مؤشرات قوية باتجاه الوحدة !؟ …. بقلم: آدم خاطر
شهدنا خلال الاسبوع المنصرم كيف كانت الخيبات تتوالى على مدعى المحكمة الجنائية الدولية بعد ان استنفدت محكمته كل السبل والآليات فى الاحاطة بالسودان ورئيسه المنتخب ، وكيف فشلت جهوده فى اعاقة استحقاق الانتخابات العامة أو تعطيل التنمية فيه !. لكنها رغم ذلك لم تيئس فى استعادة الأسطوانة المشروخة فى تدبيج التهم والافتراءات بعد موات وافتضاح مقاصدها باضافة تهمة قديمة جديدة كانت جزءًا من التهم الثلاثة الأولى فى 4 مارس 2009 م ، مرت دون أن يلتفت لها السودان حكومة وشعبا ، كما لم تغير فى مساره أو برامجه ولم تهز من قناعات أمته فى التمسك بقائدها وحزبه وفق المعطيات على الساحة السياسية !. لكن المحكمة بعد أكثرمن عام رأت أن تعاود الموال لتجدد النشاط والحياة بقراراتها باخراج بئيس جديد لتضيف جرائم انسانية أخرى فى 12 يوليو الجارى ، هى (القتل، الإبادة ـ وهي غير الإبادة الجماعية ـ النقل القسري، التعذيب، والاغتصاب) و جريمتي حرب (تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين بصفتهم تلك أو على مدنيين لا يشاركون مشاركة مباشرة في الأعمال العدائية، والنهب أو الاخضاع المعتمد لكل مجموعة مستهدفة بشروط عيش ترمى الى القضاء عليها !. هكذا يظن أوكامبو ومحكمة البيض الأوربية الانتقائية بدولتنا ورئيسها ، ولا يمل أن يبرر وجوده على المشهد السياسى بمتوالية لجملة أهداف سياسية لا علاقة لها بالقانون ومطلوبات العدالة الدولية بعد أن تبين أن المدعى العام بات ناشطا سياسيا ومروجا للأكاذيب من واقع حركته وسلوكه واتصالاته غير المهنية ، كونه أضحى مطية تديره قوى الاستكبار العالمى فى مخطط كبير يستهدف أمن البلاد ووحدتها وسلامة أراضيها !. وليس مستغربا ان تصدر هذه التهمة فى هذا التوقيت ولكنها لم تفاجىء أحدا فى الحكومة أو المواطن العادى لعلمهم بمن يقف وراءها اخرجا وتوقيتا ، وهى جزء من هذا التهريج السياسى الذى يمارسه هذا الواهم (أوكامبو) ولا جديد فى قرارات محكمته ، وهى غير قابلة للتنفيذ ، ورئيس البلاد يمارس سلطانه ونشاطاته وبرامجه بطريقة اعتيادية على الصعيد الداخلى ويجد السند والمؤازرة من شعبه قاطبة ، ويتحرك خارجيا وفق ما تقتضيه مصالح البلاد العليا فكان أن ذهب الى مصر ونيجيريا ثم الى اثيوبيا مشاركا فى قمة الصومال ، والى اريتريا لاعتبارات أملتها ضرورة المرحلة وها هو يتوجه الى تشاد ومن بعدها ليبيا ، لا تخيفه صيحات هؤلاء وطبولهم التى يقرعوها !. بل كان موفقا أن أحسنت أجهزة الدولة تسفيه هذه التهمة والتقليل من تبعاتها هذه المرة بردة فعل هادئة ومتعقلة ليس كما حدث فى السابق ، وأكتفت ببيان وتصريح روتينى لوزير الاعلام السودانى كمال عبيد ( اعتبر فيه المحكمة الجنائية الدولية "محكمة سياسية لانها تعلن دائما قراراتها حين يواجه السودان رهانات دقيقة مثل السلام في دارفور او تطبيق اتفاق السلام الشامل ) ! . وغنى عن القول أن السودان ليس طرفا فى ميثاق روما المنشئ للمحكمة ولا يعترف بها أو يعتد بقراراتها ، وليس لها ولاية قضائية عليه ، وموقفه منها ظل ثابتا بعدم التعامل أو التعاون معها بسند عربى افريقى اسلامى كاسح ، وقبله تماسك الجبهة الداخلية خلف البشير وانصرافها لاستكمال مطلوبات واستحقاقات السلام بالبلاد بكل مساراته !.
