جية العصافير قربت .. يا مصطفى سيد احمد … بقلم: سلمى الشيخ سلامة
لصوتك دفئ خاص ، للحنك ايقاع لا ينقطع عن الرنين فى الجوف ، استمع اليك هذه الايام كثيرا ، هاهو عام سينصرم على غيابك ، وبانصرامه ساعلن غيابك الرابع عشر
يا للاعوام ، تنزلق كالماء بين الاصابع ، لاتستطيع لايقاف نزيفها وجريانها...
هل اقول لك الاخبار المفرحة ام المحزنة ؟ فالفرح بات عملة نادرة ، لكنه مع ذلك موجود ، لكنه موضوع تحت عدة محاذير وخطوط حمراء على ّ ان لا اجتازها ، لكنى لا اعرف هل استطيع ان ابلغك بها ام انتظر ؟ فالانتظار لا يمكن ، بل انه مستحيل ، قالت تحدثنى فى معرض سؤالى عن سامر وسيد احمد ، ان سامر ، لكنها لم تشأ ان تواصل ، فلقد قالت بحسم "لغاية ما أكلم ناس ود سلفاب حتى تنشرى الخبر " فهمت انه ربما تزوج ، فلقد بات رجلا ومن حقه ان يفعل ، لكنى لست متاكدة ، رغم فرحى الخبئ، الم اقل لك ان الفرح مرهون للخطوط الحمراء ايضا ..؟ لكن ثمة فرح ينتظرنا فى مكان ما ...
أما الحزن يا صديقى فلقد أخذ معارج لاحصر لها ، من هنا الى السماء السابعة ،أسألك هلى التقيتهم بعد ؟ كثيرون رحلوا هذه الايام يا صديقى ، اولهم صديقنا المشترك حمودة فتح الرحمن ، ذلكم الطبيب الانسان الفذ الانسانية ، وهو أحد الذين أحبوك ، تعارفتما فى القاهرة ، لكن بتما أكثر من صديقين ، كنا نلتقى فى بيته احيانا ، ذات مساء جئت مصطحبة اصدقائى من بلاد الله ، دكتور جمال نكروما وصديقتنا المشتركة منيرة الشايب المذيعة فى البى بى سى القسم العربى ، ذاك اليوم اعلن جمال نكروما دهشته من معرفتك بتاريخ والده ، حيث حديثك كان حديث العارف عن حركات التحرر الافريقية
يا لحمودة يا صديقى ، ولك فلقد رحلتما وتركتما الحزن خلفكما ، هل نسيت ان اخبرك ايضا برحيل العازف الذى صحبك احيانا فى حفلاتك ، ذلكم العازف الفذ الشاب الخلوق بكرى احمد المصطفى ، عازف الفايولين من الذين اسسوا السمندل ، رحل هو الاخر تاركا حزنا سيظل عالقا فى سقف الروح الى الابد ..
