الخرطوم.. واشنطون: تقاطع المصالح يصعب مهمة غرايشن … تقرير: خالد البلولة إزيرق

 


 

 

رحلة جديدة استهلها مبعوث الرئيس الأمريكي للسودان سكوت غرايشن للخرطوم، ابتدرها بالمشاركة في الاجتماع التشاوري الدولي حول قضايا السودان أول امس، الى جانب المبعوث الصيني للسودان. وتكتسب زيارة غرايشن هذه المرة أهمية أكبر من واقع اقتراب الملفات التي يشرف عليها من بلوغها مرحلة الاشواط النهائية، خاصة في ما يتعلق منها بالاستفتاء على حق تقرير المصير لجنوب السودان والوضع في دارفور الذي يبدو أنه ازداد تعقيداً بعد اندلاع المواجهات العسكرية الأخيرة وتأجيل مفاوضات الدوحة الى ما بعد عيد الفطر المقبل، لتجئ زيارة غرايشن وسط غموض لم تتضح معالمه بعد في الموقف الامريكي من القضايا المطروحة في الساحة السودانية خاصة الموقف الامريكي من حق تقرير المصير واي الخيارات تساند، الوحدة ام الانفصال.

ويبدو ان المبعوث الأمريكي بدأ جولته هذه المرة للخرطوم وسط تعقيدات أكثر في المواقف تجاه القضايا المطروحة على طاولته، فموقف الادارة الامريكية من خياري الوحدة والانفصال لم يظهر بعد، رغم أنه وقبل وصوله للخرطوم كان قد قطع من خلال «ندوة معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطون» «الثلاثاء الماضي» بأن لدى المجتمع الدولي اقل من عام لنشوء دولة جديدة فى افريقيا، وقال غرايشن ان ما يقوم به المجتمع الدولي خلال مرحلة ما قبل الإستفتاء خلال «الستة اشهر المتبقية» سوف يحدد مسار السودان ككل فى المرحلة المقبلة، وحثّ غرايشن المجتمع الدولي وشريكي الحكم «المؤتمر الوطني والحركة الشعبية» على مضاعفة الجهود والعمل سويا من اجل الوصول الى حلول حول المسائل العالقة. وبالتالي فإن المنطق الداعم لنشوء دولة جديدة في الجنوب من قبل المبعوث الأمريكي وأركان إدارته، قد لا يجد الترحيب من الخرطوم التي تسعى لتحقيق وتغليب خيار الوحدة من خلال الاستفتاء المزمع اجراؤه في يناير القادم استنادا على ما نصت عليه اتفاقية السلام الشامل التي تلزم اطرافها والشركاء بجعل خيار الوحدة أكثر جاذبية، وهذا الموقف ربما يعقد أكثر من مهمته في الخرطوم التي تتطلب، حسب ما أشار كثيرا في تصريحاته، تعاون كافة الاطراف معه لتجاوز عقبات الملفات المطروحة على طاولة النقاش. وأشار الدكتور خالد حسين مدير مركز السودان للبحوث والدراسات في حديثه لـ «الصحافة» الى ان دور غرايشن ايجابي، وفرصة لن تتكرر للحكومة السودانية إذا فرطت في التعامل معه، لأنه الممثل الرسمي للسياسة الامريكية تجاه السودان، كما ان تحركاته متوافقة مع سياسات الرئيس الامريكي ومستشار الأمن القومي، وهذا الموقف غير مقبول من حرس الادارة السابقة والمحافظين الجدد وجماعات الضغط الذين يسعون لعزل غرايشن وارجاع ملف السودان للخارجية الامريكية. وقال حسين ان الاهداف الامريكية المعلنة هي حل مشكلة دارفور سلميا، ويفضل ان يكون الجنوب موحداً، والتعامل مع هذه الحكومة، وارجع التناقض الذي يظهر في الادارة الامريكية تجاه السودان الى جزء داخل الادارة الامريكية ولا يمثل الرأي الرسمي، مشيرا الى ان العراقيل التي توضع امام غرايشن عبر التصريحات لن تتيح له انجاز مهمته بالشكل جيد، وناشد الحكومة التعامل مع غرايشن ودعم خطه، خاصة انه على استعداد للتفاهم مع الحكومة لإنجاح كثير من القضايا، وقال ان المطالبة برفع اسم السودان عن قائمة الدول الراعية للارهاب ورفع العقوبات الاقتصادية المدخل السليم لها التعامل مع غرايشن، وأي حديث غير ذلك يكون عدم معرفة بالشأن الأمريكي وطريقة التعامل مع الادارة الأمريكية، ودعا حسين الى التمييز بين الرأي الرسمي الذي يمثله غرايشن وبين رأي الذين لا يريدون التعامل مع هذا النظام.

ومن الناحية الأخري فإن سكوت غرايشن وصل الخرطوم، وادارته الامريكية دعت الرئيس السوداني عمر البشير الذي صدرت بحقه مذكرة من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة الإبادة الجماعية بدارفور، دعت البشير للتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، وهو الأمر الذي ترفضه الخرطوم وتتمترس فيه عند موقفها الرافض لأي شكل من اشكال التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية أو تسليم اي من مواطنيها للمحاكمة خارج الحدود السودانية.

إذن الموقف الامريكي الأخير حول الجنائية ربما يعقد أكثر من مهمة سكوت غرايشن في الخرطوم، حيث تباعدت المواقف كثيراً بين الطرفين من خلال ما يرشح من تصريحات إعلامية للمسؤولين، فواشنطون تقف على النقيض من الخرطوم في ما يتعلق بدعم خيار الوحدة في الاستفتاء على حق تقرير المصير، وكذلك في ما يتعلق بالملف الآخر وهو الموقف من المحكمة الجنائية الدولية.

