ماذا بعد الإستفتاء فى الجنوب !؟ … بقلم: د . احمد خير/ واشنطن

 


 

د. أحمد خير
21 July, 2010

 



لقد ظللنا نكتب وننادى بالعمل على وحدة السودان وبذل كل الجهد على أن يبقى الوطن على مساحته الجغرافية التى عهدناها منذ أن تكون السودان بقبائله المتباينة المتعايشة برغم الهزات التى واجهتها . تلك الهزات ربما أحدثت نتوءات هنا وهناك ولكنها لم تتمكن من إختراق بنيته المعجونة بتراب الأرض .
نعلم أننا سنواجه مع بداية العام الجديد 2011 بإختبار صعب تتحدد فية معالم سوداننا . إما وحدة تبقى على جغرافيته أو إنفصال يدفع بمعالم جديدة ! وهنا لابد من أن نتساءل: إذا جاءت نتيجة الإستفتاء بقبول خيار الوحدة ، هل السلطة فى المركز جاهزة لتفعيل ذلك الخيار!؟ بمعنى هل هناك دراسات وإستراتيجيات جاهزة تسهل من تعزيز ذلك الخيار، أم أن ذلك سيضع السلطة فى موقف كمن يحاول أن يلملم أطرافه بعد عراك طويل لم تكن معالم الإنتصار فيه واضحة ومتوقعة !؟ فيبدأ التخبط على صعد عدة ويختل التوازن مما تتبلور معه مشكلات أخرى لم تكن بائنة للعيان ؟
ثم إذا حدث وصوت الإخوة فى الجنوب للخيارالآخر وهو الإنفصال ، هل السلطة فى الشمال جاهزة لعواقب الإنفصال ؟ بمعنى هل هناك دراسات ومنهجية تمكن السلطة من التعامل مع الواقع الجديد ؟ والواقع الجديد الذى أعنيه هنا ليس قيام دولة جديدة على الحدود الجنوبية فحسب ، بل حضور مكثف من دول أخرى تأتى لدعم الدولة الجديدة ومساندتها والتأكد من أنها ستتمكن من تحجيم دولة الشمال " مهما تكن المسميات " وتكثيف الجهود لوصمها بالإرهاب ، خاصة وأنها ستكون دولة إسلامية بمعنى الكلمة " فى نظر أمريكا والغرب  بالإضافة إلى أسرائيل "  حيث ستعمل الأخيرة على قرع  طبول " الإرهاب والقاعدة والتطهير العرقى والإبادة الجماعية " خاصة بعد الإدانة الصادرة عن المحكمة الدولية بحق رئيس الجمهورية  .
نعيد ونكرر ، هل هناك دراسات وإستراتيجيات يمكن تفعيلها لمواجهة ماسيحدث عند واحد من الخيارين المذكورين !؟
لقد عودنا النظام فى الخرطوم على عدم السبق فى إتخاذ القرارات .  وعلى القرارات العشوائية التى لاتجدى ، وعلى التأخر فى حل  النزاعات ، فهل ستسير الأمور عل نفس النهج حيال ما سيفرزه الإستفتاء ؟
إذا كان النظام فى الخرطوم لازال يعتقد بالمقولة القديمة التى تستند على أن الجنوب قوامه قبائل متناحرة لن تتمكن من التوحد والعمل سوياً ، فاليعلم أن جنوب اليوم ليس بجنوب الأمس الذى كان يستند فقط على عدة إرساليات أجنبية تبشيرية تقوم بتقديم بعض الخدمات الصحية والتعليمية وأحيانا الإعانات المالية . فاليوم الجنوب فى نظر الدول الداعمة له هو رأس الحربة الذى من خلاله سيبدأ العمل على تفكيك السودان إلى وحدات لتتكون منها دويلات فى المستقبل الهدف منها هو كسر شوكة الدولة الدينية فى الشمال . ذلك  تماما كما يحدث الآن فى أفغانستان وإيران !
قد يظن البعض أن الدين الإسلامى هو المقصود بالحرب المعلنة ، ولكن فى الحقيقة أن الدين الإسلامى بعيداً كل البعد عن مطرقة الغرب و سندان الولايات المتحدة .  فالمملكة العربية السعودية هى دولة دينية وعلمها يحمل " لا إله إلا الله محمد رسول الله " فما إعترض الغرب ولا إعترضت أمريكا على ذلك ، ولكن أن يلوح بالدين لتخويف الآخر " يا أمريكا لمى جدادك " أو الهجوم عليه فى عقر داره " 11 سبتمبر " أو بتدمير معتقدات الآخرين " تمثال بودا " ! فلإسلام فى سلام طالما أن من ينادون به يحترمون الرسالة العظيمة التى قام من أجلها " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة " ولكن أن  يحمل الدين كآداة تخويف وإرهاب للآخرين فهذا مايعتبره الغرب والولايات المتحدة وكل شعوب العالم المتحضر دعوة للنزال والإقتتال ! فالنظام فى الخرطوم الذى يتستر بإسم الدين ، عليه أن يعى أن الدين الإسلامى براء من كل السلبيات التى جلبها النظام نتيجة توجهه الصورى الغير مدروس الذى لايمت للإسلام ورسالته السمحة بأية علاقة ،  سوى علاقة  التشابه فى الأسماء!           
