وحدة قوى المعارضة مفتاح الطريق لإسقاط دولة الفساد والإستبداد!؟
الكلام دخل الحوش -3-
ما أكدناه فى الحلقة الثانية من هذه السلسلة من المقالات حول أن لا مندوحة إطلاقا من تحمل المؤتمر الوطنى وحده مسؤؤلية الجريمة التى إرتكبها فى حق الوطن بالتفريط فى وحدة ترابه، لا يعفى على الإطلاق بقية القوى السياسية المعارضة له من خطأ تأييدها لإتفاقية نيفاشا دون قيد أو شرط. إن هذا التأييد المطلق، وغير المشروط للإتفاقية، هو الذى منح قادة المؤتمر الوطنى "قوة العين" و الجرأة ليعلنوا على الملأ بأن بقية القوى السياسية تتقاسم معهم مسؤولية تقسيم البلاد على قدم المساواة، ذلك أنها قد أقرت أولا مبدأ تقرير المصير فى مؤتمر أسمر للقضايا المصيرية، ثم أعقبتها ثانيا بتأييدها لإتفاقية نيفاشا المتضمنة لذلك المبدأ دون قيد أو شرط.
لكن ، وعلى الرغم من أن هذه الحجة تبدو راجحة فى مظهرها، إلا أننا نقول لقادة المؤتمر الوطنى إن تركيزكم عليها فى جميع منابركم الإعلامية و الجماهيرية ليست سوى كلمة حق أريد بها باطل. و هيهات بين إرتكاب خطأ سياسي، و إرتكاب جريمة سياسية فى حق الشعب و الوطن. نعم إن القوى السياسية المعارضة لكم قد أخطأت حينما أيدت إتفاقية نيفاشا دون قيد أو شرط، لكنكم أنتم تتحملون كامل المسؤولية فى إرتكاب جريمة تفتيت و تقسيم البلاد الى دولتين، وربما أكثر من ذلك لو إستمر نظامكم، لا قدر الله، فى إدارة زمام الأمور فى البلاد لسنوات قادمة. بل إن فصل جنوب السودان ظل دوما يعتبر أحد أهم محاور إستراتيجيتكم المعتمدة لإقامة دولتكم الدينية الطالبانية على ما سيتبقى من البلاد بعد تجزئتها وشرذمتها. لكن هيهات فسيخيب فألكم، بإذن الله تعالى، حينما تتوحد جموع الشعب فى جبهة عريضة ستدك أركان طغيانكم، وتطيح بنظامكم الدكتاتورى الفاسد و المستبد، وترمى به فى مزبلة التاريخ غير مأسوف عليه، بإذن واحد أحد.
لكن الإطاحة بدولة الفساد و الإستبداد، التى كونتها و عتها الحركة الإسلامية فى السودان، تتطلب توفر شروط عدة يأتى فى مقدمتها وحدة القوى المعارضة لها. لقد أثبتت التجربة المريرة لحكم الإنقاذ بأن العامل الأول و الأساسي فى إستمراره كل هذه السنين العجاف و أن يظل جاثما على صدر شعبنا لما يزيد على العقدين من الزمان، هو تفتيت و تشتيت شمل قوى المعارضة. لقد فطن قادة الإنقاذ لهذه الحقيقة منذ بداية عهدهم. لذلك فقد إعتمدوا أسلوب تقسيم الأحزاب المعارضة لهم كإستراتيجية ثابته لإضعافها، و التقليل من كفاءة أدائها، والقعود بها عن أداء مهامها، و بالتالى الوصول الى أهدافهم المتمثلة فى المحافظة على أركان دولة الإستبداد و الفساد لأطول فترة من الزمن. كانت أول أهداف تلك الإستراتيجية الخبيثة هو الحركة الشعبية لتحرير السودان، بإعتبارها الخصم اللدود الذى يحمل السلاح، ويعنى ما يقول، و بالأخص فى محاربة النظام الحاكم بقوة السلاح، ذلك النهج الذى إختاره لمنازلة معارضيه، وهو سلاح المدفعية و الدوشكي و الدبابة، و ليس سلاح الشعارات الفارغة و الفضفاضة التى، و للأسف الشديد إعتمدها المعارضون له، و التى أبدا لم تقتل ذبابة.
