دروس وعبر من وحى اتفاق السلام الشامل!؟
بحمد الله وتوفيقه عبر اتفاق السلام الشامل كل مراحله التى شملتها البروتوكولات الخاصة بهذا الاتفاق بما فيها استفتاء تقرير مصير الجنوب الذى انتهى من يومين ، وقد كانت المؤشرات تشير الى أن بعض الأطراف الداخلية والخارجية لم تكن تريد لقطار السلام أن يبلغ محطته الأخيرة دون انتكاسة وتعويق كما كان الحال فى السابق ، ولم يخلو الطريق من كدر ظل يضرم نيرانه ثلاثى اليتم من أبناء قرنق ( باقان – عرمان – ألور ) كما شهدنا فى أحداث أبيى الأخيرة وشارات ترويج العنف التى انتهجتها الشعبية وحلفائها والتى رمت لالهاب الأجواء واحداث بلبلة فى هذا التوقيت تمكنها من النيل من شريكها حتى وان كانت الانقاذ قد أوفت بما وعدت وأنتهى المآل الى الانفصال الذى لا محالة واقع ، والجنوب قد تهيأ لدولة ولكن لا ندرى ما أن كانت ستصمد أم تفشل تنهار !. ولعل بعض الأطراف التى لا تبتغى السلامة والأمن والاستقرار لبلادنا قدرت أن محطة الاستفتاء ستكون قاصمة الظهر للانقاذ ، وتنادت روايات الاحزاب للاطاحة بالنظام كل على طريقته ، وتمنى بعضهم أن تحضر الحالة التونسية فى الخرطوم ، ولكن الأيام تكذب فأل أعداء الوطن بأن السلام الذى حققته الانقاذ عزيز وعصى على الهدم ، وقد كان يرمى الى أن يضع الوطن عن كاهله الأزمات والحروب ويودعها الى غير رجعة حتى نلتفت الى الاعمار والتنمية ، لكن بعض الأحلام ما تزال تعلق على قضايا ما بعد الانفصال لتجعل منها نيفاشا أخرى تحتذى فى دارفور ولكن هيهات !؟. سار مركب السلام فى أجواء متقلبة وسط تلاطم لأمواج السياسة وحملات الارباك والتشويش السياسى من داخل مؤسسة الحركة الشعبية شريك السلام بوتيرة واحدة تعلو وتنخفض كلما توقفت عربتهم عند معضلة أو اشكالية داخلية أو توازن لجهة المكونات التى تقوم عليها الحركة ولعبة المصالح والارادات ، وسداد فواتير الخارج عبر الاتفاق ، ولكن ربان الانقاذ بحكمته كان يقفز على المتاريس والرياح العاتية التى تدفع بها الجهات الخارجية التى تقف وراء الشعبية وركام أحزاب جوبا !. انتهى الاتفاق والاستفتاء ولا أحد فى الشمال بات ينزعج للنتيجة التى سيفضى اليها بعد الحملات الكثيفة والدلالات التى تكشفت فبات الانفصال هو الملاذ الآمن وصدقت نبوءة الانتباهة وطاقمها الذى وازن الحملة المضللة التى ظلت ترسل بها الشعبية وهى تضمر الانفصال وتعيش على بذرته التى لم تبارح نواتها منذ نشأتها !. وأعلنت قبلا قيادة الدولة قبولها بالنتائج ووطنت الحكومة لنفسها ومؤسساتها على تبعات قادمة فأتخذت من التدابير الوقائية والاحترازات ما يكفى بعد ان مضت عملية الاستفتاء بهذه السلاسة خالف تصورهم ، وليس من أهل الشمال من ينتظر أن يطعن فى نزاهة العملية أو احصاء حالات التزوير والتدليس فيها لأنها لم تعد تهم أو يأبه لها الناس ، حتى ينكشف القناع ويعرف كل منا حدوده ومسئوليته وليهنأ كل بما لديه ، وحال قادة الشعبية كما الذى يلوح بتقديم استقالته لرب العمل ولسان حاله يقول أخشى من أن يقبلها !.وصلنا الى محصلة الاستفتاء وتجييره لصالح الانفصال وننتظر من دولة الجنوب أن تدير شأنها على هدى ما تريده لشعبها ، ولكن مخلفات التركة التى تركتها الشعبية بالشمال تحتاج منا لحكمة و تدابير وخطط وبرامج على المدى القصير والمتوسط والطويل حتى نحول سالب الاتفاق الى رصيد موجب وبيننا من القضايا العالقة ما يحتاج لسنوات طوال حتى نصل الى اتفاق وتسوية بشأنه ترى كيف ستكون الروابط ومتبقيات الشراكة مع طرف ليس له غير نقض المواثيق والابتزاز والتبجح واكثار البكاء والتعويل على الخارج !.
