الماركسي حامد نصر أبو زيد: ومحاولة جريئة لنسف مصادر التشريع الأربعة 2-3

 


 

 

الماركسي حامد نصر أبو زيد:

ومحاولة جريئة لنسف مصادر التشريع الأربعة

محمد وقيع الله

(2 من 3)

إن البحث الذي بنى عليه الدكتور نصر شهرته، هو ذلك البحث الذي قدمه لجامعة القاهرة، بعنوان (الإمام الشافعي وتأسيس الأيديولوجية الوسطية)، لينال به درجة الأستاذية في الفكر الإسلامي.

وعنوان الكتاب ربما بدا مضللا للقارئ العادي، غير المتخصص، فقد بدا وكأنه يحصر أمر البحث في سيرة الإمام الشافعي، وفقهه، وتراثه.

ولكن من يقرأ الكتاب جيدا يتضح له أن المستهدف ليس هو الإمام الشافعي وحده، وإنما الإسلام بكامله.

فقد أوشك الدكتور نصر أن يجعل من الإمام الشافعي، رضي الله عنه، نبيا آخر للإسلام بعد محمد، صلى الله عليه وسلم.

ونسب إليه أنه هو الذي أسس الفقه الإسلامي، بأصوله، وفروعه.

وهو ما دعاه الدكتور نصر بالأيديولوجية الوسطية، التي يتبعها المسلمون اليوم.

وزعم أن الإمام الشافعي، رضي الله عنه، لا النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، هو الذي أسسها.

فهذه هي الحيلة الماكرة التي أقام عليها الدكتور نصر بحثه، حيث يقوم بنسف الإسلام من خلال نسف الإمام الشافعي.

ماذا نقم من الإمام الشافعي؟

ولكن مشروعا ضخما مثل هذا لا يمكن تنفيذه من غير تحايل، وكذب، وتزوير كثيف لحقائق العلم والتاريخ.

وهو ما زخر به هذا البحث الوجيز الذي لم يستغرق أكثر من مائة صفحة من إنجاز الدكتور نصر.

ولننظر إلى أنموذج من نماذج التزوير الشنيع، الذي تقشعر له العقول، مما ورد ببحث الدكتور نصر أبو زيد.

كان لابد أن يطعن الدكتور نصر أولا في شخصية الإمام الشافعي ليحطم مرجعيته الروحية والمعنوية والأخلاقية. فماذا قال؟

اتهم الإمام الشافعي بالميول العصبية العنصرية القبلية، وذكر تأثيرات متوهمة لتلك الميول على آرائه ومواقفه العلمية.

وذكر أن:" أهم صور التعبير عن انحياز الشافعي للقرشية أنه الفقيه الوحيد من فقهاء عصره الذي تعاون مع الأمويين مختارا راضيا، خاصة بعد وفاة أستاذه الإمام مالك بن أنس (179هـ) الذي كان له من الأمويين وقف مشهود بسبب فتاواه بفساد بيعة المكره وطلاقه. وموقف الإمام أبي حنيفة (150هـ) الرافض لأدنى صور التعاون معهم - رغم سجنه وتعذيبه – يكشف إلى أي حد بلغ رفض الفقهاء لعصبية ذلك النظام ولممارساته القمعية ضد جماهير المسلمين إلا أن يكونوا من مؤيديه وأنصاره بشكل مباشر. سعى الشافعي على عكس سلفه أبي حنيفة وأستاذه مالك إلى العمل مع الأمويين، فانتهز فرصة قدوم والي اليمن إلى الحجاز وجعل بعض القرشيين يتوسطون له عنده ليلحقه بعمل، فأخذه الوالي معه وولاه عملا بنجران ".

ولننظر إلى هذا النص نظرة تحليلية لنرى كم من الأخطاء المتصلة بالمنهج، والمادة، وأخلاق البحث العلمي، يحتشد بها هذا النص القصير، الذي نأخذه مثالا على ضعف القدرات العلمية، والفكرية، والبحثية، والمنهجية، والأخلاقية لهذا الدعي المتطفل على ساحات البحث في الفكر الإسلامي؟

لقد أقام الدكتور نصر أبو زيد دعوى كبرى في كتابه هذا على تعامل الإمام الشافعي، رضي الله عنه، مع الخلفاء الأمويين، حتى لقد زعم أنه الإمام الوحيد الذي تعامل معهم عن اقتناع ورضا، وذكر أنه التحق بخدمتهم بعد وفاة أستاذه الإمام مالك في عام(179هـ).

