السودان مفتاح الصحوة الافريقية !؟ …. بقلم: آدم خاطر

 


 

أدم خاطر
25 July, 2010

 

adam abakar [adamo56@hotmail.com]

قرابة الخمسة عقود مرت على تأسيس منظمة الوحدة الافريقية والتحول الذى أملته الظروف الاقليمية والمحلية بالقارة لاعلان ميلاد الاتحاد الافريقى من ديربان فى يوليو عام 2002 م ، برئاسة ثامبو أمبيكى الرئيس السابق لجنوب افريقيا كأول زعيم لهذا الكيان ، وقد كانت المنظمة التي اثقلت كاهلها اعباء الديون والبيروقراطية  والفساد قد فشلت في حل الصراعات الافريقية أو في تحسين نظم الحكم واستغلال الثروات بعدما تحللت جذورها المناهضة للاستعمار التي انشئت على أساسها في عام 1963 م  ، لكنها رغم ذلك نجحت بفضل الآباء المؤسسين فى وضع لبنات جيدة وراسخة للاتحاد وأرست معالم التحرر والنهضة التى تنتظمه الآن !. ولعل واحدة من أبرز التوجهات والآليات التى أظهرت قوة هذا الكيان وقدرات أمتنا بعض منظماته الاقليمية التى تعاطت بصورة مباشرة مع أدواء الجفاف والتصحر التى ضربت معظم البلدان لسنوات طويلة وأفقرت اقتصادياتها وكانت سببا مباشرا فى أغلب النزاعات الوصراعات وقيام الحركات المسلحة والتمرد بالقارة ، حيث تصدت مجموعة دول الايقاد (محدودة العضوية لدول شرق افريقيا  ) الى معالجة الأوضاع الناشئة عن هذه الظواهر الطبيعية وقضايا المصالحات واحلال السلام و أسهمت بطريقة مباشرة وفاعلة وناجحة فى انجاز أهم تسوية سلمية فى تاريخ القارة الافريقية ، و كتابة ميثاق السلام فى السودان ووقف الحرب والقتال والدمار الذى دام لأكثر من 22 عاما وحصد الملايين من الأرواح فضلا عن الخراب الذى أحل بالبلاد وأقعد مسيرة التطور والنماء فيها !. أنجزت الايقاد هذا الاتفاق فى حوار سودانى شمالى - جنوبى هادىء ومتعقل لما يقارب العام وبدعم كامل ومساندة الاتحاد الافريقى ، حيث يشهد العالم تنفيذ  اتفاق السلام الشامل منذ العام 2005م وهو يخطو الآن نحو نهاياته بانفاذ الاستفتاء كآخر المراحل فيه ، والحملات الوطنية تتكاثف لتامين وحدة البلاد واسدال الستار أمام كافة المؤامرات الخارجية لتمزيق السودان ونسف استقرار القارة !.  لئن كان انجاز الايقاد بالامس جاء مبهرا وفريدا فى تعزيز تضامننا الاقليمي ، فان قيام تجمع دول الساحل والصحراء المعروف اختصارا ب (س - ص) فى فبراير عام 1998 م بطرابلس – ليبيا بحوالى ستة دول وعضويته الآن تضم حوالى 29 دولة ،  أثبت هذا الكيان بأنه كان سابقا بفكرته وبصيرة قادته فى مخاطبة مختلف المشاكل التى تعترض تطور القارة وتركز بصورة حصرية على المصالحات وقضايا السلام والاستقرار والتنمية بمفهوم اقتصادى شامل يهدف لتمتين وحدة وسيادة الدول الافريقية ومحاربة شتى صنوف الاستعمار وتوابعه !. وبرغم أن ميلاد هذا الكيان أتى قبل ميلاد الاتحاد الافريقى الا أنه التقى معه فى الأهداف والبرامج لخدمة هموم القارة ومخاطبة التحديات التى تواجهها من الخارج ، حيث يتجه العالم الى بناء مثل هذه التحالفات والتكتلات الاقليمية باستراتيجيات تقوى من الروابط الأخوية والسمات المشتركة لبلدانها وجعلها تصب فى خدمة مصالح شعوبها ورفاهيتها !.
