لتعييها أذنٌ واعية …. بقلم: د. طه بامكار
14 May, 2010
سُئل حكيم مرة عن اكثر شئ مدهش في سلوك البشر؟ فأجاب : (البشر يملون الطفولة، فيسارعون ليكبروا، ثم يتوقون ليعودوا أطفالا مرة ثانية). ثم سكت برهة وقال: (البشر يضيعون صحتهم ليجمعوا المال، ثم يصرفونه ليستعيدوا الصحة). فاطرق غير قليلٍ ثم قال:(البشر يفكرون في المستقبل بقلق، وينسون الحاضر، فلا يعيشون الحاضر ولا المستقبل). وكان متكأ فجلس وجال ببصره في أرجاء منزله المتواضع وقال: (ليتعلم البشر إن الإنسان الأغنى ليس من يملك الأكثر بل هو من يحتاج الأقل). مرت لحظات صمتٍ وتدبرٍ عميق وأشار بيده بعيدا ثم التفت في تبسم يشوبه التأمل والحزن النبيل ثم قال : (ينبغي للبشر أن يتعلموا انهم قد يسببون جروحا بليغة وعميقة لمن يحبون في بضع دقائق فقط، ولكنهم يحتاجون لسنوات طويلة لمداواة تلك الجروح). هذا لقاء عابر مع حكيم عارك الحياة وتمشي ببطء في حناياها وتذوق طعمها واستظل بضحاها فغنم من تجاربه وأراد أن يسعد بها الإنسان.
هنالك حكم وأمثال كثيرة في حياتنا اليومية تعبر بطريقة بليغة عن هموم الناس وآمالهم وطموحهم. ولغة هذه الأمثال يمكن أن تحقق السعادة وتضئ شمعة الأمل. من هذه الأمثال المثل الذي يقول (يوجد دائماً من هو أشقى منك ، فابتسم). الإنسان يزعج نفسه بأمر تافه لا يستحق لحظة من التفكير ويخلق لنفسه أوهام ومنغصات فينسي إيجابياته ونقاط القوة في نفسه وتلتف حول عنقه كل سلبياته ونقاط ضعفه، فيسدل الستار علي الجانب المشرق في حياته ويعيش في كنف الجانب المظلم ، وبالتالي يعيش متجهما بعيدا عن الابتسامة. فهنالك مثل آخر يقول ( لن تستطيع أن تمنع طيور الهم أن تحلق فوق رأسك ولكنك تستطيع أن تمنعها من أن تعشش في رأسك) ينبغي للإنسان أن لا ينسي أننا كلنا كالقمر لنا جانب مظلم ولكن لا تكون متعة الحياة إلا في الجانب المشرق.
ومن الأمثال التي تضيف للحياة معني ومغزى المثل الذي يقول( العين التي لا تبكي لا تبصر في الواقع شيئا) قد يفهم بعض الدهماء أن البكاء وذرف الدموع نقطة ضعف في الرجال والنساء وينسون أن الدموع تعبير عن مكنون حقيقي في الإنسان مثله مثل التعبير عن الكرم والشهامة والشجاعة. العين التي تبكي في مواقف وتصمد في أخري هي العين التي تري الواقع بطريقة صحيحة وبريئة،فالمثل يقول ( لا خير في يمين دون يسار).
هنالك مثل آخر يقول ( من يطارد عصفورين يفقدهما معا). هذا المثل يجب أن يكون دليل كل من يريد أن يحقق هدفه في الحياة. يجب علي الإنسان أن يرتب أهدافه ويجدولها بطريقة منطقية ومعقولة. الأهداف في الحياة لا تتحقق لفكرٍ شاردٍ وذهنٍ طماع . الذي يريد أن يحقق مبتغاه وهدفه عليه أن لا يطارد كل العصافير. الإنسان الجبان قد يجد ألف حلا لكثير من قضاياه ولكن لا يعجبه في ذلك سوي الفرار والهروب من الواقع فيلهي نفسه بمطاردة كل العصافير فيفقدهم كلهم فيقعد ملوما محسورا.
وهنالك مثل آخر يقول ( لا تتحدي إنسان ليس لديه ما يخسره). المسئول الذي يصارع موظفيه ويتحدي كل صغير وكبير ويخلق صراعات وهمية مع طاقم عمله هو الخسران في النهاية. الإنسان العاقل لا ينبغي أن يتطاول بقوته ويعتد، ثم يتعدي حدوده فيتحدي إنسان ليس لديه ما يخسره فيتسبب في هزيمة نفسه. ينبغي للمسئول أن يفهم ليس بالقوة وحدها يحكم وينتصر الإنسان. الإنسان الذي يرغب في التحدي والصراع ويأمن ويأنس في نفسه الكفاءة عليه يختار مصارعة ومناطحة الأنداد الأقوياء. أن تكون فردا في جماعة الأسود أفضل من أن تكون قائدا للنعاج والنعام والهوام.
