مُسلمون بلا دجل علمانيون بلا وجل … بقلم: مهدي إسماعيل مهدي/ بريتوريا

 


 

 


mahdica2001@yahoo.com
العلمانية (Secularism) تعني إصطلاحاً فصل الدين والمعتقدات الدينية عن السياسة والحياة العامة، وعدم إجبار الناس على إعتناق أو تبني مُعتقد أو دين أو تقليد مُعين، فالعَلمانية-بفتح العين- مُشتقة من الكلمة علم، ويُقصد بها النظام العلماني؛ أي النظام السياسي الذي يتميز بإقصاء النفوذ الديني (الكهنوتي) عن الدولة"- "سواءً كان ذلك الدين إسلاماً أو مسيحية أو يهودية أو غيرها".
وبالرغم من وجود أكثر من تعريف للعلمانية، إلا أن التعريف الشائع والمُتفق عليه؛ أن المقصود بها "إستخدام أساليب المنهج العلمي البحثي التجريبي القائم على العقل العلمي في إدارة جميع شئون الحياة بعيداً عن أي مُعتقدات دينية لاهوتية بأي شكل من الأشكال، حيث أن المعتقدات الدينية بطبيعتها تُقسم البشر لأصناف ودرجات، بين أتباع مؤمنين ومُخالفين غير مؤمنين؛ ""فالعلمانية لا تنهى عن إتباع دين مُعين أو ملة مُعينة، بل تُنادي فقط بفصل الدين عن السياسة والدولة، وبأن تكون الأديان هي مُعتنق شخصي بين العبد وربه" – (الموسوعة الحُرة؛ ويكيبيديا). "فأين الإلحاد في هذا؟؟؟".
لقد أفلحت جماعة الإسلام السياسي في السودان "بمُثابرة ملحاحة وخبث ممجوج" في ترسيخ إنطباع خاطئ في أذهان العامة وبعض أنصاف المُتعلمين وأشباه المُثقفين، بأن العلمانية صنو للإلحاد ومعاداةُ للدين، ووجدت هذه الفرية في ثقافة المُشافهة والتفكير الجمعي بيئة صالحةً  لنشر الأكاذيب والتُرهات التي تخدم أغراض ذوي الأجندة السياسية/الدنيوية الرامية إلى تنفير بُسطاء الناس من مُخالفيهم السياسيين والفكريين الذين يحملون مشاعل الحداثة والتنوير والدعوة إلى إعلاء شأن العلم والعقل، ولقد مارس المُتأسلمون أقصى درجات الإرهاب والإبتزاز الفكري لحمل حكومات ما بعد إستقلال السودان-على مُختلف أشكالها العسكرية والمدنية- على التضييق على القوى التقدمية، وتتمثل ذروة نجاح هذا التيار المُدلِس بإسم الدين، في إستغلال المشاعر الدينية الجياشة والفلاح في حل الحزب الشيوعي السوداني في ستينيات القرن الماضي، وربط كلمة العلمانية بالإلحاد دون وجه حق.
من المؤسف أن قوى اليسار ودُعاة فصل الدين عن الدولة، خضعوا لهذا الإرهاب والإبتزاز ولم يقارعوا باطل المُتأسلمين الهش (الذين إختصروا الدين والتدين في مظاهر شكلية كتطويل اللحية وحف الشارب وتقصير الجُلباب، وجلد النساء والتسري بهن بإسم زواج المسيار وغيره من صور التحايل والمُخاتلة) واستكانت قوى الحداثة لتهريج الرجرجة وإرهابها الفكري، ولم تفلح في فضح خطل الخلط المُتعمد بين العلمانية والإلحاد، ولكن ولأن "العلمانية ضرورة حضارية" كما قال المُفكر المصري الراحل/ د. فؤاد زكريا، ولأنه لا يصح إلا الصحيح، فقد نجح العلمانيون (السودانيون الجُدد) نجاحاً مشهوداً في إحداث تغيير كبير في نمط تفكير العديد من القوى والأحزاب التقليدية التي أصبحت تجهر بالدعوة إلى الدولة المدنية والسودان الجديد (كما ورد في مُقررات مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية، ووثائق كافة أحزابنا السياسية) والتي لا تعني في واقع الأمر سوى فصل الدين عن الدولة واعتمادها كبديل للدولة الدينية التي أثبتت خلال الأربعة عقود الأخيرة (أي منذ صدور قوانين سبتمبر 1983 وحتى الآن) عجزها الفاضح عن الحفاظ على وحدة البلاد وإدارة شئون الحكم في دولة السودان المُركبة والمتعددة الأعراق والثقافات واللغات والأديان (حسبما تنص المادة الأولى من الدستور الإنتقالي الحالي) والذي يحكُم بموجبه نظام الإنقاذ منذ توقيع إتفاقية السلام الشامل بقيادة رئيسه الذي يصف لُب وجوهر إتفاقية السلام الشامل (التي تعلو على الدستور)، بالدغمسة!!!. فتأمل يارعاك الله، أي مُصيبة وأي ورطة وأي محنة وتناقض يعيش فيه سودان الجن الإنقاذي.