فنتيجة الانتخابات التى أجريت فى أبريل الماضى كشفت حجم التضليل الذى تمارسه أحزاب المعارضة وتحالفها الضعيف من جوبا ، بمثل ما فاجأت العديد من الأطراف الخارجية بالواقع الداخلى وأحالت هؤلاء السماسرة باسم دارفور الى الرصيف ، وأحدثت حالة فرز مايزت بين الصفوف لمن يدعون تمثيل دارفور وقضيتها العادلة !. رأينا كيف جاء التوقيت لقرارات المحكمة الجنائية الدولية والخطى تتسارع باتجاه سلام الدوحة ومبادرته الغربية الافريقية بوسيط دولى ، وهى ظلت مستمرة لأكثر من عام انتظمت فى مفاوضاتها معظم الحركات المسلحة بدارفور ، وتنكبت طريقها حركة العدل والمساواة رغم توقيعها لاتفاق اطارى والبدء فى تنفيذه بهروب مصنوع واقامة مفتوحة بالجارة ليبيا ليتها تلبى ما فقدته الحركة لآخر معاقلها فى جبال عدولة ، وما اصابها ميدانيا وعسكريا وسياسيا من تشاد !. ذات السلام الذى اعتزله مناضل الفنادق الباريسية عبد الواحد وبعض حاشيته وفقدانه للمعسكرات والجبال ولم يبقى بجعبته غير كوشنير واليهود ووعودهم السراب لهكذا قادة !. فى هذا الظرف يدفع أوكامبو بقرار جديد وقد شهدنا بالأمس كيف أنه اعتمد على شهادات سماعية لمجموعات هو من قام باختيارها وبينات هو من أشرف على منتجتها واخراجها ، ورأينا كيف كانت الفضيحة المدوية باديس ابابا لعمله ومهنيته والاعترافات التى أدلى بها أبناء دارفور ممن جندهم لمهمته وحجم الرشى والمبالغ المهولة التى دفعت لهم والاغراءات التى قدمت لهم ، والتى بموجبها قبرت فكرة المحكمة الى غير رجعة وانهار بناؤها وقضاتها و السلوك غير الاخلاقى الذى ظل يمارسه هذا الضليل !. وأن ما كان يرمى اليه من ضغط سياسى على السودان أو توهم لعزل الرئيس البشير فى مرحلة ما كما ظل يصرح هو محض أمانى حاقدة سيطول بها الأجل فى التحقق الى أن يفنى هو كما فنيت محكمته ووظيفته !؟. وان كان الظن ان هذا القرار سيقضى على جهود الدوحة أو يكسر ارادة السودان حكومة وشعبا فى السعى باتجاه السلام واستكمال حلقاته فان ذلك سيكون محض أمانى لأعداء السلام فى بلادنا ، والأيام قد أثبتت عكس ما يطمحون ، أو أن كانوا يظنون أن الابقاء على خليل ونور خارج دائرة السلام حتى الاستفتاء حسب منظورهم ومخططهم فان هذه الأمانى ستخيب من واقع التعاطى الحالى الذى يرجح كفة الوحدة ويهزم أجندة الانفصال ودعاته وسنده كانوا بالداخل أو الخارج !. فالسودان به ارث تاريخى مركوز ووعى متزايد بالمخاطر التى تحدق به ، وقد عبر العديد من المطبات التى واجههته فى مسيرته للانعتاق والتحرر الى أن بلغ هذه المحطة الهامة من تاريخه ، كلفته الكثير من الجراح والآلام والتضحيات ولكنه اجتازها باقل الخسائر والاضرار وهو ماض فى طريقه لتأمين ما تبقى من أشواط مهما تعاظمت الابتلاءات وتداعت الدول الحانقة وكثرت السهام على شاكلة ما ترسله الجنائية ومن يقف خلفها !.
