1-3
(يعتقد البعض أن نشأة الدوبيت السوداني تمت على يد الشاعر حسان الترك في القرن السادس عشر الميلادي وقد ولد حسان في صدر السلطنة الزرقاء في أرض البطانة وتوفي في العام 1600 وهو حسان ود عوض الكريم ود شاع الدين ود التويم يقترب بنسبه من سلاطين الفونج إذ إن أمه (بياكي) إبنة أحد ملوكهم وتقول الروايات أنه حبس في عهد السلطنة الزرقاء وعندما أطلق سراحه أنشأ أول مسدار في رحلته من سنار إلى أرض البطانة. عليه يعتبر (حسان الحرك) على قائمة رواد شعر الدوبيت السوداني الذين سنورد سيرتهم في هذه السلسة من المقالات عن رواد الدوبيت السوداني معتمدين إلى حد كبير على مخطوط معجم شعراء البطانة لمؤلفه الباحث والكاتب الكبير ميرغني ديشاب ولا شك أننا سنورد نماذج من أشعارهم متعرضين في سردنا للتطور الذي لحق بالدوبيت عند نشأته وما تلى هذه النشأة).
ينتمي الشاعر (حسان الحرك) إلى قبيلة الشكرية وهو جد الحساناب من فروع الشكرية. قال الشعر في الغزل والحنين إلى أرض البطانة عندما كان محبوساً في سنار وقد إمتدت أشعاره لتشمل أغراض أخرى وقد إختلف الرواة في أسباب حبسه كما لم يستطع الباحثون في رصد أكثر من ثلاث عشرة رباعية شعرية له حتى الآن ورباعياته تلك تتفاوت في طولها وقصرها فمنها ما يتكون من أربع شطرات ومنها ما يزيد عن ذلك كمعظم الشعر القديم في أرض البطانة ولغة الشاعر (حسان الحرك) هي لغة شعرية قديمة تكاد تندثر الآن.
بعض شعر (حسان) منسوب للشاعرة (شغبة المرغمابية) يؤرخ به حتى الآن وهو رأي يوجد من يعارضه ولعل مرد ذلك يعود لنشأة الشعر في أرض البطانة إذ لم يجد الباحثون شاعراً أكثر قدماً من (حسان الحرك) ولتداول شعر الدوبيت شفاهة مما يعرضه للنحل وفساد الرواية. جاء الشاعر (حسان الحرك) مذكوراً عند الأستاذ (حسان أبوعاقلة) وأثبت له قليلاً من شعره ومنه ما هو مدون وما لم يدون بعد ومن الممكن الوصول إليه عبر أهله الحساناب في كل من قرية (قيلي) و (حلفا الجديدة) إذ إن شعره لم يجمع بعد. ومن نماذج الشاعر (حسان الترك) الشعرية نورد رباعيته التي قالها وهو في سنار مع زوجته (شما) وقد تمنى لها الرحيل إلى أرض البطانة وقد أشار فيها إلى ساجنيه ولأن حسان صاحب لغة قديمة فلابد من شرح المفردات التي تصاحب رباعياته. يقول:
ما تستاهل الكَمَره وسكُون اليوى
شما جارة ال وَهْوَه مع الدامبوى
جابوا لى كَتَبَّا الأخرش أب هَبّوى
خشمو مع الحَوِل بيلهوج الداقوى
الضمير في بداية الرباعية يعود إلى (شما) زوجة الشاعر والكمره هي الحبس واليوى شجر ضخم تسكنه الأسود ولعله هنا يشير إلى ساجنيه، ال وهوه بمعنى الذي صات وهو صغير البعشوم والدامبوى هو ثمر شجر السنط كا ورد في قاموس اللهجة العامية للبروفسير (عون الشريف قاسم).
جاءت كلمة (كتبا) في الشطرة الثالثة من المربع وهي تعني الهودج وهو مأخوذ من القتب. والأخرش التي جاءت في ذات الشطرة تعني الجمل الذي يميل لونه إلى السواد، أب هبوي هو جمل بعينه. في الشطرة الأخيرة من المربع جاءت كلمة الحويل وهو ضرب من العشب، كما جاءت كلمة يلهوج وتعني يمضغ.