     لسنا بصدد الدخول في جدال فلسفي حول منشأ وأصل وفصل العلمانية وهل هو مُشتق من العلم (Science) أم عالَم/دُنيا/دهر (Laicism)، إذ من الثابت تاريخياً أن الصراع بين سدنة الكنيسة الكهنوتية المُهيمنة وحُكام العصور الوسطى من جانب، وبين دُعاة التنوير وسيادة العلم والعقل في عصر النهضة الأوروبية من جانب آخر، أدى إلى رواج فكرة فصل الدين عن الدولة والتي ترسخت تماماً بمجئ الثورة الفرنسية وما حوته من مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومع ذلك لم يمنع فصل الدين عن الدولة المسيحيين من التمسُك بمسيحيتهم (وتديُنهم) ولا يستطيع أحد أن يُجادل بأن جورج بوش أو القس دانفورث (عراب بروتوكول أبيي) أو حتى بابا الفاتيكان، مثلاً مُلحد أو غير مُتدين!!!، وحتى في الدول الإسلامية التي تتفوق علينا في عدد المُسلمين (إندونيسيا، نيجيريا، تُركيا، مصر، ماليزيا،، إلخ) يقوم نظام الحُكم فيها على الفصل بين الدين والدولة!! ولم يقُل أحد لمُسلميها إنكم مُلحدون.
أما في تاريخنا العربي/الإسلامي التليد (الذي يتمحك به جماعة الدغمسة واللغوسة والجغمسة) فهنالك من يقول بأن أبو العلمانية هو أبو الوليد محمد بن أحمد بن رُشد أو بإختصار "إبن رُشد"، كما صدح المُفكر الإسلامي "الشيخ الأزهري"/ علي عبد الرازق، في بداية القرن المنصرم واًصدر كتابه الموسوم (الإسلام وأصول الحُكم) والذي أثبت فيه أن الإسلام لم يُقر ولم يُحدد نظاماً واحداً للحُكم، مستشهداً بقول الرسول الكريم "أنتم أدرى بشئون دُنياكم"، وبأن الخُلفاء الأربعة تم إختيار كُل واحد منهم بطريقة مُختلفة. وفي تاريخنا السياسي السوداني المُعاصر نجد أن الإمام عبد الرحمن المهدي، مؤسس حزب الأُمة، أطلق صيحته الشهيرة "الدين لله والوطن للجميع" والتي في جوهرها دعوة لفصل شئون الحُكم والدُنيا عن الدين، كما كان غرماؤه الإتحاديين يفتتحون ندواتهم السياسية وحملاتهم الإنتخابية بالهتاف الشهير "لا قداسة مع السياسة" و "الكهنوت مصيره الموت"، وأرتكز الحزب الوطني الإتحادي - الذي كان يُمثل تيار الوسط المُستنير - على مبادئ فصل الدين عن السياسة، وحاز على الأغلبية المُطلقة (1954) لأول وآخر مرة في تاريخ أحزابنا السياسية الديمقراطية، إستناداً على هذا الفهم المُتقدم.  
لماذا نذهب بعيداً؛ ألا يقول الدستور الذي يستمد نظام الإنقاذ شرعيته منه، بقيادة/عُمر البشير "إن المواطنة، وليس الدين، أساس الحقوق والواجبات؟!، ويُجوِز ويُبيح ذات الدستور إنتخاب رئيس غير مُسلم ليحكُم المُسلمين، ولربما لهذا السبب وصفه البشير بالدغمسة، مع أنه لم يستنكف أو يرفض الحُكم بموجبه، فالمسألة ليست قضية شريعة أو لاشريعة، وإنما إستغلال كُل أمر يُطيل من أمد الكنكشة في الكُرسي الوثير والسُلطة اللذيذة ويبعد شبح سوط عذاب المجتمع الدولي.
