وأخيراً جهرت الشعبية بدعوة الانفصال !؟ … بقلم: آدم خاطر
هكذا تمر السنوات وتنقضى الفترة الانتقالية من عمر اتفاق السلام الشامل المقدر لها ست سنوات ، ليلتفت الناس الى حصادها وما قادت اليه فى كل بند وتحديداً ما نص عليه فى هذا الاتفاق من بنود حوتها بروتوكولاته المتعدة ومن أبرزها قضية تقرير المصير لشعب الجنوب ، وما حدده لها من فقرات بأن يعمل الطرفان باخلاص لجعل الوحدة جاذبة !؟ . وللذى كان يتابع سلوك ونهج الحركة الشعبية ازاء هذا المطلب يجد أنها كانت تتحين الفرص لاخفاء حقيقة نواياها المبيتة فى أول المران وهى لم تكن فى يوم من الأيام تعمل على وحدة البلاد أو السهر عليها ومشروعها المسمى (السودان الجديد) ظل مبهم المعالم مغلف المفردات ويخفى من مبادئه ما لا يعلمه حتى قادة الصف الأول فى حركتهم !. هذا المشروع لم يكن نتاج فكر سودانى جنوبى البته ، وانما صنعته بعناية كبريات مراكز البحث والمخابرات العالمية فى أمريكا وأوربا بتنسيق محكم ، وغذته الكنائس والصهيونية العالمية عبر التبنى والاحتضان لزعيم الحركة قرنق والكل كان يعرف كيف تقلب بين الشيوعية والرأسمالية والافريقانية وصراع العرقيات والاثنيات وغرس الدين فى دعايته وتصويره للصراع فى الجنوب فى بعض مراحله أنه صراع بين المسيحية والاسلام تارة وبين العرب والزرقة تارة أخرى ، وكان الهدف هو حشد دعم الكنيسة وتعاطفها ، بل ازداد الأمر وضوحاً عندما طورت الدولة من آلياتها فى حسم الصراع وادارة المعركة باشراك قوات الدفاع الشعبى والمجاهدين ، الأمر الذى صعب من مهمة جيش الحركة وداعميها الكثر وأستيأسوا من منازلة الانقاذ وكسر شوكتها عبر البندقية حتى جنحت الحركة للتفاوض والذى لم يكن بنية سلمية خالصة فى كل مراحله عندما حاولت استعادة توريت والمفاوضات تجرى بكينيا وقد قطعت شوطا مقدرا ، فأختبر عبرها الممولين الكبار من شركاء الشعبية أن كفة الحرب لن تكون فى صالحها عندما استعيدت توريت بكل مدلولاتها وأهميتها لهم أعيدت الى حرز الوطن فى سرغة واقتدار ، ومن يومها استقام أمر المفاوضات حتى بلغنا ما عرف (CPA) ، لكن أس القضايا فى الصراع وغايته ظلت هى الانفصال الذى تستبطنه الحركة لهذا اليوم والأطراف تقارب النهايات فى تنفيذ الاتفاقوالمؤشرا تزداد وضوحا !. ظل قرنق حتى قبيل موته يناور بهذه القضية ويكلها الى مبهمات وتعويم متعمد فلا هو وحدودى ولا هو انفصالى الا عند مجيئه للخرطوم ، والنشوة التى غطت على صده والملايين تستقبله بالساحة الخضراء استقبال الفاتحين ، عندها خالجه طمع السياسة وظن أنه يقترب من حكم كل السودان كأول مسيحى يحكم أغلبية عربية مسلمة على نهج نيجيريا فاستمزج الفكرة وتغير خطابه السياسى بتكتيك محسوب ، وهو فارق الحياة على تلكم الطريقة المعروفة وبعض الناس ما يزال مفتونا بكلماته وعباراته وهو يمجد الوحدة ويدعو لها على أسس جديدة لا يعلم كنهها غير باقان وعرمان ، لكن مسيرته فى الحرب والسجال لم تكن تعتمد وحدة البلاد مبدءً ونهجاً ولا أطروحاته وتحركاته واتصالاته الاقليمية والدولية كانت تركز عليها فى مسيرته ، ومحاضرة فرجينيا بالولايات المتحدة كان بها من الاشارات والوضوح ما يجعل وحدوية قرنق فى محك ، فهلك الرجل وقلبه معلق بالحكم دون أن تكون القضية الأساس مقصده ، وعهد بهكذا أمانى وأحلام وطنية الى سلفا ومجموعة أبناء قرنق وهم قد كشفوا عن فهمهم لما يراد ، فازدادت الحيرة وكثر الارتباك فى تحديد ماهية الهدف الا من وضوح ظل يجهر به باقان من وقتها وهو ما يحمد له ان كان فى دعوة الانفصال والترويج لها وتبخيس وحدة الوحدة وتقزيم تيارها من محمدة ؟!.
