إضطرابات ما بعد الإستفتاء لن تدور رحاها داخل أروقة مراكز الأبحاث الأمريكية! .. إبراهيم الكرسني

 


 

 


لقد أصبح من المعلوم تماما أن جميع الدول العظمي، و التي تسيطر علي مصير البشرية، و في جميع مناحي حياتها الإقتصادية، و الإجتماعية، و السياسية، و الأمنية، بل و حتي الثقافية، و ربما الشخصية، لا تخطو أية خطوة، أو تتخذ أي إجراء، أو تطبق أي سياسية، إلا وفقا لخطة مسبقة، علي أن تكون تلك الخطة مدروسة دراسة وافية، وبأسلوب علمي دقيق. إن من يقوم بإعداد تلك الدراسات للأجهزة الحكومية هي مراكز الأبحاث الخاصة المتخصصة في مختلف المجالات،  و التي يوجد منها العشرات، بل المئات في الولايات المتحدة الأمريكية فقط ،و يأتي في مقدمة من يهتم منها بشؤون الشرق الأوسط ، "أمريكان إنتربرايز إنستيتيوت"، و "معهد بروكنز" و مجلس العلاقات الخارجية، علي سبيل المثال لا الحصر.
تعتبر مراكز الأبحاث المتخصصة هذه بمثابة "العقول" التي تفكر لمتخذي القرار و المسئولين في الدول الغربية، وبالأخص الولايات المتحدة الأمريكية. بمعني آخر أن سياسة و قرارات الحكومات الغربية لا تخضع للعشوائية، أو الأمزجة الشخصية، بل إنها تنبع من إعمال الفكر، و المنهج العلمي الذي تنتجه أفضل العقول، ممثلة في الكوادر البشرية، التي نالت أفضل الدراسات و التدريب من أفضل و أرقي الجامعات و المعاهد العليا في تلك البلدان.
 كذلك أصبح من المعروف أن تلك الكوادر البشرية تتبادل مواقع المسئولية بين مختلف الوظائف الحكومية و الخاصة في ذات الوقت. فتارة تشغل المواقع الحكومية المؤثرة، حينما يصل الحزب السياسي، الذي تسدي له مراكزها الخدمة المتخصصة التي يطلبها، الي السلطة، و تارة أخري تشغل أفضل المواقع المرموقة داخل مراكز البحث و الشركات الخاصة، التي تقدم الدعم المالي لذلك الحزب، حينما يتقهقر الحزب الذي تقدم له المشورة الي مواقع المعارضة، لتتعاون معه مرة أخري في كيفية إعداد البرامج وصياغة الخطط التي سوف تكسبه الإنتخابات القادمة لتتولي المواقع الحكومية المؤثرة من جديد حال فوز حزبها في الإنتخابات، وهكذا دواليك.
إن إختيار الكوادر البشرية التي تشغل تلك المواقع الإستراتيجية الهامة، سواء كان في مراكز البحث المتخصصة، أو داخل الحكومة، لا يتم بصورة عشوائية كذلك، بل يتم إختيارهم وفقا لمعايير صارمة، لا يكون من ضمنها الواسطة، أو العلاقات الأسرية، أو الصداقات الشخصية، بل يأتي في مقدمتها التأهيل العلمي و التدريب و الكفاءة الشخصية و الإلتزام بأهداف البرامج و الخطط و أخلاق المهنة. لكن فوق هذا وذاك يأتي الولاء للأهداف و الغايات الإستراتيجية لمراكز القوي ذات النفوذ، أو ما أصبح يعرف بالوبيات، في مقدمة تلك المعايير.
كما أنه أصبح من المعروف أن اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة هو الأكثر نفوذا و الأكبر تأثيرا في تحديد مسار السياسة الخارجية للحكومة الأمريكية، بغض النظر عن الحزب الحاكم، لأنه أصبح من المعروف  كذلك أن أيا من الحزبين، الجمهوري أو الديمقراطي، لن يتمكن من الوصول الي السلطة دون دعم و مساندة اللوبي الصهيوني المساند لإسرائيل. لذلك نجد أنه من مفارقات الواقع السياسي الأمريكي هو لهث قادة هذين الحزبين لكسب ود و رضي قادة اللوبي الصهيوني و ليس العكس ، كما يقول منطق الأشياء.... فتأمل!!