بعض من أبناء الجنوب الذين ينادون بالإنفصال قالوها صراحة أن من الأسباب الرئيسية لدعوتهم تلك هو تبنى الدولة مشروعاً دينيا هو القالب المعمول به عند تقييمها لمواطنيها ! ذلك التقييم الذى يضعهم وآخرين فى مرتبة المواطن من الدرجة الثانية ! فمنذا الذى يقبل أن يعيش فى دولة لاتعطيه نفس الحقوق التى تمنحها للآخرين !؟
لقد تشرفت يوم السبت الماضى " 17 يوليو 2010 " بحضور إحدى فعاليات " المرأة الجنوبية من أجل التمكين  " التى إنعقدت فى فندق " ماريوت كى برج " الواقع على ضفة نهر البوتوميك بالعاصمة واشنطن . تلك الفعالية هى جزء من الحملة التى تقوم بها بعض من القيادات النسوية الجنوبية بغرض التوعية تمهيداً للتصويت لتقرير المصير المرتقب فى جنوب السودان .  كان من المقرر ان يحضر تلك الفعالية الناشط الأستاذ/ إدوارد لينو ولكنه لم يتمكن من الحضور لأسباب طارئة . شارك فى تلك الفعالية كل من الأستاذ/ مايكل لوباى عن مجتمع أبناء الجنوب فى واشنطن الكبرى الذى شكر الحضوروتمنى للجميع فعالية موفقة تمكنهم من تقديم العون اللازم بالإرشاد عن إحتياجات مرحلة ماقبل التصويت على تقرير المصير، والأستاذ/ كريستوفر زامباكرى من جامعة نورث إيسترن فى بوسطن الذى قدم عرضاً تاريخيا أوضح فية دور الإستعمار فى الفصل بين جنوب وشمال السودان بتطبيقه لقوانين المناطق المقفولة التى أثرت كثيرا فى التواصل بين أبناء جنوب وشمال السودان ، والدكتور/ ديفيد بسيونى الخبير السابق بالأمم المتحدة الذى ركز على إيجابيات الوحدة فى ظل كونفيدرالية ضلت طريقها خلال حقب مختلفة من تاريخ السودان وإن كان قد أخذ بها من قبل لما وصل الحال إلى ماهو عليه فى الوقت الراهن ، والمحامية الأمريكية ذات الأصول الإفريقية الأستاذه/ تى ميشيل واشنطن ، التى قدمت ماكان مفترضا ان يكون عرضاً مقارنا بشقيه الإنجليزى والعربى  للوائح التى ستحكم تقرير المصير وأوضحت أن هناك تناقضا بين الشق الإنجليزى والعربى " بالرغم من أنها عرضت الشق الإنجليزى ولم تقدم الشق العربى " ليتمكن الحضور من المقارنة والتعرف على ما إذا كان هناك تناقضاً أم ذلك محض إفتراء من جانبها . بعد عدة دقائق " إستراحة " فتح باب النقاش " بكل أسف لم أتمكن من البقاء لفترة أطول لإرتباط سابق " ولكن كان من ضمن الحضور الأستاذ/ إيذيكل لول رئيس مفوضية الجنوب فى واشنطن والدكتور/ عامر إدريس ، أستاذ كرسى مساعد بكلية الدراسات الأفريقية والدراسات الأفرو-أميريكية فى جامعة فوردهام فى مدينة نيويورك ، والدكتوره/ ندا على ، مستشارة ببرنامج الأمم المتحدة للتنمية بالإضافة إلى الأستاذ/ جوزيف تكر ـ عضو فريق الشمال/الجنوب من مكتب المبعوث الأمريكى الخاص للسودان .
أشير هنا إلى أنه وعلى طول السنوات الماضية التى إلتقيت فيها بالعديد من الإخوة والأخوات من أبناء الجنوب ، خرجت بإنطباع عام بأنهم لايريدون الإنفصال عن الشمال ولكنهم يسعون لتحقيق مكاسب أكبر من خلال إستراتيجيات تشمل المفاوضات المباشرة وغير المباشرة والضغط أحيانا بمساندة قوى أجنبية كى يتحقق لهم فى نهاية المطاف الحكم الذاتى الذى يرغبون فيه وعلى إجبار السلطة فى الخرطوم على تغيير نهجها الدينى وتحقيق المزيد من العلمانية التى تحقق للمواطن ذاته المفقودة تحت ستار الدين . يبقى هنا أن تعمل السلطة فى الخرطوم لأن يكون الوطن بكامله جاذباً للجميع . وذلك بأن ترفع عن كاهل المواطن كل ماينغص حياته وذلك برفع الوكالة عنه وإحترام إنسانيته وإفساح المجال للرأى الآخر . بمعنى العمل على كل مايسعد الإنسان كى تثبت السلطة للجميع بأن التغيير قادم وأنها تعمل على رفاهية الإنسان وأن السودان سيكون الجنة التى تفتح أبوابها للجميع . عندها فقط سيعود أبناء السودان من دنيا الإغتراب ، وعندها فقط سيصوت أبناء الجنوب للوحدة .  
أختم هنا بما قالته الأخت الرائعة فى أسلوبها وإنتقاء كلماتها ،  مقدمة البرنامج التى أعجبنى ماقالته " ناس  الشمال ديل ، كانوا ساكتين ساكتين ، لامن الكلام دخل الحوش ، قاموا يكوركوا " صدقت يا أختاه ، ولكن بالرغم من ذلك أتمنى أن يسع الحوش الجميع ولا أحد منا يكورك .          

Ahmed Kheir [aikheir@yahoo.com]

 

آراء