وفي نموذج آخر من شعر (حسان) وهو من شعره المنسوب للشاعرة (شغبة) يقول:
الليله على القِبله المِبادِر رَزْ
رِخِسْ سِيد التُّكُل سيد البهايم عَزْ
رِكْبَت في الوَسيق عَنْزَ القُنان ام حَزْ
رَخت قدم الحمام فوق الرُّفاعي اب جَزْ
القبلة هي إتجاه الشرق والمبادر هو السحاب الذي يأتي أول الخريف والرز هو الصوت. وردت في الشطرة الثانية عبارة (سيد التكل) وهي تعني الساكن في البيت من الطين. وكلمة (الوسيق) الواردة في الشطرة الثالثة تعني الجماعة وتلتها (عنز القنان) وتعني ظباء الأماكن العالية.كلمة (الرفاعي) التي وردت في الشطرة الأخيرة هي إسم جمل الشاعر ويقول عنه (أب جز) أي أنه جديد في شعره.
ومن حسان ننتقل للشاعر (علي ود محلق) وهو الذي يدعوه الدارسون (المحلق) وقد غلب هذا اللقب على اسمه إذ لا يكاد يعرف إلا به. قصته مع تاجوج مشهورة تناولها المسرحيون في الدراما ودرسها بعضهم وأصدر آخرون كتباً فيها وجعلها مادة للقصة الشفاهية كثيرون. يرجح أنه عاش في القرن التاسع عشر وعاصر الشاعر (ود الفراش) وهما صنوان في الشعر. ذهب آخرون إلى أنه عاصر العهد التركي في بداياته. وقال بعضهم انه سبق الحاردلو وأخاه عبد الله. أوقف شعره على الغزل والتغني بالجمال، وذكر مأساته مع محبوبته
(تاجوج). عاش المحلق في قبيلة الحمران التي ينتمي إليها والتي تسكن الآن في منطقة (ود الحليو) وما جاورها جنوب شرق مدينة كسلا في الحدود مع دولتي أريتريا وأثيوبيا. ذكره الأستاذ (حسان أبو عاقلة) وأورد له رباعيات من شعره، وذكره قليل عند من درسوا الشعر والشعراء في أرض البطانة. أوزان شعره تختلف عما يألف الناس من شعر البطانة الآن وقد جاء معظم شعره في البحر الذي يسميه أهل البطانة بإسم القصير، وعلى أهميته فإن شعره لم يجمع بعد. من نماذجه الشعرية قال يذكر مأساته:
أنا الجَّنَب التعِيس سويتو بى إيدِى
في كَلْمة مِزاح قليت غميدِى
فِويطرات اُم قِبيل مِلحاً رشيدِى
تاجوج ما اتلقت يا خَملَه زيدِى
وقال وهو لايني يذكر تاجوج:
كِضب يا ود جَفِيل ما ام صفايحْ
عَنَاق حَدَر العُلو ال ترعى وترايحْ
مهيرة الجيقنِى ام جَرَساً يصايحْ
جنيبتاً لى اب علي ال تامَّ القَرايحْ
رمت تاجوج بالمحلق إلى تخوم الجنون فطلب الشيوخ للعلاج وقد أوردنا من قبل في هذه المساحة مربعاً طريفاً للمحلق يحكي قصته مع أحد الشيوخ ولا نجد بأساً من إعادتها وإعادة المربع فبينا كان المحلق مع شيخه يطلب العلاج في خلوته ظهرت على الباب فتاة حسناء وسرعان ما غادرت فتبعتها نظرات الشيخ مما جعله يخطئ الدواية ويغمس قلمه في التراب فقال المحلق وكأنما يريد أن يوضح لطبيبه أين تكمن المهالك:
أكتب يا فقير ما تقول مريضك طابْ
ما شفت القبيل جابت السلام بالبابْ
رقت من وسِط وغِلدت مع القربابْ
فكرك انشغل قلمك مليتو ترابْ!!
ونواصل.