إن اوضح مثال يمكن أن نضربه لتوضيح مدي العلاقة العضوية بين اللوبي الصهيوني و السياسة الخارجية الأمريكية، و مدي تأثير ذلك اللوبي في تحديد تلك السياسة، بل يمكن الإستشهاد به لتأكيد أن تلك السياسة ليست سوي تنفيذ لبرامج ذلك اللوبي، هو الحرب التي شنتها الإدارة الأمريكية علي العراق في عام 2003، تحت رئاسة جورج بوش الإبن. لقد تحدت الولايات المتحدة الأمريكية إرادة العالم، الذي يكاد ان يكون قد توحد ضد تلك الحرب، ما عدي حفنة بسيطة من الدول الخاضعة تماما للإرادة الأمريكية، كبريطانيا في عهد توني بلير، و ضربت بالقانون الدولي، و قرارت المنظمات الدولية، و بالأخص الأمم المتحدة، عرض الحائط و قامت بشن حربها علي العراق إرضاءا للوبي الصهيوني في المقام الأول. لقد شكلت حرب العراق سابقة في السياسة الخارجية الأمريكية، حيث فضلت إدارة الرئيس خدمة مصالح إسرائيل، و اللوبي الصهيوني المتنفذ، حتي و إن أضر ذلك بالمصالح العليا للولايات المتحدة، أو ألحق الضرر بأمنها القومي.
إن ما يثبت هذا الزعم هو عدد الصهاينة الذين تولوا أخطر المناصب الحكومية داخل إدارة الرئيس بوش الإبن، وخططوا لشن الحرب علي العراق. و سندلل علي ذلك ببعض أسماء أولائك الصهاينة المتنفذين، كنماذج فقط علي سبيل المثال لا الحصر، وهم:
- ريتشارد بيرل، أو أمير الظلام كما كان يكني في ذلك الوقت، و الذي تولي رئيس مجلس سياسة الدفاع داخل البنتاجون، و هو المجلس المناط به رسم سياسة وزارة الدفاع الأمريكية، و يعتبر بيرل هو المهندس الرئيسي لحرب العراق.
- بول وولفويتز، نائب وزير الدفاع، و عضو مجلس سياسة الدفاع، و رئيس البنك الدولي لاحقا، و هو أحد مهندسي حرب العراق.
- دوقلاس فيث، وكيل وزارة الدفاع و مستشار البنتاجون، و عمل كذلك مستشارا خاصا لبيرل.
- إدوارد لوتاك، عضو مجموعة دراسة الأمن القومي التابعة لشعبة الدفاع داخل البنتاجون، و هو يحمل الجنسية الإسرائيلية، و قد خدم بالتدريس داخل إسرائيل كذلك.
- دوف زاخايم،  المراقب المالي بوزارة الدفاع، و هو كاهن يهودي و يتمتع بالجنسية الإسرائيلية.
- كينيث أدلمان، مستشار وزارة الدفاع، و عضو مجلس سياسة الدفاع.
- لويس ليبي، رئيس موظفي مكتب نائب الرئيس ديك شيني.
- روبرت ستالوف، مستشار مجلس الأمن القومي الأمريكي.
- إليوت أبرام، مستشار مجلس الأمن القومي و مساعد وزير الخارجية لشئون أمريكا اللاتينية، وقد لعب دورا رئيسيا في فضيحة إيران-كونترا إبان فترة الرئيس ريغان.
- مارك كروسمان، مساعد وزير الخارجية للشؤون السياسية و مدير عام الخدمة الخارجية و مدير الموارد البشرية بوزارة الخارجية.
- ريتشارد هس، مدير تخطيط السياسات ووزير مفوض بوزارة الخارجية . وهو أيضا مدير برامج الأمن القومي و زميل أول بمجلس العلاقات الخارجية.
- روبرت زوليك، ممثل التجارة الأمريكية، وهو منصب يعادل منصب وزير بالحكومة الأمريكية، و رئيس البنك الدولي لاحقا.
- اري فلتشر، الناطق الرسمي بإسم البيت الأبيض.
- جون بولتن، مساعد وزير الخارجية للحد من الأسلحة و الأمن الخارجي، و ممثل الولايات التمحدة بالأمم المتحدة.
هذه بعض النماذج للصهاينة المتنفذين في إدارة الرئيس بوش الإبن، هذا بالإضافة الي السفراء الصهاينة للولايات المتحدة الأمريكية المعتمدين لدي الدول التالية: إسرائيل، هولنده، الدنمارك، المجر، سنغافورة، سولوفاكيا، إيطاليا و الأورجواي.
هذا ما كان من أمر الصهاينة في إدارة الرئيس بوش الإبن، فما هو موقعهم داخل إدارة الرئيس أوباما؟ سنذكر أيضا بعض النماذج لأهمهم و مراكز النفوذ التي يحتلونها داخل الإدارة الأمريكية الحالية، و هم:
- ديفد آكسلرود، كبير مستشاري الرئيس أوباما.
- جيرد بيرنشتين، كبير الإقتصاديين و المستشار الإقتصادي لنائب الرئيس.
