أسماء وعمر وقصة الريدة القديمة … بقلم: أسعد الطيب العباسي
asaadaltayib@gmail.com
نسجت الصداقة خيوطها بدقة و إحكام من فتائل المودة و الوفاء بين والدنا الراحل القاضي الشاعر "الطيب محمد سعيد العباسي" و الإداري المرموق الراحل "عمر محمد إسماعيل" الذي صار أحد كبار المحافظين (رحمهما
الله) حيث إلتقيا بمدينة "دنقلا" في نهاية خمسينات القرن الماضي، فقد جاء الشاعر "الطيب العباسي" لهذه المدينة ليصبح قاضيها المقيم فوجد فيها الإداري الشاب الوسيم "عمر محمد إسماعيل" يعمل فيها ضابطا إداريا و كان الرجلان يحبان الأدب و الشعر و الحياة فالتقى قلبيهما على هذا الحب و روحيهما على صداقة لم تنفصم عراها أو توهن أواصرها على إمتداد عمريهما.
كان الإداري "عمر" أشهر عازب في المدينة فاقترح عليه صديقه "الطيب العباسي" أن يأتي إلى منزله في أي وقت ليتناول طعامه أو أن تقوم زوجته السيدة "سلمى" بإعداد الطعام له ليحمله إلى منزله من وقت إلى آخر، و لكن "عمر" كان يرى أن في الأمر رهقا على السيدة "سلمى" و لكنه قبل الأمر تحت إلحاح صديقه "الطيب العباسي" لذا أخذ يتردد من حين إلى آخر إلى منزل "العباسي" إما ليتناول معه الغداء أو أن يحمل ما تعده له السيدة "سلمى"
من أطعمة. و كانت هذه الزيارات المنتظمة من "عمر" إلى منزل صديقه "العباسي" سببا في أن يرى "عمر" "أسماء" إبنة صديقه القاضي "الطيب العباسي" فبدت له ودودة مرحة سمراء ذكية فوقع في حبها و صار الحب جارفا و عنيفا و أصبحا يلتقيا و ينظرا إلى بعضهما نظرات ملؤها الحب و المودة غير أن "عمر" ترك مدينة دنقلا فجأة و غادرها إلى بلدته "المسيد" في إجازته السنوية و لكنه لم ينس قبل أن يغادر أن يودع صديقه "الطيب العباسي"
وزوجته الفضلى السيدة "سلمى" و محبوبته إبنته "أسماء" و كانت لحظات الوداع لحظات مؤثرة. إن الحب الذي جمع بين "عمر" و "أسماء" لم يغب عن ملاحظة القاضي "الطيب العباسي" الذي أدركه في عيني إبنته و عيني صديقه "عمر" ففرح له من أعماقه و كان يسأل الله أن يبارك هذا الحب. غير أن "عمر" لم يسافر إلى بلدته "المسيد" إلا ليتزوج من إحدى قريباته الحسناوات ليترك خلفه "أسماء" تعاني الأسى و الهجران و الفراق المر. من "المسيد"
بعث "عمر" رسولا إلى صديقه "الطيب العباسي" بدنقلا يحمل طاقة يدعوه من خلالها للحضور إلى حفل زفافه بالمسيد، فإعتذر القاضي "الطيب العباسي"
للرسول عن عدم إستطاعته لتلبية الدعوة و أعاد البطاقة إلى الرسول ليقوم بإعادتها إلى "عمر" و لكنه كتب أبياتا شعرية على ظهر البطاقة قبل أن يسلمها للرسول لإعادتها، كان "العباسي" من خلال ما كتبه من أبيات شعرية على ظهر تلك البطاقة موجهها إلى صديقه "عمر" يدافع عن حب إبنته "أسماء"
له مصورا دموعها التي أثقلت أجفانها و بكاؤها المستمر و كيف أنها جزعت من زواجه غير أنها ما زالت تحمل له في قلبها حبا و وفاء رغم خيانته لعهد الحب، فجاءت الأبيات باكية دامعة القافية، قال:
جزعت من زواجكم أسماء
و هي ثكلى كأنها الخنساء
لا تمل البكاء إن أشرق الصبح
عليها أو إن أطل مساء
مقلتاها مقروحتان ومن
فرط أساها دموعها حمراء
و لئن خنت عهدها لك بالأمس
ففي قلبها إليك وفاء..!
عندما بلغت هذه الأبيات "عمر" الذي كان يقضي شهر عسله مع عروسته الحسناء أحالته رغم ذلك إلى ذكريات محببة إلى نفسه و طافت بذهنه أطياف "أسماء"
الغابرة، و جلجلت في ذهنه أشياء عصية على النسيان، فتذكر كيف كانت "أسماء" ترافقه رفقة ودودة في سيارته التي كانا يطوفان بها شوارع مدينة "دنقلا" و يتوقفان بها على الشاطئ و السعادة ثالثهما، و تذكر كيف كان يبث في أسماعها أحاديثا تلذ لها و تضحكها من أعماقها و ما كانت تمانع من تلك القبل الودودة التي كان يطبعها على خدها. عندها لاحظت عروسه شروده
فسألته: ماذا يشغل ذهنك يا "عمر"؟ و كم كانت دهشتها عظيمة عندما رد عليها "عمر" معترفا لها بأنه يحب "أسماء" إبنة صديقه الشاعر "الطيب العباسي" و هو يمد إليها بالبطاقة التي تحمل الأبيات الشعرية، غير أن هذه الدهشة تلاشت من وجه العروس و هي تهم بمرافقة عريسها "عمر" إلى "دنقلا"
بعد إنتهاء شهر عسلهما و "عمر" يأمرها بشراء هدية تناسب "أسماء" في عيد
ميلادها الخامس!!.