هانئ رسلان: مصر أصبحت عقدة الترابي !! 2-2

 


 

 

هانئ رسلان في حوار الإفادات الساخنة 2-2
مصر أصبحت عقدة الترابي !!
لست ضابطا في المخابرات المصرية .. وليس لي علاقة فكرية أو تنظيمية  بجماعات الإسلام السياسي
حديث زيناوي عن غزو مصري من بنات أفكاره وعليه أن لا يلعب بالنار !
المصريون وقعوا في غرام الشعب السوداني وسائر قيم ( الرجالة السودانية )
التحرك المصري تجاه السودان يقابل بالشك .. ولا توجد ثمّة أسرار هناك !!

الأخبار: أجرت الحوار: نادية عثمان مختار
 nadiaosmanmukhtar@yahoo.com
(في الحالتين أنا الضائع) كما تقول كلمات الأغنية السودانية الشهيرة.. هذا هو حال النخبة السياسية والمثقفة المصرية في التعاطي مع الملف السوداني فان تحدثوا وتبحّروا ونظّروا واقترحوا الحلول خرج عليهم من  النخبة السودانية أو احد أفراد الشعب من العامة من هو رافض و( متحسس) من تدخلهم بحسبان انه نوع من الوصاية المرفوضة وهيمنة الشقيق الأكبر و( ملوكية أكثر من الملك) !
وان سكتت أصواتهم ولم يبدوا أي تفاعل مع القضية السودانية اتهموا بالتعالي و( الطناش) لواحد من أهم الملفات الساخنة في أفريقيا والوطن العربي إلا وهو السودان !
وبين هذه المطرقة وذلك السندان توجهت ( الأخبار) بسيل من الأسئلة الصريحة والاتهامات المباشرة للأستاذ هانئ رسلان وهو واحد من النخبة السياسية والمثقفة في مصر ممن تفرغوا لملف القضية السودانية منذ الثمانينات حتى وصل لمنصب رئيس وحدة دراسات السودان وحوض النيل بأحد أهم المراكز البحثية الحيوية في الوطن العربي ألا وهو مركز الأهرام .
 وقد لاقى الرجل ما لاقى من اتهامات تصل حد التجريح والتشكيك في أخلاقياته أحيانا بحسبان أنه (يقبض) الدولارات من الحزب الحاكم في السودان كمكافأة على خدمات جليلة يؤديها لحكومة السودان !
وقيل إنه (ضابط في المخابرات المصرية) يتدثر بعباءة الباحث والخبير الاستراتيجي لشيء في نفس المخابرات المصرية ضد السودان وشعبه!!
وعلى كل حال اتفق الناس أو اختلفوا حول هانئ رسلان وطبيعة مهمته كباحث وخبير في الشئون السودانية ورئيس وحدة دراسات السودان وحوض النيل بمركز الأهرام يبقى أن للرجل وزنه ولمقالاته وكتاباته عن السودان قارءها والمهمتين بها بحسبان أنها تحمل رأيا وتحليلا عميقا ومؤثرا فيما يتعلق والمسألة السودانية والعلاقة الثنائية بين مصر والسودان !
فماذا قال رسلان ردا على أسئلة ( الأخبار) حول العديد من القضايا الهامة وكيف كانت إفاداته الساخنة فإلى تفاصيل الحوار
الشيخ الترابي من ناحيته أيضا يستشعر معاداة مصر له و في تصريح له ذكر أن أسباب الجفاء المتبادل أنكم ترون أن الأخوان المسلمين في مصر ما هم إلا امتداد لهم في السودان فما هو رأيك؟؟
قضية الأخوان المسلمين هذه تمثل إحدى مشاكل الترابي وموقفه غير الودي تجاه ما يرى أنه مركزية مصريه بشكل عام، فمن المعروف تاريخيا أن الفكر الإخواني قد دخل إلى السودان قادما من مصر، ولكن الترابي بعد أن تبوأ موقع القيادة في الحركة الإسلامية الحديثة في السودان، انتقل من منهج التربية الإخواني إلى نهج جديد يقوم على التفاعل الجدلي مع الواقع القائم، لاسيما في المجال السياسي، وكان هذا يلقى مقاومة داخل التنظيم السوداني إلا أن الترابي انتصر في نهاية الأمر، وقام بإحداث نقلات متوالية انتهت به إلى وضعه الحالي وبالسودان إلى ما نراه الآن .