- رام إيمانويل، رئيس موظفي البيت الأبيض حتى العام الحالي، يحمل الجنسية الأمريكية و خدم في الجيش الإسرائيلي.
- إلينا كيغان، المدعي العام للولايات المتحدة الأمريكية.
- رونالد كلين، رئيس موظفي نائب الرئيس.
- يعقوب ليو، مدير مكتب الإدارة و الميزانية.
- أريك لين، مستشار شؤون الشرق الأوسط.
- دينيس روس، المستشار الخاص لوزيرة الخارجية لشؤون الخليج وجنوب شرق آسيا.
- مارا رودمان، مستشار السياسة الخارجية.
- دان شابيرو، رئيس مكتب الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي.
- جيمس شتاينبيرج، نائب وزيرة الخارجية.
- لورنس سمرس، مدير مجلس الإقتصاد القومي.
- مني ستفن، نائب رئيس موظفي البيت الأبيض.
ينتمي معظم هؤلاء الصهاينة المتنفذين في الإدارات الأمريكية المتعاقبة الي مدرسة المحافظين الجدد التي تعتبر فلسفة "الفوضي الخلاقة" هي أكثر ما يميزها عن عداها من المدارس الفلسفية، و التي يمكن من خلالها إعادة صياغة العالم، و بالأخص منطقة الشرق الأوسط، وفقا للمصالح الأمريكية، و ما حرب العراق الثانية إلا البداية الفعلية لتطبيق تلك الفلسفة. لقد بدأت الولايات المتحدة تعيد النظر كرتين في سياستها تجاه منطقة الشرق الأوسط، بعد أن منيت تلك السياسية بالفشل في حرب العراق، و أخذت تبحث عن بدائل أخري كمدخل لتنفيذ خطتها في منطقة الشرق الأوسط الكبير. و أعتقد أن أمريكا قد وجدت ضالتها في السودان، تحت حكم التوجه الحضاري الذي أسلم أمره تماما لأمريكا، بعد أن ظل يبشرنا بدنو عذابها لفترة ليست بالقصيرة من الزمن، لتنفيذ إستراتيجيتها المعلنة نحو هذه المنطقة.
إن المآسي التي تكشفت جراء الحرب التي شنتها أمريكا تجاه العراق، و الكوارث  التي حلت بالشعب العراقي، و التي قام بفضحها موقع "ويكيليكس" الإلكتروني، و الإضطرابات التي خلخلت نسيج المجتمع العراقي، لم تقع رحاها داخل أروقة مراكز البحث الأمريكية، بل و لم تمس فردا واحدا من أفراد موظفي تلك المراكز، أو أيا ممن تقلد موقعا مركزيا مهما داخل إدارة الرئيس بوش الإبن، تمكن من خلاله من تخطيط و تنفيذ تلك الحرب القذرة علي الشعب العراقي. بل إن من إكتوي بنارها، وذاق الأمرين من نتائجها الكارثية هو الشعب العراقي نفسه، و ليس سواه. ليس هذا فحسب، بل إن بعض هذه الشخصيات قد نال مكافئته سواء كان ذلك نصيبا من أموال الشعب العراقي المنهوبة، أو ترقيات في المناصب، داخل الإدارة الأمريكية نفسها، أو في شركاتها و مراكز بحثها الكبري، جراء تنفيذهم لتك السياسة الحمقاء.
كما أود أن أؤكد هنا بأن الكوارث و الإضطرابات التي سوف تحل بالسودان و شعبه لن تدور رحاها داخل أروقة تلك المراكز، و أن شظايا الحروب التي ستندلع لن تمس فردا واحدا من موظفيها و مسئوليها، بل سيقع كل ذلك علي "راس" شعبنا الطيب المسالم، جراء السياسة الخاطئة، و التي نتجت عنها هذه الأزمة الخانقة الآخذة بتلابيه، و التي يتحمل الجزء الأكبر منها نظام الطغيان و الفساد الذي ظل جاثما علي صدر شعبنا الأبي لأكثر من عقدين من الزمان، بينما لا نعفي بقية القوي السياسية الأخري من تحمل نصيبها من مسئولية هذه المحن و الكوارث، كما سنوضح في الجزء التالي من هذا المقال بإذن الله تعالي.
ملحوظة:
جميع المعلومات التي وردت عن مواقع الصهاينة داخا إدارة الرئيسين بوش الإبن و أوبما تم إستقائها من الموقعين التاليين:
- http://www.biblebelievers.org.au/bushlist.htm
- http://www.jewishvirtuallibrary.org/jsource/US-Israel/obamajews.htm

24/11/2010

Ibrahim Kursany [sheeba82@hotmail.com]
 

 

آراء