كنت أقول لك اننى استمع اليك هذه الايام وكثيرا ، فلقد أهدانى صديقنا المشترك عبد الواحد بشير عدد كبير من الاسطوانات التى تحمل صوتك وغناءك وروحك ، محتشدة بها الان ، أصدقك القول ان البعض من الاغنيات استمع اليه لاول مرة ، خاصة تلك التى تقول
وين غبتى يا القمرة ؟
انشرّ بينا صباح
سفر العتامير ليل
برجاك فى المطرة
أرجع تعال يا شليل
درع الاميرة سرق
سووه حدوة خيل
بحر العطاشى نشف
نشرب بواقى السيل
وفيها تبشر بعودة العصافير"جية العصافير قربت " ، وهاأننا نغنيك وبنغنى وبتحدى الزمن فنان
فرتق ضفايرك للرزاز
جية العصافير قربت
هل اقول لك انك مغن مدهش ؟ رغم هذا الغياب فانت حضور ..!أليس امرا مدهشا أن يظل احد رغم غيابه حاضرا وبقوة الحضور الفعلى نفسه ؟ يجاريك فى هذا الحضور قلة من العظماء "الكاشف ، خليل فرح ، البيتلز "قليلون هم من يشكلون حضورا فى الغياب ، لكنك لدىّ حضور خاص ، حضور فيه صوتك كمتحدث ، كنا نتبادل الاحاديث كثيرا ، يعجبك ان تنادينى "بت الشيخ " وحين يعن لك ان تضحك منى تنادينى " المرفودة " لعلى حكيت لك كيف انى تعرضت بسبب اغنياتك لمساءلات الامن فى الغرفة الخارجية فى الاذاعة حيث كانوا يحققون معى كلما سمحت لصوتك ان يعانق الاثير
يا للايام يا مصطفى تجرى متسارعة لكنى ما زلت اسمع صوتك بوضوح فى اذنى ليس مغن بل كمتحدث ، هل تذكر تلك الندوات التى كانت تنعقد فى القاهرة وكنت المتحدث فيها بخاصة تلك التى انعقدت فى اتيليه القاهرة ومعرض القاهرة للكتاب ؟تلك كانت المرتان اللتان التقيت فيهما بالمعجبين بك من المصريين ،والذين جاء كثير منهم من الاسكندرية حيث اجتمع نفر منهم على محبتك وجاءوا الى حيث كنت، استمعوا اليك والدهشة تملؤهم لمعرفتك بما تقوم به من فن وادب وثقافة ، وتقدمه ببساطة العارف ، لاول مرة يلتقون بمطرب سودانى فى محافلهم الثقافية فغالبا كانت اللقاءت فى المسارح او ردهات الاذاعة ..
كنت اقول ان لغنائك ارتباط بما هو انسانى ، بل بالانسانية فى مفهومها الشامل ، فانت تغنيت للعمال ، والمتعبين ، للاطفال وللنساء الجميلات الصميمات ، لم تترك فردا الا وغنيت له ، ناس تنتمى اليهم وينتمون اليك ، بثثتهم رسالتك التى لن تنتهى لان رحاها كمعركة لاتنتهى خالدة وباقية للتنوير والمعرفة والمحبة والتنمية والسلام ، اغنيات تصنع الانسان الحقيقى...
كنت احيانا اتساءل عن شعراء بعض اغنياتك حيث ان الاسطوانات التى تصلنى لا تحمل الاسماء للشعراء ،لكنها تحمل صوتك موشوما بتلك الحقيقة التى سردناها ، قلت لنفسى ان غناءك رسالة فى حد ذاته ، لكن عبر الشعراء الذين اصطفيتهم ، فجعلت وصلهم بالناس حميما مع ذلك ، رغم ان من حقهم ان يعرفهم الناس ، لكن فليسامحنى الشعراء ال"مطاليق " من اصحابى وصديقاتى
سابوح لك ايضا اليوم بامر محزن ، امر لن تتمناه لو كنت بيننا ، فبعد عدة ايام سيقوم القائمون بالتصويت لصالح بقاء الوطن واحدا او انه ينفصل الى قسمين ، واحد شمالى وواحد جنوبى ، كلمهم قل لهم اننا منذ الازل كنا جسدا واحدا ، نجهل ما ستتمخض عنه الايام القادمة .. اليس امرا محزنا ان تجد ان بيتك قد تصدع الى قسمين ؟ ولاتجد ما تعينه به من امر الوقوف متكاملا سوى الصمت ...!
حزن يعترينى لحظة ان افكر فى ذلك ، قلت لك ان الفرح امر نسبى فى حياتنا الان ، بل احيانا معدوم ، وهاهى رسالتى تمضى الى هذا الاتجاه دون قصد منى ..
مداك اتعدى حد الشوف
دخلت على الشعر انسان
هواك اتخت جوه الجوف
وانتحر النهار هسه
نغنيك لمدن شافت
معاك احلامى ماتنسى
تغنيك القرى الراحت
خلاص ياغربة ما ترسى
غنيناك وبنغنى وبتحدى الزمن فنان
ايها الفنان الذى تتحدى الزمن بخلودك لك الرحمة والمغفرة ..
نوفمبر 2010
Salma Salama [fieroze@hotmail.com]