ولكن قبل الوصول إلى المرحلة الحالية قام الترابي بمحاولة إنشاء تنظيم عالمي موازى للتنظيم الإخواني المصري، تحت دعوى أن ظروف الأقطار والمجتمعات تختلف ومن ثم يجب أن تكون العلاقة بين التنظيمات الإسلامية هي علاقة تآزر ومناصرة، وليست علاقة تنظيمية عضوية، ويمم وجهه شطر الجماعات الإسلامية في أسيا وأوروبا والولايات المتحدة. غير أن المتأمل في شخصية وسلوك الترابي، يجد أنه كان يرى في نفسه الشخص الأقدر على قيادة الحركات الإسلامية في العالم وان تنظيم الأخوان المصري بمركزيته المفرطة يقف عائقا أمام طموحاته، وكانت ومازالت هناك جفوة بين الطرفين مازال هو يشير إليها في أحاديثه المتناثرة بنقده لما يقول انه جمود تنظيم الأخوان المصري وعدم مواكبته .. الخ .
وفى مرات كثيرة يشدد على أنه ليس امتدادا لحركة الأخوان التي تتسم علاقتها مع الدولة المصرية بالتوتر ولا تحظى بالمشروعية القانونية، ومن ثم فإنه لا يجب أن ينظر إليه في مصر من هذا المنظور، وهو ينسى أن هذا الأمر ليس أحد العوامل التي تحدد علاقته مع مصر، حيث تمت دعوته واستقباله في الثمانينيات، وإنما الأصل هو سجل مواقفه الفعلية وسلوكه السياسي النابع من قناعة غامضة ومبهمة لديه ولدى الحركة الإسلامية السودانية بشكل عام، أن مصر بثقلها ومركزيتها هي بمثابة خصم، إن لم تكن في موقع العدو، وفى الحقيقة فإن هذه الأفكار التي كانت سائدة في التسعينيات وكانت أصل كل المشاكل والتوترات التي حدثت في ذلك العقد، ثبت بعد ذلك أنها ليست صحيحة.
بحكم وجودي في مصر وما اسمعه من بعض النخبة وحتى الشارع العام استشعر أن الترابي مكروه وساهم الإعلام المصري في ترسيخ هذه الكراهية بحسبان الشيخ أراد أن (يؤتم) مصر بقتل (أبو المصريين) ورئيسهم حسني مبارك ورغم أن الرجل قال إنه لم يفعلها ومرت على الحادثة  السنوات الطوال ؟؟
في الحقيقة لا أجد مبررا لإعادة فتح هذا الملف من جديد، حيث تم إغلاقه وتجاوزه البلدان بشكل كامل، وهذه كانت من أحلك أيام العلاقات المصرية السودانية، ونتمنى ألا تعود وأنا شخصيا لا أحب تذكرها، إذ أنها كانت لحظة جنون وعمى استراتيجي، وكان يمكن أن يترتب عليها ما لا تحمد عقباه، لولا ثبات الرئيس مبارك ورباطة جأشه غير المسبوقة في مواجهة هذا الحادث بكل تفاصيله، وإدارته له بالحس الإستراتيجي العميق للقائد ورجل الدولة، وهو الأمر الذي يتجلى في الشدائد.
وفى المقابل تعامل الترابي مع هذا الحادث بوجه، ثم عاد وتعامل معه بوجه آخر بعد خروجه من السلطة ولم يكن يترفع حتى عن الحديث إلى كل من يزوره بأن من نفذ العملية فلان وفلان وكانوا يجتمعون في البيت الفلاني والمكان العلاني. ولم يكن هذا مراجعة لمواقف أو سياسات سابقة، فهذا إن حدث يكون أمرا حميدا ولكنه كان تعبيرا عن الصفة التي أصبحت ملازمة للشيخ حسن وهي المكايدة والتحريض على آخرين، وبالطبع ليس بمثل هذه السمات تدار العلاقات بين الدول، أو تقرر السياسات التي تؤثر في مصالح إستراتيجية ومصيرية .
وكيف تفسر تصريحات الترابي الأخيرة حول طرح مصر للكونفدرالية؟
هذه تفسر كيف وصل الحال بالترابي، الذي يبدو أن مصر أصبحت تمثل عقدة لديه.. فالطرح المصري للكونفدرالية كان عنوانا لحرص مصر على أن تتم صياغة وإقرار علاقة تعاونية بين شطري السودان في حالة وقوع الانفصال، وهذا الطرح تناولته ونادت به بعض النخب السودانية من قبل، كما طرحه ثابو مبيكي. إذن لم تكن مصر هي أول من أشار إلى الكونفدرالية.. ولكن الترابي لم يتذكر أن هذا غير موجود في العالم وأنه من بقايا القرن التاسع عشر إلا عندما تحدث عنه وزير الخارجية أحمد أبو الغيط..!!