هكذا قدر أهل السودان أنه كلما تدلهم الخطب وتطرد المشاكل وتزداد الضغوط الدولية بمختلف أساليب الحصار والهيمنة والتشويش يرسل الله لهم من البشريات والتطمينات ما يؤكد سلامة السير واستقامة المسيرة !. الأجواء الآن تتبدل من حملات التشويش والارباك السياسى والمزايدات ، واثارة الاتهامات والمهاترات المتبادلة بين شريكى الحكم ، وحملات الغلو والتطرف فى المواقف الداعمة للانفصال كما يهرف باقان وعرمان ، الى انضباط شكلى فى الخطاب السياسى وتوارى الأصوات النشاذ من المشهد السياسى وانحسارها ، والتزام من قبل الأطراف لنصوص الاتفاق الذى يدعو لجعل الوحدة جاذبة بخطى ثنائية عملية يلمسها المواطن فى كل بقاع الجنوب !. لابد من أن ثمة ظروف موضوعية وتقدير خاص لمطلوبات المرحلة من قبل القيادة السياسية فى الشمال والجنوب بأن العمل بروح الفريق الواحد وتحمل المسئولية التاريخية ازاء هذا الاستحقاق الخطير قد دنى موعدها ، وأن اقامة الملاحم والنفرات لأجله أمر مطلوب بشدة فى هذا الظرف الدقيق !. لا مجال لفتح الباب أمام المخربين لتدمير بناء السلام فى محطته الأخيرة ، ولا مجال لخطاب اعلامى جانح أو اتاحة فرصة للحجج والمناورات السياسية كما ينزع ويجنح بعض قادة الحركة الشعبية كما حدث فى السابق !. هذا الحراك الموجب الذى تقوده الدولة من البرلمان والجهازالتنفيذى وعلى المستوى الولائى لتحريك كافة مسارات السلام فى الشرق (الكويت) أو سلام دارفور من (الدوحة) أو الجهود المتعاظمة لتعزيز أجواء الوحدة فى محاور متنوعة تركز على التنمية والاعمار والتأهيل والتواصل المجتمعى وبناء الثقة لابد لها من مساحة ودعم حقيقى واسناد كما فى مساعى منظمة دعم الوحدة الطوعية ، وما يقوم به المجتمع المدنى ومؤسسات الشباب والطلاب والمرأة وكافة قطاعات المجتمع ومنظماتنا الوطنية لأجل هذا التحدى الكبير !. هذا العمل النافع الذى تنهض به الدولة فى تسيير القاطرات لمدن وأرياف الجنوب واقامة شبكات الماء والكهرباء والاتصالات وانشاء الطرق والجسور والمطارت والمشافى ، تأتى فى وقتها لتعضد ما جرى تدشينه منذ توقيع الاتفاق فى يناير 2005 م !. لا يمكن أن نعد ذلك من قبيل الجهد الضائع والوقت المهدر أو ما الى ذلك من أساليب الترويج والهزيمة التى يبثها معسكر الانفصال الذى يحاصر بمثل هذه الأعمال الجليلة !. هذا المؤتمر الذى يقام بين ولايات التمازج القبلى بين ولايات دارفور وبحر الغزال الكبرى من أويل له أكثر من دلالة ومضمون لأنه يوحد وجدان الأمة ويعضض تداخل هذه القبائل وتواصلها المجتمعى !. وأن الاجتماع الذى قادته الجامعة العربية من الفاشر لأجل دعم التنمية والاعمار بدارفور ، وما تلاه من لقاء للمبعوثين الخاصين للسودان للسلام يأتى فى ذات السياق ويثبت هذه الأجواء التى تهيىء للسلام ومطلوباته !. بل النقاش الهادىء الذى انطلق من أديس أبابا بقيادة الرئيس الجنوب افريقى أمبيكى لقضايا ما بعد الاستفتاء بين الشريكين يؤكد على أهمية الحوارات الوطنية وابقاء القرارات الصادرة عنها وآليات تنفيذها داخل البيت السودانى !. وأن الاجتماع الدولى التشاورى حول قضايا السلام الذى عقد بالخرطوم بالأمس والروح التى انبثقت عنه تنبىء بتغير جوهرى فى التوجهات لدى كافة الأطراف ازاء استحقاقات الوحدة وتمتين الوشائج المؤدية اليها ، رغم الاشارات السالبة التى ترسلها الولايات المتحدة الأمريكية والناطق الرسمى باسم الأمم المتحدة وبعض العواصم الغربية لتسميم الأجواء الموجبة واعلاء صوت الجنائية الذى لا تعيره الدولة وشعبها أى أدنى اهتمام !.التزام قيادة الحركة الشعبية فى أعلى هرمها بتغيير خطابها الداعم لفرص الوحدة والتعاطى معها بايجابية يرسل اشارات قوية أن هنالك توجه جديد جله من قناعات أبناء الوطن بضرورة ترجيح كفة الوحدة والعمل لغايتها ، وبعضه من واقع الضغوط الكثيفة ومآلاتها التى لو قدر لها أن تنجح ستطال الجنوب والشمال والاقليم على حد سواء !. لذا لابد من تحصين السياج وتعزيز أجوائه بخطوات منيعة ومصدات رياح قوية وراسخة تكبح أى انفلات تسعى بعض الأطراف الداخلية والخارجية أن يتسرب ليهد البناء على من بداخله بعد كل هذا الجهد الخارق والعمل المضنى لايقاف الحرب ونزيف الدم والخراب ! .لابد من انتباهة ويقظة لاثراء معانى الوحدة وتسريع خطاها والدفع بعجلتها حتى آخر يوم فى بدء ملحمة الاستفتاء وليبقى الخيار لأبناء الجنوب دون اكراه أو اغراء أو تدليس حتى يعتد الكل بنزاهة العملية والقبول بنتائجهاا لذى نطمح لأن يكون معززا لوحدة البلاد التى امتدت لأكثر من قرنين من الزمان !.
adam abakar [adamo56@hotmail.com]