مجلس الأمن بالخرطوم: مخاوف الاستفتاء وتأمين نتائجه أهم الأجندة .. تقرير: خالد البلولة إزيرق
زيارة هي الثالثة من نوعها يقوم بها أعضاء مجلس الأمن الدولي اليوم للسودان للوقوف على سير تنفيذ اتفاقية السلام الشامل وبحث مستقبل الاوضاع في السودان على ضوء حق تقرير المصير المرتقب مطلع يناير القادم، وتكتسب هذه الزيارة التي ان بدت متشابهة مع سابقاتها في الاهداف والظروف، ولكن هذه تبدو أهميتها من حيث توقيتها الذي يتزامن مع اجراء تنفيذ الاستفتاء، وكذلك موضوعاتها المتعلقة برسم مستقبل السودان على ضوء حق تقرير المصير وكيفية احداث الاستقرار فيه بناء على نتائج الاستفتاء.
وكانت حالة من الجدل سبقت زيارة مجلس الامن الدولي للخرطوم تعلقت بعدم سماح الخرطوم للوفد بزيارة السودان بعد تصريحات بعدم لقاء اعضاء مجلس الأمن الدولي للسيد رئيس الجمهورية على ضوء الاتهامات الموجهة له من المحكمة الجنائية الدولية في الرابع من مارس 2009م، لينتهي ذلك الجدل الى ان طبيعة الزيارة فنية وسماح الخرطوم للوفد بالزيارة. ومن المتوقع ان تستغرق زيارة اعضاء مجلس الأمن الدولي للسودان سبعة أيام سيزورون خلالها الجنوب ودارفور والخرطوم. وتأتي زيارة اعضاء مجلس الامن الدولي للخرطوم بعد انتهاء اعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة التي شهدت على هامشها انعقاد الملتقى الدولي حول السودان بمشاركة كبيرة تقدمها الرئيس الأمريكي باراك اوباما والامين العام للامم المتحدة وذلك بغرض بحث الاوضاع في السودان على ضوء حق تقرير المصير. واشار الاستاذ علي عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية امس في المؤتمر الصحفي ان زيارة اعضاء مجلس الأمن الدولي تعد فرصة ليستمع اعضاء المجلس للواقع السوداني ووصفها بانها فرصة لتعزيز الموقف الوطني السوداني، واضاف «بهذا الباب رحبنا بقدوم اعضاء مجلس الامن لإستكمال هذا الحوار» وقال ان المجلس جاء ليقف ويسمع ويشاهد بعينيه مادة اضافية، وليقف على ما تبذله الدولة من جهود وطنية» وقال ان مواقفنا سيظل صوتنا بها عالياً وسنطالب بإلغاء اجراءات المحكمة الجنائية الدولية وحرماننا من الاعفاء من الديون الخارجية، وان العقوبات المفروضة علينا ظالمة ويتجاوز اثرها المواطن العادي».
ويشير مراقبون الى ان زيارة مجلس الأمن للخرطوم ستكون زيارة فنية في المقام الاول وتأتي استكمالا لمهام زيارات سابقة قام بها اعضاء مجلس الامن للسودان، وتعد هذه الزيارة هي الثالثة لأعضاء مجلس الأمن للسودان منذ توقيع اتفاقية السلام الشامل في العام 2005م، مشيرين الى ان اهداف الزيارة هذه المرة لن تختلف كثيراً عن اهداف الزيارات السابقة وهي متابعة سير تنفيذ اتفاقية السلام الشامل في جداولها المختلفة، وان بدت هذه الزيارة الأهم من حيث توقيتها وموضوعات التقييم هي الأهم من سابقاتها، وذلك من حيث موضوعاتها التي يتصدرها موضوع الاستفتاء كأكبر تحدي وآخر استحقاق في تنفيذ اتفاقية السلام، كما ان نتائج عملية الاستفتاء ستنعكس ليس على الدولة الوليدة فحسب وانما تشمل تأثيراتها كل دول الجوار والمحيط الاقليمي. وقال السفير الرشيد ابوشامة، لـ»الصحافة» ان طابع الزيارة فني بحت وليس سياسياً، لأن الزيارة ذات الطابع السياسي بحسب رأيه يكون من ورائها غرض محدد لكن هذه الزيارة تتضمن كل اعضاء مجلس الامن الدولي الـ»15» وتتضمن ممثلين لدول اصدقاء السودان مثل الصين وروسيا، وقال ابوشامة ان اعضاء الوفد قادمون للاطمئنان علي تنفيذ اتفاقية السلام خاصة آخر بند فيها وهو اجراء الاستفتاء في مواعيده بطريقة سلسة وبدون ان يكون هناك عنف مصاحب له، وذلك انطلاقاً من مسئولية مجلس الأمن الدولي كضامن وشريك في اتفاقية السلام الشامل في السودان، مشيرا الى ان موضوع الزيارة يخص الامم المتحدة بالدرجة الأولى، ووصفها بأنها عمل اداري خاص بالامم المتحدة للاطمئنان على الاوضاع وكذلك للضغط على الاطراف ان كانت هناك أي تفلتات او انحرافات حتى يتم تنفيذ الاتفاقية، وقال ابوشامة ان زيارة الوفد لكل من جوبا وأبيي والخرطوم كلها مناطق بها قضايا ملتهبة متعلقة بالاستفتاء، كما ان زيارة الوفد لدارفور لأن الامم المتحدة كذلك جزء من عملية السلام هناك عبر قواتها المشاركة في حفظ السلام.