 فإذا كان الحرص المصري على الأمن والاستقرار والتعاون بين شطري السودان وفى هذه المنطقة في العالم لا يناسب الترابي، يكون السؤال هو ماذا يريد الترابي إذن؟ وإذا كان يمتلك كل هذا القدر من الحس الساخر تجاه مصر وساستها وأفكارها، فلماذا كان يردد في أحاديث صحفية سابقة أنه يريد زيارة مصر ويترجى ذلك.. وكيف يمكن فهم أحاديثه عن المشتركات المصرية السودانية التي يجب تنميتها على طريق الوحدة !!  هل كانت هذه الأحاديث تعبر عن قناعتة عندما أدلى بها أم أنها كانت أيضا جزءا من مناوراته وسلوكه المتكرر الذي يقول شيئا وهو يسعى  إلى أشياء أخرى؟!!
يقول البعض إن هانئ رسلان كان أحد أبناء الحركة الإسلامية المخلصين والآن يكره الأخوان لأسباب يعلمها هو فماذا تقول ؟؟
هذا ليس صحيحا بالطبع حيث كنت في المرحلة الجامعية ضمن المجموعات الناصرية، ولم تكن لي أي علاقة فكرية أو تنظيمية بأي من جماعات الإسلام السياسي، ولكني ممن يرون أن الإسلام هو أساس أصيل في هويتنا وثقافة مجتمعاتنا، وهذا أمر لا يمكن تجاوزه أو تخطيه بل يجب استصحابه والتوافق معه من أجل نجاح أي محاولة للتقدم إلى الأمام. في هذا الإطار يجب أن نفرق بين ما تطرحه التنظيمات الإسلامية  على اختلاف مسمياتها من فهم قاصر ومبتسر وزاوية ضيقة للرؤية وانكفاء على شكليات حرفية، وبين الإسلام كمعطى حضاري وإنساني منفتح على آفاق رحبة. وإذا نظرنا إلى تجارب حركات الإسلام السياسي حولنا في العالم العربي سوف نجد أن الحصيلة بائسة للغاية بل هي في حقيقتها سلبية ومدمره، لذا يجب على هذه الحركات أن تقوم بعملية مراجعة جذرية لأفكارها ومقارباتها.. في هذا السياق توجد لي صداقات إنسانية عديدة وحوارات معمقة مع شخصيات كثيرة ذات توجه إسلامي، ومن بينهم كثيرون كانوا أو مازالوا منتمين لحركات إسلامية، ومن بينهم بعض المنتمين إلى حزب المؤتمر الشعبي أيضا، على قاعدة من المودة والاحترام المتبادل.     
هنالك شيء من الـ ( تململ) السوداني تجاه النخبة المصرية من السياسيين والمثقفين بحسبان أن تدخلهم في الشأن السوداني ( سافر) ويتعاملون بفوقية و( ملكيين أكثر من الملك) أحيانا فما هو رأيك كسياسي ومثقف مصري ؟
نعم هناك أثر من ذلك، ولكني اعتقد أنه يتراجع الآن. وأتصور أن هناك حساسية سودانية فائقة تجاه السلوك المصري بشكل عام، وهذا يتصل بطبيعة إدراك النخب السودانية لمصر ونخبتها، وعلى الأشقاء الوعي بهذه الحساسية، لأن ذلك يمثل الخطوة الأولى لتجاوز هذه الحالة. وقد كنت حاضرا لأحد المواقف التي كان احد أطرافها شخصية سودانية كبيرة، وكاد ذلك أن يتسبب في أزمة، ولحسن الحظ تم احتواؤها على الفور. وعلى الناحية الأخرى هناك الكثير من المصريين الذين لا يعرفون الشيء الكثير عن السودان، ويتحدثون بمعلومات خاطئة أو انطباعات غير صحيحة، فيثير ذلك استياء الطرف السوداني ولديهم الحق في ذلك.. و هذا الأمر يحتاج إلى مزيد من التواصل بين الطرفين. واعتقد أن تجربة العمالة المصرية في السودان الآن ناجحة إلى حد كبير، حيث يعمل معظمهم كحرفيين أو فنيين فيقدمون صورة أخرى تختلف بشكل كبير عن (المصري المتعالي) أو (المصري الذي تقدمه الدراما). وفي المقابل كل من يزور السودان من المصريين يقع في غرام الشعب السوداني ومآثره المعروفة من التلقائية والكرم وسائر قيم ( الرجالة السودانية ) .
