التسوي بإيدك .. يغلب أجاويدك الشيخ حبيس تلاميذه …. بقلم: د. زاهد زيد

 


 

 

(1)

    لم أعرف في حياتي على كثرة ما رأيت من عجائب مثل انطباق هذا المثل السوداني البليغ على الدكتور الترابي فالرجل لا شك في دهائه ومكره السياسي ولا شك في براعته في انتهاز الفرص والقفز لأعلى ولو على رؤوس الآخرين وليس في قاموسه الشخصي أوالسياسي ما كان لمن عاصره من سياسيي البلد الأوائل من أمثال المحجوب والأزهري وغيرهما مِن أعراف أو تقاليد أو حدود مكتوبة أو متواضع عليها.

     لم يكتف بتفوقه العلمي وانتقاله من قريته المتواضعة في ود الترابي إلى جامعة الخرطوم ولا بما اتاح له ذلك الذكاء من نيل الدكتوراة من أعرق جامعات الغرب . ولم يقف بطموحه عند مصاهرته لأكبر بيت سياسي وديني في البلد بل حمله طموحه الجامح للتطلع لزعامة بناها بدهاء ومكر يترفع عنه الكثيرون.

والواقع أن الرجل يسكنه طموح لا يقف به عند حد وقد صور له ذكاؤه أنه ليس أقل من زعماء آخرين إن لم يكن خيرا منهم ، وقد يكون ذلك مما دفعه للتطلع لأعلى بدءا من مصاهرته لآل المهدي  ومروا بكل مراحل حياته وقد أطلق لنفسه العنان حتى ظن أنه لن يوقفه حد ولن يكبحه كابح .

     قرأ الرجل بدقة الواقع السياسي والمجتمعي للسودانيين ووصل إلى أن الواقع السياسي للبلد هش وأن الديمقراطية التي اورثنا لها الاستعمار ولدت وهي تعاني من جهل المجتمع وتخلفه وأن ما يحرك هذا المجتمع هو الدين لا غير فبني تنظيمه على هذه القاعدة فاستطاع في فترة وجيزة أن يبني تنظيما قويا مستهدفا بذكاء أبناء الصوفية المتدينين بطبعهم ومركزا على المتفوقين في المدارس والجامعات .

لم يكن في نية الرجل أن ينتظر ليصل بتنظيمه للسلطة سنوات بل ربما لا يصل أبدا فطموحه أكبر من تسعه دائرة الصبر الطويل وهذا ما دفعه للتحالف مع نظام مايو ليرضي طموحه السلطوي من جانب وليجد تنظيمه الفرصة للتوسع والتغلغل في مؤسسات الدولة وقد حقق معظم ذلك مستغلا ضعف مايو التي كانت تعاني وضعا داخليا صعبا , لم يكترث الرجل للضرر الفادح الذي أحدثه بذلك التحالف الذي أمد مايو بقوة لم تكن تحلم بها وفي الوقت الذي كان يموت فيه الشعب ويعاني الأمرين كان سيادة المستشار يني ويقوى مؤسساته الحزبية تحت ستارا الاسلام والشريعة ويخرجون في مسيرات (مليونية) يخدرون فيها المطحونين بشعارات عزيزة على قلب كل مسلم , لم تشهد البلاد معاناة ولا شظفا في كل شيئ مثلما شهدت في ذلك العهد ولم يتحرك الترابي وتنظيمه إلا في اتجاه تنمية قدراتهم ومقدراتهم استعدادا ليوم فتحهم الذي انتظره زعيمهم طويلا.

    لم يتأثر التنظيم ولا زعيمه بالفترة الوجيزة التي أدخلهم فيها النميري السجن بعد قرر أخيرا أن ينهي هذه اللعبة , لم يكن خافيا على النميري ما كان يدبره له الترابي فقد كان موقنا بعدم إخلاصه وكان كل واحد متربص بصاحبه وكان النميري واثقا من أنه قد أمن مكره بعد ان وضعه ورؤوس تنظيمه في السجن ولم يكن متعجلا في محاكمته فقد سافر مطمئنا لأمريكا ولكن كان للشعب كلمة أخرى لم يحسب لها النميري حسابا.

فلو تعجل النميري في تقديمه للمحاكمة أو أن  الثورة الشعبية أمهلته حتي يعود لتغير وجه السودان السياسي بعد أن يتخلص من أعضل داء ألم به ولكن شاءت ارادته تعالى ان يفلت منها فأبريل في نظري قد جاءت مبكرة ولو كان الناس يعلمون لصبروا حتى يعود النميري من لخارج فيقع أكثر من طائر في الشباك .

     خرج الترابي من السجن منتصرا فاستغل كعادته سماحة الديمقراطية التي تعامل قادة الأحزاب فيها معه و كأنهم رسل الديمقراطية المكلفون بتطبيق سماحتها والاحتكام لقوانينها المرنة, ولم يفلحوا إلا في اسقاطه في الاتخابات وكان ذلك السقوط هو البلسم الوحيد الذي تأسى به المكلومون.

      في تطلعه للأعلى لم يكترث الرجل لما أصابه من رشاش بسيط وترك تلاميذه يلهون الناس والأحزاب بلعبتهم الجديدة في ديمقراطية وظفوا كل طاقتهم للعبث بها ولمعاكسة القائمين عليها بينما تفرغ هو وصفوة من رجاله لتقويضها والقفذ للسلطة معشوقته التي لم يفارقه طيفها وإلي الآن.

     كان سعي الرجل ولا يزال وهو في أخريات السبعين من عمره أن يتربع على كرسي السلطة دار كل هذه الدورة واستغل كل شيئ وداس على كل القيم وقتل في الناس الأمل وأخطر ما فعله في سبيل ذلك أن جاءنا بفتنة الإنقاذ الكبرى تلك خطئته الكبرى في حق نفسه وفي حقنا جميعا ولنا في ذلك وقفة في مقالنا القادم إن شاء الله.

Zahd Zaid [zahdzaid@yahoo.com]

 

آراء