وعلى نحو ما كان من تغييب لشأن الوحدة فى تحركات زعيمها الأول ونهجه لم يكن خلفه بالأفضل حالا منه ومعظمهم حاطبى ليل بلا رصيد معرفى ولا أفكار أو رؤى أو معتقدات ذاتية لأى طرح كان غير تلك البضاعة التى أعدتها اليد الخارجية فى مخططاتها بالمنطقة منذ عقود ورعت ثمرتها حتى ضمنها الاتفاق والدستور الانتقالى ، ودفعت بها لهذا الكومبارتس لانزالها واقعا ، لذا جاءت حركتهم الداخلية فى ساحة الجنوب تعول منذ الوهلة الأولى على طرح الانفصال وتهيئة ميدانه واعداد العدة له طالما هو فاتورة خارجية واجبة السداد لمن استضيفوا ودرسوا وتدربوا وقبضوا الأموال وحازوا على الممتلكات فى كبريات عواصم العالم !. هكذا كانت الدعوة داخل الاتفاق لجعل الوحدة جاذبة أكبر مؤامرة وأعظم خدعة دسها الغرب كالسم فى جسد السلام وهو يعلم انها وسيلة لغاية الانفصال الذى ظهرت بواده فى أول قرارللحركة مقاطعة الجهاز التنفيذى وامتحان قدرة الوطنى على الصبر والتحمل وابداء التنازلات والمساومات ، فظلت الحكومة مقيدة برغبات الشريك لا بنصوص الاتفاقوقيوده الزمنية فى تحقيق مطالب أربابها ، وولدت دارفور من رحم الاتفاق بعد أيام من توقيعه حتى تعزز جهود الانفصال عبر ضغوط الحرائق فى دارفور !. لكن القادة الذين تقاسموا هم السلام مع الحكومة من أرباب السودان الجديد كانوا منقسمين على أنفسهم منشطرين فى وجدانهم وأرتباطاتهم تتنازعهم الأهواء والمصالح ، ظلوا يلوحون بكرت الوحدة لمجرد كسب الوقت والابتزاز السياسى ودونك ما يطرحه ادوارد لينو أو مالك عقار أو باقان أو عرمان الحركة كل يغنى على هواه ، بل حتى قائدها سلفا كان متضاربا ومخادعا فى أحاديثه عنها ، تباينت رؤاهم واضطربت تصريحاتهم جميعا لكن الأجنبى ظل هو من يمسك بعربة القيادة والرهان ، وما كان من توزيع للأدوار فيما بينهم كان ذلك بقصد المناورة والارباك والتشويش السياسى للساحة الداخلية ، فيما كان نصيب تعزيز القدرات الدفاعية والأمنية للجنوب واضحة وجلية تجاوزت البنى التحتية والاعمار والتنمية بل احتياجات المواطن الضرورية من صحة وخدمات وتعليم !. وكانت مفردة الوحدة من الخطوط الحمراء أو أى تقارب مع ما يطرحه الحزب الحاكم لغاية الوحدة، فكان حريا برئيس حكومة الجنوب أن يعمد الى المداهنة التسويف فى الافصاح عن حقيقة ما تعتمله نفسه وتوجيهاته لقادة صفه الأول بالدنو من أية افادات من شأنها أن تكشف حقيقة المراد حتى يبلغ كتاب الانفصاليين أجله ويقترب ميعاد بقرتهم المقدسة فى التاسع من يناير 2011م !. كان سلفا يهتبل السوانح فى خطابه من داخل كنيسة أو زيارة خارجية له أو مناسبة تتصل بتأسيس الحركة واجتماعات مجالسها ليلوح بكرت الوحدة والانفصال معا ، وجهود حكومة الجنوب لا تنفك عن تعزيز متطلبات الانفصال والهاب المشاعر واستدعاء كل ما يباعد النفوس ويكرس الجفوة والقطيعة بين الشمال والجنوب تماما كما فعل الاستعمار !. بل يختار سلفا بعناية مواعيد زياراته الخارجية ولقاءاته بالامريكان والأوربيين لطمأنتهم أن زراعتهم لاشك تثمر وأكلها فى طريقه للبلوغ ، بل أشار فى بعض تصريحاته أنه سيصوت للوحدة ، ثم تارة أنه سيصوت لصالح الانفصال ، دون اشارة الى أى عمل أو برنامج هدف الى ايصال دعوة الوحدة جهرة ، وظل بالمقابل يرمى باللوم على عاتق شريكهم أنه لم ينهض بواجباته لجعل الوحدة جاذبة ، رغم اغداق الأموال واقامة المشروعات بالجنوب من موارد الدولة الاتحادية ، والكل يدرك أن الجنوب لا يملك مقومات الدولة وعناصرها ، وبه من التيارات القبلية ما يكفى لاستعادة أزمة البحيرات بكل ما فيها من فظائع انسانية ، وهو غارق فى بركة من أوحال الجهل والمسغبة والتخلف والفساد وسيادة القانون وهيبة الدولة ، فضلا عن ما تقوم به عصابات الجيش الشعبى والنقرز من قتل وتضييق وحصار سياسى واعلامى وارهاب وتكميم للأفواه والحريات لمن خالف نهجهم أو تحدث عن قيمة الوحدة وتبعات الانفصال، الى جانب الوجود الأجنبى الكثيف بمنظماته ودوله ومخابراته ونشاطه وحركته المهددة لسلم الوطن والاقليم التى هى دولة بكاملها تسبق سلطان حكومة الجنوب !.
