المجتمع الدولي و”الشريكان” يحددان مصير السودان قبل نتيجة الإستفتاء القادم!؟

 


 

 

المجتمع الدولي(أمريكا!) و"الشريكان" يحددان مصير السودان قبل نتيجة الإستفتاء القادم !؟


إجتمع يوم الجمعة الموافق 24/9/2010 بمدينة نيويورك رؤساء ست دول هي: أمريكا، رواندا، إثيوبيا،كينيا، يوغندا، الجابون، بالإضافة الى نائب رئيس وزراء بريطانيا،ووزراء خارجية كل من فرنسا، ألمانيا، النرويج، الهند، مصر، البرازيل، اليابان وكندا، و بحضور السادة النائب الأول و نائب رئيس جمهورية السودان، و أمين عام الأمم المتحدة. الهدف المعلن للإجتماع هو التداول فيما بين هذه الأطراف فى الشأن السوداني، بإعتبارها قد شاركت ، بصورة أو بأخري فى رعاية، أو ضمان تنفيذ إتفاقية نيفاشا التي وقعت بين حكومة السودان و الحركة الشعبية لتحرير السودان فى يناير من عام 2005. لكن نتائج الإجتماع الفعلية هي تهيئة جميع الأطراف ذات العلاقة، و على جميع المستويات، الوطنية و الإقليمية و الدولية، و تبشيرها بقيام دولتين جديدتين، على الأقل حتي وقتنا الراهن، فيما كان يعرف، حتي التاسع من يناير 2011، بجمهورية السودان!!
جوهر الخطابات التي ألقيت فى هذا اللقاء، و بالأخص خطابي الرئيس الأمريكي و النائب الأول لرئيس الجمهورية‘ تمثلت فى التأكيد على قيام الإستفتاء فى ميعاده المضروب، و عدم تأجيله ولو ليوم واحد، و الويل و الثبور لكل من تسول له نفسه (بالطبع المقصود هو المؤتمر الوطني) التفكير، مجرد التفكير، في عدم الإلتزام بهذا التاريخ المقدس، ناهيك عن وضع العراقيل التى ربما أدت الى تأجيله. إن قراءتي لمداولات تلك الجلسة هو أن هذا هو مجرد إعلان لما سبق و أن تم الإتفاق عليه بين شريكي الحكم و أمريكا حول مصير السودان و شعبه، ألا وهو تقسيم السودان الي دولتين. دليلي على ذلك القرائن التالية:
- إقرار النائب الأول بفشل المساعي التي تجعل من وحدة السودان أمرا ممكنا، علي الرغم من أن إتفاقية نيفاشا قد نصت على ذلك ووضعتها فى سلم الأولويات، و دعت الى ضرورة أن يبذل الشريكين كل ما في وسعهما خلال سنوات الفترة الإنتقالية لبلوغ هذا الهدف.
- تأكيد النائب الأول على أن مواطني جنوب السودان سيصوتون لصالح الإنفصال، و بأغلبية كبيرة، و قيام دولتهم المستقلة، كما أكدت على ذلك جميع إستطلاعات الرأي، و نتائج دراسات الكثير من مراكز البحوث.
- إصرا النائب الأول على إعتبار منطقة أبيي ضمن نطاق الإستفتاء المزمع قيامه، حينما أشار الى ذلك كعلامة أولى، ضمن العلامات المركزية الأربع ،التى حددها كمؤشر ينبغي على المجتمع الدولى الأخذ بها لقياس ما سيتم إنجازه مما تبقى من بنود الإتفاقية خلال المائة يوم المتبقية لنهايتها.
- حدد النائب الأول ثلاث علامات أخري، و هي تسجيل الناخبين الجنوبيين فى الشمال، عمل مفوضية الإستفتاء و مداولات قضايا ما بعد الإستفتاء، وطلب من مجلس الأمن الدولي ، و ليس أي جهة أخري،مراقبة هذه العلامات جيدا حتي يضمن تنفيذها من قبل الأطراف المعنية.
- يدل إصرار النائب الأول على تحديد هذه العلامات وتوجيه ندائه الى مجلس الأمن بالتحديد على إنعدام ثقته تماما فى المؤتمر الوطني، و على مدي وعيه بالعقلية الماكرة لقادته و التي يمكن أن تتلاعب فى عدد و أسماء الناخبين الجنوبيين فى الشمال، أو فى أسلوب و عمل مفوضية الإستفتاء، و بالأخص بعد أن ضمنت منصب أمينها العام، أو فى معالجة ما ما يترتب من قضايا بعد إعلان نتيجة الإستفتاء.
- إنتباه النائب الأول لهذه العلامات الفارقة في مسيرة التآمر على السودان و شعبه، و تركها أمانة فى عنق مجلس الأمن، و ليس أي جهة أخري، يدل دلالة واضحة على أن سيادته لا يريد أن يترك أي ثغرة يمكن أن يأتي منها ما لا يحمد عقباه، أو يعكر صفو نشوة الحركة الشعبية بقيام دولتها المستقلة.
- تأكيد نائب رئيس الجمهورية على إلتزام حكومته بقيام الإستفتاء فى مواعيده المقررة، و إلتزامها بما سيسفر عنه من نتائج، تكاد تكون معروفة سلفا لصالح الإنفصال لكل من له إلمام، و لو بسيط، بمجريات الأمور فى سودان الشريكين.