اتفاق السلام الشامل لاشك أنه حقق مكاسب كبيرة لجهة حقن الدماء وأسدل حقبة كالحة من المعاناة والأزمات وراءه ، وأوقف حمام الدم الذى أغرق كامل الوطن ، بل أوقف الخراب والدمار والاستنزاف للموارد والطاقات ، لكنه بالمقابل وباستثناء انفصال الجنوب كنتيجة موجبة للاتفاق تمليها الضرورات والتبايات المائلة فى كل شى، فقد حمل معه أيضا مشاهد كريهة وخلف تجارب مريرة وشخوص وبال ومفردات قميئة ومشاهد أضرت بسمعة البلاد من واقع الحرائق التى انتظمت أطرافها فى الشرق والغرب كامتداد لتمرد الجنوب ومشروعه الهالك ( السودان الجديد ) تريد أن توسع المخطط الى تفكيك كامل لكل السودان عبر ما اقامه من قطاع للشمال وتحالف جوبا الذى يأتمر الآن ويتآمر لاسقاط الحكومة !. هنالك من النذر والكوارث التى جلبها اتفاق نيفاشا لابد من أن نقف عندها ونتلمس خطانا من بين الركام الذى خلفه وبعض حطامه ما يزال يكمن فى الملفات التى سيتم التداول بشأنها خلال الستة أشهر القادمة نحتاج فيه لابعاد العواطف وتعظيم الحقوق !. البلاد فى حاجة لمراجعة شاملة لاستقصاء وتتبع المهالك التى أوردنا اليها هذا الاتفاق على ما جلبه من محمدة الانفصال التى لولاها لأنقلبت الموازين وأختلط الفهم السياسى ومجموعة أبناء قرنق يريدون سيطرة كاملة على الدولة بكل حدودها وحكم منقرد للجنوب وتحالفات يقيمونها هم مع من ينتقون وتغييب للشريعة وطمس معالمها حتى يرضى عنا من ساقوهم الى مفردة (الوحدة الجاذبة) تلكم الجملة الرنانة التى لم يشأ أحد أن يوقفنا على تعريفها وكنهها وكيفية الوصول اليها واى آليات ووحدة قياس يمكن أن تفضى لها !, بنود كثيرة حشرت حشرا ومفردات وضعت بعناية فائقة لها مفهموها الخاص وفق قانونهم هم وفهمهم لما ينبغى أن يكون عليه الحال ، والا لم تكن الدولة وفية بالتزاماتها وانها لم تعمل لأجل جعل الوحدة جاذبة !. فعلنا ما فعلناه وقمنا بما أملاه علينا الاتفاق وألتزمنا نصوصه ولكن أرباب الحركة الشعبية كانوا يسعون للانفصال ويسوقون الآخرين سوقا ، وحملات الكدر والهاب المشاعر وبث الكراهية والأحقاد كانت هى الوقود الذى ينبغى أن تحشى به افئدة وعقول أبناء الجنوب ، وسلفاكير يطلب اليهم المسامحة لاخوانهم فى الشمال عن الحروب التى خاضوها معهم ! لكنه لا يقول لهم من بدأ الحرب وكيف ولماذا طالما حققت له دولة فى الجنوب ليكون هو رئيسا عليها ومواطنا من الدرجة الأولى ويرمى التهميش وراء ظهره ويتنكر من بعد لعرمان وعقار والحلو وعبد الواحد !. لم يقل سلفا أنهم وحركتهم هم الذين جندوا أبناء الغرب والشرق وجبال النوبة وفتحوا لهم المعسكرات وقدموا لهم الدعم الماادى والعسكرى ، وعرفوهم على الكنائس ومراكز الاستخبار العالمى وأبواب الصهيونية والماسونية وكل دعاة الفتنة والتآمر الخارجى كى ينغضوا بحريقهم لتدمير البنى التحتية للبلاد واعمال الهدم والدمار والترويع للآمنين والقتل والسحل كانت أبرز معالم للسودان الجديد الذى تقام دولته الآن بالجنوب وأولى واجباتها أن تتدفق البيرة كالأنهار قبل ماء الشرب والصحة والتعليم ، وأن تستشرى الرذيلة لأن الدولة الوليدة لا تؤسس لمجتمع ولا تبتغى الرشد والاخاء والجوار الآمن ، ومن يقفون على خطابها السياسى قد عرفوا أنفسهم وآثروا كشف الظهر عوضا عن حمايته !. هكذا كان سلام الجنوب وهو ينشر الفوضى الخلاقة فى كل مكان ويزايد على الشمال على سماحة أهله وفضلهم عليهم ، والشمال لم يكن فى أجندة زعيم الحركة الشعبية خلال افترة الانتقالية وبعض قادة الشمال يتآمرون ويتواثقون مع الحركة الشعبية وقد عرفوا من قبل اتفاق الميرغنى – قرنق – والمهدى – قرنق ومقررات أسمرا كلها لم تجلب لهم دولة ولم تمنحهم حكما بمثل ما فعلت الانقاذ ، لذلك حق لباقان وعرمان وألور أن يتطاولوا ويتجاسروا عليها ويتمشدقوا ، ليت الشمال يرتاح من هذا العنت والمكابدة والجنوب ظل يستنزفه!.