هكذا انطلقت مسيرة هذه التجمعات الاقليمية فى القارة وقدرها أن تنشأ وسط هذه الأعاصير وصنوفا من الاشكالات المعقدة داخل تركيبة كل بلد ، وبقى السودان بما يحيط به من استهداف خارجى واحاطة من الدول الغربية والولايات المتحدة القاسم المشترك بهمومه التى تتناولها هذه المنظمات الاقليمية لتجعل الحلول داخل البيت الافريقى وتسلم بلدان القارة من شبح الهيمنة والوصاية والتدخلات الخارجية والضغوط التى تمارسها دول الاستكبار العالمى على افريقيا التى نهب الغرب  ثرواتها بالأمس ، ويعمل حاليا بجد ليقف حائلا أمام أى مبادرة أو خطوة افريقية لتحرير الارادة والقرار الافريقى ازاء ما تقوم به تجمعاتنا الاقليمية  !. لذلك جاءت مخرجات قمة دول تجمع الساحل والصحراء من انجمينا – التشادية يومى 22-23 يوليو الجارى كاحدى المعالم البارزة فى انعتاق القارة نحو التحرر والسيادة الكاملة فى رفض الاملاءات والوصفات الأجنبية التى تمليها دول الجنائية ممثلة فى ( أمريكا – بريطانيا - فرنسا ) . لئن عكفت الايقاد على معالجة أهم قضايا السودان فى شق سلام الجنوب ، فها هو تجمع س – ص يقف شوكة فى خاصرة من يعملون ويساندون الاحاطة الغربية الامريكية فى محاصرة السودان عبر مقررات المحكمة الجنائية الدولية التى تستهدف السطات العليا فى السودان وما تمثله من رمزيات !. وكان جليا أن مشاركة السودان كانت هي الأبرز والأكثر عمقا في دول التجمع وفى أنشطة إصلاحه وتطوير العلاقة بين مكوناته في داخل القارة الأفريقية ، حيث ظل الكل يتابع مسيرة العلاقات السودانية التشادية على خلفية النزاع فى دارفور والانحدار الذى بلغته لدرجة المواجهة المباشرة بين جارين وايواء المعارضة لكل والعمل العسكرى المفتوح ضد بعضهما البعض دون كوابح !. هكذا تقدر تشاد مصالحها وأمنها وسلام الاقليم والقارة فتطوى صفحة العداء والتآمر ، فتنقلب على حركة العدل والمساواة رغم أواصر الرحم والدم ، وهى ظلت تنطلق من أراضيها فتفكك بقرار جرىء وجودها وتطرد قادتها ، وتنتقل الى مربع جديد فى علاقاتها مع السودان على نحو مذهل وبأفضل مما كانت عليه الوشائج فى السابق لتعود المياه الى مجاريها وتفاجأ الدول التى كانت تساند تشاد فى مواقفها العدائية الأولى ضد السودان من هذه الخطوة التى أقدمت عليها وما تلاها من اجراءات لتعزيز الثقة !. تشاد التى كانت بالأمس واحدة من منصات انطلاق الغرب وأمريكا فى ضرب السلام والاستقرار فى السودان وحماية وحدته ، وافشال شتى المساعى لاستكمال السلام فى دارفور ، تعود الى جادة السلام بقوة لتصبح من الدول التى تسهم بطريقة فاعلة فى تشييد هذا الصرح ، وسلب  حركات التمرد أهم أدواتها من حيث الأرض والتدريب وخطوط الامداد اللوجستى لاطالة أمد الحرب وارباك الاستقرار فى حدودنا معها !. هكذا يتعزز بناء السلام عبر فضاء س – ص التى أرسلت من اشارات واضحة لأكثر من طرف ضمن مقررات قمة انجمينا وما أصدرته من قرارات مهمة خرج بها البيان الختامى للمجلس الوزاري  من إدانة ورفض للتحرك المسيس لما تسمى بمحكمة الجنايات الدولية ضد السودان بحسبانها واحدة من أدوات تركيع أكبر دول القارة فى سياق ما يمارسه مدعيها وقضاتها لارهاب قادة الدول الافريقية بما تصدره من قرارات انتقائية وتحركات سياسية مريبة لا تمت للقانون والعدالة الدولية بصلة تكشف عن خوار هذه العقلية  !.