يتهمك البعض بأنك (ضابط مخابرات) في عباءة باحث وخبير استراتيجي وما وجودك في مركز الأهرام إلا غطاء لعملك الأساسي كمسئول ملف السودان في المخابرات المصرية فما هو ردك ؟
لم أعد مهتما بالرد على مثل هذا الكلام، وهو جزء من الصور القديمة والبالية، فمسار حياتي العملية والمهنية واضح وليس فيه أي قدر من الغموض، وفى فترة سابقة كنت أركز جهدي الأساسي في عمل خاص في مجال النشر المتخصص لفترة تقترب من عشر سنوات، مع تواصل اهتماماتي البحثية والفكرية والتي كانت تشمل دوائر تتعدى الشأن السوداني المباشر. وكل ما حدث انه بدءا من عام 2002 ومع عودتي للتفرغ الكامل للعمل البحثي ومع ظهور إرهاصات التدخل الأمريكي للتسوية في السودان وجدت أنه من الضروري إعطاء جهد متكامل لما يحدث في السودان، من منطلق إحساسي بأن هذه قضية ذات أفق وطني بالأساس، وأيضا للمساهمة في سد الفجوة الحاصلة في معرفة أو متابعة النخبة المصرية بالسودان.
على الناحية الأخرى يجب ملاحظة أن مسئولي جهاز الأمن القومي المصري الذين يهتمون بالشأن السوداني معروفين لكل القوى السياسية السودانية بالاسم وهم ليسوا متخفين أو أشباحا. وهم رجال وطنيون ذوو كفاءة وقدرة ويقفون على الثغور لحماية أمن وطنهم وأمتهم، وليست لديهم حاجة لمثل هذه الخيالات الخاصة بزرع باحثين .. فهذا قول مضحك يتجاهل  تعقيدات الدولة الحديثة التي تقوم على تخصصات دقيقة ومتنوعة كل في مجالها، ثم يتحقق النجاح إذا كانت الدولة تستطيع أن تستفيد من محصلة جهود هذه المنظومات المختلفة كل في مجالها.
ووحدة دراسات السودان وحوض النيل التي تترأسها أنت يتهمها البعض بأنها ما هي إلا وحدة عمليات لاستقطاب القيادات السودانية والمثقفين السودانيين لتلقي الأخبار والمعلومات المجانية منهم أو لخدمة أجندة معينة ؟؟
لقد هدفت من تأسيس  برنامج دراسات السودان وحوض النيل بشكل أساسي إلى سد فجوة التواصل بين النخبتين المصرية والسودانية وأن يكون هناك موطئ قدم للقضايا السودانية في مصر، ورفع الاهتمام بقضايا السودان على أجندة النخبة والإعلام. واعتقد أن البرنامج حقق نجاحا لا بأس به في هذا المجال. . وهناك شكوى سودانية مستمرة من عدم الاهتمام أو عدم المعرفة المصرية، فإذا جاء من يريد أن يقدم عملا ايجابيا، يقولون لك إنه مخابرات وإنه يسعى للحصول على الأسرار .. فما الذي يمكن أن يعجب هؤلاء أو يرضيهم.. أليس هذا أمرا متناقضا . كما أن بعضهم يأبى إلا أن يجرك إلى دائرة الاستقطاب الداخلي الجهنمية.. ولا يخلو الأمر أيضا من الاتهام بأنك تقبض من جهة معينة، أو أنه  يجب عليك أن ترمى عقلك في سلة المهملات لكي تعمل بالعقل الذي سوف يعيرك إياه هذا الشخص أو ذاك ممن ينصبون أنفسهم أوصياء أو حراسا للحقيقة، وبعضهم يعانى في الواقع من أعراض مرضية ويحتاج إلى علاج نفسي.  ثم ما هي الأسرار التي يدلي بها المتحدثون والجميع يتحدث في علانية وفى حضور الجميع ووسائل الإعلام. وأخيرا أقول هل توجد أسرار في السودان ؟ .. فهناك مقولة معروفة في السودان ويرددها الأشقاء السودانيون أنفسهم وتعلمناها منهم إنه ليس هناك ثمة أسرار.. وإذا كانت هناك أسرار فهل هذه هي الطريقة التي يمكن من خلالها اختراق الحجب، وهل هؤلاء المتحدثون وجلهم من القادة والزعماء سذج ومسلوبي الإرادة ؟   
بل وهنالك اتهام لمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية نفسه بأنه أحد اذرع جهاز المخابرات المصرية ؟؟
فيما يتعلق بمركز الأهرام كمؤسسة بحثية فإن القول بأنه يمثل ذراعا لجهة ما، يوضح عدم المتابعة وغياب المعلومات البسيطة والأساسية، كما أنه يعكس قدرا من الاستسهال في إطلاق الآراء أو الأحكام أو الإدعاء العلم ببواطن الأمور . فمن المعروف أن المركز كان يعاني من التضييق والحصار في عهد الرئيس السادات لتحفظ المركز على زيارة القدس واتفاقية السلام، وفي الوقت الحالي هناك عدد من خبراء المركز كانوا من قادة ومنظري حركة كفاية. ويوجد بالمركز بعض أصحاب الميول الناصرية، والبعض أعضاء في الحزب الوطني، بينما يوجد آخرون مستقلون أو ذوو ميول للتعاون مع الغرب.. كل هذه انتماءات أو انحيازات فكرية موجودة، وأصحابها يعملون وينتجون في حرية وتناغم، وليس هناك من قيود سوى الالتزام بالمهنية والحرفية. غير أننا يجب أن نشير لأن المركز ككل يعمل في إطار أحساس عميق بالانتماء للدولة المصرية والانطلاق من مصالحها. وفي هذا تتعدد الاجتهادات وليس هناك بأس في ذلك. وهنا أيضا يجب أن نفرق بين الدولة بمعناها العميق، وبين الحكومة أو النظام بمعناه المحدد أو الضيق، فقد تختلف مع الحكومة أو النظام ولكنك لا تختلف على الوطن.         
