انتخابات وادي النيل

 


 

 



(1)

بعيداً عن النكتة المعروفة عن "الخبراء المصريين" الذين ابتعثهم رئيس مصري لمساعدة حليف أمريكي فكانت النتيجة فوزاً كاسحاً للرئيس المصري في انتخابات الرئاسة الأمريكية، تثور تساؤلات عما إذا كان على الأشقاء في مصر استيراد خبراء من السودان لمساعدتهم في إجراء الانتخابات البرلمانية التي تشهدها مصر المحروسة هذه الأيام. ذلك أن الفوضى التي تشهدها الانتخابات المصرية تشير إلى الحاجة إلى خبراء، حتى من بوركينا فاسو.

(2)

مصر الرسمية رفضت بعناد حتى مجرد فكرة وصول مراقبين أجانب للشهادة على عدالة ونزاهة الانتخابات، بدعوى أن مثل هذه الشهادة تمثل انتهاكاً للسيادة المصرية. ولكن الأجهزة الرسمية تعاملت مع المراقبين المحليين وحتى المرشحين ووكلائهم والناخبين بصورة أسوأ مما كان الاستعمار البريطاني يتعامل مع ثوار 1919، أو حتى السلطات الإسرائيلية مع مواطني الأراضي المحتلة (لا مقارنة هنا مع عرب 1948). ولعل مفهوم السيادة في مصر الرسمية لا تدخل فيه سيادة الشعب، بل سيادة الحزب الوطني الحر المستقل عن مصر وشعبها.

(3)

هناك إذن دروس كان يمكن للحزب الوطني أن يستفيدها من انتخابات السودان التي أجريت في أبريل الماضي واكستحها كذلك المؤتمر الوطني بلا منافس. فقد اتهم المؤتمرالوطني، مثل رصيفه وحليفه في شمال الوادي، بالتزوير واستعلال موارد الدولة واستخدام الكثير من الوسائل الملتوية لضمان فوزه في الانتخابات. ولكن المؤتمر الوطني لم يحظر أبرز أحزاب المعارضة، ولم يتهم باعتقال ناخبي وناشطي المعارضة، ولم يتهم بضرب الناخبين أو حظر الحملات الانتخابية. حكام السودان سمحوا كذلك للمراقبين الأجانب من كل حدب وصوب بالقدوم للشهادة على الانتخابات ولم يتعللوا بسيادة منقوصة.

(4)

الإشكالية التي يواجهها الحزب الوطني الحاكم في مصر لا تتعلق بتهمة تزوير الإرادة الشعبية، فالحزب الحاكم نفسه يعترف بذلك، كما جاء على لسان الرئيس المصري الذي أقر بنفسه في مقابلة نشرتها صحيفة الواشنطون بوست عام 2003 بأن الإخوان سيكتسحون أي انتخابات حرة في مصر، وتعهد بألا يسمح بذلك. ولكن الإشكال في الغباء والتخبط وقلة الكفاءة التي مارس بها النظام التزوير بصورة مكشوفة تبعث على السخرية أكثر مما تبعث على الغضب.

(5)

هناك سؤال مهم يطرح نفسه إزاء نظام ظل يحتكر السلطة لأكثر من نصف قرن، وهو يعترف ضمناً وصراحة بأنه لا يستطيع منافسة حزب ظل محظوراً لأكثر من ستين عاماً. هذا الحزب عليه ملاحظات كثيرة، وقياداته تعاني من مشاكل، والحكومة تلاحق ناشطيه وقياداته في كل منعطف، وتجرجرهم للمعتقلات والمحاكم بصورة مملة. الأمر إذن أشبه بمصارعة أحد المتنافسين فيها مقيد اليدين والرجلين، وقد بلغ من العمر عتياً، ومنع منه الماء والطعام لأيام، ومع ذلك فإن منافسه يترنح أمامه حتى يستعين ببلطجية من خارج الحلبة للإمساك بخصمه.

(6)

من الواضح أن الحزب الوطني في مصر، وبدرجة أقل حلقاءه في جنوب الوادي، يعاني من مشكلة لا حل لها. لأن مستقبل أي نظام قمعي يعتمد على قدرته على إضعاف خصومه على المدى الطويل، وتعزيز مواقعه في السلطة. وقد كان النظام المصري أقوى منه بكثير في العهود الماضية منه اليوم، وكان الإخوان وبقية الخصوم أضعف. ولكن الحزب الحاكم اليوم، ورغم استعانته بكل إمكانات الدولة وهيمنته على مفاصل الاقتصاد وتمتعه بدعم دولي غير مسبوق، يواجه تآكل الشعبية وتراجع الدعم حتى وسط مناصريه التقليديين.

(7)

في مثل هذه الحالة، يحتاج النظام إلى مزيد من القمع والمخادعة والرشاوى حتى يبقى في السلطة، وهذا بدوره يؤدي إلى نقمة متزايدة، والحاجة إلى المزيد من القمع مع ارتفاع الثمن المطلوب لرشوة أنصار الداخل والخارج. ولا بد أن تأتي مرحلة تصبح فيها كل موارد النظام موجهة لمجرد دعم استمراريته، ويعجز عن أداء مهام الدولة الطبيعية، بما في ذلك حماية مصالح أنصاره الأجانب، مما يجعله عبئاً لا بد من التخلص منه.

(8)

هناك دلائل واضحة ليس فقط على رفض الشارع المصري للنظام الحالي، بل كذلك على تشكك الحلفاء الأجانب في جدوى الاعتماد على نظام بهذه الدرجة من ضعف الفعالية بحيث يعجز حتى عن تزوير انتخابات بافتدار ومهارة. ولا بد أن نذكر هنا أن الدعم الأجنبي وحده لا يكفي لاستمرار نظام في الحكم، وإلا لكان نظام شاه إيران ونظام النميري في السودان وسوهارتو في اندونيسيا وأنظمة فيتنام الجنوبية والسلفادور وغيرها ما تزال قائمة.

(9)

أصبح قصارى ما نتمناه من أنظمتنا ليس هو عدالة ونزاهة الانتخابات، أو الاستقامة في الحكم، فذلك مطلب عزيز المنال. كل ما نرجوه أن يتقنوا المهمة التي نذروا أنفسهم لها لعقود، ألا وهي تزوير الانتخابات بصورة ذكية وقدر معقول من الكفاءة حتى لانصبح ملطشة بين الأمم، وتصبح فضيحتنا بجلاجل حين يقال هؤلاء قوم لا يحسنون حتى مجرد تزوير انتخابات بصورة مقبولة بعد أكثر من ستين سنة تمرين! استرونا ستركم الله!
Abdelwahab El-Affendi [awahab40@hotmail.com

 

آراء