتغير ونظرته وقراءته للوضع على الأرض بها الكثير من السطحية ان لم تكن سازجة ومفرطة فى التفاؤل بتغير الأوضاع لصالحه !. وعلى درجة قريبة من ذلك الموقف ظلت تطلعات قادة العدل والمساواة تقف على ذات العتبة التى يقف عليها نور ، تحركت المطالب فى تبادل الأسرى عقب التوقيع على الاتفاق الاطارى لتهيئة المسرح لفتح القضايا الرئيسية ، ولكن سرعان ما جاءت شطحة خليل فى الورقة التى صور فيها حركته بأكثر مما كانت عليه الحركة الشعبية فى نيفاشا ، وهو يدرى أو لا يدرى أن الوقت الذى كان يحيط بالمشهد السياسى بات مختلفاً ، والحكومة على أبواب الانتخابات العامة ، فالقراءة لم تكن تأخذ بأى ترتيبات ماضية أو اتفاقيات قائمة كما جرى للجنوب ومع مناوى ، ولا أحد يستطيع أن يمنع الحلم والتمنى ولكن الواقع هو الذى يحكم العملية التفاوضية وما يمكن أن يمنح لأى طرف !.
هذه بعض خلفية لازمة وضرورية تشيىء بان خليل كانت له حساباته الخاصة وموازناته البعيدة عن سلام الوطن الكبير ، وسلام دارفور بوجه خاص ، لأن شروطه وورقته التفاوضية كانت مفصلة على حركته ومنسوبيها ، وهو أيضا يركن الى جملة مواقف داخلية واعتبارات خارجية واقليمية كان يأملها فى تعضيد موقفه دون تحسب للجوانب المحيطة بأجواء التفاوض اجمالاً، ولكن الظرف الحكومى كان له محيطه وسقفه والوقت ظل فى تراجع انتهى فيه التفويض الممنوح لوفدها بحلول العاشر من أبريل !. ففى الوقت الذى دفع فيه خليل بشرط غير منطقي يحظر على الحكومة التفاوض مع اى طرف دارفورى ، على كثافة المجموعات التى كانت متواجدة بالدوحة وبعضها له تاريخ سياسى معروف لم يكن بمقدور الحكومة ولا مطلوبات السلام تجاوزه ، الأمر الذى اعترف به الوسطاء وقبلوا بافراد منبر موازى لا شك أنه كان أكثر عقلانية وواقعية فى سلوكه ومطالبه ، وأن الفوارق فى الرؤى والمبادى بين العدل والمساواة وحركة التحرير والعدالة كانت كبيرة للغاية كونها مجموعة حركات توافقت على الحد الأدنى !. بل والمرارات التى كانت بين القادة عميقة ومتجذرة ، بالمقابل فأن التوافق مع مجموعة د . السيسى فى 18 مارس 2010م كان خطوة هامة ومتقدمة فى توحيد الحركات ولملمة أطرافها بما يلم يحدث فى السابق ، حيث رفضت حركة العدل والمساواة الاتفاق جملة وتفصيلا، ولكنها مع ذلك أبلغت الوساطة المشتركة بأنها «لن تنسحب من منبر الدوحة لسلام دارفور» ! ولكنها الآن تفعل وبدوافع ومسببات أشبه بالرمال المتحركة ، وسلوكها فى الواقع لا يمت للسلام بصلة !. وبدلا من الاستفادة من الوقت المتاح لانجاز ما تبقى والتقدم بالاتفاق الاطارى ، واصلت الحركة فى خطها المغالى فى تقديرها لحجمها ووزنها السياسى والعسكرى ومواقفها ، لذلك لم تقف عند هذا الحد بل رأت بأن تدفع بشرط آخر أكثر اشتطاطاً تقول فيه بأنه على الحكومة أن ترجىء الانتخابات دون تقدير للالتزامات الأخرى التى يوجبها اتفاق السلام الشامل واستحقاقاته التى قطعت شوطاً مقدراً ، وأن ترتيبات الانتخابات انتظمت كافة أرجاء الوطن ، مما يدلل أن هذا الرهان كان خاسر اًوغير مقبول ولا علاقة له بما هو ماض فى الدوحة ، وكل الاطراف الداخلية الفاعلة والاقليمية والدولية على قناعة بأهمية الانتخابات كضرورة ملحة وما سيترتب عليها من اعادة ترتيب الخارطة السياسية الجديدة لمسيرة البلاد ومخاطبة بقية التحديات والاستحقاقات العالقة وعلى راسها الاستفتاء والقضايا الموضوعية التى تتبعه !.