ما رأيك في تصريحات ملس زيناوي الأخيرة ؟ وحديثه عن المياه وحربه مع مصر وهزيمتها ومشاكل دول حوض النيل وحرب المياه التي تتفاقم يوما بعد يوم ؟؟
زيناوى يشعر بالحصار والضغط  فالأزمة الصومالية تحاصره من الشرق وقد سبق أن تدخل عسكريا ثم انسحب لأنه لم يقدر على مواجهة تبعات ذلك، ولديه مشاكل مع اريتريا في الشمال ويشعر بالتهديد من انفصال جنوب السودان في الشرق، والخطر الناجم من إمكانية انتقال عدوى هذا النموذج إليه. كل هذا بالإضافة إلى مشاكله الداخلية في إقليمي الأوجادين والأورومو، ومشاكله مع القوميات الأخرى في الداخل. لاسيما أن الدستور الإثيوبي الحالي يعطي حق تقرير المصير للأقاليم التي تتكون منها أثيوبيا. وعلى صعيد آخر يشعر زيناوي بإحباط كبير نتيجة لعدم قدرة مجموعة عنتيبي على إنفاذ اتفاقيتها المنفردة حتى الآن. لكل ذلك لجأ إلى تصعيد غير مبرر وغير مفهوم، وسوف يترك أثرا سلبيا على مصداقيته كرجل دولة وقائد لبلد مثل أثيوبيا. وقد أعلنت مصر مرارا وتكرار أنها تنتنهج التعاون وتطالب بالتفاوض وليس هناك أي موقف أو تصريح رسمي  يشير إلى أي نوع من التصعيد، ناهيك عن أي عمل عسكري من قريب أو بعيد، بل إن الموقف المصري لم يكتف بمجرد الإعلان المتكرر عن أهمية الحفاظ على التعاون، بل بادرت مصر إلى إرفاق ذلك بسلوك عملي تمثل في زيارات عدة رفيعة المستوى وتفاهمات كثيرة عن تعاون اقتصادي واستثمارات وتبادل تجاري. وحديث زيناوي عن غزو مصري محتمل هو من بنات أفكاره وأوهامه التي يريد بها تحقيق نوع من التعبئة الداخلية خلف نظامه، وعليه أن يسعى لحل مشاكله القديمة المتجددة بعيدا عن مصر. ولكن عليه أن يلتزم الحذر بعد ذلك، ويبتعد عن اللعب بالنار لأن هذا المنهج لن يجدي في علاج أزماته أو يساعد على حلها.
أما بخصوص أزمة المياه في الوقت الحالي فمن الواضح أن تصريحات زيناوي سوف تلقي بظلال سالبة على فرص اجتماع الرؤساء الذي كان من المنتظر أن ينعقد قريبا، حيث أشار زيناوي إلى أنه لن يشارك، ويبدو أن هذا كان أحد  أهداف زيناوى من هذه التصريحات، حيث يشعر بضعف موقفه نتيجة الموقف المصري الداعي إلى التعاون وعدم التصعيد والنشاط المتزايد لعودة مصر إلى حوض النيل والقرن الأفريقي، وهو ما لا يرغبه زيناوي ويجعله يشعر بعدم الارتياح.
 

 

آراء