دراسة نقدية لمفهوم المشورة الشعبية وتأثيرها على مستقبل إقليم جبال النوبة
آدم جمال أحمد-أستراليا
المحتويات:
- توطئة
- تعريف المشورة الشعبية
- مفهوم المشورة الشعبية ودلالاتها
- الهدف من المشورة الشعبية
- أهمية المشورة الشعبية
- إجراءات ممارسة المشورة الشعبية
- الجهات الى تراقب إجراءات المشورة الشعبية
- متى تبدأ إجراءات ممارسة المشورة الشعبية
- التوعية الخاصة بالمشورة الشعبية
- بعض النماذج لتجارب المشورة الشعبية التي طبقت في العالم
- ملاحظات عامة عن المشورة الشعبية وآليات تنفيذها
- أراء وأقوال بعض القيادات والمسئوليين المختلفة حول المشورة الشعبية
- الخاتمة
- المراجع والمصادر
توطئة:
تهدف هذه الورقة الى تقديم دراسة نقدية لمفهوم قانون المشورة الشعبية ، ومعرفة قواعد تطبيقها فى ظل الجدل الدائر فى عدم وضوح الرؤية حول المشورة الشعبية بالنسبة للقواعد بولايتى جنوب كردفان والنيل الأزرق ، وذلك نتيجة لعدم وجود تفاصيل كافية في نصوص إتفاق السلام أو قواعد تنفيذه لجلاء كل ما يحتاجه التطبيق على أرض الواقع أدى ذلك إلى بروز مبادرتي والي ولاية جنوب كردفان ووالي ولاية النيل الأزرق إقتراح رحلات علمية للتعرف على التجارب الأخرى للحصول على ما يحتاجه التطبيق من معرفة وقواعد ، بإعتبار أن المشورة الشعبية فى بروتوكول جنوب كردفان والنيل الأزرق لم تقم على منهج واضح فى تسلسل لمواد بنودها المنصوص عليها ، ومن خلال ملاحظاتنا نجدها تفتقر الى الموضوعية والعلمية فى وضع منهجية واضحة فى كيفية معالجة عملية القصور والاهمال والتهميش التى كانت من دواعى أسباب تسلسل الصراعات تباعاً والتى قادت فى نهاية المطاف الى إنفجار الحرب بالاقليم مما أدى الى التحاق أبناء جبال النوبة والأنقسنا بصفوف الحركة الشعبية لاسترداد حقوقهم المسلوبة وتحقيق تطلعات شعب الاقليم والتى تتمثل فى تجلياتها الدستورية والسياسية والادارية والاقتصادية والاجتماعية ،
نجد أن قانون المشورة الشعبية إتبنى على منهج وصفى تحليلى فضفاض دون ذكر أى معالجات أو حلول جذرية فى نصوص واضحة وجلية لذلك ، خاصةً فى ظل التطورات السياسية الجارية الآن في السودان ومدى تأثيرها سلباً أوإيجاباً على مستقبل إقليم جبال النوبة ، ولا سيما الولاية مقبلة على عملية إنتخابات لمنصب الوالى والجنوب مقبل على حق تقرير المصير وعملية الإستفتاء ، والتى ستجرى بالبلاد فى يناير 2011 ، ولا شك بأنها سوف تساهم بقدر كبير فى تغيير الخارطة السياسية فى السودان ويتبعه إنتخاب مجلس تشريعى بالولاية يترتب عليه تكوين مفوضية برلمانية لتقوم بالتوعية والمراقبة حتى يتمكن مواطنو منطقة جبال النوبة من الإدلاء برأيهم في إتفاقية السلام عن طريق ممارستهم للمشورة الشعبية بعد تكوين الحكومة الجديدة ويعقب ذلك أيضاً استفتاء لسكان منطقة أبيي ثم جنوب السودان لتقرير المصير ، فلذا لا بد من ترسيم أبعاد هذه المشورة الشعبية والتى تحتاج منا جمعياً لوقفة صلبة وتضافر كل الجهود فى هذا الظرف الحرج الذى يمر به شعب اقليم جبال النوبة والمأزق التاريخى التى وضعتهم فيها الحركة الشعبية حينما ساومت بقضيتهم بعد تفويضهم لها فى سابقة هى الأولى من تاريخ العمل السياسى ، والتى كانت مسمار النعش للقضية النوبية بعد أن قدمت الحركة الشعبية أرتال من التنازلات لحكومة المؤتمر الوطنى فى مفاوضات سرية بينهما لتحقيق مصالحها فى الجنوب ، بل وغضت الطرف عن تطلعات وحقوق منطقتى جبال النوبة والنيل الأزرق.
تعريف المشورة الشعبية:
المشورة الشعبية عبارة عن آلية ليمارس به حقاً ديمقراطياً لتأكيد وجهة نظر شعبى ولايتى جنوب كردفان والنيل الأزرق كل على حدة بشأن اتفاقية السلام الشامل بخصوص أى من الولايتين وإرساء السلام وتصحيح أى قصور بخصوص الترتيبات الدستورية والسياسية والادارية والاقتصادية المستعملة بهيكل ونوع ومستوى الحكم اللامركزى والمؤسسات والصلاحيات والعلاقة بين المركز والصلاحيات التنفيذية والتشريعية ونصيب كل من الولايتين فى الثروة والسلطة القومية المضمنة فى اتفاقية السلام الشامل ، فهى سلسلة من الإجراءات السياسية والقانونية يتم عبرها إشراك الشعب فى معالجة المشكلات التى يعانى منها. وهى تعتبر إحدى المفاتيح الإجرائية لقياس إتجاهات وميولات الرأى العام فى منطقة ما فى شأن من الشئون العامة.
مفهوم المشورة الشعبية ودلالاتها:
أ- علي المستوي السياسي: تعرف المشورة فى المصادر الأجنبية بأنها فعل التشاور والتحاور بين في
المصادر الأجنبية بأنها: " فعل التشاور والتحاور بين شخصين أو أكثر علي أمر ما ، بغية اتخاذ قرار بشأنه وفي تعريف آخر "هو تشاور لجنة أو استشارية من الأخصائيين الطبيين مثلا ، للنظر والبت في شأن حالة خاصة ، أو مجموعة من القضاة للتداول في حيثيات قضية معينة" ، أما علي مستوي القانون الدستوري فتعرف بأنها " المداولات العامة من قبل الشعب بشأن الهيئة الانتخابية أو التشريعية".
ب- علي المستوي التاريخي: مورست " المشورة الشعبية " عند اليونان والرومان ، بل وعند أهل سبأ ، ولقد اختلفت فيها الوظائف والمسميات وحتى الأهداف باختلاف الحقب والمعتقدات. ففى اليونان كان هناك
مجلسا للشيوخ منبثق من الشعب "boule deliberation "
ومارس الرومان الحكم عبر لجان التشريع الشعبية " comitia eliberati"
ج- المشورة الشعبية علي مستوي السياسة الدولية الحديثة:
حالات الانتخابات والاقتراع "elections and ballots".
قرارات المبادرات الشعبية citizen’s initiative decision"
قرار الالتماس الشعبي للحكومة "petition decision".
الاستفتاء الشعبي " plebiscite decision".
طلب سحب الثقة من عضو منتخب "recall referendum".
الإجماع علي رأي أو اقتراح محدد ومسبق "referendum decision"
المشورة الشعبية "popular consultation"
د- المشورة الشعبية علي المستوي العقدي: أما المشورة الشعبية علي المستوي العقدي فنرها في حالة بلقيس ملكة سبأ وهي تشاور أهلها في أمر دعوة النبي سليمان عليه السلام ونراها بعد ظهور الإسلام في
صورة أكثر وضوحا وشفافية في تطبيق مبدأ الشورى ، مع توفر شواهدها الكثيرة في الكتاب والسنة ولكن إذا ما حاولنا أن نسترشد بكل هذه الظروف السياسية والتاريخية والعقدية ونقارنها بتلك الورش التي بدأت تعقد بولاية النيل الأزرق ، سنجد بعض المفارقات العجيبة ، منها علي سبيل المثال أن أغلب الذين سيطلب
منهم تفعيل أو المشاركة في "المشورة الشعبية" من المسلمين ، وربما ، سيتبادر إلي أذهانهم ، وهذا الحال ، شكل من أشكال الخلط بين " الشورى" و " المشورة الشعبية" ، خاصة وأن الورشة الأولي عقدت برعاية مجلس الكنائس السودانية . إذن هل كلمة المشورة الشعبية المقصودة في اتفاقية السلام الشامل هي
نفس ما تعنيه كلمة " الشورى" الواردة في القرآن الكريم "وشاورهم في الأمر" آل عمران159" و " وأمرهم شوري بينهم" الشورى 38 ؟ ، أم أنهما معنيان مختلفان في المظهر والجوهر ؟ وللاقتراب من معرفة الإجابة ، وان كانت واضحة لابد أن نوضح الآتي:
1- عرفت اتفاقية السلام الشامل " المشورة الشعبية" بأنها حق ديموقراطي وإذا تحدثنا عن الديموقراطية ، في هذا السياق ، فيجب أن نتحدث عن حكم الشعب أو سلطة الشعب ،وفي حالة ورشتنا هذه سنجد أن الذين سيطلب منهم إبداء مطالبهم وآراءهم في المشورة الشعبية- حسب نص الاتفاقية- لا يملكون حكما ولا سلطة في قضاء الأمور ، وتغيير المسارات ، خاصة بعد ما انتخبوا نوابهم في المجالس التشريعية وفوضوهم لتولي زمام أمورهم بجلب المنافع والحقوق من الدولة. وعليه، وحسب قانون المشورة الشعبية لعام 2009 ، المؤسس علي اتفاقية السلام الشامل لعام 2005 ، سيكون هذا الأمر منوطاً برمته إلي المفوضية المعنية بهذا الشأن والمنبثقة من المجلس التشريعي المنتخب ومن ثم ، سيكون عقد مثل هذه الورش لمجرد استطلاع الآراء فقط ، والتي يمكن أن تكون أيضا غير ملزمة لأصحاب القرار.