2-3
(نستمر اليوم في سيرة الرواد من شعراء الدوبيت الذين أسسوا وأسهموا في إنشاء وبناء هذا الفن القولي المتفرد على أننا ننبه إلى أننا لم نتخذ منهاجاً زمنياً متواتراً بموجبه نتعرض إلى سيرة كل شاعر من هؤلاء الرواد إنما سنتعرض للسير التي اخترناها كيفما اتفق دون أن نتقيد بالفترة التي عاش فيها الشاعر وقطعاً سيكون هنالك الكثير من رواد شعر الدوبيت خارج إهتمامنا في هذه السلسلة من المقالات رغم أهميتهم وذلك لأسباب متفرقة بعضها يتعلق بالقصد الذي تهدف إليه هذه السلسلة كالتمثيل لفترة زمنية معينة بشاعر واحد وما يصاحب ذلك من تطور في شعر الدوبيت والبعض الآخر يتعلق بشهرة البعض كالحاردلو وودالفراش وغيرهم ممن كتبنا وكتب غيرنا عنهم الكثير والبعض الثالث يتعلق بإستحالة إيراد سير كافة الرواد في سلسلة مقالات وهم كثر والأدعى أن يكون ذلك في سفر كامل، وقد تعرضنا في مقالنا السابق إلى سيرة الرائدين حسان الترك وعلي ود محلق حياتهم ونماذج من أشعارهم واليوم نورد سيرة شعراء آخرين على رأسهم الشاعر ود أب شوارب). اسمه إبراهيم ود أبو شوارب، وغلبت عليه كنيته ود أب شوارب حتي طغت علي إسمه إذ إنه لا يعرف إلا بها . عاش في الفترة مابين 1720 م –
1825 م تقريبا .إشتهر بكثرة أمداحه لآل أبي سن حكام أرض البطانة وخاصة إبراهيم أحمد بك أبو سن الذي إشتهر بالكرم وبتقديره الشديد للشاعر .ذكره د . عزالدين إسماعيل في كتابه الشعر القومي في السودان ونسبه إلي قبيلة الركابية . وذكره د . أحمد إبراهيم أبوسن في كتابه تاريخ الشكرية ونماذج من شعر البطانة ونسبه إلى قبيلة الفادنية ويقول الأستاذ ميرغني ديشاب أن الصحيح الأول منهما. له شعر في الصيد ( الظباء ) نظر فيه الشاعر الحردلو وهو ينشئ مسدار الصيد من شعره .وقد ذكر الحردلو ذلك في مسداره هذا . وقد ضاع شعر ود أب شوارب في الصيد. قليل جدا ما يروي من شعره الآن اذ لا يكاد يتعدي أمداحه في آل أبي سن التي أجاد فيها إجادة عظيمة . ذكره قليل عند دارسي الشعر والشعراء في أرض البطانة الآن . شاعر قوي العبارة مشهورة رباعياته التي فطن فيها إلي ما لم يفطن الشعراء إليه .لم نقف علي كثير من خبره . لم يجمع شعره بعد ، وهو من الشعراء الذين ظلمتهم شفاهية المحفوظ من الشعر في أرض البطانة إذ أسقطت من شعره ما كان يجب أن يبقي إلي جانب من بقي منه. من نماذج شعره قال يمدح إبراهيم أحمد بك أبوسن :
وخَّرْتُو إمتسال صاحبِى ال مِتمِّمْ كَيفِى
دا إبراهيم سبات عقلي ودرقتى وسيفِى
مطمارة غلاى مونة خريفِى وصيفِى
سُترة حالى في نساىَ وجناىَ وضيفِى
وقال يمدحه أيضا :
لُو مَنَّان ولُو شكِّاى
وللمِتْهَشْكِب ال عادمَ المُشاش عَكَّاى
صافي حليب نقيعاً مُو رَغِى وبَا فَاى
فكوراً لل تَشِكْرو ولل تلوم نَفَّاى
على وضوح جزالته الشعرية فإن شاعرنا ود أب شوارب يتمسك بالمفردة البدوية القديمة كمفردة المتهشكب التي وردت في الشطرة الثانية ومعناها الضعيف الذي لا يقدر علي شئ . والمشاش التي وردت في ذات الشطرة وهي جمع مشاشة وهي العظم الهش. أما العكاي فهو المدرِّج والمصعِّد. أما كلمة البافاي الواردة في الشطرة الثالثة فتعني اللبن الفاسد. وننتقل من شاعرنا ود أب شوارب إلى شاعر آخر من الرواد وهو الشاعرإبراهيم ود قدور و إسمه إبراهيم أحمد قدور ويشتهر بإسم إبراهيم ود قدور .