لقد بذل نظام الإنقاذ كل جهد المقل، و إستغل جميع الوسائل و الأساليب الممكنة، الحميد منها و الخبيث على حد سواء، لبلوغ هذه الغاية و تحقيق هذا الهدف، كالإغراء بالمال، و المناصب، و النفوذ، و الجاه، و الوجاهة الإجتماعية، و التمكين. ولم يخيب ضعاف النفوس داخل أحزاب المعارضة ظن قادة الإنقاذ، حيث إستجاب بعضهم لتك الإغراءات و هرولوا إليه ذرافات ووحدانا.
بدأت تلك الهرولة أولا حينما نجاح النظام فى شق صفوف الحركة الشعبية الى فصيلين. فصيل أصبح يعرف فيما بعد بجناح الناصر، تحت قيادة رياك مشار و لام أكول، اللذين تمردا على الحركة الأم بقيادة جون قرنق، بعد الإغراءات التى قدمها لهم نظام الإنقاذ بإشراكهم فى الحكم، محدثين بذلك أكبر إنقسام تشهده الحركة الشعبية فى تاريخها، الى أن إنتهى بهم المطاف و أصبحوا جزءا من النظام، وتبوءوا ارفع المناصب داخل القصر الجمهورى، مما اربك صفوف الحركة الشعبية، و أضعف أدائها، و بالتالى أطال من فترة حكم الإنقاذ. أصبح إنقسام الناصر بمثابة مؤشر النجاح لإستراتيجية الإنقاذ فى شرذمة و تجزئة و تقسيم قوى المعارضة.
تلى إنقسام الحركة الشعبية، أحد أكبر القوى السياسية المعارضة لنظام الإنقاذ، إنقسام فصيل آخر هام و أساسي للقوى المعارضة للنظام، ألا وهو الحزب الاتحادى الديمقراطى، حينما هرول المرحوم زين العابدين الهندى، الأمين العام للحزب، ومعه مجموعة أخرى من القيادات النافذة، نحو نظام الخرطوم و أصبحوا جزءا منه، و شكلوا أحد حلقات تلك السلسلة العجيبة للأحزاب الصورية المساندة له، و التى أسماها شيخهم، الذى علمهم السحر، بأحزاب التوالي. يا لها من مقدرة فائقة على التلاعب بالألفاظ، وخلط للمفاهيم، حتى يمكن من خلال هذه المنهجية الخبيثة إرباك من تبقى لهم من تفكير راشد، وضمهم الى صفوف النظام، فى حال فشل إغرائهم بواسطة مختلف الأساليب الفاسدة التى يتقنها قادة النظام. لقد نجح نظام الإنقاذ فى تقسيم الحزب الإتحادى الديمقراطى، و شرذمته الى أجزاء عديدة، مما أضطر معه ذلك الحزب الى إضافة "الأصل" الى إسمه، حتى يتسنى لجماهير الشعب السودانى أن تفرق بينه وبين تلك الأحزاب الأميبية، التى نجح نظام الإنقاذ فى إستنساخها من ذلك الحزب العتيد.
لقد كان واضحا لقادة دولة الفساد و الإستبداد أن إستمرارهم فى الحكم لأطول فترة ممكنة ليس رهين بتقسيم و شرذمة أحزاب المعارضة الى أجزاء عدة فقط، و إنما هو رهين كذلك فى إبعادها عن بعضها البعض، و نسف أي محاولة لإلتقائها أو توحدها فى اية جبهة للعمل المعارض، مهما كلف ذلك، و أيا كان حجم، أو نوع عمل تلك الجبهة المعارضة. إذن فقد إدرك نظام الإنقاذ سر السلاح الذى يمكن أن يطيح به، ألا وهو توحد القوى المعارضة له فى جبهة عريضة، ووفق برنامج حد أدنى متفق عليه بصورة ديمقراطية. لذلك سعى النظام، و بكل ما أوتى من قوة لتفكيك التجمع الوطنى الديمقراطى. تلك المؤسسة التى لو قدر لها أن تتوحد بحق و حقيقة و تركز على ضرورة الوصول الى هدفها الأسمى، وهو الإطاحة بالنظام،، و تعمل بأسلوب القيادة الجماعية الفعالة، وفى تجرد تام، مترفعة عن المكاسب الحزبية، و المنافع الشخصية، لما تمكن نظام الإنقاذ من الإستمرار فى الحكم طيلة هذه العقود.