قرارت قمة س – ص من تشاد فضحت بجلاء نوايا من يقفون خلف أوكامبو ومحكمته التى تساندها أمريكا ودول الاتحاد الأوربى وتوابعها من كنائس ولوبيات اسرائيلية ، وعرت تصرفات هؤلاء القضاة الذين لا يمتون للقانون بصلة ، بل كشفت حجم الدعم الجلى والمستتر والتدخل السافر فى الشأن الافريقى ، وألصقت بتحالفهم المشبوه خسارة كبيرة لجهة الأخلاق والمبادىء التى يتشدقون بها من خلال تناقض المواقف وازدواجية المعايير على نحو ما تفعل وتصرح الولايات المتحدة والعديد من الأبواق التى تفاجأت بالموقف التشادى الذى هيأ بلاده وشعبه لتكريم البشير واستقباله بطريقة بطولية مشرفة تجاوز من خلالها كل مرارات الماضى والدروس التى استفادها البلدان فى العقد الأخير !. كسب السودان وتشاد وكامل دول التجمع والقارة بهذه القمة معركة الأخلاق والمبادىء بحكمة عالية ورهان رابح ، وتكسرت عند صخرة تشاد بموقفها الذى كان جوهر القمة تكسرت عنده كل أحلام دول الجنائية بحسبانها أول دولة كاملة العضوية فى المحكمة تقف هذا الموقف لتمهد به وتقود به دول القارة التى سبق وأن قالت كلمتها فى رفض مقرراتها أو التعاطى معها فى حق دولة عضو كالسودان !. وهى تقوم بهذه الخطوة الجريئة أكدت أن المزايدات والكيد السياسى الذى تحيكه هذه الدول للنيل من السودان وتشاد عبر احداث فتنة يراد لها أن تطال القارة ، برهنت أنها بهذا الموقف قربت من وحدة القارة وتلاحم قادتها فى مشهد متفرد بما أسسه من مؤازرة ومساندة للسودان ، وأعطت صفعة قوية للولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وكل الدول التى تدعم مواقف الجنائية !. بالمقابل ظل موقف السودان ثابتا فى تعاطيه ورفضه للجنائية ككيان وكل ما يصدر عنها ، بينما عرى التناقض الامريكى الذى يسعى لاعاقة سلام السودان ووحدته عبر هذه التكتيكات وأمريكا ليست عضوا فى الجنائية وهى تدعى حرصها على سلام البلاد ووحدتها وتفعل عمليا ما يقوض هذه الأمانى  !. بل كانت قمة س- ص بتشاد مران أولى فى المنازلة الكبيرة التى تنتظر هذه الدول الحانقة فى قمة الاتحاد الافريقى بكمبالا اليوم لنسف ما تبقى من أحلام لهذه العصابة عندما تعلن دول القارة رفضها لكل خطى الجنائية ومدعيها وتحركها فى اقامة مكتب لها بأديس أبابا على نحو ما قام الآباء برفض اقامة قاعدة عسكرية أمريكية بافريقيا ، فتدق بذلك آخر مسمار فى نعش هذا الكيان المشبوه بتآمره على دول القارة وأمنها وسلمها واستقرار بلدانها ، وشغلها بالمنازعات والغلاقل لاضعافها وتفتيتها !. هذه القمة الهامة الخامسة عشر هى تجديد لموقف سابق بعدم التعامل مع المحكمة الجنائية ، وما يخرج عنها من قرارات هو المزيد من العزل للموقف الأوربى – الأمريكى ورفض للأساليب الفاشية فى اعادة استعمار القارة السمراء ولى ذراعها ، وهى أيضا ارساء لبعض الدعائم الراسخة والمتينة التى تعتمدها القارة فى التعامل مع شتى محاولات الهيمنة ووقف المد التحررى والنزعة الاستقلالية لقارتنا الفتية !. ويحمد للسودان بصمود قادته وتلاحم شعبه خلف جهود الدولة لمعالجة ما يحيط بواقعه وهمومه أنها أضحت معالم بارزة فى كتابة ميلاد جديد للقارة وريادتها فى رفض كل طغيان ، بل أسست لقدرة بلدان القارة وجهودها لاقامة علاقات ثنائية سوية وقوية قائمة على المصالح والاحترام المتبادل وحماية ظهر الآخر بحفظ سيادته وأمنه واستقراره ، وتأمين سلم الجوار لأجل تعزيز السلم المجتمعى الاقليمى واستقرار القارة ، وتفويت الفرصة على المتربصين بها ووئد كافة المساعى الخائرة لاختراقها واغلاق أبواب الحرب الى غير رجعة  !. وليمضى السودان فى ملاحمه الكبيرة لأجل وحدته التى هى من وحدة القارة وتماسكها ، ومعالجة قضاياه وتثوير سلمه بهذا السند الافريقى الأخوى ليصبح مفتاحا للصحوة الحقيقية بافريقيا ازاء التحرر والانعتاق والسيادة الحرة ونموذجا للاستقلال والقرار الوطنى رغم الكيد والتآمر !!!!.

 

آراء