ولد في أرض البطانة عام 1897 م وتوفي بها عام 1937 م تقريبا . ينتمي إلي قبيلة البطاحين الذين يسكنون في أبي دليق وغيرها وضواحي مدينة حلفا الجديدة . وهم أهل شدة وبأس ويكثر المشتغلون بالهمبته بينهم قديماًوحديثاً .
قال الشعر في الفروسية وإعلاء قيم الهمبتة إذ كان من كبار الشعراء
الهمباتة الذين لم تذكرهم الدراسات التي تناولتهم في السودان . ويقال إنه
سجن في زمن الحكم الثنائي علي السودان بسبب ممارسته الهمبتة ومات في سجنه .
من رواة شعره النعيم ودكرار الذي يسكن الآن في قرية الشبيك من ضواحي مدينة حلفا الجديدة وهو راو جيد لشعر أهله البطاحين . لم نقف علي كثير من تفاصيل سيرة حياته ومن شعره يذكر ما يذكر الهمباته من ركوب ورحيل وحب وما إلي ذلك من سيرتهم .
لم نجد ذكرا له عند من درسوا الشعر والشعراء في أرض البطانة ولم
نقف علي انه درس وتعلم كما لم نقف علي مسادير له كعادة الشعراء الهمباتة ومن الممكن جمع شعره – الذي لم يجمع بعد – من رواة أهله البطاحين .
قال في ذكر الموت والحياة :
إن بقى مُتْنَا مانا كبار علي ال بانينا
وإن بقى عِشنا يا دايرين بُعُدنا دِنينا
قصيبة التقنتْ ال تحت المطر والعِينه
أبعَدْ رِدَّنا ودمروا النجوس دوسينا
وقال يذكر الركوب والرحيل :
من القاش وقُمنا مصبَّحين لا روما
قابلين الغيار لابسين حزام اب دومه
يا صاحبي العزيز كان ننقُد المفهومه
تحرم شَقَّة الضَّهرَه ال فُصَاح خَدُوما
ونختم هذه الحلقة من هذه السلسلة بالشاعر الشكري ود رحمات وإسمه إبراهيم محمد رحمات، والشكري ود رحمات مايعرف به في أرض البطانة . ينتمي إلي قبيلة الشكرية فرع الشماشة 0 ولد في ريرة من أرض البطانة عام 1850 م وتوفي عام 1895 م فيما يقول رواته، كان شيخاً لبطن الشماشة في حياته وأبناؤه محمد وحسان يعيشان الآن في ضواحي مدينة حلفا الجديدة. أمضي حياته كلها في بيئته ولم يبرحها 0 كان أمياً اذ لم يتيسر التعليم في أرض البطانة في زمانه 0 قال الشعر في الإبل والفروسية ويبدو – من شعره – أنه مارس الهمبتة أو تأثر بممارسيها 0 لم يعرف عنه أنه تأثر بشاعر آخر، ولم تعرف له مسادير . وبعض أوزان شعره تختلف عن الأوزان السائدة الآن في أرض البطانة اذ إنها تعود إلي ما كان موجوداً منها في القرنين الثامن والتاسع عشر وما قبلهما، شعره المروي الآن قليل في أفواه رواته ، إلا أنه يعد شاعراً وفارسا.ً من شعره :
في الدُنيا أم قُدُود ضايق لى فِيها زِمَيِّنْ
حَقْبة دُكَّرِى ورَكْبَة بُشَاري سِمَيِّنْ
في تَلْت الهجوع حاكم أم جناياً ليَّنْ
كم وردتهِن تَبَّاً نَقِيع مُو مْطَيَّنْ
ونواصل مع الرواد في الحلقة القادمة من هذه السلسلة.