وذلك مع أن أبسط دارس للتاريخ الإسلامي، يعرف أن الدولة الأموية لم يكن لها وجود في ذلك الوقت.

لأنها انهارت في عام (132)، وقامت على أنقاضها دولة بني العباس.

إن المؤكد من الناحية التاريخية الصرفة أن الإمام الشافعي لم يشهد يوما واحدا من عصر الأمويين، وذلك لأنه ولد بعد انهيار دولتهم بثمانية عشر عاما، فهو مولود كما يقول جميع من أرخوا له في عام (150) هـ.

ويبدو أن الدكتور نصر الذي أحالنا من قبل على كتاب الإمام الشيخ محمد أبي زهرة في أكثر من مقطع من تقرير بحثه، لم يطلع على كتابه هذا جيدا. لأن الإمام أبا زهرة ذكر في كتابه هذا نقلا عن الإمام الشافعي، رضي الله عنهم:" ولدت بغزة سنة خمسين ومائة، وحملت إلى مكة وأنا ابن سنتين ".

فهو يحيلنا على كتاب، يبدو أنه كان يتصفحه فقط ليلتقط منه إشارة هنا أو هناك، مما يمكن أن يقوم بتحريفها على هواه.

وقد كان مطلوبا من الدكتور نصر أن يقرأ الكتاب جيدا حتى لا يصبح حجة عليه.

المراجع الأصلية والثانوية:

بل كان مطلوبا منه يرجع إلى أكثر من كتاب أبي زهرة هذا، الذي مهما قيل في قيمته العلمية العظيمة، وهي قيمة علمية شامخة بحق، إلا أنه يعد في النهاية يمعايير البحث العلمي مرجعا ثانويا لا أصليا في الوضوع.

وهكذا فقد كان مطلوبا من الدكتور نصر إن كان باحثا محققا، أن يرجع إلى المصادر الأصلية في التاريخ الإسلامي، التي تناولت الموضوع كتاريخ الطبري، وتاريخ ابن الأثير، وإلى الأسفار القديمة التي سجلت مآثر الإمام الشافعي، مثل كتاب (توالى التأسيس في مناقب معالى محمد بن إدريس)، للإمام ابن حجر، ليعرف متى ولد هذا الإمام ومتى مات؟

وحينها كان سيعرف – في حالة ما إذا كان يعرف التاريخ الذي انتهت به الدولة الأموية - أن الإمام الشافعي لم يكن مولودا في ذلك الحين.

تزوير الوثائق التاريخية:

ولما نظرنا إلى كتاب أبي زهرة عن الإمام الشافعي، كما طلب منا الدكتور أن نفعل، ما وجدنا فيه أثرا لما زعم.

فقد نسب الدكتور أبو زيد إلى الإمام الشافعي، أنه أنه استخدم سلاح الواسطة والمحسوبية (بلغة المعاصرين)، ليحرز عملا يمتهنه باليمن.

وزعم أن الإمام الشافعي:" جعل بعض القرشيين يتوسطون له عنده ليلحقه بعمل ". هناك.

وعندما بحثنا عن أي أثر لهذه الفرية في كتاب الشيخ أبي زهرة ما وجدناه.

وما وجدناه بكتاب الشيخ الإمام أبي زهرة، في ص 21، وليس ص 20 كما ادعى أبو زيد، فهو:" صادف في ذلك الوقت أن قدم إلى الحجاز والي اليمن، فكلمه بعض القرشيين في أن يصحبه الشافعي فأخذه معه ".

وكما هو واضح للقارئ، غير المتحيز بغرض، فإن الفرق بين العبارتين كبي جد كبير.

فقد أسرع الدكتور أبو زيد، المتحيز بغرض، إلى اتهام الإمام الشافعي بأنه وسَّط بعض الناس لصالحه.

وأما ما في النص الذي رواه الشيخ الإمام أبو زهرة فهو أن بعض الناس نصحوا الوالي وطلبوا منه أن يأخذ الشافعي معه بدون أن ينسب الفعل إلى الإمام الشافعي نفسه.

فهذا ولا شك زور وتقوُّل منكر على الشافعي، رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

وقد أوحى هذا الزور النكر إلى قلب الدكتور أبي زيد، هذا الكم الهائل من البغض والشنآن الذي يكنه لهذا الإمام العظيم، الذي يحمله (وزر) تأسيس الوسطية الإسلامية. وهو البغض الذي عبر عنه في كافة مفاصل كتابه هذا الملئ بالإرجاف.

mohamed ahmed [waqialla1234@yahoo.com]

 

 

آراء