مواقف العدل والمساواة ظلت تلفها ضبابية وعتمة كثيفة جراء التنازع الذى يحيط بقادتها ونواياهم الحقيقية وارتباطاتهم الداخلية والخارجية ، مهما باعد خليل من عضويته السابقة وارتباطه بالأخوان المسلمين أوبصق على تاريخه الطويل أوتنصل من أى التزام تجاههم ، ومهما قللوا من ارتباطهم بالمؤتمر الشعبى الذى سعى للتستر فى مولاة هذه الحركة ودعمها بالفكرة والمال والقادة والعضوية ، ومهما جاء نفى قادة الشعبى صلتهم بخليل وبقوا وراء الالفاظ كما يقول زعيمهم بأنه ظل يدعمهم على مستوى الأقوال ، تماما كما الذى يحاول أن يغطى على ضوء الشمس بكفيه !. هنالك عامل مهم أصاب العدل والمساواة فى مقتل ، هو التغير الايجابى فى الموقف التشادى تجاه الخرطوم والتزام القيادة التشادية نهج جديد وجدى فى شكل خطوات عملية متسارعة تجعل من الصعب على من يفكر فى الحسابات العسكرية والعودة للميدان وما ظلت تجده حركته من تسهيلات ودعم لوجستى وعسكرى ومعسكرات التدريب فى السابق ، لابد وأن يحسب لهذه التحولات حساباتها !. فضلا على النتيجة المفجعة التى جاءت بها الانتخابات العامة لجهة حجم الأحزاب والقوى السياسية المعارضة وما طرأ على هذه القوى من تبدل فى أوزانها التقليدية وقواعدها، الى جانب المشاركة الكبيرة لأهل دارفور فى العملية الديمقراطية !. كل ذلك لا تأخذ به حركة العدل والمساواة وهى تبتدع المواقف وتتصيد الأسباب التى يمكن أن تقدمها كأعذار لاعتزال التفاوض من الدوحة أو ارباك مساره ، وهو فى حقيقة الأمر لا يوجد تفاوض فعلى مع هذه الحركة فكل شىء مجمد تقريبا بارادتهم ، فكل ما هناك هو وجود لأشخاص يستمتعون بالكرم العربى وضيافة الأشقاء ولا يقدمون شيئا لمهمتهم الأساس ، ولا حراك يوجد بين طرفى التفاوض !. هذه الحركة تراهن على الجنائية وتقر بأنها هى من عملت لأجل تطويق الرئيس البشير بهذا الحبل وما تزال تتعشم وتضطلع لجهود أوكامبو أن تجد طريقها للنيل من الرئيس رغم الرأى الشعبى الصريح فى هذا الصدد ووقفة اهل دارفور المشهودة مناصرة للبشير !. هذه الحركة تمارس تضليلا صريحاً عندما تتقدم للتفاوض وتبرم اتفاقا اطاريا وتقف عنده على الورق ونواياها فى الحرب وعينها على الميدان والاختراقات الأمنية ، لا تتقدم تجاه الغاية الحقيقية من الاطارى وهى وصل الحوار وانجاز السلام ووقف اطلاق النار وتعزيز الأمن وحقبة ما بعد الانتخابات !. وهى ما تزال سادرة فى غيها وتتمنى على الأطراف الدولية أن تضغط على الحكومة لقبول معروضها الذى يجافى المنطق والوزن ، ودارفور اليوم على وضعية ديمقراطية وعهد جديد ، اختارت من خلاله قياداتها على كافة المستويات الوطنية والتشريعية وحكامها ونوابها فى سلم لم تستطع أى من هذه الحركات ضرب الحالة الأمنية والاستقرار الا من تفلتات محدودة !. مرة ثألثة تتحدث عن حجج واهية وأعذار جديدة بأن الحكومة أغارت على معسكراتها ونالت منها عسكريا وهى لديها أكثر من 40 خرقاً مرصودة فى الوقت الذى ترفض فيه وجود أطراف محايدة لمراقبة وقف اطلاق النار كقوة يوناميد الأممية !. السؤال الذى يطرح نفسه هنا أن هنالك مجموعة جادة تريد