التميز وشاعرة ومقدمة برامج
عندما يحيط بالمرء مرارات العيش وتشوهات القبح , تتشوف النفس الي أجواء نقية وصور بديعة تبهج الخاطر وتبلل جفاف القلب بندي الحسن , فينسي ولو لبرهة وينعم ولو في هينيهة عابرة أوصاب وأجواع الحياة , فتزهر شجرة الأمل ورداً وشذي حلواً , وحينها يٌسبح المرء بآلاء ربه أو ينسي الي حين ما يعاني منه .
حظاني حسن الطالع بأن أشاهد عرضاً متميزاً في قناة الشروق الفضائية تقدمه المتألقة دوماً , والجميلة شكلاً وموضوعاً كما يقال – الإبنة بإعتبار السن – نسرين سوركتي , والبرنامج الذي تقدمه في كل أسبوع هو ( فن وسياسة ) , وفي تلك المرة التي شاهدتها استضافت فيها الشاعرة الرائعة روضة الحاج والتي حلقت بنا في آفاق من المتعة بأشعارها الراقية فناً ومعني وكلمات , وعبر إلقاء آسر جذاب , وهنا يحضرني قول نقاد ومتذوقي الشعر قولهم :
إذا الشعر لم يهززك عند سماعه فليس خليق أن يقال له شعر
وميزة هذه الشاعرة انها مطبوعة وليست ناظمة صانعة , وإنها تملك ناصية اللغة العربية وتحرص في شعرها علي نقاء وصفاء اللغة , فإلي شعرها الرصين الجميل تجد حديثها العادي ينساب في لغة عربية سليمة وكشعرها يتدفق كنسيم عليل ينعش الجسد والروح , ويكمن نضج روضة كما قالت اذا حصلته من معرفة دائمة عن طريق قراءتها للقرآن وأشعار العرب القدامي النوابغ منهم منذ صغرها في مراحل تعليمها المختلفة وحتي الجامعة , وكذلك يرجع للستماع الي أشعار الدوبيت من أبيها وأشعار المحدثين من الشعراء السودانيين من والدتها التي كانت مولعة بأشعار ادريس جماع وترددها .
فلا عجب اذا خرجت من هذه التربة الطيبة شاعرتنا اليانعة , فكانت روضة إسماً علي مسمي ! وإتضح من سؤال نسرين لها أن للشاعرة إحساس شفيف بالانسانية والشاعر بطبعه غامر الاحساس ورهيف القلب , وتمنيت لو أنها عبرت في شعرها عن مقاساة ومعاناة الانسان السوداني وما يلقاه من كرب في هذا الزمن الماثل في السودان من معاناة في معيشته وفي حريته وفي رزقه ! ولعلها قد فعلت ذلك في بعض اشعارها والتي لم أطلع عليها . ألم يحرك فيها مأساة دارفور والدماء التي سالت جداولاً , وأعراض النساء التي انتهكت , وحرائق الدور التي صارت رماداً , وتشريد الاطفال والنساء يضربون في الارض بلا هدي وبدون طعام أو شراب بينما يلاحقهم أبالسة الجنجويد للفتك بهم , ولا نذهب بعيداً فيقيناً وهي المذيعة الشاعرة قد شاهدت شريط فديو الفتاة المسكينة المجلودة وهي تولول وتتوسل من سياط جلادي السلطة تنهال عليها في وحشية وتلذذ ! ألم تحرك تلك المناظر والأحداث فيها شيئاً ما قل أو كٌثر ؟! أم أن الشعر تهويمات في الخيال يذروها الريح !؟
أصدق الرجاء ان تلتفت الشاعرة الي قضايا الانسان الملحة والضاغطة التي يكتوي بها انسان السودان تحت هذا الحكم الحاضر الانقاذي الذي لا يرعي فينا إلاً ولا ذمة !
بالرغم مما أصاب الشعر من ضرر في بلادي وبرغم كل شئ فان الشاعرة روضة وأمثالها من شعراء الشباب تطمئن عشاق الشعر الجيد بأن الشعر لا يزال بخير .
شكرا روضة والشكر موصول لمقدمة البرنامج نسرين سوركتي التي تملأ الشاشة الصغيرة بألقها وثقافتها وبساطتها غير المتكلفة .
هلال زاهر الساداتي
Helalzaher@hotmail.com