     هذا عن الخلفية الإصطلاحية والتاريخية للعلمانية وتجلياتها وتجسيدها في الواقع العملي، علماً بأن جُل الدول الإسلامية لا تقر فقط بمبدأ فصل الدين عن الدولة، وإنما تُمارس ذلك فعلياً في إدارة شئون الحُكم وتنظيم معاش الناس، كما أسلفنا وعلى رأسها مصر التي يوجد بها الأزهر الشريف وتُركيا "موئل آخر خلافة إسلامية، وحامية بيضة الدين" والتي ينُص دستورها منذ حوالي قرن من الزمان على أنها دولة علمانية، وأن المواطنة (لا الدين) أساس الحقوق والواجبات، بل أن جيشها الوطني وبنص الدستور مُلزم بحماية العلمانية والذود عنها، وللمفارقة فإنه وفي ظل هذه الدولة العلمانية يتولى الإسلاميون مقاليد الحُكم ويُديرون شئون العباد والبلاد دون أن يتنطع أحدهم بالقول لرجب طيب أردوغان، أنك مُلحد!!.
أما في الدول التي يُشكل المسلمون فيها أقلية كالهند والفلبين وجمهوريات آسيا الوسطى ودول أوروبا فإن المُسلمين يُقاتلون ويخوضون المعارك الشرسة من أجل العلمانية، فأي تناقُض هذا، أفيدونا يا أولي الألباب؟؟. وما لنا نستشهد بالغُرباء، ألم تكُن كُل الدساتير التي حُكم السودان بموجبها منذ زوال دولة المهدية نهاية القرن التاسع عشر (1898) وحتى عام 1983، دساتيراً علمانية تفصل تماماً بين الدين والدولة، ومع ذلك لم يُشكك أو يطعن أحد في تديُن آبائنا أو أجدادنا، أو زعُم بأنهم مُلحدون، وللحق فقد كانوا علمانيين بلا وجل ومُتدينين بلا دجل. ويشهد الله أنهم كانوا يؤدون فروضهم ويصومون رمضانهم ويصِلون أرحامهم ويكفلون اليتامى ويرعون الأرامل، و "يدعون ما لله لله وما لقيصر لقيصر" (كما نفعل نحن أحفادهم). ألم تؤكد حرب دارفور أن الدين لا علاقة له بالصراع السياسي والتنازع على السُلطة والثروة؟؟، وأنه إذا ما أُسي إستخدامه (كما يحدث الآن في السودان وأفغانستان والصومال ومصر) قد يكون عامل فرقة وشتات، ليس بين أتباع الأديان المختلفة، بل بين المُسلمين أنفسهم وأمامكم ما يحدث بين الشيعة والسُنة في العراق.
إن نظام الحُكم القائم على التمييز الديني (ونقصد تحديداً الدولة الدينية الإسلامية) لا يصلح أن يكون نظاماً لإدارة شئون الحياة في مجتمع متعدد الأعراق والثقافات والهويات، وذلك للأسباب التالية:
أولاً: إن الدولة الدينية تُميز بين المُسلمين (كُنتم خير أُمة أُخرجت للناس) وغيرهم من بقية أفراد الشعب، ويتجسد ذلك في شروط الإمامة والحُكم، ثُم التمييز بين المُسلمين أنفسهم و "أكرمكم عند الله أتقاكم"، وأخيراً التمييز بين الرجُل والمرأة، التي لا يجوز توليها الولاية الكُبرى ولا القضاء، والتي تعدل شهادتها نصف شهادة الرجل ويرث الرجل ضعف ما ترث، بالغاً ما بلغ شأنه أو شأنها.