2- أما المشورة لفظياً إنها تعنى في لسان العرب الشورى ، والمشورة بضم الشين مفعُله ولا تكون مفعولة لأنها مصدر مثلاً تقول: شاورته في الأمر أى بمعنى إستشرته ، وكذلك فلان خير شير أى يصلح للمشاورة وشاوره مشاورة وشواراً ، وأيضاً تعنى إستشارة أى طلب منه المشورة.
وأما المشورة إصطلاحاً تعنى: ( عرض أمر ما من الأمور التي تهم الفرد أو المجتمع على ذوى الرأي والخبرة لدراسته وإبداء الآراء في شأنه ، مع بيان الحجج لاستخراج الرأي الراجح من تلك الآراء ).
الهدف من المشورة الشعبية:
تهدف المشورة الشعبية إلى تحقيق الشفافية وإشراك المواطنين في المشروعات الكبيرة ووضع القوانين والسياسات عبر تبادل المعلومات والأفكار وتحمل المسئولية كجماعة ، وذلك من خلال الآتى:
1- تأكيد وجهة نظر شعبي ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق بشأن إتفاقية السلام الشامل بخصوص أي من الولايتين وعن مدى تحقيقها لتطلعاتهم.
2- تسوية نهائية للنزاع السياسي في أي من الولايتين و إرساء السلام .
3- تصحيح أي قصور في الترتيبات الدستورية والسياسية والإدارية والإقتصادية في إطار إتفاقية السلام الشامل بخصوص أي من الولايتين.
واضح أن ما يطلبه قانون "المشورة الشعبية" ويسعى إليه هو عمل وقرار سياسي بالدرجة الأولي والدور الشعبي فيه محدود للغاية ، ذلك أن الاتفاقية أبرمت منذ البداية بين طرفين لوقف النزاع بينهما ، وحددت أطراً لمعالجة الأسباب الجذرية للنزاع ، بل وتمادت مقسمة السلطة والثروة بينهما ، ضاربة بعرض الحائط الإرادة الشعبية ، ولقد إستمر العمل بهذه الإتفاقية لمدة خمس سنوات استنزفت في المناورات والشد والجذب بين الشريكين ، ولا يعقل أن نأتي بعد هذه المدة ونطلب من الشعب أن يقيم أداء تنفيذ الاتفاقية بينما هناك جهات مراقبة دولية علي رأسها بعثة الأمم المتحدة التي تتابع مجريات الأحداث منذ البداية ، وعن كثب ، وترصد كل صغيرة وكبيرة ، كما إن للشريكين مراقبين مهمتهم إجراء التقييم الدوري حسب ما نصت عليه اتفاقية السلام الشامل !!. هؤلاء جميعا لديهم كل الإجابات دون الحاجة إلي " المشورة الشعبية" ، ولا سيما الجميع يأمل أن تمر تجربة " المشورة الشعبية " بنجاح في كل من ولايتى جنوب كردفان والنيل الأزرق ، ونأمل من الحكومة المنتخبة أن تولي كل إهتمامها لهاتين الولايتين ، خاصة في المرحلة القادمة وأن تركز علي الجوانب التنموية ، وتحقق كل المطالب المشروعة لشعب الولايتين وخاصة فيما يتعلق بإعادة توزيع السلطة والثروة بشكل عادل يرضي الجميع .
أهمية المشورة الشعبية:
وتتمثل أهمية المشورة الشعبية فى أنها تقلل من إحتمالات العنف والتنازع الذي يمكن أن ينشأ بين الحكومة والمواطنين حول قضايا الحكم ، بالإضافة إلى جانب أنها توفر المعلومات المتاحة بغرض تحليلها وتصنيفها وتقدير التوقعات المحتملة ، وسوف يساعد ذلك على صناعة القرار الصحيح ، علاوة على أنها تزيد من معدلات الشفافية مما تساعد على إكتشاف ذوي النظرة الثاقبة والأفكار البديلة لأولئك المتأثرين مباشرة بالأحداث ، أما من حيث التطبيقات والوسائل فإن للمشورة الشعبية أنماط وصيغ كثيرة متنوعة ومتعددة أى بمعنى أن لها أشكالاً مختلفة بإختلاف الموضوع والهدف وتتمثل فى الآتى:
1- الإخطارNotification :
يعنى به التعريف المسبق لأصحاب القضية بالموضوع المعنى بالمشورة حتى يهيؤا أنفسهم لعملية المشورة ، وذلك من خلال نقل المعلومات الرسمية للعامة وتمليكهم الحقائق وتهيئة البيئة للحوار.
2- المشورةConsultation :
تعنى الأخذ بآراء الجماعات الفاعلة والمؤثرة وتدفق المعلومات منها وإليها ، وهي تتم في كل المراحل بدءاً من مرحلة تحديد المشكلة وتشخيصها ثم إلى مرحلة التقييم والتدخل السياسي والقانوني، وقد تنتهي هذه العملية في مرحلة واحدة أو قد تكون حواراً مستمراً بحسب تطور المشكلة وإستمراريتها.
3- المشاركةParticipation :
هي عملية تقتضي وجود أصحاب القضية في مراحل صياغة السياسات والقوانين والمطالب والمعالجات ومراحل صياغة النصوص الممهدة للإجراءات.
من خلال هذا العرض نلاحظ أن المشورة الشعبية هي وليدة الظروف المحلية لأنها تنبع من واقع المجتمعات وحاجاتها وظروف تطورها ، فهى بالنسبة للغرب تبحث عن نواقص لإستكمالها بإعتبارها قد تقطع شوطاً بعيداً فى بناء الدولة ومؤسساتها فى الإستقرار والتحضر ، بينما في دول عالم الثالث فإن مهمتها ربما تكون أكبر وأصعب من مجرد تطوير للقوانين وقياس للرأي العام لتتعداها إلي إرساء قواعد للسلام وبناء الوحدة الوطنية وتحقيق الإندماج المجتمعى والتعايش الخلاق وتقنين الحقوق التي تضمن المشاركة الواسعة ، لأن المشورة في جوهرها هى نظم للحوار المباشر والوصول مع الجماهير إلي إتفاق بشأن قضية ما أو معالجة مشكلة ما علي مستوي الأقاليم أو علي مستوي الدولة, بتوسيع دائرة المشاركة من أجل صناعة القرار الإيجابي بصيغ مرنة تقترن بشئ رسمي, وتقنين موصوف, وآليات محددة. وبهذا ربما تكون هناك دورات عديدة للمشورة إذا كان في وجودها منفعة فعلية فى حل المشاكل والخلافات.