الحوار والسلام تتمثل فى ( حركة التحرير والعدالة ) ، وبالمقابل يوجد طرف آخر يدعى السلام ولا يتقدم باتجاهه ويكثر من الصراخ والتصريحات عن عدم جدية الحكومة وخرقها لالتزاماتها دون أن يحاسب نفسه او أن يحصى سواءته وما أكثرها !. كيف لنا بالثقة بهذه الحركة ونحن على أعتباب استدعاء الأحزان والفجيعة التى خلفتها باجتياحها لأم درمان قبل عامين ، وذاكرة شعبنا لا و لن تنسى هذه الأيام الكالحة حتى وان كتب اتفاق سلام مع هؤلاء القتلة !. وخليل يريدنا الآن أن نترك كل الذى جرى وتم بالدوحة لنذهب الى القاهرة بكل خلفياتها واسقاطات العمل المعارض بها منذ مجىء الانقاذ ، يريدون لنا ان نقابل احسان أهل قطر ووقفتهم معنا بهكذا موقف غير محسوب العواقب ، نترك صبرهم ومصابرتهم وانفاقهم السخى ( 2 مليار دولا تم تخصيصها لتنمية دارفور لم يشأ المجتمع الدولى بكامله تقديمها ) ونترك حيدتهم وصدق نيتهم من أى أجندة أخرى ومآرب خاصة ، يريون لنا مغادرتها كى نمضى الى مجهول رغم علاقة جوارنا بمصر وخوتنا ومواقفها السابقة باتجاهنا على تحفظاتنا عليها !. اليقين أن المنبر الضرار الذى يريده خليل من القاهرة هو منبر حق أريد به باطل ، ووراءه ما وراءه من الحيل الضالة والنوايا المستبطنة ، يراد له أن يكون بديلا لدوحة الخير ، ومجالاً جديدا للتسويف واضاعة الوقت والمناورات والبلاد لا تملك فائض وقت آخر يمكن اضاعته وهدره بين العواصم والمصالح هنا وهناك دون مبررات كافية الا لأجل الغيرة السياسية والمزايدات ، والكسب الاعلامى الرخيص بعد أن فضخت نوايا خليل وحركته من خلال الوجود الموازى لأبناء دارفور بالدوحة والاتهامات والمعلومات التى تنطلق من صدر هذا القائد أو ذاك عن حجم الأجندة والالتزامات والشطح الذى يعبر عنه خليل وناطحه الرسمى أحمد حسين آدم !. هذه الحركة لا تنظر الى ما تقدمه من شروط خيالية وتبعاتها ، فلا هى عطلت التفاوض مع حركة التحرير والعدالة التى سلتئم فى موعدها منتصف هذا الشهر وستفضى حتما الى نهايات قبل تشكيل الحكومة الجديدة !. ولا هى اعاقت قيام الاتخابات التى أصبحت واقعا معاشاً وأن نتائجها باتت قيد التنفيذ على كافة المستويات جاءت هذه الحركة الى ساحة السلام أم لم تحضر !. وهى لن توقف بتخرصاتها وادعاءاتها الكذوب المهام الطبيعية للقوات المسلحة متى ما بارحت قواتها نقاط التمركز التى جرى تحديدها للتشويش على حالة الأمن والاستقرار بدارفور !. وحتى تقتنع هذه الحركة بأن الحسابات التى تعتمدها خاطئة مائة بالمائة ، وأن الزمن يمضى فى غير صالحها وسط متغيرات داخلية وخارجية لا تنتظر المماحكات والمجابدة حتى يصار الى ما تريده حركات التمرد من شطح وأوهام قد ولى زمانها !. لابد للمفاوض الحكومى أن يكون على قدر الادراك و التحدى فى وضع حد لهذا العبث بعدم اهدار المزيد من الوقت فى غير مكانه ، وأن يكرس هذا الجهد وفاتورته الكبيرة لحاجة المواطن الحقيقية داخل مدن وأرياف دارفور عوضاً عن هذا التجميد المتعمد لأن العبرة بالنهايات ورهان خليل لا يستند الى واقع مهما فاقم من حجمه !!!.
adam abakar [adamo56@hotmail.com]