وهنالك أيضا مثل آخر يقول (إذا طُعنت من الخلف فاعلم انك في المقدمة). الكثير منا يحزن عندما يطعن من الخلف ولكن كلنا ننسي أن للنجاح ثمن ومحن وابتلاء. واحد من الأثمان أن تطعن من الخلف وقد تكون بعض هذه الطعنات من أناس قد أحسنت إليهم كثيرا، ولكن برغم ذلك يطعنون تعمدا، فلا تبتئس ولا تحزن فقديما قيل في الأثر (اتق شر من أحسنت إليه). وقديما قال المتنبئ ( لولا المشقة ساد الناس كلهم*** الجود يفقر والإقدام قتال). ومثل آخر يقول(الذي يولد وهو يزحف لا يستطيع أن يطير). فالذي يريد أن يسود الناس ويتقدمهم حكما أو نجاحا عاديا في الحياة عليه أن يستحمل كل التبعات وفي مقدمتها الطعن من الخلف عبر أيدي دنيئة استمرأت قتل النجاح ووأد المبادرين. فالإنسان كلما ارتفع الي السماء وعلت همته تكاثفت حوله الغيوم والمحن.
وهنالك مثل آخر يقول ( عندما تحب عدوك يحس بتفاهته). من أقوي الأسلحة التي تدمر العدو والشخص الذي يكره فيك النجاح أن تبادل كراهيته لك حبا، هذه المعاملة تحرقه وتجعله يحس بتفاهته. ليس مهما أن تنتصر في كل المعارك بالقوة والبطش، فالقوة يمكن أن تقتل الإنسان في ميدان المعركة، ولكن القوة لا تهزم إرادة الإنسان وفكرته. ومثل آخر في المضمار نفسه يقول (أن تشق طريقك بابتسامتك خير لك من أن تشقه بسيفك). عدوك عندما يشعر انك لا تكرهه يحس بأنك تحمل سلاحا غير معتاد ويشعر بتفاهة مغامراته وقد يرغب في المحاورة والمفاكرة فبالتالي تزول رغبة المقاتلة والمنازعة هذا إن كان العدو عاقلاً.استصحاب الابتسامة في المعارك قد يكون عنصرا من عناصر القوة، فالابتسامة كلمة ولغة معروفة من غير حروف.بعيدا عن معارك السلاح وبعيدا عن معارك السلطة التي بيد الدهماء دعونا نتعارك في ميدان الكلمة والفكر عبر لغة الابتسامة. أما الذين يفتقدون ويفتقرون الي المنطق والابتسامة الشجاعة ويحاولون أن يحكموا بالقوة والبطش دون فكر ودون ابتسامة نقول لهم تعالوا الي كلمة سواء بيننا وبينكم في ميدان الكلمة والفكر. إذا أبيتم ذلكم وأصررتم علي استخدام فوهة البندقية سبيلا وحيدا للحوار لا يسعنا إلا أن نبتسم في وجهكم لنهزم داخلكم كما قال المثل ( المهزوم إذا ابتسم افقد المنتصر لذة النصر). إذا كانت الأسلحة غير متكافئة، وانتصر الحاكم بقوة السلطة فالمنتصر هو الذي يعيش مبتسما.
هنالك مثل يقول( من العظماء من يشعر المرء في حضرته أنه صغير ولكن العظيم بحق هو من يشعر الجميع في حضرته بأنهم عظماء). القائد الحق هو الذي يختار العظماء ليقود بهم الأمة، أما الذي يختار الضعفاء ليكون نجما لوحده وسط الغوغاء والدهماء سيلفظه التاريخ لأن التاريخ تكتبه البيئة المحيطة السليمة القوية، أما بطانة السوء والهتيفة ينفضون عند انفضاض السلطة. التاريخ يكتبه فقط العلماء والأقوياء. وهنالك مثل آخر يقول ( أعمل علي أن يحبك الناس عندما تغادر منصبك، كما يحبونك عند استلامه). الفرد لا يعرف حقيقة حب الناس له خاصة عندما يكون في منصب مرموق وتكون الثروة والسلطة بيده. قد يهتف الناس بحياته في الظاهر من اجل ما في يده من مال وسلطة فإن مال عنه المال فعنه الناس يميلون ويتركونه يقلب كفيه ندما وأسفا. لذلك ينبغي للحاكم أن يعمل علي أن يكون محبوبا وسط الناس بسلوكه وخلقه لا بسطوته وقوته. أنا أقول وأنصح عبر الأمثال وهنالك مثل يقول( لكل كلمة أذن، ولعل أذنك ليست لكلماتي فلا تتهمني بالغموض). لست غامضا ولكن للسلطة هيبتها .. وأخيرا يقول المثل ( إن بعض القول فن فاجعل الإصغاء فنا).
Taha Bamkar [tahabamkar@yahoo.com]