ومن خلال إطلاعنا على مسودة نص قانون المشورة الشعبية لولايتى جنوب كردفان والنيل الأزرق والتصفح عبر فقرات بنودها ومواد فصولها والتى جاءت من (18) مادة على أربع صفحات مقارنةً بنص قانون إستفتاء منطقة أبيى والتى تعتبر جزءاً من جنوب كردفان وتم إلحاقها بالجنوب إدارياً والتى لا تعادل خمس مساحة محافظة من محافظات جنوب كردفان ، تتكون من (47 ) مادة على خمسة عشر صفحة ، فهذه أولى المفارقات .. فقانون المشورة الشعبية والذى تم إجازته من قبل المجلس الوطنى ووقع عليه رئيس الجمهورية والذى بموجبه يحدد النظام الادارى الدائم للولايتين ، اللتين تخضعان حالياً لإدارتين مؤقتين خلال الفترة الانتقالية التى تنتهى بإجراء انتخابات عامة ، نجده لا يلبى ويحقق طموحات وتطلعات شعبى الولايتين ، بل هو مشروع فضفاض كل ما يدعو اليه هذا القانون هو تنظيم وتفعيل حق شعبى ولايتى جنوب كردفان والنيل الأزرق عبر مجلسيهما التشريعيين المنتخبين ديمقراطياً تحقيقاً لتطلعات شعبيهما الدستورية والسياسية والادارية والاقتصادية المضمنة فى اتفاقية السلام الشامل والتى أصلاً فشلت فى حسم النزاع السياسى فى الولايتين وتحقيق التنمية والأمن والاستقرار ، دون أن يذكر صراحة ما هو نوع الحكم وكيفية إدارة هاتين الولايتين هل تدار عبر حكم ذاتى .. أم حكم لامركزى .. بواسطة أبناء الولايتين .. وهل هناك إستفتاء لأبناء الولايتين بأن يحددوا مصير اقليمهم الى أى جهة تتبع إدارياً .. وما حجم نصيب كل ولاية من الثروة القومية وخاصة البترول هل تبقى بنسبة (2%) و كيفية التعامل مع الثروات الأخرى التى تكتشف فى الولايتين ، وعلاقتهما بالمركز ونصيب كل ولاية فى الحقب الوزارية والسيادية وترسيم الحدود وتفاصيل الترتيبات الأمنية ووضع جيش الولايتين وخاصة هناك اكثر من عشرة الف (10 ألف ) جندى من أبناء النوبة ما زالوا بالجنوب لم يتضمنوا حتى فى اتفاقية السلام فى الترتيبات الأمنية والذين لم يتحدث عنهم حتى الآن قيادات أبناء النوبة بالحركة الشعبية وهو ما يثير تساؤلات كثيرة ، لماذا يصر الجنوبيين بالاحتفاظ بهؤلاء فى مناطق غرب الاستوائية بدلاً عن جبال النوبة هل لخلق توازنات فى حال الانفصال لحسم أى تمرد أو صراعات قبلية قد تحدث كما حدث فى الناصر حينما إنفصل لام أكول وريك مشار ، أم تخشى قيادات الحركة الشعبية من الجنوبين فى حال إنفصال الجنوب عن الشمال بأن أبناء النوبة قد يقودون تمرداً ضد دولتهم مما يهدد بقاؤها مستقرة نتيجة للحقن والغبن الذى أصاب النوبة من جراء التفريط والمساومة فى قضيتهم ، فلذلك يحاولون الحفاظ والتمسك بهذا الجيش الأحمر الذى يعتبر بمثابة قوات خاصة أى ( المارينز الأحمر ) ، أم قيادات الحركة بالجنوب لا يثقون فى الجنوبيين أم محاولة ذكية منهم لتذويب هذا الجيش الأحمر كما حدث لأبناء النوبة الذين إستخدمهم الانجليز فى فتوحاته لبعض الدول مثل يوغندا وما زالوا الآن بها و إستعان بهم عيدى أمين عندما إستولى على السلطة ، فهناك العديد من المسائل المعلقة بمنطقتى جبال النوبة والنيل الأزرق والتى لم تحسمها بعض اتفاقية نيفاشا للسلام فكيف تكون الاتفاقية مرجعية للمشورة الشعبية.
إجراءات ممارسة المشورة الشعبية:
إن إجراء عملية المشورة السياسية يتطلب ذلك إنشاء مفوضية برلمانية من كل مجلس تشريعى فى أى من الولايتين ، وتتكون المفوضية من سبعة أعضاء من ضمنهم الرئيس والمقرر والبقية أعضاء بموجب قرار من المجلس التشريعى ، ويكون مقر المفوضية عاصمة الولاية المعنية ومن شروط الأعضاء السبعة أن يكونوا منتخبين فى المجلس التشريعى وتنتهى عملها بانتهاء عملية المشورة السياسية ، ولكن تكمن خطورة المسودة فى المادة 12 المصادر المالية للمفوضية والمادة 14 التوعية الخاصة بالمشورة الشعبية والمادة 15خيارات وإجراءات ممارسة المشورة الشعبية والمادة 17 نتيجة المشورة الشعبية ، والتى سوف نقوم بتناول بعض بنود هذه المواد والعمل على تحليلها حتى يقف القراء على حقيقة ما يجرى ويخطط له مسبقاً.
فىالمادة 12 تتكون المصادر المالية للمفوضية من الميزانية التى تخصصها الولاية المعنية للمفوضية والمنح من الأشخاص أو المؤسسات غير الحكومية أو من المنظمات الوطنية والأجنبية والمامحين والأصدقاء وأى مصادر أخرى ، كما جاءت فى البنود من (أ) الى (ھ ) ولكن بشرط أن توافق عليها الحكومة أو المجلس أو بطلب من رئيس المفوضية ، لأن الذى يتحكم عى عملية التمويل والدعم المالى يستطيع أن يفرض سيطرته الكلية على المفوضية وتوجيه عمل مهامها وإجراءات سير المشورة الشعبية بالولاية ، والتى مهمتها أن تقوم بالتوعية ومراقبة إجراءات المشورة الشعبية بالاضافة الى القوى السياسية وبعض الأطراف.أما فى البند (1) من المادة 14 ينص على الآتى ( يجب على الحكومة وحكومة كل ولاية ضمان توفير الفرص والمعاملة المتساوية لشعب الولاية والقوى السياسية المختلفة للتعبير عن الآراء المختلفة حول المشورة الشعبية عبر الأجهزة الإعلامية المملوكة للدولة والولاية المعنية .. والبند (2) يحظر تقييد حق التعبير أو إساءة استعمال السلطة لغرض تحقيق ذلك .. للأسف لا توجد أى ضمانات بأن تنقض الحكومة عهودها فى كل مرة وهل يستطيع الحزب الحاكم أن يسمح باستخدام أجهزة اعلام الدولة المملوكة له وهو يسيطر على مجلس وحكومة الولاية بالأغلبية المى منحها أياه إتفاقية السلام وحل يسمح بالأراء الأخرى المخالفة له وبأن تصبح ولايتى جنوب كردفان والنيل الأزرق بعيدة عن ما رسم وخطط له داخل أروقة الحكومة وخاصة فى ظل قانون الأمن الوطنى ، ولو فرضنا جدلا كان ذلك صحيحاً كما تدعى فلماذا تمسكت بهما وناكفت فى المفاوضات بأن لا تكون جزءاً من الجنوب أو حتى منحهما الحكم الذاتى أو الاستفتاء أثناء مفاوضات نيفاشا .. فما هذه إلا مناورات سياسية وتكتيكات تقوم بها الحكومة لإخفاء حقيقة نواياها وما تسعى وتطمح له تجاه هاتين الولايتين والذى لا يمكن بكل المقاييس أن تفرط فى شبراً واحداً منهما.
فلذلك تكون إجراءات ممارسة المشورة الشعبية علي النحو التالي:
(أ) فور إنتخاب أعضاء المجلس التشريعي لكل ولاية، ينشئ المجلس التشريعي المعني مفوضية برلمانية للتقويم والتقدير لإتفاقية السلام الشامل بخصوص أي من الولايتين من خلال التقارير التي تُقدم إليه وحكومة الولاية المعنية مع إستصحاب آراء مواطنى الولاية والفعاليات السياسية والمجتمع المدني بالولاية المعنية عبر لقاءات أو مؤتمرات.
(ب) إذا قرر أي من المجلسين التشريعيين عند النظر في تقارير المفوضية أن الإتفاقية حققت تطلعات شعب تلك الولاية تًعتبر الإتفاقية تسوية نهائية وشاملة للنزاع السياسي في تلك الولاية.
(ج) إذا قرر أي من المجلسين التشريعيين أن الإتفاقية لم تحقق تطلعات شعب تلك الولاية, يدخل هذا المجلس في مداولات لتحديد أوجه ذلك القصور بشكل مفصل, ومن ثم تدخل حكومة تلك الولاية في التفاوض مع الحكومة المركزية بغرض تصحيح أوجه القصور في إطار الإتفاقية, وذلك خلال شهر من تاريخ قرار المجلس .
(د) في حالة عدم التوصل الي إتفاق بين الولاية المعنية أو الولايتين معا والحكومة حول تقدير تلك التطلعات, أو أي منها خلال ستين يوما من تاريخ بدء التفاوض, تًحال المسائل الخلافية إلي مجلس الولايات للوساطة أو التوفيق. ويكون المجلس لجنة لهذا الغرض خلال أسبوع من تاريخ الإستلام.