نحن بحاجة أن ناخذ العبر والدروس من تجربة نيفاشا التى انقضت وبعض ملفاتها العالقة عقب الانفصال ستظل تلاحقنا تريد أن تؤسس لنيفاشا دارفورية والجنائية الدولية احدى حلقاتها ، بعد أن جرى اعاقة المفاوضات فى الدوحة وأمريكا تعمل على اختطاف الملف وتمزيقه أو تفخيخه بمثل ما كان فى (خيار الوحدة الجاذبة) على شاكلة ( الاقليم الواحد لدارفور)، ولنا فى د. غازى ود, أمين ثقة نراهن عليها وعشم يقدر الأمور بقدرها ويدرك ما تحمله الحقيبة الأمريكية عبر مبعوثيها ومن يحومون من الخارج أمثال كيرى ، علينا أن ننتبه ونحتاط كى لا نلعق من هذا الكأس المسموم مرة أخرى ، وما فاتنا فى حوار الجنوب وأرقنا ففى استراتيجية دارفور الجديدة التى تقلب حوار الداخل فسحة لأن نؤسس لسودان جديد يلتقى أبناؤه فى رحاب الدين والثقافة الواحدة ، وبداخل سعة ديننا فسحة كبرى لأهل الملل والنحل الأخرى لا يجدونها فى أى فلسفة أو مدرسة علمانية على نحو ما يتطلع له أبوعيسى والمهدى وعرمان !. لدينا تجربة وطنية واقليمية رائدة شابتها بعض الهنات والسواقط ، وبها ما يمكن أن نفاخر به ، ولكن العبرة بالخواتيم فى أن نحسن تحصين السياج حتى لا يتسع الفتق على الراتق عبر أبيى ودعاة الجنسية المزدوجة أو الحديث العاطفى عن المواطنة فى غير مكانه ، أو من ينادون باسقاط الديون عن الجنوب كى يخنق الشمال ويحاصر اقتصاديا من وحى الأزمات التى تصنع والضوائق حتى يستثار المواطن وينتفض وأحزاب جوبا ظلت تعول على الشعبى فى تحريك الشارع وافتعال المواجهة !. قدمنا كل شى ولم نحصل على شى فيما وعدنا به دوليا لجهة الدعم المالى عبر وسلو ومؤتمر المانحين أو تلك الوعود الأمريكية التى تتحرى الكذب فى رفع العقوبات وفك الحصار ، أو ما يلى أوربا فى الديون والعقوبات الاقتصادية ومحور الجنائية من باريس ولندن وواشنطون !. علينا أن لا ننتظر حوافزهم وأن لا نؤسس لما نتراضى عليه من اتفاقات لأجل حماية الوطن بأى رغبة أو وعد خارجى بعد أن أتخمنا من وعودهم والكل يعترف على المستوى الثنائى أن الانقاذ قد التزمت مواثيقها لكن لا الغرب ولا أمريكا ترغب فى الانقاذ ولا قائدها ، لذلك سيظل الحصار والتضييق عصا على ظهورنا ينبغى أن لا نأبه بها ،!. علينا أن نلتفت للهم الداخلى والحياتى لأن المواطن ينتظر من دولة الشمال عقب الانفصال أن يرى تعاطف حكامها وقادتها يميلون لصفه والشعب قد والاها فى أيام العسر والمسغبة وكافح جهادا لأجلها ، يلزم أن تجتهد الدولة فى بعض راحته حتى ولو كان ذلك على حساب برامج ومشاريع أخرى ترحل !. علينا أن لا نحبطه ونفاقم من آلامه ومعاناته وبيدنا أن نزيح عن كاهله ما أعلن من زيادات على بعض السلع وأن نحكم الرقابة على الواردات وانفلات العملات الحرة حتى تعود عربة الاقتصاد الى السيرة التى حمدت