-كان الهم الأول بالنسبة لنائب رئيس الجمهورية هو كيفية إنقاذ رئيسه من "الشرك" الذي نصبه له "المجتمع الدولي"، ممثلا فى المحكمة الجنائية الدولية.
- أما الهم الثاني بالنسبة لنائب الرئيس فقد تمثل فى كسب ود المجتمع الدولي (أمريكا)، و نيل رضاها، وضمان دعمها لإستمرار تحكم المؤتمر الوطني في مصير الدولة الجديدة التي ستقوم فى شمال السودان بعد إعلان نتائج الإستفتاء (المتفق عليها مسبقا!).
- ضمان المجتمع الدولي (أمريكا) تنازل المؤتمر الوطني عن كل ثوابته، الدينية و الوطنية، حتي يمكن له تحقيق هذين الهدفين، و لم يخيب نائب رئيس الجمهورية ظن المجتمع الدولي (أمريكا)، من خلال الإلتزامات التي تعهد بها فى خطابه، لضمان تحقيق ما تصبو إليه أمريكا فى دولتي المستقبل، فيما كان يعرف بجمهورية السودان.
- أليس أمرا مدهشا أن يكون نائب رئيس الجمهورية واعيا تماما بأن ما سيتقرر في يناير القادم ليس هو مصير الجنوب وحده، و إنما السودان برمته،كما أكد في خطابه، دون أن يبذل سيادته مثقال ذرة من تلك الجهود التي بذلها حزبه و حكومته مع الحركة الشعبية، مع بقية القوي السياسية الشمالية لإشراكها في هذه المسيرة، على الأقل ولو من باب تحمل المسؤولية الأخلاقية و التاريخية لما سيسفر عنه ذلك الإستفتاء من نتائج ربما تقود الى ضياع الوطن الذي نعرفه.
إذن فإن إجتماع الرابع و العشرين من سبتمبر 2010 في مدينة نيويورك لم يكن سوي إعداد لمسرح إعلان نتائج الإستفتاء، و إعتمادها رسميا بعد ذلك من قبل مجلس الأمن الدولي، و إعتراف المجتمع الدولي بدولة النيل الجديدة في جنوب الوطن تحت قيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان، ربما بإسم جديد يناسب المرحلة الجديدة، و الدولة الوليدة في شمال السودان تحت قيادة المؤتمر الوطني، بإعتباره الجهة السياسية الوحيدة المجربة التي يمكن أن تحقق مصالح المجتمع الدولي (أمريكا) في شطري الوطن الممزق، و بالأخص فى تلك المرحلة الحرجة و الدقيقة التي ستعقب الإعلان الرسمي لنتائج الإستفتاء.
إذن فإن إجراء الإستفتاء ليس سوي مسرحية لإضفاء الشرعية على هذه المؤامرة التي نسجت خيوطها بحرفية عالية، و أؤكد لك، قارئ الكريم، و  منذ الآن، بأن نتائج هذا الإستفتاء ستكون لصالح الإنفصال، و بأغلبية كبيرة، ليس كما أشارت لذلك إستطلاعات الرأي، أو مراكز البحث، و لكن لأن ذلك هو ما تريده أمريكا، و ما أكده النائب الأول فى خطابه، و إن أدي ذلك الى "فبركة" تلك النتائج. إن أمريكا ستغض الطرف عن تلك "الفبركة"، و تقبل بنتائج الإستفتاء، ليس لسواد عيون مواطني الجنوب، بل لأن ذلك سيخدم مصالحها العليا في المقام الأول، كما غضت الطرف عن تزوير نتائج الإنتخابات الرئاسية الأخيرة، و إعترفت بها، لأنها تخدم مصالحها الإستراتيجية، كما ورد على لسان المبعوث الأمريكي للسودان حينها. ولكن يبقي السؤال الذي يتوجب علي الشريكين الإجابة عليه، ما هي الصفة السياسية أو القانونية لإجتماع نيويورك الذي تقرر مصير من خلاله السودان كله؟!
ما يحز في النفس أن كل ذلك التآمر يجري تحت سمع و بصر قيادات الأحزاب السياسية الشمالية دون أن تحرك ساكنا، و كأنما قد أصيبت بالحول أو العمي السياسي تماما. هل يعقل أن يتم كل ذلك دون أن تحرك تلك القيادات ساكنا؟ أي نوع من القيادات هذا الذي يذبح الوطن من الوريد الى الوريد تحت ناظريها، و ليس لها من هم سوي عقد الإجتماعات الطويلة و المملة، تلوك فيها حديثا أصبح ممجوجا بالنسبة للمواطن السوداني، و تنبثق منها اللجان، التي يتم تحنيطها، فى إنتظار "بصمة" أحد السيدين، أو كلاهما، و تصدر على إثرها البيانات التي تحتوى علي "دشليون" محور و "خرتمية" مرتكز، لا تغني و لا تسمن من جوع، أو تنقذ وطن يتمزق من الضياع....آآآآآآآآآآآآآه يا وطن!!؟؟
26/9/2010

Ibrahim Kursany [sheeba82@hotmail.com]

 

آراء