(هـ) تتكون لجنة المجلس من سبعة أعضاء ويختار كل طرف ثلاثة أعضاء من بين أعضاء المجلس علي أن لا يكونوا من الولايات المعنية, ويتفق الأعضاء الستة علي رئيس للجنة من داخل المجلس, وفي حالة عدم الإتفاق يقوم المجلس بإنتخاب رئيس المجلس من بين أعضائه.
(و) في حالة فشل مجلس الولايات في الوساطة والتوفيق حول المسائل الخلافية خلال ثلاثين يوما يلجأ الطرفان إلي جهة تحكيم يتفقان عليها. ؟!!!!
(ز) تنتهي إجراءات المشورة الشعبية قبل نهاية الفترة الإنتقالية في الثامن من يونيو 2011م.
ما هى الجهات الى تراقب إجراءات المشورة الشعبية:
الجهات التى يحق لها أن تراقب إجراءات المشورة الشعبية هى كل القوى السياسية المختلفة ، فى كلاً من الولايتين بدعوة المذكورين أدناهم لمراقبة عملية المشورة الشعبية ونتائجها:
أ- منظمات المجتمع المدني ( المحلية – الاقليمية – الدولية),
ب- منظمة اللأُمم المتحدة
ج- الإتحاد الافريقي
د- منظمة الإيقاد
هـ- شركاء الإيقاد
و- جامعة الدول العربية
ز- الإتحاد الأوربي.
متى تبدأ إجراءات ممارسة المشورة الشعبية:
تبدأ عملية إجراءات ممارسة المشورة الشعبية فور إنتخاب أعضاء المجلس التشريعى لكل ولاية ويقوم المجلس بإنشاء المفوضية لتعمل على تقويم وتقدير اتفاقية السلام الشامل من خلال التقارير التى تقدم اليه ومنها الى حكومة الولاية مع استصحاب أراء شعب الولاية والفعاليات السياسية والمجتمع المدنى بالولاية المعنية وذلك عبر لقاءات أو مؤتمرات ، ثم ترفع هذه التقارير الى مجلس الولاية للنظر فيها ، فإذا قرر المجلس أن الاتفاقية حققت تطلعات شعب تلك الولاية تعتبر الاتفاقية تسوية نهائية وشاملة للنزاع السياسى فى تلك الولاية ، أما إذا أقر المجلس ان الاتفاقية لم تحقق تطلعات شعب تلك الولاية ، تدخل حكومة تلك الولاية فى التفاوض مع الحكومة بغرض تصحيح أوجه القصور فى إطار الاتفاقية لتلبية تطلعات شعب الولاية المعنية وذلك خلال شهر واحد ، وفى حالة عدم التوصل الى اتفاق تحال المسائل الخلافية الى مجلس الولايات للوساطة والتوفيق ، فى حالة الفشل يلجأ الطرفان الى جهة تحكيم يتفقان عليها ، وفى حالة اعتماد المجلس التشريعى الولائى اتفاقية السلام الشامل بإعتبارها تلبى تطلعات شعب الولاية تعتبر الاتفاقية تسوية نهائية للنزاع السياسى فى الولاية المعنية وتحيل حكومة الولاية الأمر الى رئاسة الجمهورية لإصدار مرسوم جمهورى بهذا الشأن أما إذا لم تلبى تطلعات شعب الولاية المعنية تدخل تلك الولاية فى التفاوض مع الحكومة من أجل تضمين وإقرار تلك التطلعات فى الاتفاقية وذلك بمرسوم جمهورى ، كما نصت عليهما البندين (1 ) و (2) فى المادة 17.
التوعية الخاصة بالمشورة الشعبية:
تنص المادة (14) من قانون المشورة على أنه:
1- يجب علي الحكومة وحكومة كل ولاية ضمان وتوفير الفرص والمعاملة المتساوية لشعب الولاية والقوي السياسية المختلفة للتعبير عن الآراء المختلفة حول المشورة الشعبية عبر الأجهزة الإعلامية المملوكة للدولة والولاية المعنية.
2- يُحظر تقييد حق التعبير أو إساءة إستعمال السلطة لغرض تحقيق ذلك.
3- تقوم أجهزة الإعلام المملوكة للدولة أو الولاية بتقديم خدمات إعلامية مجانية ومنح فرص ومدة زمنية متساوية للجميع في حملة المشورة الشعبية.
4- يكون لممثلي أجهزة الإعلام المحلية والأجنبية الحق في الحصول علي جميع المعلومات المتعلقة بإجراءات حق المشورة الشعبية.
بعض النماذج لتجارب المشورة الشعبية التي طبقت في العالم:
وجدت مبادرة والي ولايتى جنوب كردفان والنيل الأزرق الدعم اللازم من كبار المانحين وبالتحديد من المعونة الامريكية ، والتي مولت ورش العمل بالخرطوم وسفر الوفود إلى اندونيسيا وتكاليف الخبراء والمصادر وكافة المطلوبات اللوجستية ، بدعم من المعونة الأمريكية وما زالت تدعم بقية متطلبات الرحلة العلمية وملتزمة في المرحلة المقبلة بالمساهمة حسب خطة العمل المستقبلية ، في نهاية عام 2009 أوفدت الجهات المسئولة عن تنفيذ اتفاقية السلام الشامل مندوبين من ولاية النيل الأزرق وجنوب كردفان للإطلاع علي التجربة التيمورية فيما يتعلق بـ "المشورة الشعبية" والاستفادة منها في التجربة السودانية .
في أثناء انعقاد ورشة "المشورة الشعبية" الأولي بمدينة الدمازين ، برعاية مجلس الكنائس السوداني ، طلب بعض الحضور التعرف علي التجربة التيمورية ، فتفضل أحد منسوبي المؤتمر الوطني من المبتعثين إلي تيمور، مقدماً عرضا عاماً لم يكن فيه أي تفصيل يمكن أن يستفيد منها الحضور من التجربة التيمورية ، وبدأ أن الخوض في موضوع كهذه التجربة فيه تحفظ شديد ، ربما كان مبرراً ، ( لأن نتيجة المشورة الشعبية التيمورية إنتهت بالإنفصال).
لم يوضح لنا من ذهبوا إلي تيمور والي " محافظة أنشى" تحديداً أن هذا الجسم المستقطع من أندونيسيا يعد من أكثر دول العالم فقراً وتخلفاً ، ويعيش علي معونات المانحين بينما ترتع فيه إدارة الأمم المتحدة بميزانية سنوية تقدر ب700 مليون دولار سنوياً لدرجة أنها شاركت في بناء فندقاً استثمارياً فخما لإستقبال ضيوفها أجرة الليلة الواحدة فيه 160 دولارا(المرجع: إسلام أون لاين- تيمور الشرقية .. دفع خدمة الاستقلال.)
والمشورة هنا تشبه مشورة الهوسا في إقليمهم بنيجيريا حول المحاكم الشريعة الإسلامية ، اي الوضعية القانونية والثقافية ، ليس الخيار بين الإنضمام لتلك الدولة أو البقاء كدولة مستقلة ، حسب النصوص الواردة.
وحسب المصادرفيما يتعلق بشأن التجربة التيمورية ، لقد تم ذلك بموجب إتفاق وقع في 30/3/1999 بين الحكومة الأندونيسية والمستعمر البرتغالي ، نفذت تجربة " المشورة الشعبية" لسكان تيمور الشرقية ( البالغ عدد سكانها في ذلك الوقت 450.000 نسمة بالإضافة إلي 13.000 آخرين كانوا يعيشون خارج البلاد) بشأن منحها حق تقرير المصير من خلال خيارين محددين هما:
1- إما الموافقة علي عرض منح تيمور حكما ذاتياً من خلال جمهورية أندونيسيا الموحدة.
2- أو رفض عرض منح الحكم الذاتي واإتجاه الى الانفصال كلياً عن جمهورية أندونيسيا.
3- لقد صوت 21% من جملة السكان علي القبول بالحكم الذاتي بينما صوت 78.5% علي الانفصال.
4- في 19/10/1999 وافقت حكومة أندونسيا عي إلغاء كل القوانين المتعلقة بتبعية تيمور لأندونسيا.
5- في مايو 2002 مرر مجلس الأمن قرارا بتكوين إدارة إنتقالية تمهيداً لعملية إنفصال تيمور الشرقية عن أندونيسيا.
6- بفضل " المشورة الشعبية" إستقلت تيمور الشعبية عن أندونيسيا وتنعم بالحرية الآن ولكن..تحت ظل الفقر.
