التسوي بإيدك يغلب أجاويدك: الشيخ حبيس تلاميذه (2) …. بقلم: د. زاهد زيد

 


 

 

 

     ذكرت في مقالي السابق أن الدكتور الترابي في سبيل الزعامة لم يكترث ولم يتوقف عند كبير أو صغير ، ولم يكن من الممكن أمام طموحه القَتّال أن يوقفه عهد قطعه أو وعد برمه , ولولا تعجل الإطاحة بالنميري في انتفاضة أبريل المباركة ولولا تساهل قادة السياسة معه لقبرت آماله معه ولتغيرت صورة السودان السياسية لوجهة أخرى.

     كان من المفترض أن يعي الرجل الدرس ولكنه قرر أن يسير في اتجاهين متضادين ، الأول مع الديمقراطية بكل ابعادها انتخابات وتمثيل نيابي وصحيفة حزبية ، وقد كان ذلك هدفه الظاهر ، أما ما كان يبطنه حقيقة فهو اضعاف النظام الديمقراطي من داخله وقد عملت كوادر حزبه بكل نشاط بتسيير المظاهرات وزيادة معاناة الناس اليومية فقد تمكنوا وسيطروا أيام مشاركتهم للنميري على كثير من مفاصل الدولة الاقتصادية والأمنية بعد أن اخترقوا مايو من الداخل،أماعلى صعيد التخريب السياسي فحدث ولا حرج من تقويض اتفاق المرغني ـ قرنق إلى العبث الذي كانت تماسه الصحف التابعة لهم كصحيفة ألوان التي مارست أبشع أنواع التشويه والسخرية من الوزراء والسياسيين في الحزبين الكبيرين خاصة , كما كان لمشاركتهم في الوضع الديمقراطي هدف آخر وهو زر الرماد في العيون بمشاركة ظاهرية لكنها غير مخلصة ولا مؤمنة بقواعد العمل الديمقراطي ، وذلك انتظارا لساعة الصفر للانقضاض عليها ووأدها في مهدها وكان ذلك هو الخط الأساسي والهدف الأوحد الذي سيلبي طموح الرجل من اقرب الأبواب وأسهلها.

  لم يكتف الرجل بما نال وهو أكثر من المتوقع ، بأن يرتقي بحزبة ليكون ثالث الأحزاب بعد أكبر كيانين سياسيين في البلد فأراد الجمل بما حمل واستطاع الرجل بمكر وخداع كبيرين أن ينجح في خداع الكثيرين حتي أنه وبجراءة لا تكون إلا لأمثاله دخل السجن لمزيد من التضليل ولجبنه من تحمل نتيجة مغامرته عند الفشل , ولم يصبر في سجنه طويلا الا ريثما يتأكد من النجاح , فسرعان ما تملكته نشوة النصر وغلبه حبه  للسلطة فخرج رئيسا غير متوج يحكم ويتحكم في مصير الغلابة والمساكين ضاربا في في مقتل آمالا راودت الناس زمانا في الحرية والديمقراطية ويسر العيش.

وهكذا ظن الرجل أن الرئاسة باتت مسألة وقت ليس إلا فالبشير صنع يديه ومَن حوله تلاميذه الذين لا يعصون له أمرا لكن الامور لم تجر أبدا كما كان يشتهى فقد شبّ التلاميذ عن الطوق وتلاحقت الكتوف وذاقوا حلاوة السلطة وشيخهم علمهم ان الغاية تبرر الوسيلة وهم وان تنكروا لكل ما يمت لشيخهم بصلة فإنهم ظلوا مخلصين لمبدأ واحد أحد وهو لا مبادئ ولا اخلاق في السياسة.

واصبح الشيخ فإذا هو ضحية ما غرس وتلفت فلم يجد غير حفنة من الاصحاب لا تعيد ولا تبدي وهو في خريف العمر لم يجد غير جدران السجن تؤنس وحدته , أفنى عمره وداس على كل مبدأ ولم يراع إلاً و لا ذمة ولم يحصد سوى الريح . ولن تجد في كل قصص الدنيا التي قد تسمعها ما يعبر ادق تعبير عن المثل السوداني التسوي "بإيدك يغلب أجاويدك" بمثل ما تجد في سيرة الدكتور الترابي , ولكن ؟ ...

 

لو ان الامر يخصه وحده لما تأسف عليه أحد ولكنه أدخل البلد كلها في نفق الإنقاذ المظلم كظلام محبسه ذلك أن هذا البلد لا ذنب له بأن يدفع وحدته وامنه وحريته ثمنا لطموحه المريض ولتطلعاته الحمقاء.

بات الشيخ الآن حبيس أعماله قبل ان يكون حبيس تلاميذه ,  الذين أعلنوا انهم بصدد محاكمته ولنا هنا وقفة , فإن كانوا سيحاكمونه بسبب ما يدعون فهم شركاء معه في كل ما حاق بالبلد من مشاكل تهدده في أمنه ووحدته ومسئولون جميعا عن التردي الذين خرّب كل ما هو قيم وجميل في العمل السياسي والاجتماعي وطال ثوابت الناس في اخلاقهم وحتي الدين الحنيف لم يستنكفوا أن يتخذوه مطية لأغراضهم , فمن يحاكم من ؟ ومن هو الاحق بالمحاكمة؟ تلك والله عجائب آخر الزمان .

 

Zahd Zaid [zahdzaid@yahoo.com]

 

آراء