3-3
(لما نزل نخوض في دروب وسير بعض رواد شعراء الدوبيت الرائعين وقد جاء في مقالينا السابقين سيرة خمسة من الرواد كان آخرهم الشاعر الشكري ود رحمات وكان أولهم الشاعر حسان الحرك الذي يقال أنه أول من قال الدوبيت وكان ذلك في القرن السادس عشر الميلادي، والمعروف أن الدوبيت السوداني كان في نشأته الأولى على يد هذا الشاعر وما تلاه من حقبته يهتم بالقافية دون الوزن ولكنه في مسيرته الطويلة أخذت الأوزان تسلك في متونه وتتعدد كما أوضحنا ذلك في دراستنا التي نشرناها هنا حول أوزان الدوبيت السوداني.
اليوم نختتم مقالاتنا حول الرواد بإيراد سيرة شعراء رواد هم الشاعرة آمنة بت حسان والشاعر إبراهيم ود طويل والشاعر إبراهيم ود سليمان، ونود أن نذكر المتلقي للأمانة الأدبية بأننا ما زلنا نتكئ في هذه السير إلى حدٍ كبير على مخطوط الباحث الكبير ميرغني ديشاب "معجم شعراء البطانة" الذي بشرنا بصدوره هذا العام بتحقيقنا وتدقيقنا). لقد ورد إسم الشاعرة أمنة بت حسان هكذا عند بعض رواة الشعر في أرض البطانة، وقليل جدا منهم يعرف بها . يرتبط خبرها بخبر الفارس موسي ود جلي
من بني جرار في غرب السودان وقصته مع الفارس يوسف ود سنينات مشهورة في أرض البطانة وفيها روايتان : رواية الشكرية ورواية بني جرار .وكل منها يحفظها في تراثة الشفاهي . في رواية خبرها وما يتعلق به , يقول الرواة أن أم موسي ودجلي هذا قد عاشت في عهد السلطنة الزرقاء , وفيهم من يقول أن آمنة بت حسان هذه هي أم موسي ود جلي , ومنهم من قال بل هي زوجته , وفيهم من يقول هي أم يوسف ود سنينات , لكنهم يتفقون في نسبة شعرها المروي اليها. قال الراوي: تنتمي إلي قبيلة الشكرية فرع القدوراب والي بعض من نساء اهلها الشاعرات يرجع بعض الرواة أشعارا نسبها باحثون إلي شاعرات من نساء الشكرية السناب . في شعرها الذي قالته في تمجيد البطولة والفروسية والقتال مزج بين العامية العربية في بادية الكبابيش في غرب السودان وبين ذات اللهجة في أرض البطانة . من رواة شعرها رانفي محمد البدوي وهو راوي ثقة في أخبار الشعر والشعراء في أرض البطانة وعنه أخذنا سيرة حياتها . كالشعر القديم جدا في ارض البطانة , نجد في شعرها اختلالا في البناء الموسيقي ويظهر هذا كذلك عند معاصريها من أمثال شفيهة المرغمابية وحسان الحرك وغيرهما . من الممكن جمع شعرها والوقوف علي خبرها عند أهل القدوراب. قال الراوي : قالت وهي مأسورة على تخوم الإسترقاق تستنجد بزوجها وتتحدى بزوجها وبنفسها آسرها :
داك البِفِش ضيمي وبِكِشْفَ الغُمَّه
وُحَد شُكْرْك وقَفْ والليله يومَكْ تَمَّ
ما تشوفْ هَا الغَوَيشْ والدروشه المِلَّمَّه
ما بْسُوقوني مِنكْ يا نقيعْ السَّمَّه
وقالت تخاطب موسي ود جلي :
موسي يا ولد يا ال ما وِلْدَتُو بَلْمِى
بدخل علي السلطان ما بتَني كَلْمِى
في اليوم الزحيم بسقيني ألمِى
وامس قمراً هوى والليله ضلمِى
ومن شاعرتنا الرائدة بت حسان ننتقل للشاعر الرائد إبراهيم حمد طويل وكنيته ود طويل وهي الغالبة علي إسمه 0 ولد في أرض البطانة عام 1910 م وتوفي عام 1972 م تقريبا 0ينتمي إلي قبيلة الشكرية فرع الحساناب الذين يتركزون الأن في قيلي وضواحي مدينة حلفا الجديدة 0 من أهله شعراء مشهورون.
