ليـه يـا مصـر !؟ … بقلم: د . احمد خير / واشنطن
16 July, 2010
مصر التى تربطنا بها علاقات أزلية تفوق علاقاتنا مع أية دولة عربية كانت أو إفريقية أخرى . يصيبنا منها أحيانا سهام سامة وقاتلة ترشق فى الصدر فلا نجد معها ترياق نداوى به جراحنا !
نعم نحن نحب مصر إلى درجة العشق الذى يجعلنا فى معظم الأحايين إلى حمل جراحاتنا إلى نطاسى للتداوى ، ونكتم الجراح ! وقبل أن تشفى الجراح نتلقى سهام أخرى تعيدنا إلى المربع الأول لنتساءل : ليه يا مصر !؟ لماذا تنطلق السهام من بوابتنا الشمالية مما يجعلنا ودوماً نحمل الدروع لندرأ سهامك !؟
كى لاندخل فى عموميات تبعدنا عن مايحدث فى الواقع ولنبتعد عن الأخذ بالشبهات سأسوق بعد الأمثلة التى دفعتنا لنتساءل " ليه يامصر ؟" .
إذا كان الإعلام هو العامل المشترك الأعظم الذى يؤطر لعلاقات الشعوب والذى يعتبر المرآة التى تعكس نظرة كل شعب للآخر، فدعونا نأخذكم فى سياحة عبر مايصدر عن الإعلام المصرى الذى " بلاوعى " يحدث شرخاً ً فى علاقة الشعبين ، المصرى والسودانى . ففى فيلم " صعيدى فى الجامعة الأمريكية " نرى تلك الفتاة اللعوب ببشرتها السوداء تمثل قمة الرذيلة بالإضافة إلى تعليقات " الهنيدى " حول بشرتها السوداء ! قبل سنوات بينما كنت بين مجموعة من الكتاب والإعلاميين نجلس فى " المقهى الثقافى " بالمعرض الدولى للكتاب بالقاهرة تطرقت لتلك الصورة النمطية التى صورها فيلم صعيدى فى الجامعة الأمريكية ، وعلى الفور تلقيت رداً لايمت للإعتذار فى شئ ، حيث قال أحدهم " ليه ماتسألش مخرج الفيلم سعيد حامد وهو سودانى الجنسية !؟ " وكان ردى: أنا لايهمنى من المخرج أو المنتج ، وكل مايهمنى هو مايحاول الإعلام أن يسوقه بصرف النظر عن مايحدثه ذلك التسويق من التقليل من شأن الإنسان بسبب الأختلاف فى لون البشرة مما يؤثر سلباً فى سلوكيات العامة وبذلك يصبح الإعلام معول هدم فى جدار علاقة أزلية نحاول أن نسمو بها فى سبيل أن يسعد الجميع .
إذا نظرنا الآن إلى ماتعرضه محطة الـ " ام بى سى " العربية من حلقات المسلسل المصرى " ريـا وسكينة " بطولة الممثلة القديرة " عبله كامل " والممثل القدير " سامى العدل " و " سمية الخشاب " وما جاء فيه حيث تلعب الممثلة " سمية الخشاب " دور فلاحة بسيطة تبيع البيض فى سوق إحدى القرى وتقدم للإقتران بها رجل ذو سحنة سمراء وكان من أسباب رفضها أن لونه " أسمر " ويصل الإزدراء قمته فى يوم " الصباحية " حيث أبدت الإشمئزاز من انها قد عاشرته فى الليلة السابقة ! ربما يقول قائل أن قصة ريا وسكينة هى من القدم بحيث تجاوز الشعب المصرى تلك الحقبة ! إذا كان كذلك ، لنأخذكم إلى ما حدث عقب مباراة مصر والجزائر التى جرت فى أم درمان ، ونركز على تعليقات بعض المذيعيين ولنأخذ منهم أحد مقدمى برنامج " البيت بيتك " عبر قناة " المصرية " وهو المذيع " أمين " الذى كان هو أحد أسباب الفتنة من ماقدم من تعليقات ، ومنها " والله لو جاء الرئيس بوتفليقه نفسه علشان يعتذرلى مش حاقبل إعتذاره ! " تصوروا " بوتفليقه نفسه ! " ثم تطرق الأستاذ " خيرى " المذيع المشارك فى برنامج " البيت بيتك " إلى زيارة مغنية البوب الأمريكية " بوينسى نولز " لمصر وتقديمها حفلات غنائية مشيرا إلى أنها مغنية جيدة فكان تعليق أمين " أغانيها جميلة ، بس هى سمره شويه " قالها بكل القرف الذى فى الدنيا ! ولكن سرعان مارد عليه الأستاذ خيرى " سر جمالها فى سمارها " وهذا بالطبع يشكل مدى سرعة البديهة والحساسية لدى بعض مقدمى البرامج ومنهم الإعلامى القدير الأستاذ/ خيرى والأستاذ/ محمود سعد .