لها فى السابق !. الانقاذ الان تتخفف من أعباء نيفاشا والأجهزة الموازية الكثيرة التى أنشئت لتطبيق الاتفاق يلزمنا أن نعيد هيكلة الدولة على المستوى الاتحادى والولائى ، ونعمل على استيعاب نسبة مقدرة من البطالة فى الشواغر التى وفرها الانفصال لنجير هذا الرصيد الشبابى فى خدمة البناء الوطنى الجديد ورتق ما افسدته مظاهر السلام السالبة !. نعم للحوار الوطنى وتوسعة مظلة الحكم لكل أبناء الوطن ، ولكن على الدولة أن لا تنتظر باعة الوهم السياسى أن ينخرطوا فى صفها أو ينحاذوا لبرامجها ، فان حدث ذلك فهو أشبه بالترتيق والتوليف الذى لا يتوائم لاختلاف المدارس والمنطلقات والساحة قد تهيأت لأن نعيد المسار الى طريقه الصحيح الذى ربحت به الانقاذ وبقيت به حتى يوم الناس هذا !. نحن بحاجة لتقديم النموذج وقيادة القدوة وهذا يلزمه معايير الكفاءة والكسب ومحاربة الفساد فى كل مظاهره ، وابعاد الموازنات القبلية والجهوية ان أردنا سودانا معافى ومسيرة وطنية تعلى من روح الوطن داخل كل وجداننا الجمعى دون تمييز أو محاباة !. هنالك ثغوب كثيرة تحتاج للاصلاح والتداوى من آفات السلام علينا أن نعمل لها الفكر عبر مراكز دراساتنا المنتشرة ، فالانقاذ لها سبق فى ذلك وقد بدأت عند تفجرها باقامة مؤتمرات الحوار الوطنى لكل القضايا وأقامت الاستراتيجيات والخطط والبرامج لكل القطاعات التى أعاقها هذا التطويق والخنق المستمر ، ولكن الذين يحاكمونها الآن لا يحمدون لها ذلك وينسوا أنها دولة بدأت بالعلم والفكر وأقامت لأجله المؤسسات التى ينتظرها دور أكبر فى المرحلة المقبلة !. نحن بحاجة لمعارضة تعرف مفهموم المعارضة وواجاباتها تجاه الوطن وانسانه ومتطلبات الوفاء له والعمل على راحته، لكننا بحاجة لدستور رائد يستوعب التجربة التى خضناها ومستقبل أمتنا وفق خطوط حمراء ترسم لا يمكن تجاوزها من أى طرف ، ومن يقفون على الخط الموازى ليس لهم ما يحملونه لمواطنهم او وطنهم ، وبرنامجهم الأوحد اسقاط الدولة وليتفكك السودان لا يهم ما يحدث من بعد ، لذا تبقى الحاجة الى أجهزة أمنية وشرطية وقوات مسلحة قوية وقادرة على التكيف والتطوير ضرورة قومية ان أردنا ان يستدام السلام فى ظل واقع جديد لدولتنا وحدود جديدة تستوجب استراتيجية أمنية قومية شاملة تستصحب هذا التطور !. الدروس والعبر المستفادة من مران نيفاشا وتبعاته أكبر من أن يحيط بها مقال أو كتاب لكنها محاولة نبتغى من ورائها أن يصار الى آلية وطنية يلتئم فيها من صنعوا الاتفاق وانجزوه وما يخالفونهم الرأى حتى نخلص لقيم ومبادىء نستهدى بها فى مسيرتنا الوطنية القادمة على هدى ما حصدناه من مكاسب ومسالب من وراء هذا الاتفاق !!!... والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل ...
adam abakar [adamo56@hotmail.com]