هنالك أوجه شبه كثيرة بين آشي وولايتى جنوب كردفان والنيل الأزرق تتمثل فى الآتى:
1- وجود مظالم ومطالبات قاعدية للحصول على حقوق إقتصادية وساسية وإجتماعية وثقافية.
2- تجربة الصراع المسلح.
3- وجود إتفاق بين الحكومة المركزية وممثلي المحافظة.
أما أوجه الإختلاف فأهمها:
1- أن الإتفاق في (آشي) هو مذكرة تفاهم لكنه بروتوكول متكامل إستوعب في الدستور القومي والولائي.
2- نجد أن درجة الوعي ونسبة التعليم واإلماح بالحقوق مرتفقة في محافظة (آشي) ، أما فى الولايتين منخفضة.
3- هناك درجة عالية من التركيز على ما هو إستراتيجي من كل الطرفين حركة محافظة أشى والحكومة المركزية في تجربة (آشي) وكثرة التكتيكات والأهداف المرحلية المتباينة ، أما الولايتين هناك غموض وتباين مفاهيم ونتائج غير مأمونة العواقب وعدم مرجعية تستند عليه المشورة الشعبية فلذلك أصبحت قابلة للتأويل وكل طرف يفسرها على حسب هواه.
ملاحظات عامة عن المشورة الشعبية وآليات تنفيذها:
1- لقد تمت صياغة القانون علي عجل مما ساهم في إضفاء مزيد من الغموض علي مصطلح (المشورة الشعبية) وبالتالي إلي إزدحام العديد من المعاني. فمثلا في نص المادة »3« من القانون (يقصد بالمشورة حقا ديموقراطيا وآلية لتأكيد وجهة نظر شعبي الولايتين كلا علي حدة). وهذا تعريف غير موفق إذ أنه أشار إلي المعني الموضوعي بإعتبار أن المشورة حقا ديموقراطيا, وقانون المشورة قانون إجرائي كما يبدو من مرجعيات القانون. وكان يمكن للمشرع أن يجعل قانون الإنتخابات لسنة 2008 واحداً من مرجعيات هذا القانون.
2- فى الفصل الأول هناك نصوص أولية أساسية لقانون المشورة الشعبية ، الذى أجازه المجلس الوطني في نهاية مدته بتاريخ 16/12/2009 ، فمثلاً إسم القانون ومصادره المذكورة في المادة «4» هي إتفاقية السلام الشاملة ، الدستور الإنتقالي للسلام ، الدساتير الإنتقالية لكل من ولايتى جنوب كردفان والنيل الازرق ، قواعد ومبادئ القانون الدولي ، إضافة الى المواثيق الإقليمية والدولية المصادق عليها من قبل حكومة السودان.
3- المادة «5» تتحدث عن أهداف المشورة الشعبية التي لخصتها في تأكيد رغبات شعبي جنوب كردفان والنيل الازرق في ما يخص اتفاقية السلام الشاملة، التوصل النهائي للسلام الدائم بهذه المناطق، تعديل الثغرات المصاحبة لاتفاقية السلام في المجالات الدستورية والسياسية والادارية، والترتيبات الاقتصادية في اطار اتفاقية السلام الشاملة، لكنها لم تشر الى تقييم تنفيذ الاتفاقية.
4- تتكون المفوضية من الرئيس والمقرر وعدد من الأعضاء بموجب قرار من المجلس التشريعي المعني, مع مراعاة تمثيل المرأة واللجان المتخصصة في المجلس. هذا النص يفتح الباب واسعا للخلافات بين أعضاء المجلس خاصة في ظل التجربة الإنتخابية المليئة بالتجاوزات.
5- المادتان «6» و«7» نصتا على انشاء لجنة من المجلس التشريعي المنتخب، مع مراعاة تمثيل المرأة واللجان المتخصصة.
6- المادة «9» تتحدث عن أهلية عضوية اللجان وشروط فقدان هذه الاهلية. المادة «11» تتحدث عن نهاية صلاحية اللجنة المرتبطة بنهاية إجراء المشورة الشعبية، التي حددتها في المادة «17» الفقرة «7» بالثامن من يوليو 2011م.
7- تعطي المادة (10) الحق للمجلس أو رئيس الجمهورية في إسقاط عضوية أي عضو من المفوضية. إن هذا الحق لا يتلاءم مع دوافع وأسباب إنشاء المفوضية, لأن الرئيس يمكن أن يسعي لإسقاط عضوية أي عضو يخالفه الرأي حول الموقف من تنفيذ إتفاقية السلام الشامل الموقعة في سنة 2005م. وكان الأوفق للمشرع أن يجعل إسقاط العضوية قصرا علي المجلس من خلال موافقة ثلثي أعضائه أو الاغلبية البسيطة.
8- الفصل الرابع المادة «12» تتحدث عن مصادر تمويل لجنة المشورة الشعبية التي شملت كل المصادر الممكنة، ولكنها قيدت استلام الاموال من المنظمات التطوعية والامم المتحدة بضرورة ان يكون عبر حكومة الولاية ، وهذا يتسق مع أحكام قانون العمل الطوعي لعام 2006 م في ما يخص إستلام الأموال من الجهات الاجنبية ، ولقد حددت المادة (12) المصادر المالية للمفوضية في الآتى: موارد تخصصها الولاية المعنية ، المنح من الأشخاص أو المؤسسات غير الحكومية التي توافق عليها حكومة الولاية المنح من المنظمات الوطنية والأجنبية من خلال الحكومة أو حكومة الولاية المعنية, التمويل من المانحين أو الأصدقاء ، وأي مصادر أخري يوافق عليها المجلس ، لأن عدم جعل المصدر الأساسي لمالية المفوضية هى وزارة المالية والإقتصاد الوطني من خلال ميزانية واضحة تعدها المفوضية ويصادق عليها المجلس الشريعي يضع هذه القضية على عتبات الفساد ومنزلقات التدويل.
9- المادة «14» تتضمن المبادئ الخاصة بالمشورة الشعبية التي منها مراعاة مبدأ الفرص المتكافئة، حرية التعبير وعدم استغلال السلطة.
10- المادة «15» تتحدث عن الفرص والاجراء ت المتعلقة بممارسة المشورة الشعبية، حيث حصرت الخيارات في نقطتين فقط، اما اعتبار اتفاقية السلام الشاملة ملبية لتطلعات شعبي جنوب كردفان والنيل الازرق، أو أنها لم تلبى طموحات الشعبين فتحتاج الى مراجعة وتعديل ، ولكن نصوص الإتفاقية سكتت عن سقف هذه التعديلات ، هل يمكن أن ينص على حق تقرير المصير مثلا؟.
11- المادة «16» تتحدث عن صلاحيات المجلس التشريعي وإختصاصاته في ما يلي المشورة الشعبية، مثل تكوين لجنة المشورة الشعبية، تقييم اتفاقية السلام بموجب تقرير اللجنة ، الإجابة على سؤال هل إتفاقية السلام الشاملة لبت تطلعات وطموحات شعب جنوب كردفان أم لا؟.
12- إذا أجابت اللجنة على أن إتفاقية السلام لبت طموحات شعب جنوب كردفان تعتبر الاتفاقية نهائية ، أما إذا كانت غير ذلك فقد أشارت المادة «16» الى ممارسة المشورة الشعبية ، وحصرت مصادرها في أفراد شعب جنوب كردفان «لم يحدد داخل الولاية فقط أم خارجها ، مع ملاحظة أن قانون الإنتخابات يعطي حق التصويت في مكان الإقامة فقط، والمادة «67» من قانون إستفتاء جنوب السودان تحصره في المقيمين داخل الجنوب فقط ، وفي حالة عدم موافقة المجلس التشريعي المنتخب على إعتبار إتفاقية السلام الشاملة لم تلبى تتطلعات وطموحات شعب جنوب كردفان ، يدخل مع الحكومة القومية في مفاوضات لتعديلها حتى تلبي مطالبهم ، وإذا أمتد الخلاف بينهما لمدة شهرين أو ثلاثة ، ترجع التعديلات الى المجلس التشريعي ويكون قراره فيها نهائياً.
13- في حالة نشوب خلاف بين الحكومة القومية والمجلس التشريعي ، يتم تكوين لجنة لتحديد نقاط الخلاف يكون أجلها أسبوع فقط ، وفي حالة الفشل في تحديد نقاط الخلاف ، يرجع الأمر الى جسم تحكيمي يتم الإتفاق حوله ، على ألا تتعدى هذه الاجراءت كلها الثامن من يوليو 2011 نهاية الفترة الانتقالية.