بدأت بوادر نجاح إستراتيجية "فركشة" قوى المعارضة تؤتى أوكلها عندم نجح نظام الإنقاذ فى إخراج حزب الأمة من التجمع الوطنى، أحد أكبر و أقوى الأحزاب المكونة له، و الذى كان يشغل مهام أمانته العامة، الدينمو المحرك لكل حركته و نشاطه، وذلك من خلال عقد صفقة مشتركة معه، أصبحت تعرف فيما بعد بإتفاقية جبوتى.
لقد شكل خروج حزب الأمة ضربة قاصمة للتجمع الوطنى الديمقراطى، و أدخله فى موت سريري، لم يفق منه حتى و قتنا الراهن. لم يكتف النظام بخروج حزب الأمة وحده لإضعاف التجمع الوطنى الديمقراطى و شل حركته، بل أراد الإجهاز عليه تماما. و لقد كان له ما أراد حينما أتبع خروج حزب الأمة بتوقيع إتفاقية نيفاشا بصورة منفردة مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، ثم تلى ذلك بتوقيعه عدة إتفاقيات مع ما تبقى من التجمع كبروتوكول جدة الإطارى، و من ثم إتفاقية القاهرة، التى لم يجد نظام الإنقاذ أفضل من نافع على نافع لتوقعيها مع قادة التجمع، إمعانا فى إذلالهم كقيادات، و إهانتهم كأفراد، و الحط من قدر تنظيماتهم السياسية فى نظر جماهيرها. و بالفعل قد كان له ما أراد. هل سمعت، قارئي الكريم، بطيب الذكر التجمع الوطنى الديمقراطى منذ ذلك الحين؟!
لذلك ليس هنالك من سبيل آخر لإسقاط دولة الفساد و الإستبداد سوى العمل الجاد بواسطة أحزاب المعارضة لعكس هذه الإستراتيجية الى الضد تمتما، و السعى منذ الآن الى توحيد صفوفها و رصها فى جبهة عريضة متحدة وفق خطة مدروسة و متفق عليها . نقطة البداية لنجاح هذه الخطة ،فى تقديرى، يبدا بوضع خط فاصل، يجب أن تعتبره تلك الأحزاب بمثابة خط أحمر لا يسمح لأي منها بتجاوزه، و يضع قطيعة نهائية مع أسلوب تقسيمها و شرذمتها. ذلك الخط هو توحدها على هدف واحد، وهو الإطاحة بدولة الفساد و الإستبداد الذى يتطلب أول ما يتطلب العمل على إعادة توحيد صفوفها مرة أخرى، إن كانت تسعى، فعلا لا قولا، للإطاحة بهذا النظام.
و لابد لى فى هذا المقام من الإشادة بالخطوة الجريئة التى إتخذها السيد مبارك المهدي، الذى أعلن، و فى شجاعة نادرة، حل حزب الأمة- الإصلاح و التجديد- و العودة للعمل مجددا من داخل صفوف حزب الأمة القومي. نأمل أن تتخذ بقية الأحزاب المعارضة من خطوة السيد مبارك مثالا يحتذى به لوضع حد نهائي لأسلوب الشرذمة و التشتت الذى لم تجنى منه سوى إضعافها جميعا لمصلحة تقوية أركان دولة الفساد و الإستبداد، التى كادت أن تعصف بهم جميعا. آمل أن تسعى جميع هذه الأحزاب الى إعادة توحيد صفوفها، و تجديد بنيانها التنظيمي المترهل، و الذى لولا ترهله ذاك لما تمكن مرتزقة الإنقاذ من إختراقه و تفتيته.
إن زبانية الإنقاذ لن يقفوا موقف المتفرج وهم يرون قادة أحزاب المعارضة يعيدون توحيد صفوفهم، بل سيسعون مرة أخرى لتقسيمها و شرذمتها، متخذين فى ذلك أقذر أساليب العمل السياسي التى يتقنوها خير إتقان، فهى صنعة قد أجادوها لفترة عقدين من الزمان، لأنهم يدركون تماما أن وحدة أحزاب المعارضة فى جبهة عمل متحد سوف تعنى بالضرورة بداية النهاية لدولة فسادهم و إستبدادهم. لذلك يجب إبعاد ضعاف النفوس من قيادات أحزاب المعارضة جميعها، ورصد تحركاتها، وبتر كل من يثبت تعامله مع نظام الإنقاذ من صفوفها أولا فأول. فالنار تبدأ من مستصغر الشرر.
