اتهامات متبادلة: نازحو دارفور… مسلسل العنف يستمر … تقرير: خالد البلولة إزيرق

 


 

 


بعد حالة من الهدوء النسبي الذي ساد مخيمات النازحين بدارفور قبيل انتهاء جولة المفاوضات الاخيرة بالدوحة القطرية، عاد التوتر على اثرها مجدداً الى معسكرات النازحين بشكل كان الاعنف منذ اندلاع الصراع المسلح في الاقليم العام 2002م، توتر بدأ هذه المرة بين النازحين بمختلف طوائفهم السياسية والحزبية حول تقديراتهم من المشاركة في مفاوضات الدوحة من خلال وفد النازحين الذي شارك باسم في التفاوض، على عكس ما كان يجري سابقاً بين النازحين والقوات الحكومية او المجموعات المسلحة الموالية للحكومة، توتر كاد ان يتسبب في ازمة دبلوماسية بين السلطات السودانية هناك والبعثة المشتركة للاتحاد الافريقي والأمم والمتحدة «يوناميد».
قصة الصراع داخل المعسكرات بدأت منذ اندلاع العمل المسلح في دارفور والذي احتفظ له في كثير من الاحيان بخلايا مسلحة داخل معسكرات النازحين التي شهدت منذ نشأتها حالة من التسييس الذي نشطت فيه الحركات المسلحة خاصة حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور، المنحدر من اصول «الفور» وهي القبيلة التي يقطن معظم افرادها مخيمات النازحين بدارفور، تسييس ساهم في ان تصبغ كل الاحداث التي شهدتها معسكرات النازحين «بالتسييس» الذي غالباً ما يكون المحرك الرئيسي لها، إن لم يكن فاعلوها سياسيين داخل المعسكرات. وتزامنت احداث العنف داخل المعسكرات مع موجة من الاختطاف ضد العاملين في المنظمات الاجنبية العاملة في دارفور بشكل مكثف كشف بحسب مراقبين هشاشة الوضع الامني هناك، نتيجة لم تكن من قبل المتابعين وحدهم، بل اشار إليها المبعوث الروسي للسودان الاسبوع الماضي حينما قال»ربما تكون الحكومة فقدت السيطرة في دارفور» وذلك بعد اختطاف طيارين روس قبل الافراج عنهما لاحقاً. وتتقاذف أطراف الصراع بدارفور الاتهامات حول تلك الاحداث التي تشهدها معسكرات النازحين والتي تعكس بشكل وآخر الوضع بالاقليم. ومن جهته قال الكاتب والمحلل السياسي عبد الله آدم خاطر، لـ»الصحافة» ان الوضع في دارفور غاية في الخطورة، وان الوضع الحالي بها لايمكن ان يفسر بأن هناك حكومة جادة وساعية لحل الأزمة هناك مع تزايد حالات الاختطاف والنزاع في المعسكرات، مشيرا الى ان هذه الاحداث التي تشهدها المعسكرات ربما تكون البداية لتطبيق الاستراتيجية الحكومية الآن، والتي لا تعني أي شئ غير اخضاع المواطنين لأوضاع هم غير راغبين فيها، وقال خاطر، واضح ان هدف السياسة ان تحصل الحكومة على موافقة المجتمع الدولي على كل هذه الانتهاكات، واضاف «هذا وضع غاية في الخطورة».
وكان يوم أول أمس «السبت» قد تكرر سيناريو العنف وبذات مشاهد القتلى والجرحى بالمعسكرات، حينما شهد معسكر «الحميدية» بزالنجي هجوماً جديداً اسفر عن مقتل «7» اشخاص واصابة «20» آخرين على ايدي مسلحين داخل المعسكر، لتضيف بذلك ارقام جديدة لضحايا سابقين سقطوا في يوليو الماضي بمعسكرات «كلمة وزالنجي». وقد تبادلت الحركات المسلحة والحكومة الاتهامات بشأن الهجوم المسلح على معسكر الحميدية بمثل حدث كذلك في المعسكرات الأخرى سابقاً، فبينما قال المتحدث باسم حركة تحرير السودان ابراهيم الحلو، ان قوات حكومية هاجمت النازحين بمعسكري الحميدية وخمس دقايق، تبرأت الحكومة من اتهامات حركة عبد الواحد، أكد والي غرب دارفور الشرتاي جعفر عبد الحكم، ان السلطات الحكومية ليست طرفاً في الصراع الذي تم داخل المعسكرين، وقال انه صراع داخلي بين حركتي تحرير السودان جناح عبد الواحد محمد نور، وحركة العدالة والتحرير بقيادة التجاني السيسي، ووصف الاشتباكات التي حدثت في مخيمي الحميدية وخمس دقايق، بانه هجوم مضاد لما تم في وقت سابق بين مؤيدي ومعارضي السلام الذي راح ضحيته «3» من النازحين في مخيم الحميدية. وكانت معسكرات النازحين بدارفور قد شهدت موجة من العنف احتجاجاً علي مشاركة وفد من النازحين في مفاوضات الدوحة بإسم النازحين حيث تعترض مجموعة من النازحين علي هذه الخطوة. ولكن الدكتور اسامة زين العابدين، استاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين، ارجع لـ»الصحافة» انتشار ظاهرة العنف داخل معسكرات النازحين بدارفور مؤخراً الى وجود فئتين داخل هذه المعسكرات، فئة تضم