ثانياً: عدم إمكانية مُحاسبة الحكومة الدينية التي تحكُم بإسم الله ونيابةً عنه، وذلك بسبب الخلط بين التبرير الديني والتقصير الدنيوي، فقد كان المرحوم الزبير محمد صالح يقول عند إشتداد الأزمة الإقتصادية والمعيشية في مطلع التسعينيات أن هذه المصاعب ما هي إلا إبتلاء من الله و "إن الله إذا أحب عبداً إبتلاه" (ومن الحُب ما قتل- وهذه من عندنا)، كما أن الوزير الدائم/ عبد الرحيم محمد حسين، قال عقب غزو حركة العدل والمساواة لمدينة اُم دُرمان وفشل قواته المسلحة في التصدي لها "لقد كانوا تحت مٌراقبتنا منذ  تحركهم ولكن شاءت إرادة الله أن يختفوا عن أنظارنا في اللحظات الأخيرة، وأخيراً برر أحدهم إنفصال الجنوب بالقول "هذه مشيئة الله"، وللمرء أن يتساءل كيف لمُسلم أن  يُعارض حزباً أسمى نفسه "حزب الله".
ثالثاً: إن الدولة الدينية تحكُم عبر الفتاوي والغيبيات وليس عبر المعادلات الإقتصادية والنماذج العلمية؛ والمثال الصارخ على ذلك فتاوى عُلماء الدين (وليس خُبراء الإقتصاد) ، والذين التي لا تستثني فتاواهم حتى دقائق الأمور الدنيوية، مثل "قيادة المرأة للسيارة"؛ وهل نسي الشعب السوداني محاولات تسخير الجن لعلاج المُشكلة الإقتصادية السودانية في بداية عهد الإنقاذ!!!؟؟؟.
رابعاً: تتسم الدولة الدينية الإسلامية بالعُنف ضد غير المُسلمين وذروته الجهاد، ثُم العُنف ضد المُسلمين من ذوي الرؤى المُعارضة وخير مثال لذلك "الفتنة الكُبرى" و "والصراع الدموي الشيعة والسُنة مُنذ أن توسد الرسول الكريم ثرى يثرب الطاهرة"، وأخيراً التكفيريين الذين تنامى نفوذهم وتزايدت أعدادهم في مناخ الهوس الديني في السودان، "فالدولة الدينية في السودان ومنذ نموذجها الأول (المهدية) وحتى آخر تجلياتها (نظام الإنقاذ) اتخذت العُنف وسيلة لبلوغ غاياتها، وذلك عبر الجهادية والجهاد، كما أنها ارتبطت بالإسترقاق خلال عهد الخليفة عبدلله التعايشي، وبالإستعلاء خلال عهد التعايشيين الجُدد في العقدين الأخيرين.
أدرك ساسة السودان مؤخراً، وبعد نزاع لنصف قرن من الزمان ودفع أثمان باهظة تشرُداً ونزوحاً ولجوءاً وسقوط ملايين القتلى في جنوب السودان وجبال النوبة والانقسنا ودارفور، أن قضية الحُكم وإدارة شئون الناس لا علاقة لها من بعيد أو قريب بدين هذا المواطن أو ذاك، وإنما هذه ألاعيب ساسة يستألفون بها مشاعر السُذج والبُسطاء من الناس، وتأكد للجميع برؤيا العين أن من يرفعون هذه الشعارات الدينية هُم أبعد الناس عن التدين وأكثرهم شرهاً لملذات الدُنيا وإنغماساً في الفساد، وقد شهد شاهد منهم عندما قال أحد الإسلاميين الذين بشروا باكراً بدعوة الإسلام السياسي في السودان، الشيخ/ ياسين عُمر الإمام " صرت أخجل من دعوة معارفي للإنضمام للحركة الإسلامية"!. وفي هذه الأيام التي تكثُر فيها محاولات التنصل من تحمل مسئولية  إنفصال جنوب السودان، لا يجد المُتاجرون بالدين إلا الهروب إلا الأمام وتصوير أمر رفض حُكمهم وكأنه رفض للشريعة الإسلامية وإلحاداً برب العالمين (كأنما هُم ظله على الأرض).