إن وحدة قوى المعارضة يعتبر شرطيا ضروريا للإطاحة بدولة الفساد و الإستبداد، و لكنه ليس كافيا. هنالك عوامل أخرى عديدة يجب أخذها بعين الإعتبار عند مناقشة إستراتيجية و أساليب عمل الإطاحة بالنظام. أول تلك العوامل هو أن نظام الإنقاذ قد نجح فى تكسير جميع أدوات العمل المجربة للإطاحة بالأنظمة الدكتاتورية التى خبرتها جماهير شعبنا، كالنقابات، و منظمات المجتع المدنى الأخرى. ليس هذا فحسب، بل إن نظام الإنقاذ قد نجح كذلك فى تغيير تركيبة و عقيدة القوات المسلحة، و حولها من قوة عسكرية تكمن مهمتها الأولى فى صون دستور البلاد و حماية التراب الوطنى، إلا مجرد جندرمة لا هدف لها سوى حماية أركان دولة الفساد و الإستبداد، و ليس الإنحياز الى جانب الشعب عند الملمات، و إخراجه من الأزمات الوطنية التى تكاد تعصف بالوطن.
يتطلب هذا التغيير فى بنية النقابات و منظمات المجتمع المدنى و القوات المسلحة إستنباط أساليب عمل جديدة غير تلك المعهودة للإطاحة بالأنظمة الشمولية، كالإضرابات، و المظاهرات، و العصيان المدنى فقط. كذلك يتوجب على قوى المعارضة الإستعداد منذ الآن لمواجهة المليشيات المسلحة لدولة الفساد و الإستبداد ، و التى لن تتورع عن قمع و إبادة أي عمل معارض بمجرد نزوله الى الشارع، لأنها ببساطة قد كونت ودربت لإنجاز هذه المهمة بالتحديد. و أظن أنها ستفعلها على أكمل وجه، كما دلت التجربة الطويلة لدكتاتورية نظام الإنقاذ. ودونكم منظر ذلك الشيخ الأنصاري الذى تجاوز السبعين من عمره، والذى خرج من دار حزب الأمة و دماؤه تسيل فوق جلبابه الممزق دفاعا عن راية الأنصار. أو النظر الى المشهد الحزين لكسر يد السيدة الفاضلة مريم الصادق بواسطة تلك الملشيات من المرتزقة، و هى تسير مع أعضاء حزب الأمة فى موكب سلمى من دار الحزب لأداء شعائر صلاة الجمعة فى مسجد ود نوباوي. فالنظام الذى لم يتورع عن قمع الشيوخ و النساء الذين خرجوا فى موكب سلمى، سيكون أكثر شراسة حينما يواجه جحافل شعبنا الزاحفة لدك حصون أركان دولته الفاسدة و المستبدة.
هذا هو نموذج القمع الذى يجب التوقف عنده. مليشيات شرسة، متقنة التدريب، تدافع عن دولة الفساد و الإستبداد، و ليس عن دولة الشريعة، كما يدعى قادتها، الذين جبلوا على الكذب و النفاق، وهي صفات تؤهلهم لقمع الشعب السوداني، و إذلاله، و إهانته، و الحط من كرامته و آدميته، دون وازع ديني أو أخلاقي. و ليس حديثهم عن إقامة الدين ودولة الشريعة سواء هرطقة و هراء أريد بها تغييب وعى البسطاء من بنات و أبناء شعبنا ، حتى يتسنى سوقهم بكل بساطة فى مواكبهم "المليونية" الزائفة لإظهار قوة النظام الزائلة. لذلك لابد من إعمال الفكر، ودراسة جميع التجارب التاريخية التى نجحت فى الإطاحة بأنظمة القمع و الفساد، بما فى ذلك التجربة السودانية نفسها، و إستخلاص العبر و الدروس المناسبة منها، و التى ستعين قوى المعارضة على إستنباط أساليب العمل الكفيلة بالإطاحة بدولة الفساد و الإستبداد.