عاش في منطقة قيلي قبل قيام مشروع حلفا الجديدة الزراعي في بدايات الستينات من القرن الماضي ورحل بعد قيامه إلي قرية الشبيك من ضواحي مدينة حلفا الجديدة وإمتلك حواشة في المشروع وصار مزارعا متنقلا من حياة البداوة إلي حياة الزراعة والإسقرار0 يقول الشعر في الغزل وما وصلنا من شعره لايتعداه إلي غيره من موضوعات الشعر الأخري في أرض البطانة. ومن رواة شعره الأمين علي كريز الذي يعيش الأن في نفس القرية التي رحل اليها الشاعر . يبدو حكيما في شعره , متماسك العبارة مصدراً عن قاموس شعري رتبط ببيئة الأرض التي يعيش فيها عن معرفة بها . لم نقف علي أنه درس وتعلم , ولم نقف علي مسادير له , ولم نجد أحدا ذكره ممن درسوا الشعر والشعراء في أرض البطانة 0وشعره لم يجمع بعد . من جيد شعره في الغزل قوله :
فرعاً في الشِديره النار تصبِّح جمْرُو
داير يفهق ال عنف السبيط بىْ تمرُو
للجيل حاكماً داير ينفز أمرُو
أديباً سابتاً يا الليل سغير في عمرُو
وقال في الغزل أيضا :
ال خلاني أشيل الارقو من شرقَتَّا لا طيحتَّا
قصدي أسلِّم الحبه ال تَنَتْ شَرْبَتَّا
لا بي دناعة الناس ال شفت حاجتَّا
قولة حقي من أدوني فرقاً شتَّى
وأخيراً نأتي للشاعر ابراهيم علي سليمان ويعرف في ارض البطانة
بابراهيم ود سليمان كما يعرف بود سليمان 0 ولد في ارض البطانة عام 1920م تقريباً 0 ينتمي الي قبيلة الكواهله 0 ويزعم بعضهم انه من الكواهله المرغماب 0 من الشعراء الأحياء الكبار الآن في ارض البطانة 0 أمضي حياته كلها في ارض البطانة 0 من الشعراء الذين انتقلوا من حياة البداوة الي حياة الزراعة والاستقرار حيث امتلك حواشه في مشروع حلفا الجديدة الزراعي وصار مزارعاً 0 يروي شعره بنفسه كما يروي له اهله من الكواهله المنتشرين في شمال ارض البطانة. يقول الشعر في الغزل ووصف الابل والتغني بأرض البطانة والفروسية والفخر وله شعر مشهور في محبوبته ام جاد الله ، وهو من الشعراء المذكورين بجودة شعرهم 0 عاصر وجادع كثيرين من فحول الشعراء في محيطه 0لم نقف علي أنه درس وتعلم ، ولم نقف علي مسادير له ، وهو من الشعراء الذين لم يجمع أحد شعرهم حتي الآن 0 لا يذكره دارسو الشعر والشعراء في ارض البطانة غالباً 0 ويقال أنه من الشعراء المقدمين في وصف الابل وتقييم أصالها 0 وله رباعيات في ذلك لم نثبت من نسبتها اليه 0قال وقد جاءه خبر وفاة محبوبته :
ما تشمت علي حال ام قدود معروفه
يوم بتركَّبك شاميه يوم مخلوفه
الوخريه في القيقي وطلق لها فوفه
خترت ما بتجي وحصل اليقين من شوفا
وقال يخاطب ناقته :
عاس الله يا ام لوصه الدهر يتحسنْ
نايسات البروق فوق العقيد يتمسنْ
السافل يتسب والمحول يتكسنْ
تلقي مخلط الرضمه وسريك يتعسنْ
ننهي مقالاتنا عن بعض رواد شعراء الدوبيت بشاعرنا إبراهيم ود سليمان
ومازال في الخاطر الكثير من الرواد وأأمل أن أجمعهم جميعاً أو جلهم في سفر واحد فهم يستحقون الإحتفاء والخلود.
اسعد العباسي [asaadaltayib@gmail.com]