14- أن ممارسة أو مدة المشورة الشعبية هى يوليو 2011 م ، ونلاحظ أن ممارسة حق تقرير المصير لجنوب السودان في يناير 2011 م ، وهذا يعني أن المشورة الشعبية تمارس بعد ممارسة الجنوب لحق تقرير المصير ، اي بعد تحديد علاقة الجنوب بالشمال ، وهذا يعنى ماذا يسفر حق تقرير المصير لجنوب السودان االوحدة أم الإنفصال؟ ، هذا النص يرسل إشارة خفية حول طبعية المشورة الشعبية المرتبطة بحق تقرير المصير لجنوب السودان.
15- القانون نص على أن رئيس الجمهورية يصدر قراراً بنتجية المشورة الشعبية، ولكن لم ينص على صلاحية المجلس الوطني في ذلك ، وهو البرلمان الذي هو المسؤول الأول عن التشريع ، وهو حسب قانون الإنتخابات يفترض أن يزاول نشاطه في أبريل 2010م ، إذ تنقص المشورة الشعبية صفة وقوة القانون ما لم تتم إجازتها بواسطة البرلمان القومي المنتخب .. ولكن ماذا إذا حاز حزب واحد على الأغلبية الساحقة في المجلس التشريعي؟ كيف يؤثر ذلك على تكوين اللجنة وعلاقة الشريكين المستقبلية؟ ، وكذلك توجد في المادة (15) فقرة (ج) يًعطي المشرع حق التفاوض مع الحكومة المركزية لحكومة الولاية ، في حال قرر المجلس التشريعي أن قصوراً قد شاب تنفيذ الإتفاقية في الولاية ، فعلى أى جهة تقع المسئولية.
بالرغم تعتبر المشورة الشعبية من أهم مآلات الإتفاقية وولكن للأسف هي عبارة يلفها الكثير من الغموض ، وتحتاج الى القاء الضوء والتوضيح ، ورغم كل ذلك ما زال يعتقد أغلب القادة في الحركة الشعبية أن بإستطاعتهم الفوز بأغلب مقاعد المجلس التشريعي الولائي ، وبتالي إستخدام المشورة الشعبية كأساس لتعديل الإتفاقية وفق رؤيتهم التي تحقق الكثير الذي لم يتم تحقيقه من خلال تطبيق الاتفاقية ، أو بإنتخاب حكومة متعاطفة معهم يسهل التأثير عليها.
إن اتفاقية نيفاشا بما فيها من إيجابيات وسلبيات قد كانت قاصمة الظهر لقضية جبال النوبة ودون شك في ذلك ، حيث تم فيها تهميش القضية تماماً في تقسيم السلطة والثروة وفي الترتيبات الأمنية ، أى بمعنى أخر أنها عملت على إضعاف الأقليم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً ، حيث وضعت الإتفاقية مستقبل المنطقة السياسي في وضع صعب للغاية ، بعد أن ولدت صراعات سياسية وفكرية بين أبناء المنطقة ، فتجد فيهم من ينادي بأسم المؤتمر الوطني والأخر بأسم الحركة الشعبية وحتى النوبة منقسمون فيما بينهم ، والذى يحتاج لوقفة صلبة من الجميع لتجاوز هذه العقبة والعمل على تصحيح الأوضاع وتوحيد الرؤى والصف ، لأن المنطقة تفتقر الى من ينادي ويطالب بحـق المواطن المغلوب على أمره ، بل جميعهم قـد تناسوا قضيتهم الأساسية التي ناضلوا وحملوا السلاح من أجلها. وهذا السباق واللهث وراء السلطة والمكاسب السياسية الرخيصة والتخندق وراء القبلية والتشرزم قــد أدي الي تنافر الأقطاب وخلق فراغ سياسي وانعدام فى القيادات السياسية الرشيدة والواعية والمدركة تماماً بقضية المنطقة ، مما تسبب أيضاً في عدم وجـود تنمية بالاقليم في جميع مرافق الحياة ، في مجال التعليم والصحة والخدمات الإجتماعية الضرورية وغيرها.
أراء وأقوال لبعض من القيادات والمسئوليين حول المشورة الشعبية:
نجد أن المشورة الشعبية حسم أمرها بالمعني الذي ورد في هذا القانون في مادته الثالثة ( تفسيرات ) ، حيث ذكرت أنها تعني ( الحق الديمقراطي والآلية التي بموجبها تؤكد وجه نظر شعب جنوب كردفان والنيل الأزرق ، حول إتفاقية السلام الشاملة ، التي توصلت اليها الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان ) ، فلذلك كان لغياب التوعية المبكرة لبروتوكول المشورة الشعبية في ولاية النيل الأزرق وجنوب كردفان وإنشغال طرفي الإتفاقية بالتحضير للإنتخابات العامة ثم قضية الإستفتاء التي سحبت البساط من اقدام المشورة الشعبية، لتأتي أبيي لتساهم في تهميشها، بجانب المشاكسات والخلافات التي سادت العلاقة بين الشريكين دور كبير في سياده المفاهيم الخاطئة عن المشورة الشعبية والتي يعتقد الكثيرون بأنها تشابه إستفتاء أبيي بتخيير أهل الولايتين المعنيتين إما بالإنضمام للشمال أو الجنوب في حالة الإنفصال ، ولقد روج الكثير من قادة الحركة الشعبية عن قصد أو جهل منهم الحركة .. للمشورة على أساس أنها تقرير مصير ، إضافة الى مفاهيم عديدة مغلوطة تعتقد بأنها العصا السحرية لحل كافة مشاكل النيل الأزرق وجنوب كردفان.
فلذلك يجب أن يعلم الجميع بأن المشورة فى ولايتى جنوب كردفان والنيل هى أغرب مشورة فى العالم لا تشبه المشورة الشعبية بأندونسيا ، التي وقف على تجربتها الإخوة في المجلس التشريعي الولائي ، حيث كان السؤال حول البقاء في إطار دولة واحدة أم إنفصال الذى إختاره شعب تيمور الشرقية فأصبحت دولة مستقلة.
فالى ضوابط هذه الأراء المختلفة والتى تتمثل فى الآتى:
1- وفى الحوار أجري مع القائد المرحوم يوسف كوة بالقاهرة في 1995م عن مصير جبال النوبة في حالة إختيار الجنوب للانفصال؟ ، مما يكشف الرؤى الخاصة بالحركة قطاع جبال النوبة حول حق تقرير المصير ... فرد بقوله (نحن كنوبة دخلنا الحركة منذ البداية كوحدويين ، ولازلنا في هذا الموقف الداعي للتعددية والإعتراف بحقوق الأقليات العرقية والدينية وحقوق القوميات، وفوق كل هذا وذاك وحدة السودان تحت مبادئ اللا مركزية ، نحن موجودون كقوة مقاتلة في الحركة .. إذا كانت هناك فترة إنتقالية نتوقع أن نُعامل خلالها كما يُعامل الجنوب ، متى ما إختار الجنوب الإنفصال ، سيكون لنا الحق في تقرير المصير بالنسبة لنا سواء نكون جزءاً من الجنوب أو جزءاً من الشمال ، وربما نطالب بإستقلالنا أيضاً ، وهذا يأتي نتيجة لأننا أقلية، ومتى ما سنحت الفرصة سيعود المقاتلون الى الجبال والجلوس مع مواطنيهم لتقرير مصيرهم كمجموعة ).
2- لقد شدد رئيس المجلس التشريعي محمد الحسن علي أهمية المشورة الشعبية ، كأداة من أدوات الحكم الراشد ، مضيفاً ان نجاح المشورة الشعبية بالولايتين النيل الأزرق وجنوب كردفان يمكن أن يصبح سابقة تحتذى لحل مشاكل الولايات الأخري.
3- قالت ممثلة الأمم المتحدة بالسودان سليفينيا أن المشورة الشعبية هي حجر الزاويا لإتفاقية السلام وأوضحت ان الشريكين نفذوا العديد من بنود الإتفاقية ولكن تبقي الأهم ، وأوصت تقارير الخبراء بتكوين جهه تحدد المطالب وفق قانون المشورة الشعبية والمؤشرات الحقيقة وذلك بتوضيح الأولويات والإستحقاقات والطموحات تمشياً مع واقع البلاد.
4- يقول مكى على بلايل رئيس حزب العدالة والمرشح لمنصب الوالى بولاية جنوب كردفان ( ما فتئت عبارة المشورة الشعبية التي وردت في برتكول حل النزاع بجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق تثير الجدل منذ توقيع إتفاقية السلام الشامل C.P.A والتي يعتبر البرتكول المشار إليه أحد مكونات حزمتها. وقد ذهب المهتمون مذاهب شتى في تفسير مضمون هذه العبارة بين من يماهيها بتقرير المصير ومن يعتبر بنودها مجرد ألفاظ إنشائية بلا محتوى يعتد به. ويرى مكي علي بلايل أن المشورة الشعبية قد تم إفراغها من محتواها ، وذلك بتحديد الداوئر الجغرافية الإنتخابية مسبقاً ومبكراً من قبل المؤتمر الوطني ، بهذا فقد حكم على شكل المجلس التشريعي الولائي القادم ، ووصفه بأنه سوف لا يعبر عن شعب جنوب كردفان ، وبتالى غير مؤهل بأن ياتي بمشورة تعبر عنهم.
