الإمارات و (بلاك بيري ).. Clash of the Titans
من واشنطن للخرطوم
عبد الفتاح عرمان
fataharman@yahoo.com
قررت الإمارات العربية المتحدة تعليق خدمات شركة (بلاك بيري/Blackberry) للهاتف المحمول إبتداءً من مطلع اكتوبر القادم. واوضحت السلطات الإماراتية إن هذا القرار القاضي بتعليق خدمات (الماسنجر) والرسائل الإلكترونية وتصفح شبكة الإنترنت عبر هواتف (بلاك بيري) اتخذ بعد ان تأكد للسلطات المعنية ان هذه الاجهزة تعمل خارج الإطار القانوني لأنها ترسل بياناتها المشفرة مباشرة إلى دول العالم المختلفة دون مرور هذه الرسائل عبر شركات الإتصالات الحكومية الإماراتية التي تعمل خصيصاً لمراقبة حركة سير المعلومات حفاظاً على امن الإمارات.
وكما هو معروف، ان شركة (بلاك بيري) تعود ملكيتها الى رجل اعمال كندي الجنسية. الامر الذي يُفسر سر غضب كندا على هذه الخطوة التي اعتبرتها الحكومية الكندية غير موفقة،كما عدتها تدخلاً صارخاً في عملية السوق الحر؛ وإنتكاسة للديمقراطية وحرية التعبير.
اما الخارجية الامريكية، فقد إعتبرت القرار الإماراتي القاضي بإيقاف خدمات شركة (بلاك بيري) سابقة خطيرة وإعتداء على الديمقراطية وحرية التعبير. واعلن المتحدث الرسمي باسم الخارجية الامريكية عن خيبة امل إدراته إزاء إتخاذ السلطات الإماراتية لهذا القرار، معتبراً إياه " ضد حقوق الإنسان وحرية التعبير لاسيما اننا فى القرن الحادى والعشرين" –على حد تعبيره-.
دعاة حقوق الإنسان داخل وخارج الإمارات رفضوا هذه الخطوة التي يقولون انها تمثل إنتهاكاً لحقوق الإنسان وحرية التعبير. فى المقابل، ترى السلطات الإماراتية إن هذا القرار لابد منه للحفاظ على الامن لاسيما بعد حادثة إغتيال محمود المبحوح، القائد العسكري فى حركة حماس فى 20 يناير من العام الجاري، فى أحد فنادق دبي.
بكل تأكيد، لا نتفق مع هذا القرار الذي ينتقص من حرية التعبير وحقوق الإنسان، ويجعل من الدولة مهيمنة كل شىء، حتي الهواتف المحمولة. وعلى السلطات الإماراتية البحث عن طريق آخر لتأمين الدولة من المخاطر الأمنية دون الحاجة للإنتقاص من حقوق الإنسان وحرية التعبير لاسيما اننا نعيش فى عصر تكنولوجيا المعلومات وما عاد من الممكن للدولة السيطرة على الكم الهائل من المعلومات التي تذهب للخارج. وبنقرة (كيبورد) او زر هاتف محمول او غيرهما من السبل سوف تجد المعلومة طريقها الى شبكة المعلومات الدولية. وخير مثال على ذلك، المظاهرات الإيرانية التي عمت أرجاء إيران بعد الإنتخابات الرئاسية الاخيرة حيث مُنعت وسائل الإعلام المحلية والأجنبية من تغطيتها. وعلى الرغم من ذلك وجدت المعلومات والحوارات المصورة طريقها الى شبكة المعلومات الدولية عبر صحفيين هواة. ومثال آخر، من منا لا يذكر فيديو (الخج) الشهير لإنتخابات الدائرة (4) التابعة لولاية البحر الاحمر؛ والذى قام بتصويره الشاب مصطفي طاهر عثمان. وكما حكي عثمان أنه قام بتصوير عمليات التزوير عبر هاتفه المحمول، ولاحقاً اضطرت مفوضية الإنتخابات قبول الفيديو المعني كدليل مادي على عمليات التزوير المشينة التي تمت فى تلك الدائرة؛ وتمت إعادة الإنتخابات من جديد فى الدائرة المعنية.
صحيح أن تخوفات السلطات الإماراتية تقف على ارض صلبة لاسيما ان علمية إغتيال المبحوح تم الكشف عنها عبر أجهزة التنصت وكاميرات المراقبة التي لولاها لما تم الوصول الى كشف ملابسات الجريمة. ومثل هذه التخوفات مشروعة ومفهومة خصوصاً بان الإمارات بها وجود اجنبي كثيف، وحركة سياحة عالية. وهي ايضا بلد مفتوح لكافة شعوب العالم. مما لا شك فيه، ان السلطات الإماراتية لن تتراجع عن هذا القرار على الرغم من الضغوط المباشرة وغير المباشرة –عبر حلفاء مثل الولايات المتحدة وبريطانيا- التي مارستها شركة (بلاك بيري) العملاقة عليها لكن تظل تخوفات المواطن الإماراتي والزائر لها فى محلها لان حشر الدولة لانفها فى كل شىء غير مقبول، وعملياً لم يعد ممكناً لاى دولة مهما كانت قدراتها الامنية والتكنولوجية السيطرة على كل شىء. واحد اهم التحديات التي تواجه معظم دول العالم فى عصر ثورة المعلومات الحالي هي كيفية الحفاظ على الامن دون الإعتداء على حرية المواطن وحقه فى التعبير. وهذا الامر ينطبق بالضرورة على الولايات المتحدة لاسيما بعد احداث الحادى عشر من سبتمبر التي افسحت المجال لتغول اجهزة الامن المختلفة على حقول الإنسان وبموافقة المشرعين فى مجلسي الشيوخ والنواب.