أهل الشعبية يفعلون لغاية الانفصال فوق جهدهم فيما تقوم الدولة بواجبها تعظيما لوحدة غائبة المظاهر حتى آخر رمق ، وأهل الشعبية لا تهمهم قضايا ما بعد الاستفتاء الذي حشدت له الأسماء بالسجل دون أدنى مطابقة لالتزام معاييره وأسسه ورغم ذلك لم يبلغ العدد ما ظلوا يناكفون عنه فى مضابط الاحصاء السكانى لمواطنى الجنوب ، ملكوا الجنوب حكما وريادة دون تدخل من الشمال ، وبقوا يحكمون بنصيب الأسد فى الشمال ونتاج شراكتهم المشاكسة وتعويق دولاب العمل وتعطيل البرامج والتشريعات والتواطو مع الأجنبى لزعزعة الأمن والاستقرار من خلال احتضانهم لتحالف جوبا الوهمى وحركات تمرد دارفور ، والشمال لا يشارك فى تقرير مصير وطن وأبناء قرنق يريدون الانفصال والاحتفاظ بجنسيتهم فى أغرب معادلة ومطلب ، لنسأل أنفسنا أى عمل أو جهد أو مشروع دفعت به الحركة للتبشير بالوحدة والدعوة لها جهرة ، ورئيسها محبوس فى جوبا ومنعزل عن الشمال ومدنه واريافه ن حتى الدورة المدرسية التى طلب هو استضافتها وأكتملت تحضيراتها وقاربت الانطلاق سارع باقان لالغائها لأنها ترسل باشارات ايجابية فى هذا التوقيت تصادم الانفصال والساحة التى أعدت له والتهيؤ الذى بلغته مراحله !؟.
ظللنا نقول بأن شريك السلام ليس من أهدافه التى يقوم عليها قضية الوحدة ولا هى فى أدبياتهم ومنفستو الحركة الأول ، حتى لا نتكلف التفسيرات والتبرير فيما فعلناه لأجلها بالتزام وطنى وشهادة للتاريخ ، ونحن نقترب من موعد الحسم و أصوات الشعبية تعلو بالانفصال ويعتلى حملاتها بتصويب فى استعادة المآسى والجراحات دون أن ينسبوا لأنفسهم نصيب فى المسئولية التى أمامهم ، أو شرح للأموال التى أهدروها والوقت الذى أضاعوه فى تثبيت بنيانها أو دعم ركائزه لأنهم ظلوا معاول للهدم والخراب والتشكيك ينخر فى جسد الوطن كالسرطان !. الذى يعتقد فى الوحدة وسلامة الوطن أرضا وانسانا لم يكن ليبارحها فى طرحه وحركته مهما واجهته التحديات وتكاثفت عليه الضغوط وقادة الشعبية هم من يسعون لدى الأجنبى لمحاصرة البلاد وخنقها !. لكن الخطاب الآن تمايز تماما تلزمه خطة احترازية تعبر بالناس ما يراد للوطن من فتن قادمة نذرها بادية لمن يرى ، ولغة العواطف والنوايا الحسنة والمجاملات فى التدابير المكملة لهذه المرحلة لا تجدى شيئا ونحن أمام مسئولية جسيمة ان قدر أن تكون بدايتها فى مؤشرات التسجيل على هذا النحو الممتلى بالتزوير والحياكة فلننتظر النتائج من ذات الشاكلة، وما ان كانت ستقبل وملفات أبيى والحدود والقضايا الكبيرة الهامة والمعقدة تراوح مكانها !. بات الخطاب السياسى للحركة ينحو بصورة علنية نحو الانفصال كما أكّدت الحركة الشعبية لتحرير السودان علنًا للمرة الأولى أنّها ستدعو سكان الجنوب للتصويت لخيار الانفصال خلال استفتاء تقرير المصير في يناير 2011م.