5- المشورة الشعبية يفهمها البعض بانها مرادفة لحق تقرير المصير الذي يفضي الى الحكم الذاتي، اي يخير ابناء جنوب كردفان والنيل الازرق بين البقاء ضمن ولايات الشمال مع التمتع بالحكم الذاتي او الانضمام الى الجنوب، وايضا التمتع بالحكم الذاتي في حالة الانفصال كما هو الحال في عام 1925م او البقاء كدولة مستقلة ، وهذا الفهم قد اعلنت عنه الحركة الشعبية بالنيل الازرق في مؤتمرها الذي انعقد بمدنية الكرمك في اكتوبر 2009م، حيث اعلن رئيسها مالك عقار ان النيل الازرق جزء من جنوب السودان، فلا غضاضة في البقاء جزءاً منه.
وعضد هذا الفهم اللواء إسماعيل خميس جلاب حين ذكر ان هدف الحركة قطاع جبال النوبة من الأنضمام للحركة الشعبية كان بحثاً عن حق تقرير المصير ، الا أن الاتفاقية جاءت بغير ذلك. فقد طابق قوله قول القائد المرحوم يوسف كوة.
واضاف بقوله ان المشورة الشعبية هي حق ديمقراطي وإنساني، ووصف الاتفاقية بانها قاصرة أيضا حينما سكتت عن الاجابة للسؤال ما سيحدث اذا اختلفت الحكومة المركزية مع البرلمان حول نتائج هذه المشورة الشعبية؟
6- أما والى ولاية جنوب كردفان أحمد هارون لقد وصف المشورة الشعبية فى برنامج تلفزيونى بأن المشورة عبارة عن ( أورشتة ) أى وصفة طبية ودواء أعطى لمريض ليتعاطى العلاج ، وبعد فترة يأتى لإستشارة الطبيب بأن الوصفة أعطت مفعولها أم لا ، وحينما سئل نائب الوالى عبدالعزيز الحلو عن رأيه فيما ذهب اليه الوالى ، لقد وافقه الراى ( وهذا رأى من لا رأى له يصبح كالظل ).
7- عندما سئل نائب رئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه عن المشورة الشعبية- وهو من عارفي نيفاشا- في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق أكد أن المشورة أصلا لمعرفة آراء مواطني الولايتين في سير تنفيذ الاتفاق وما إذا كان ما جرى يرضي طموحهم أم لا, وقال طه (المشورة الشعبية بغرض استطلاع آراء المواطنين وملاحظاتهم ومقترحاتهم حول تنفيذ الترتيبات التي تضمنتها الاتفاقية وكيفية تحسينها وتطويرها).
8- أكد نائب رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان جميس واني إغا في تصريحات صحفية في مدينة الكرمك إبان حملة الحركة للانتخابات في الشمال ، وأكد أن المشورة الشعبية لمنطقتى جبال النوبة والنيل الأزرق تمنح الحق للمنطقتين بتقرير مصيرهما بعدة خيارات بما فيها خيار الإنضمام إلى جنوب السودان في حال إنفصاله.
9- ويقول كمال النور أحد قادة المتمردين السابقين من أبناء النوبة وحاكم محلي في أحدى المناطق التي تسيطر عليها الحركة الشعبية ، "نحن لسنا جزءا من الاستفتاء الذي سيجريه الجنوب، وبدلا عن ذلك ستجري جبال النوبة مشورة شعبية لتحديد مستقبلها".
10- قال بروفسير خليل عبدالله المدنى مدير معهد أبحاث السلام بجامعة الخرطوم كان لغياب التوعية المبكرة عن مفهوم المشورة الشعبية دور كبير في سيادة بعض المفاهيم الخاطئة، بل أن المواطنين كانوا يحملون آمالاً وتطلعات وآسعة فوق طاقة المشورة بجانب أنها لم يكن منصوص عليها، وإنحصرت جهود التوعية في تلك الفترة في بعض المبادرات التي قامت بها بعض المنظمات الدولية وغير الحكومية بدعم من المعونة الأمريكية، وقامت فيها ورش تم فيها شرح العملية ومتطلبتها والتشاور حول سبل نجاحها، وقد تمخض عن ذلك إلتزام كافة المشاركين بالمتطلبات الأساسية لإنجاح العملية وقمت صياغة وثيقة وقع عليعا كافة ممثلي الأحزاب السياسية والقيادات المحلية بالولاية، كما تم وضع ميثاق شرف وقع عليه كل من وآلي الولاية رئيس الحركة الشعبية ورئيس المؤتمر الوطني في الولاية يؤكد المبادئ التي يجب ان تحكم عمليات إجراء المشورة الشعبية، وتبنت تلك المنظمات اختيار عدد من ممثلين الولاية في رحلة إستهدفت التعرف علي التجارب السابقة للمشورة الشعبية في كل من أندنوسيا وكينيا وشارك في هذه الرحلات (12) ممثلاً للولاية.
11- يقول الكاتب الصحفى حسين كرشوم المشورة الشعبية مثل بيض القطا ( طائر يجيد الاختفاء حيث يشبه لون ريشه لون الأرض الأغبر) ، اذ جاءت في حقه الخرافة الشعبية التي تقول ، بعد حرفت فيه نطقة ( أم قطيطيتي إذا شلتها تكتل أمك وإذا تركتها تكتل أبوك ) هذا يعني إذا عثرت على بيض القطا ، فإذا إلتقطته يقتل أبوك وإذا تركته يقتل أمكّ!!! ) ، فهي تعني أمرين أحلاهما مر ، وهذا ما يؤكده إعلان مجموعة صغيرة من الحركة الشعبية مقاطعة الانتخابات بجنوب كردفان أخيراً، لعلها حسبت اذ مارستها سوف قد لا تفوز بالإغلبية التي تتوقعها في دوائر المجلس التشريعي المحلي بجنوب كردفان ، وعليه سوف لن تمكنها من تنفيذ المشورة الشعبية بالطريقة التي تروق لها ، وإذا تركتها فإن قطار الإنتخابات قد غادر المحطة وربما لن يتوقف ، علماً بأن ممارسة المشورة الشعبية غير متوقف على مشاركة الحركة الشعبية ، إذ يمكن إجراؤها في غياب مشاركتها فأى تختار؟.
12- ويقول نافع على نافع واصفاً المشورة الشعبية ( بأنها لا طعم لها ولا رائحة ).
وبهذا لقد دخلت المشورة الشعبية لجنوب كردفان والنيل الأزرق مؤخراً ضمن القضايا الملتهبة في الساحة السياسية، ومن ما أثارته كتلة الحركة داخل البرلمان ، وهددت بالإنسحاب إن لم يُجز قانونها ، وتبدو القضية وكأنها معركة "صغيرة" مؤجلة بتواطؤ من الشريكين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية ، وأولى قرائن هذا التواطؤ هو الحوار الدائر بشأنها هذه الأيام وكأن القضية تطرح لأول مرة ، وكأن المشورة الشعبية لم تكن من ضمن إتفاق السلام الذي جلس له الطرفان طويلاً وبحث كل ما ورد فيه ، بحيث لا يسمح بمثل هذا الغموض وتضارب المفاهيم ...
الخاتمة:
هنالك الكثير من الأسئلة التى تدور في أذهان العديد من المواطنين والتي تحتاج منا جميعاً كأبناء اقليم جنوب كردفان لإجابات صريحة وشجاعة تتمثل فى الآتى:
أولا:ً ما هي الإستعدات والترتيبات اللازمة التي يجب علي مواطني الإقليم عمله لخوض تلك الإنتخابات الهامة التي قد تكون لها أبعادها في رسم مستقبل السودان عامة واقليم جبال النوبة بصفة خاصة ، في الوقت الذي نجد فيه المواطنون منقسمون ما بين حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية كما ذكرت ، أما الحديث عن تنظيماتنا النوبية وأحزابنا السياسية العتيقة بتاريخها لم تصحو بعد لتدرك ما يدور فى الساحة النوبية حتى تطرح خططها وبرامجها وتتحمل مسئوليتها التاريخية أمام شعبها ، لكنها إختارت أن تراقب عن كثب دور المغشى عليه من الوهن ؟
ثانياً: ماذا سيكون مصير مستقبل الإقليم اذا صوت الجنوبيون للإنفصال في عملية الإستفتاء .. وقامت دولة الجنوب ؟ وما مصير قوات أبناء جبال النوبة المتواجدون فى الجنوب والذى يزيد عددهم عن ( عشرة ألف جندى ) ؟!!.. خاصة إن كل المؤشرات والدلائل في الساحة االسياسية الجارية الآن تشير الى ذلك.