هنالك عامل آخر يجب أخذه بعين الإعتبار عند الإتفاق على إستراتيجية الإطاحة بهذا النظام، و الذى لا يقل أهمية عن العامل الذى تمت الإشارة إليه، وهو عنصر الدعم الخارجى، المادى و المعنوى، الذى سيتلقاه نظام التوجه الحضارى من الدول الغربية عموما، و بالأخص من الولايات المتحدة الأمريكية، بعد إنفصال جنوب السودان. ستقدم هذه الدول دعمها لنظام الخرطوم ليس حبا فيه، ولكن لتضمن الإستقرار الضرورى لفترة زمنية كافية تجعل من الدولة الوليدة فى جنوب البلاد قابلة للإستمرار على المدى البعيد. لقد كان لنظام الخرطوم الفضل، بل القدح المعلى، فى نجاح الإستراتيجية الأمريكية لتقسيم السودان الى عدة دول. ومن كان سينجح فى ذلك غير دولة الفساد و الإستبداد التى غيبت صوت الشعب السودانى تماما، لتقرر هي مصيره من وراء ظهره، ودون إستشارته أو مشورته، حتى من دون أن يرجف لها جفن. عندئذ لابد للدول الغربية من رد الجميل لدولة الفساد و الإستبداد فى شكل رفع إسم النظام من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، و إنهاء المقاطعة الإقتصادية للنظام، ضخ الإستثمارات الأمريكية للسودان، و ربما إعادة ملف المحكمة الجنائية الى مجلس الأمن مرة أخر لتصبح قضية رأس النظام مع الدول الغربية قضية سياسية يسهل التوصل الى حل لها، و ليست قضية جنائية يتوجب الفصل فيها بواسطة المحكمة الجنائية الدولة، كما هى الآن.
إن أصدق دليل على صحة ما نقول هي زيارة السيناتور كيري الى السودان، و التى ستتبعها زيارة للسيدة هلرى كلنتون، و ذلك قبل أيام قليلة من إجراء الإستفتاء، و إشادته بالنهج الذى إتخذه البشير عند زيارته الأخيرة لمدينة جوبا، و الإلتزامات التى قطعها البشير على نفسه و حكومته بإحترام نتيجة الإستفتاء، دون ذكر لكلمتي شفافة أو نزيهة، التى ظل قادة المؤتمر الوطنى يؤكدون عليهما كلما أتت ألسنتهم على كلمة الإستفتاء، وذلك للتأكيد للأمريكان بأنهم سيردون لهم الجميل كذلك، حينما أكد الأمريكان إعترافهم بنتائج الإنتخابات الأخيرة فى السودان، على الرغم من علمهم التام بتزويرها على نطاق واسع، وذلك بهدف بلوغ هدفهم الأخير، وهو فصل جنوب السودان عن شماله، وقيام دولة مستقلة فى ذلك الجزء العزيز من الوطن. وهو هدف يتطابق، على كل حال، مع الإستراتيجية المعتمدة للحركة الإسلامية بفصل جنوب الوطن بهدف إقامة دولة "الشريعة" فى الجزء المتبقى من شماله. إذن لقد إلتقت مصالح أمريكا مع مصالح دولة الفساد و الإستبداد الحاكمة فى السودان، متمثلة فى فصل جنوب السودان، و إقامة دولة مستقلة تكون حليفا إستراتيجا لأمريكا فى ذلك الجزء من الوطن، و إقامة دولة دينية فيما تبقى من الوطن تستغل شعار الشريعة لإرهاب الشعب، و إذلال مفكريه، و التنكيل بقادة معارضته. بذلك تعتقد أمريكا أنها ستضمن إستمرار حكم دولة الفساد و الإستبداد فى الشمال، الشرط الضرورى و اللازم لقيام دولة قابلة للحياة و الإستمرار فى الجنوب.
لكن ما نود قوله للإدارة الأمريكية وقادة دولة الفساد و الإستبداد معا، أن حلفكم الإستراتيجي المقدس الذى تحبكون خيوطه فى الظلام، وداخل الغرف المظلمة، ودون مشورة الشعب السودانى، بل ومن خلف ظهره، مع هذا النظام الدكتاتورى المتهالك، لن يصمد أمام إرادة شعبنا الغلابة، وسيكون مصيره كالعهن المنفوش، يوم تخرج جماهير شعبنا الأبي زاحفة لمواجهة نظام الفساد و الإستبداد، فى معركتها الأخيرة لدك أركان حصونه. حينها لن تستطيع أسلحتكم الفتاكة و المحرمة التى غالبا ما توفروها للأنظمة الدكتاتورية لقمع شعوبها، من هزيمة إرادة شعبنا الغلابة، بإذنه تعالى. ولكم فى تجربة شاه إيران، و من شابهه من "حلفاءكم الإستراتيجيين" عبرة، إن كنتم تعتبرون من تجاربكم المريرة فى مواجهة الشعوب.
8/1/2011
Ibrahim Kursany [sheeba82@hotmail.com]