كما صرحت بذلك نائب أمين عام الحركة الشعبية في جنوب السودان آن إيتو لصحيفتهم يوم السبت 11 ديسمبر (أجراس الكنائس ) حيث قالت "لأنّه لم يتم العمل على جعل) خيار) وحدة البلاد جذابًا، فإننا ندعم خيار الشعب لأننا نتبع (إرادة) الشعب". وردًا على سؤال عن أفضل الخيارات بالنسبة إلى أهالي جنوب السودان قالت آنه "الانفصال".
وأضافت "إنّ كانت لديكم آذان تصغي فإنّكم تعرفون أن أكثر من 90 % من الأهالي أعلنوا خيارهم". وأكدت المسؤولة التي كانت تقف إلى جانب أكياس تحوي وسائط دعاية تروج للانفصال، خلال مؤتمر صحفي في جوبا إنّ الوحدة "ليست قابلة للتحقيق خصوصًا مع إدراك الحركة الشعبية أنه لم يتم العمل على جعلها جذابة" من قبل الحكومة السودانية. وأوضحت آن أيتو أنّ تصريحاتها لا تلزم إلا الفرع الجنوبي من الحركة!. ومن غير الحركة بامكانه العمل فى ساحة الجنوب أو يدعوا لوحدة غير موجودة أصلا ، وبرغم ذلك فكل من يقترب يسجن ويعتقل ان لم يقتل !. هكذا تصعد اللهجة باعتبار أن الحكومة هى المسئولة عن جعل الوحدة جاذبة ، أما حركتهم فلا أحد يسأل عن مسئوليتها ومهمتها خلال الست سنوات الماضية طالما شواهد فعالهم على الأرض واثارتهم للنعرات والجهويات وتوسيع رقعة الحرب ودق طبولها كما يتهيأ الآن مناوى وعبد الواحد من جوبا وخليل من ليبيا ومخابرات امريكا وبريطانيا وفرنسا والموساد الاسرائيلى والكنيسة يقفون على الترتيبات الأخيرة فى وضع اللمسات لدولة ستولد واعلامهم يكتب عنها وشعارها وعلمها يطرح فى مسابقة ، ومنا من يحن الى أن جزء هناك سيقطتع وهو قد مزقه الاتفاق من قبل ومنحهم هذه المساحة للترويج والدعاية والاعلان بميقات بصفة حصرية !. ان كان الانفصال واقع حتما وهذا ما نراه نريد أن يكون الجنوب للجنوبيين ، هنيئا لهم أرضهم ودولتهم التى يراد لها أن تكون مرتعا لحرب داخلية طاحنة بين مكوناتها التى تكبتها سيطرة الدينكا ، وهى تجاور حركات تمرد اقليمية ويضاف اليها حركات التمرد الدارفورية وتحاصرها مطالب أهلنا المسيرية فى أبيى والمناطق الثلاثة والخلاف على الموارد النفطية التى صنعت فى أيام الحرب بتضحيات جسام مهرتها دماء الشهداء والخالدين ، كل هذه المتناقضات تحملها دولة الجنوب القادمة بداخلها لتحيط بنا جواراً، ويدها فى الشمال لابد وأن تبتر كلية بمجرد النتيجة ، وهى تريد أن يكون عرمانها بطاقية اليسار وتجمعات العلمانية على رأس حزب شمالى يلوك ذات البضاعة والترهات لأجل وحدة مستقبليه على أسسه التى يرومها ، وما يهرف به المهدى من شطح وهو على هذه السن المتقدمة لهم فيه نصيب ، ونزعات الترابى الحانقة ومتلازمته فى العدل والمساواة ومستقبل دارفورامتدادات لهم ، وملف الجنائية الدولية بعض أمانيهم وجميعها تنتظر (وحدتهم) لتفتيت البلاد وصوملتها !. عليه فان أهل السودان يقبلون بالانفصال نزيها شفافا سلسا هينا لينا ان استكمل مستحقات الاستفتاء قانونا وتطبيقا لا أن يضيف نزيفا الى جراحاتنا أو يهدد بتبعاته كيان الدولة والأمة ، والا فرايات الجهاد وألويته ونفراته هى صمام أمان البلاد لابد لها من ان تستدعى لكبح هكذا مطامع ونوايا جهورة لم تعد مكانها الصدور التى كانت تحبسها ، ولم تعد تخاف والسند الخارجى هو ضمانتها ورهانها !؟. فلينتبه الأخ الرئيس وهو من أناط به الدستور حماية البلاد من المهددات الى ما بعد مؤامرة الانفصال التى أيقن هو وأجهزته أنها واقعة لا محالة !!!؟؟.
adamo56@hotmail.com