إذن في ظل هذه التقطعات في المواقف كيف تبدو مهمة المبعوث الامريكي للسودان سكوت غرايشن؟ السفير الرشيد ابو شامة، قال لـ «الصحافة» ان غرايشن رغم تصريحاته الايجابية التي ظهر بها في بداية مهمته وهي من باب الدبلوماسية، لكن ظهر انه ليس لديه استعداد وامكانيات بأن يقف ضد التيار الرئيسي المؤيد للانفصال، مشيراً الى أن غرايشن لا يحمل أفكاراً مخالفة للأفكار الامريكية، وأضاف «ليس هناك شك في أن الولايات المتحدة تسعى لفصل الجنوب على خلفية العلاقات الحميمة للادارة الامريكية مع الحركة الشعبية، لأن استراتيجية امريكا تجزئة الدول بغرض اضعافها للسيطرة عليها». وقال ابو شامة رغم اختلاف المواقف بين امريكا والخرطوم «لا اعتقد ان احدا يعترضه في جولته رغم الخلافات، وان ملاحظات الحكومة عليه لن تكون لها ردة فعل عليه، لكنها ستكون اعتراضات مكتومة». ووصف ابو شامة مهمة غرايشن في الخرطوم بالناجحة، وقال «إنه يخدم الاستراتيجية الامريكية وخط الاستراتيجية المعلن، ولا يهمه كثيرا اي شيء آخر، وهو قد نجح الى حد كبير في مهمته وهي تنفيذ اتفاقية السلام الشامل، ويسعى الآن في حل مشكلات ما بعد الاستفتاء وقيام دولة في الجنوب»، مشيرا الى ان استراتيجيته تؤيد انفصال الجنوب وهو يمضي في ترتيبها قدماً. واشار ابوشامة الى ان حل قضية دارفور الاستراتيجية الامريكية بحسب تصريحات غرايشن نفسه «ألا تحل قضية دارفور إلا بعد الاستفتاء، أي أن مشكلة دارفور تحل بعد الاستفتاء».

وكانت الادارة الأمريكية قد أعلنت سابقاً ان الانتخابات السودانية معيبة لكن يجب الاعتراف بها من أجل الوصول لاستقلال جنوب السودان، الأمر الذي عكس وقتها أن واشنطون تركز كل جهدها للوصول للاستفتاء بغض النظر عن الوسائل الموصلة إليه، وهو ما اشار إليه مبعوثها للسودان الاسبوع الماضي بقوله ان الادارة الأميركية تولى عملية الاستفتاء اهمية قصوى، وشدد على اهمية ان تتم بشفافية ونزاهة حتى يتجنب الناس العودة الى الحرب، ودعا الحركة الشعبية الى التعاون مع المؤتمر الوطني لضمان نجاح الاستفتاء دون عنف. واكد غرايشن امام جمع من صناع السياسة فى الولايات المتحدة، ان مكتبه سيعمل باهتمام خلال الستة اشهر القادمة بالاشتراك مع مبعوثي الدول الكبرى الى السودان «روسيا، الصين، بريطانيا، الاتحاد الاوربى، الاتحاد الافريقى» لانجاز المهمة في يناير القادم، مستبعداً ميلاد دولة فاشلة في الجنوب كما رجح كثيرون ذلك حال اختار الجنوبيون الانفصال، وذكر ان هذا البرنامج مدعوم دعما كاملا على اعلى مستوى فى الادارة الأميركية، وباشراف ومتابعة شخصية من نائب الرئيس جو بايدن.

ولكن الدكتور محمد الأمين العباس استاذ العلوم السياسية، قال لـ «الصحافة» إن غرايشن أتى للخرطوم لا ليبحث القضايا الاستراتيجية للسودان وانما القضايا الاستراتيجية للمصلحة الأمريكية، بالتالي يدرس العوامل دارسة دقيقة وبحياد تام ليصل لوجهة النظر التي تخدم المصلحة الأمريكية، واضاف «أحياناً لا يصرح كثيرا حتى ينتظر الخبراء اعادة ترتيب التناقضات قبل الحديث عن الموقف المحدد، والسودان ضمن ثلاث حلقات بالنسبة له «عربية افريقية اسلامية» لذا لا بد ان تستوعب الرؤية الاستراتيجة الامريكية الأبعاد الثلاثة في اطار المصلحة الأمريكية»، مشيرا الى ان غرايشن يسعى لمصالح استراتيجية عليا للولايات المتحدة، وأن تكون واضحة سواء على أساس دولة واحدة تكون مصالحها محفوظة، أو اذا كانت في اطار دولتين تكون مصالح امريكا كذلك محفوظة وموقفها واضح. وقال العباس إن خلافات المواقف بين الخرطوم والادارة الأمريكية لا تؤثر على مهمة غرايشن بوصفه مبعوثاً، لأن المصالح الامريكية العليا مربوطة بقضايا اخرى متعددة، مشيرا الى ان الحديث عن استقلال الجنوب يدخل في الاطار الاستراتيجي للمشاورات لتسهيل المفاوضات حول مستقبل الدولة، داعياً الى النظر لتعقيبات غرايشن باتزان، لأنه لا يصرح بدون أن تكون الرؤية الاستراتيجية الامريكية واضحة جداً أمامه، لذا يجب أن ننظر إليها بتمعن حتى نرى مواطن الخلل ومكامن القوة.

khalid balola [dolib33@hotmail.com]

 

آراء