ثالثاًً: ما هي الإستراتيجية التي من المفترض أن يتبناها أبناء الأقليم لتأمين حقوقهم السياسية والدستورية والادارية والاقتصادية حتى لاتضيع تلك الحقوق كما حدثت في اتفاقية نيفاشا ؟.
رابعاً: المشورة الشعبية لم ترتقى الى مستوى تطلعاتنا وآمالنا بالاقليم لكنها أصبحت واقعاً والقشة التى نتعلق بها الآن ، فكيف نعمل سوياً لتطوير هذه المشورة الشعبية من خلال وعاء جامع يشمل كل ابناء اقليم جبال النوبة بمختلف ألوان طيفهم السياسي والاجتماعي والثقافى وأعراقهم وقبائلهم عبر خطط ورؤى وبرامج منهجية..!!.
خامساً: هناك غياب للتوعية المبكرة والتنوير فيما يتعلق ببروتوكول المشورة الشعبية في ولاية النيل الأزرق وجنوب كردفان وإنشغال طرفي الإتفاقية كان بالتحضير للإنتخابات العامة والآن للإنتخابات الولائية ثم قضية الإستفتاء التي سحبت البساط من أقدام المشورة الشعبية ، لتأتي أبيي لتساهم في تهميشها ، بجانب المشاكسات والخلافات التي سادت العلاقة بين الشريكين دور كبير في سياده المفاهيم الخاطئة عن المشورة الشعبية والتي يعتقد الكثيرون بأنها تشابه إستفتاء أبيي بتخيير أهل الولايتين المعنيتين إما بالإنضمام للشمال أو الجنوب في حالة الإنفصال، إضافة الى مفاهيم عديده تعتقد بأنها العصا السحرية لحل كافة مشاكل النيل الأزرق وجنوب كردفان ، والتى تحتاج لحملات توعية من الطرفين الحكومة والحركة الشعبية لتصحيح هذه المفاهيم الخاطئة.
وللإجابة على هذه الأسئلة لا بد أن يفكر أبناء الإقليم بصورة جادة وقبل كل شئ في توحيد صفوفهم ورؤيتهم السياسية ، وأن يستفيدوا من الدروس و العبر ومن الأخطاء السابقة ، ولا ينساقوا وراء الأخرين بالعاطفة وباسم الدين كما هو الآن ، وأن تكون لهم إرادة قوية وثقة في النفس لتحقيق الغايات السامية .. لأن اتفاقية نيفاشا للسلام أقرت بتبعية منطقتى جنوب كردفان والنيل الأزرق الى الشمال لأنهما تقعان خارج حدود الجنوب وهو ما وافقت عليه الحركة الشعبية عندما قدمت تنازلات فى سبيل تنازل الحكومة بعدم تمسكها بمنطقة أبيى ، فلذلك تضمنت مسألة المشورة الشعبية فقط فى إعتماد اتفاقية نيفاشا لحسم النزاع السياسى بالولايتين أما فى حالة عدم تلبيتها تحاول الحكومة معالجة القصور فيها بمرسوم من رئاسة الجمهورية ، هذا يعنى ضمنياً انهما تحت سيطرة وحكم الشمال ، فلذلك الحديث بأن يختار النوبة ما بين الانضمام الى الجنوب أو الشمال هو استهلاك للحديث ، لأن مرجعية المشورة الشعبية اتفاق نيفاشا للسلام ونص الاتفاقية واضح فى مضامينها فيما يتعلق ببروتوكول الترتبات الأمنية ومنطقتى جنوب كردفان والنيل الأزرق ، فهذا هو السبب الحقيقى فى عدم اعطائهم حق الاستفتاء أو تقرير المصير فقط منحوا المشورة حول حكم لا مركزى لكن فى اطار العلاقة مع المركز ادارياً وسياسياً واقتصادياً ، فلذلك نلاحظ أن الحكومة رفضت فى أن يكون هناك اى قوات للحركة الشعبية فى الولايتين وأن تكون نسبة المؤتمر الوطنى خلال الفترة الانتقالية لحكومة الوحدة الوطنية 52% ليس من فراغ حتى تضمن الأغلبية وتستطيع بذلك أن تأرجح كفة ميزان الغلبة وأن تفرض أبعاد إستراتيجيتها السياسية وما رسمت له مسبقاً.
ولا بد أن ندرك بعمق وبصيرة ثاقبة حقيقة ما يجري في الساحة السياسية النوبية وبالتالي لا تتماشي مع الصورة الواقعية لإرادة التزييف والتغييب , فهنالك إرادة شعب بأكمله تخضع لعملية مسخ ورسم صورة مغايرة له فى ظل غياب تام لقيادات واعية ومدركة لذلك ، فلا بد أن نقرأ هذه الأحداث بمنطقية حتي نصل لحقيقة ما يجري في المنطقة من تهميش وإهمال متعمد للبنية التحتية والمواطن والمرافق من تنمية وبناء وخدمات علي شتي النواحي المختلفة ، وهناك حشد لقوات فأصبحت المنطقة ملتهبة وبارود على فوهة بركان قابلة للإشتعال والإنفجار تحت أى لحظة.
فلا الحكومة المركزية أوحكومة الولاية أو الحركة الشعبية يحاول كلاً منهم العمل علي محو الآثار السالبة والسيئة نتيجة لتراكم عوامل التخلف والتهميش المقصود وغير المقصود لكسر الحاجز النفسي والأحساس بالغبن وذلك بخلق التمييز الإيجابى عبر وضع خطط وبرامج منهجية وطنية لإحداث تنمية شاملة ومتكاملة فى كافة المرافق الخدمية والتنموية والصحية والتعليمية وتوزيع الخدمات الضرورية للمواطن بصورة عادلة تحفظ له حقوقه في التنمية وتوزيع السلطة من حيث المناصب الوزارية الاتحادية والولائية والسيادية ، وكذلك فى مجال الثروة القومية ، حتى يتحقق للنوبة المشاركة الفاعلة والعادلة في السلطة والثروة والخدمات الأخرى مما يولد الشعور والإحساس بالثقة لدي أبناء النوبة والرضا التام لكل لإهل السودان لتجاوز مرارات الماضى والقبول بمبدأ العيش تحت سقف السودان الدولة الموحدة التى تسع جميع أبنائه بهذا التباين والتنوع.
المراجع والمصادر:
1- نص بوتوكول المناطق الثلاث ( جنوب كردفان – النيل الأزرق – أبيى ) – إتفاقية السلام الموقعة بين الحكومة والحركة الشعبية بنيفاشا يناير 2005 م.
2- نص قانون تنظيم المشورة الشعبية لولايتى جنوب كردفان والنيل الأزرق لسنة 2010 م.
3- البيان الختامي لورشة التثقيف المدني للمشورة الشعبية بولاية جنوب كردفان - كادوقلي ( 5 – 7 يونيو 2010).
4- موقع إسلام أون لاين نت ( تيمور الشرقية تدفع خدمة الإستقلال ).
5- حزب البعث العربى الإشتراكى ( الأصل ) – نظرة تحليلية وفق منظور علمى وتقدمى - المشورة الشعبية ( قراءة أولية ) – نقلاً عن صحيفة الصحافة السودانية 26 يونيو 2010 م.
6- تصريحات مكى على بلايل رئيس حزب العدالة الأصل ومستشار ووزير اتحادى سابق عن المؤتمر الوطنى فى ندوة بمركز الخاتم عدلان عن المشورة الشعبية.
7- جريدة الأخبار ( تيمور الشرقية دولة فتية تكافح الفقر ) – العدد 156559 – السبت أيلول 2010 م.
8- لقاء صحفى مع القائد يوسف كوة مكى – نقلاً عن صحيفة الحياة اللندية – بتاريخ 26 يناير 1994 – القاهرة.
9- مقالة للكاتب الصحفى حسين ابراهيم كرشوم – المشورة الشعبية بيض القطا – الصحافة السودانية.
10- مجلة نخبة السودان - قانون المشورة الشعبية... سياحة في الضباب - محمد عبد المجيد أمين (عمر براق ).
سدنى – أستراليا – 25 سبتمبر 2010 م
Adam Gamal Ahmed [elkusan67@yahoo.com]