إن الشعب السوداني يحصد الآن الثمار المُرة كمرارة الحنظل للمُتاجرة بالدين وتسيير قوافل القتل والكراهية بإسم الجهاد. ولن يستقيم أمر هذا الوطن المتعدد الأعراق والثقافات والأديان، إلا بالجهر وبالصوت العالي (دون غتغتة أو تأتأة أو فأفأة/ ومسكاً للعصا من المنتصف) بأن فصل الدين عن الدولة (أي العلمانية) هو السبيل الوحيد للحفاظ على وحدة البلاد، ولن نمل من ترداد وتكرار القول بأن رجُل أوروبا المريض في الرُبع الأول من القرن الماضي لم يجد ترياقاً لعلته سوى العلمانية، فما أحوج رجل إفريقيا المُحتضر-المؤلفة قلوب شعوبه وأقوامه التي تتحدث أكثر من مائة وثلاثين لُغة وتننتمي إلى أكثر من خمسمائة قبيلة- من التمسك بالعلمانية والعض عليها بالنواجذ. فشعوب وأقوام السودان ليست متنوعة إثنياً وثقافياً ودينياً فقط، وإنما تعيش في عصور حضارية متباينة يعود بعضها للقرون الوسطى، حيث لا يزال بعض السودانيين (بالميلاد وبالأصالة وبالتنوع) في الجنوب وجبال النوبة والأنقسنا، يسيرون عُراة كما ولدتهم أمهاتم. فكيف يجوز أن تُجلد فتاة لمُجرد أنها تلبس بنطالاً، "ولو أن القاضي الذي أصدر حُكم جلد فتاة الفيديو، إسترجع شريط أو صور حفل زواج والدته، أو إستذكر صورة أي عروس في ليلة الجرتق وهي بالرحط (أو الكنفوس) لما اشتط في أحكامه هذا الإشتطاط.  
وأخيراً وليس آخراً؛ ما قولكم في "العلماني" الذي يشهد أن لا إله إلا الله وأن مُحمداً رسول الله ويُصلي فروضه ويصوم رمضانه ويُؤتي الزكاة عندما يكتمل نصابها، ويحج إلى البيت الحرام عند إستيفاء شروط الإستطاعة (ويُنادي المُنادي)؛ وفوق كُل هذا وذاك، يُعامل الناس بخُلق حسن تأسياً بقول المُصطفى "الدين المُعاملة" و "وإنما بُعثت لأُتمم مكارم الأخلاق"، ولا يكذب ولا يغش ولا يزوِر ولا يؤذي أحداً، ويكفل اليتامى ويغيث الملهوف ويُدرج العاطلة، ويوفي بالعهود والمواثيق (ولا يحنث بالقسم المُغلظ والطلاق، ولا يقطع رزقاً، ولا يقتل مُسلماً بغير حق في الأشهر الحُرم أو عيد الأضحى، ولا يغدر برفيق سلاح أو عُمر!!)، أليس هذا العلماني أكرم وأتقى عند الله، وأفيد للشعب والأُمة من صاحب الكير الذي ما فتئ يؤذينا بفعله المُنكر وكلامه الوقح، ولنتذكر أن المُسلم من سلم الناس من يده ولسانه.
ألم يكُن حديث الإمام محمد عبده (جئت من الشرق حيث يوجد المُسلمون ولا يوجد الإسلام، وأتيت إلى الغرب فوجدت الإسلام ولم أجد المُسلمين)، سوى تنبيه إلى ختل إنفصام القول عن الفعل، ودعوة للصدق مع النفس وعدم التدليس بإسم الدين ؟!.  
ومرةً أُخرى فالمطلوب هو فصل الدين عن الدولة، وفصل الدين عن السياسة، وفصل الحزب عن الدولة، والفصل بين السُلطات الثلاث، فالقضية ليست عداءً للدين والشريعة، وإنما عداءً للذين يُتاجرون ويكذبون بإسم الدين، وبالتحديد الشديد فالمسألة هي رفضاً ومُعارضة لحزب المؤتمر الوطني، وشُلة مثلث حمدي الفاسدة. ولتكن شعارات كافة قوى السودان:
"مُتدينون بلا دجل؛ علمانيون بلا وجل".
"الدين لله، والوطن للجميع"
"لاقداسة مع السياسة"
"الكهنوت مصيره الموت"

توضيح: تحاشيت الحديث عن العلاقة (أو بالأحرى عدم العلاقة) بين الشيوعية والإلحاد، والشيوعية والعلمانية، لإعتقادي بأن الشيوعيين أقدر مني على إجلاء هذه المسألة، وقالوا "سمح القول في خشم سيده"، و "لا يُفتى ومالك في المدينة".
 

 

آراء