العسكريين والسياسيين، والاخرى تضم المواطنين العاديين، وكلا الفئتين تستفيد من الأخرى، وقال اسامة ان العساكر يستفيدون من المواطنين في جلب المؤن والغذاء والاعلام كما يعملون تغطية لنشاطهم، وان فئة المواطنين تستفيد من فئة السياسيين والعسكر في انها تعبر عن رؤاهم وقضاياهم فهم غدوة المجتمع هناك، وعزا اسامة ظاهرة العنف بالمعسكرات كذلك الى ان هذه المعسكرات معظم سكانها من قبيلة الفور، وعن طريق الوجود الاثني هذا يعتبرها عبد الواحد محمد نور مناطق مقفولة له، مشيرا الى ان هذه المعسكرات تعكس التدهور السياسي في الدولة السودانية، وفيها مؤشر لتدهور الاوضاع الأمنية، كما أنها اصبحت مدخلاً لدخول المنظمات الانسانية، واضاف «بالتالي وجود المنظمات بطريقة غير مباشرة يعني وجود الأزمة وبالتالي وجود عبد الواحد محمد نور، لذلك الحكومة تحاول ان تضرب عبد الواحد من خلال معسكرات النازحين، احيانا بمحاولة تفريقها واحيانا بترحيلها» مشيرا الى ان عبد الواحد يسعى للابقاء على المعسكرات حتى يكون له صوت لأنه يفتقد القدرة العسكرية في الميدان، لذا اصبحت المعسكرات ذات طابع سياسي، وقال ان آخر محاولة للحكومة لضرب عبد الواحد كانت مشاركة منظمات المجتمع المدني من النازحين في المفاوضات، لذلك حسبها انصار عبد الواحد بأن هذه خيانة لهم لذا قاموا بمهاجمتهم مما أدى لإندلاع العنف الذي تشهده المعسكرات حالياً».
وتتبادل أطراف الصراع المسلح في دارفور الاتهامات حول تلك الاحداث والهدف منها، فبينما تصر الحكومة على ان تلك الاحداث تقودها مجموعة عبد الواحد محمد نور وبعض الحركات المسلحة في دارفور بغرض تصفية مجموعات النازحين المؤيدين لمسيرة السلام في دارفور عبر التفاوض، من ناحيتها تتهم الحركات المسلحة الحكومة بإفتعال تلك الاحداث عبر استغلال بعض المجموعات بغرض احداث الفوضي في المعسكرات لتتخذها مبرراً لوضع يدها على تلك المعسكرات وافراغها من النازحين او ترحيلهم منها كما حدث في معسكر كلمة، ويشير مراقبون الي ان معسكرات النازحين بدارفور اصبحت تعاني من حالة «التسييس» بدرجة كبيرة، في وقت تتهم فيه الحكومة والسلطات المحلية بدارفور بعض قادة المعسكرات والنازحين بتخزين الاسلحة وايواء المسلحين التابعين للحركات المسلحة بدارفور، مما يخلق كثيرا من التوتر بداخل هذه المعسكرات التي كثير ما تشهد حالات عنف نتيجة لذلك. وقد شهد الشهر الماضي اندلاع الاحداث مجددا في اكثر من معسكر، وذلك بعد عودة وفد النازحين المشاركين في مفاوضات الدوحة، والذي انبرت له مجموعة مناهضة لمبدأ المشاركة في المفاوضات مما ادى لاشتباكات بين الجانبين «الرافضين، والمؤيدين» لتفاوض، في معسكرات «كلمة» و «زالجني» في يوليو الماضي، واتهم وزير الداخلية ابراهيم محمود، وقتها حركة تحرير السودان برئاسة عبد الواحد محمد نور بالتورط في الاعتداءات علي النازحين لتقويض عملية السلام بالدوحة، مشيرا الي ان المعتدين علي المدنيين يتبعون لحركة عبد الواحد محمد نور، كادت تلك الحادثة ان تتسب في توتر العلاقة بين الحكومة وبعثة الامم المتحدة والافريقي «يوناميد» الموجودة بدافور، علي خلفية مطالبة السلطات بحكومة جنوب دارفور البعثة بتسليمها «6» نازحين تتهم حكومة الولاية بالضلوع في احداث العنف بمعسكر «كلمة» التي راح ضحيتها «3» من المشاركين في مفاوضات الدوحة، في وقت اتهمت فيه حركة تحرير السودان الحكومة السودانية بادخال مليشا باسم حركة التحرير والعدالة لإحداث الفوضي في المعسكر بغرض السيطرة عليه. وكانت معسكرات النازحين بدارفور قد شهدت في شهر يوليو الماضي هجوماً علي النازحين الذين شاركوا في مفاوضات الدوحة بمعسكر «كلمة» والذي اسفر عن مقتل «3» من النازحين وخلف عددا من الجرحي، وتكرر ذات المشهد بمعسكر «الحميدية» بزالنجي حينما هوجمت الشخصيات المؤيدة لعملية السلام بالدوحة، حيث قتل «4» اشخاص من الذين شاركوا في مفاوضات الدوحة ضمن الوفد الممثل للنازحين هناك. ويشير مراقبون الي أن جملة الاغتيالات التي تعد في خانة السياسية التي شهدتها معسكرات النازحين من قبل الحركات المسلحة منذ اندلاع الصراع المسلح في الاقليم وصلت الـ «125» حالة تصفية في معسكرات النازحين، استهدفت عمداً ومشايخَ وناشطين في الإقليم.

khalid balola [dolib33@hotmail.com]

 

آراء