هاني رسلان … ضد مشروع الأخوان في مصر ..ومع مشروع الأخوان في السودان
قرأت المقال الأخير للأستاذ/هاني رسلان والذي كتبه عن الدكتور حسن مكي ، وقد وجدته قد أفاض فيه الكيل ووصفه بأشياء لم يقلها حتى الدكتور حسن مكي عن نفسه ، ومن بينها أنه مؤرخ الحركة الإسلامية وصانع إنتفاضة شعبان في عام 1973 ، وكيف أن الدكتور حسن مكي " شعبوي " حيث يؤدي فريضة الصلاة في مساجد مختلفة في مصر ، وكيف أنه يجلس في المقاهي مثل عامة الناس ، وأعتقد أن عشق الدكتور هاني رسلان للمشروع الحضاري الإخواني في نسخته السودانية جعله يقفز فوق النقاط الموضوعية ، فيُمكن للدكتور هاني رسلان أن يكتب عن السيد/نافع علي نافع ، أو عن السيد/علي أحمد كرتي ، فهو تربطه صلات وثيقة مع هذين الشخصين ، فلا أحد سوف ينازعه ملكة البحث والتحليل ، أما قضية بحثه عن الدكتور حسن مكي فهو لم يجانب الحقيقة ، الدكتور حسن مكي ليس هو مؤرخ الحركة الإسلامية ، فهو حتى الآن لم يكتب عن الأسباب التي عصفت بالمشروع الحضاري في السودان ، وهو وقف حائراً في الصراع الذي دار بين الدكتور الترابي والرئيس البشير ، هذا الباب ربما يكون قد عالجه الدكتور الطيب زين العابدين بشكل مقبول لأنه خرج عن " تابوه " الحزب ، ولا يُمكن إعتماد الدكتور حسن مكي كمؤرخ للأحداث ، فالرجل يكتب بقلم السياسة ويعبر عن وجهة نظره السياسية ولا يكتب عن حركة التاريخ بشكلها الصحيح ، وهناك أزمة هامة قضت على المشروع الحضاري في السودان وهذا ما يؤكد صدقية إحساس المصريين بخطورة هذا المشروع وهو الفرق بين الجماعة والحزب ، وهل يُمكن أن تستوعب الحركة الإسلامية الملل الأخرى أو الذين يخالفونها في الرأي ، فالذين قتلوا الدكتور فرج فودة ، أو الذين حاولوا إغتيال الكاتب نجيب محفوظ أعترفوا بأنهم لم يطالعوا كتبهم ، وقد فعلوا ذلك بناءً على تعليمات سامية وصلت إليهم من قادة التنظيم ، وقبل آيام أصدر والي الخرطوم الجديد قراراً يمنع تدخين النارجيلة في المقاهي ، وقبله أصدر والي الخرطوم السابق المرحوم الدكتور مجذوب خليفة قراراً يمنع فيه النساء من العمل في بيع الشاي والقهوة ، لا أعتقد أن هذه الاشياء يُمكن أن يتقبلها المصريون والذين أعتادوا على شيء من الإنفتاح والحرية في المظهر والعمل ، هذه من مسلمات المشروع الحضاري الذي كتبه وروّج له الدكتور حسن مكي ، و من هذه النقاط يجب أن نقول أن ماتُسمى الحركة الإسلامية في السودان لا تحتاج لمؤرخ يرصد الأحداث ، بل كل عضو فيها يقول بتمثيل حركة التاريخ بنفسه ثم يكتبها للناس بالشكل الذي يريده ، فمثلاً الدكتور الترابي يزعم أن الرئيس البشير كان بعثياً ولم تكن له علاقة بالحركة الإسلامية ، أما الدكتور علي الحاج محمد فيزعم أن الدكتور كان ينوه في الإجتماعات بأنه " جعلي " ويجب التعامل معه على الأساس ، أما السيدة/بدرية سليمان فتزعم بأنها قادت إنقلاب "pro type " ولكنه فشل ، ومن هذه الروايات المتناقضة لا يمكن فهم حقيقة ما جرى ، وحتى هذه اللحظة لا نعرف حقيقة الذين خططوا ودبروا محاولة إغتيال الرئيس المصري حسن مبارك في أديس اببا ، وعلاقة أخوان مصر بأخوان السودان ؟؟ أو كيف كيف دخل أمير الجماعة الإسلامية الدكتور عمر عبد الرحمن السودان ؟؟؟ كل ذلك لن تجده في كتابات الدكتور حسن مكي ، وليس السبب هو عدم علمه بالأحداث ، بل السبب أنه منحاز لوجهة نظر محددة ولا يُمكن أن يخرج تلك الأشياء للعلن .
وأهم ما قام به الدكتور حسن مكي وقد تجاهله الاستاذ/هاني رسلان هو دعوته للمشروع الحضاري للأمة ، وهو مشروع يطرح خلافة الإخوان على المسلمين في كل العالم ، ومصطلح المشروع الحضاري والذي يلوكه الناس في هذه الأيام يُذكر الناس بايام المحن في السودان ، لكن الذي أصطلح العبارة هو الدكتور حسن مكي ، وهو مشروع قائم على الصراع بين المتناقضات ، الكفر والإيمان ، الخير والشر ، الوطنيين والعملاء ، والعرب والأفارقة ، والنسخة السودانية من هذا المشروع هي التي تسبب في تفكيك أوصال السودان وتقطيعه ، كما أنها تسببت في تدويل مشكلة الجنوب ، وقد توجست مصر شراً من هذا المشروع وعمدت إلى إحتلال مثلث حلايب تحت ذريعة أنها تمنع وصول إمدادات السلاح إلى الجماعات الإسلامية في صعيد مصر ، وقتها لم تكن حركة حماس هي المستهدفة بقطع الإمدادات ، وحتى الدكتور فرج فودة كتب في جريدة الاسبوع المصرية أن الخطر على مصر يأتي من الجنوب وليس من الشرق وهو بذلك يقصد السودان ، ولا أعلم لماذا تجاهل الأستاذ/هاني رسلان خلفية المشروع الحضاري للأمة وهو يكتب عن أهم الناس الذين صنعوه ، ولا أعلم ما هي المناسبة التي دفعت الاستاذ/هاني رسلان للكتابة عن حسن مكي في هذا الوقت ، ربما يكون السبب عدم الموضوع أو كنوع من التغيير ، ولا ننسى أن اذكر القارئ أن الدكتور حسن مكي متاثر بالثورة الإيرانية وحركة الإمام الخميني ، ورسالة الماجستير كتبها عن الثورة الإيرانية ودورها في تغيير المجتمع والإصلاح ، وهو لا يُعرف بالشعبوية في السودان مثل التردد على مساجد مختلفة أو الجلوس في المقاهي ، فهو مصنف من الصفوة ولا يخالط المجتمع إلا من نافذة الصحف والمقالات ، ولم يحدث أن قرأت له أنه زار جوبا أو توريت أو الجنينة ، صحيح أنه يكتب إنطباعاته عن مدينة فاس أو تمبكتو بحكم زياراته إليها ، لكن أصعب ما كتبه هو توصيفه لأزمة دارفور بأنها صراع بين السودان وإسرائيل حول مصادر المياه ...ومن هنا عرفنا نقاط التلاقي بين الأستاذ/هاني رسلان والدكتور حسن مكي .
سارة عيسي
sara issa [sara_issa_1@yahoo.com]