مثال آخر للعنصرية هو ماحدث فى الأسبوع الماضى فى البرنامج المصرى الشهير " المسلسلاتى " الذى يعرض يومياً من خلال " قناة النيل " . بالرغم من إحترامى الكامل لطاقم البرنامج إلا أن ضيف حلقة الأسبوع الماضى الممثلة المبتدئة " إنجى وجدان " التى تحاول أن تتقمص أدواراً كوميدية حيث وجه إليها سؤالاً حول من هو مثلها الأعلى من الممثلين ؟ وكان أن إختارت ممثلة أمريكية عالمية " وكأن ليس فى مصر من يملأ عينها " هى " كوين لطيفة " حيث قالت : أنا أحب كوين لطيفة بالرغم من أنها " عندها عيبين ، الأول انها تخينه والثانى أنها سمره !" وكنت أتوقع أن تكون المذيعة أكثر حساسية فتقوم بتوجيهها " حتى ولو بطريقة غير مباشرة " من أن ما أشارت إليه لايعتبر من العيوب ! ولكنها لم تعلق على ذلك ! الغريب أن نفس الممثلة المبتدئة تعلن عن برنامج " فى البيت " الذى تنوى أن تقدمه عبر قناة النيل ستقدم للمشاهد أنواع من الأكلات ! بالطبع سيكون البرناج فاشلاً لأن المشاهد لن يتقبل بأية حال من الأحوال أن يقدم مثل تلك البرامج شخص " تخين " مثل الممثلة المذكورة لأن مقدم الأكلات " الصحية " يجب أن تتوافر فيه/ فيها مايعكس أن مايتناوله من طعام صحى له الفضل فى تكوينه البدنى . عليه فهى لاتصلح لمثل تلك البرامج إن كان " التخن " يعد عيباً كما ذكرت !
هناك برنامج آخر مثل برنامج الرياضة " الأستوديو التحليلى " الذى يقدمه لاعب كرة القدم السابق الكابتن " طاهر أبوزيد " الذى يتناسى فيه أحيانا " هو وضيوفه " أن مصر دولة إفريقية والمبارة تجرى بينها وفريق آخر من إفريقية فيقول معلقاً " الأفارقه يمتازون ..... " ونتساءل : من هم الأفارقه !؟ لماذا بدون أن يدرى يحاول أن يخرج مصر من الدائرة الإفريقية!؟
أيضا أسوق مثالاً آخر يعكس فى طياته عنصرية غير مقبولة بأية حال من الأحوال ، وهو ماصدر من صحافية كبيرة فى مؤسسة صحافية مصرية يشار إليها بالبنان . حيث قالت فى إحدى الندوات : إحنا فى مصر بنجوز السودانيين لبناتنا ، وحتى الجنوبيين منهم ! بعد المحاضرة أخذتها جانباً وأعدت عليها ما قالته . إعتذرت قائلة : بالطبع أنا لم أكن أعنى التقليل من شأن الأخوة السودانيين وخاصة أبناء الجنوب منهم . قلت لها : أنا أعلم ماتعنيه ، فقط قصدت أن لايتكر ذلك خشية تفسيره وأخذه بمأخذ آخر .
فى منتصف القرن الماضى تغنى العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ بـ " أسمر ياسمرانى .. " والفنان محمد قنديل بـ " أبو سمره السكره ، أبو ضحكة منوره ، إنهارده ، فات وعدى وله لسه ياترى !؟ " وتغنت الفنانه اللبنانية الشحرورة صباح " أبو سمره زعلان ليه !؟ و علشان سماره سر جماله " هل تلك أيام مضت !؟ سؤال نوجهه إلى كل من الأستاذ / هانى رسلان والأستاذه / أسماء الحسينى والدكتورة / آمال الطويل ، وإلى الإعلاميين فى مصر الشقيقة .
Ahmed Kheir [aikheir@yahoo.com]