ويسعى اعضاء مجلس الامن الدولي الى الوقوف والاطمئنان على الاجراءات المتعلقة بانفاذ الاستفتاء في موعده، ومن الجهة الاخرى فإن المجلس بشكل وآخر سيكون مراقباً لعملية الاستفتاء في السودان وهي عملية ربما تؤدي لمولد دولة جديدة يتطلب الاعتراف بها الانطلاق من اروقة مجلس الامن والامم المتحدة، وسيسعى اعضاء مجلس الامن كذلك لبحث مترتبات ما بعد الاستفتاء واحترام نتائجه دون احداث اي توتر شمالا او جنوبا. فالزيارة بحسب المراقبين لن تكون متعلقة بقرارات آنية ستصدر، بقدر ماهي معنية بتقديم روشته للمجلس عند نظره للتعامل مع الاوضاع في السودان مستقبلا على ضوء نتائج الاستفتاء. ويشير مراقبون الى ان مسألة قبول نتيجة الاستفتاء والاعتراف به تشكل هاجساً كبيراً لمجلس الأمن الدولي لذا فإن الزيارة ستوليها اهمية قصوى لتأمينها، خاصة وان الاجراءات الاستثنائية التي اضطرت لها مفوضية الاستفتاء ربما تؤدي الى خلل في نتيجة الاستفتاء وبالتالي التأثير على الاعتراف به من قبل الاطراف المعنية. وقال الدكتور شيخ الدين شدو استاذ القانون الدستوري بجامعة الخرطوم لـ»الصحافة» ان هدف الزيارة الاساسي هو تأكيد قيام الاستفتاء في موعده وتأمينه من حدوث أي انحرافات قد تنشأ نتيجة له، مشيرا الى ان التحدي الأكبر الذي يواجه الاستفتاء ويشغل بال المجتمع الدولي هو كيفية الاعتراف به وقبول نتيجته لذا يسعون الى ان يكون شفافاً ونزيهاً حتى تقبل جميع الاطراف بنتائجه، ورأى ان مجلس الأمن الدولي يريد ان تنتهي حقبة التاسع من يناير القادم بسلام ودون ان تعيد الحرب مرة اخرى وعدم الاستقرار الى السودان، وقال ان الزيارة تأتي لإبداء حسن النيه وتأكيد على ان يتم الاستفتاء في موعده، وكذلك سيناقش اعضاء مجلس الأمن استحقاقات ما بعد الاستفتاء والتي من المتوقع ان تثير مشاكل مثل الجنسية والحدود والديون، وتوقع ان تسهم الزيارة في التقليل من حدة الخطاب السياسي والتعصب في المواقف لدى الشريكين، ولكنه اشار الى انه رغم ان استحقاقات اجراء الاستفتاء في موعده لم تتوفر واتفاق الشريكين في الاجراءات الشكلية في الاستفتاء على تقليص الوقت في جداول الاستفتاء، فإن اعضاء مجلس الامن ربما سيدفعون لإنجاز ترسيم الحدود، وقال شدو ان أهم ما يسعى له اعضاء مجلس الامن الدولي تأكيد موقف الامم المتحدة والمنظمات الاقليمية والدولية بأن لا عودة للحرب مجدداً والمطالبه بان يكون هناك سلام واستقرار وتنمية، مشيرا الى ان مجلس الأمن يدرك ان الدولة الجديدة ليس لها مستحقات متوفرة وهناك مشاكل كثيرة ستواجهها بالتالي المجلس يريد ان يطمئن على ترتيبات ما بعد الاستفتاء وان تمضي بصورة مقبولة.
وكانت الزيارة الاولى لأعضاء مجلس الأمن الدولي للسودان منتصف يوليو من العام 2007م، كانت اجندتها الاولى متعلقة بنشر القوات الدولية في دارفور، وقد حصل اعضاء مجلس الأمن الدولي في تلك الزيارة على تعهدات من الحكومة السودانية كانت تتعلق بنشر قوات «يوناميد» بدارفور، كما تم الاتفاق بين الطرفين على ان يكون الحل السياسي هو الخيار المطروح لحل مشكلة دارفور. وكانت الزيارة الثانية لأعضاء مجلس الأمن الدولي للسودان في مطلع يونيو 2008م، ضمن جولة افريقية شملت عدداً من الدول الافريقية، وبحثت الزيارة وقتها الاوضاع في دارفور والاوضاع في الجنوب ودعم تنفيذ اتفاقية السلام الشامل، ووقف على آثار احداث العنف التي اندلعت بأبيي في مايو 2008م، وحثت اعضاء مجلس الامن الدولي في تلك الزيارة الاطراف السودانية كافة على نبذ العنف والانخراط بصورة اكبر في عملية السلام في دارفور وعمليات حفظ السلام.
khalid balola [dolib33@hotmail.com]