نائب الرئيس والاقليم… الحكومة ترفض، والحركات ترحب … تقرير: خالد البلولة ازيرق
دارفور ومقترحات الوساطه
منذ ان حزم الوفد الحكومي حقائبه عائدا للخرطوم بعد انتهاء التفاوض المباشر مع الحركات المسلحة في منبر الدوحة مطلع الشهر الجاري، يبدو ان التفاوض حول الملفات المختلف حولها بدأ تعتمد علي ما تقدمه الوساطه من مقترحات توفيقية للطرفين للموافقة عليها، ورغم ما رشح من الوساطة بقرب التوافق بين الحكومة والحركة التحرير والعدالة علي مسودة الاتفاق التي طرحتها للطرفين، إلا ان خيوط التقارب تبدو مازالت بعيدة وتقف دون كثير من ذات العوائق التي انهت التفاوض المباشر بين الحكومة والحركات المسلحة الممتد لقرابة العامين دون التوصل لاتفاق بينهي معاناة تسع سنين من الاقتتال وعدم الاستقرار بدارفور.
وكانت الوساطة المشتركة اقترحت في المسودة التوفيقة التي طرحتها علي الحكومة وحركة التحرير والعدالة حول القضايا العالقة بين الطرفين، اقترحت تمثيل دارفور في مؤسسة الرئاسة بنائب رئيس، وانشاء سلطة اقليمية لدارفور تنهض بمسؤولية التعاون والتنسيق بين ولايات دارفور الثلاث، على ان يحدد الوضع الاداري للاقليم عبر استفتاء يقوم على خيارين هما: إنشاء إقليم دارفور الذي يتكون من ولايات دارفور او الإبقاء على الوضع الراهن لنظام الولايات، وفي كلا الحالين، يتم احترام طابع الاقليم الذي تحدده التقاليد الثقافية والتاريخية. واعلن وزير الدولة للشؤون الخارجية القطري احمد بن عبدالله ال محمود قبل ايام ان الوساطة احرزت خطوات متقدمة فيما يتعلق بالتوصل لوثيقة سلام دارفور وتوقع ان يتم التوقيع علي الوثيقة من قبل كافة الحركات والحكومة قريبا، وكشف وزير الدولة للشؤون الخارجية عن قبول مختلف الاطراف لحل الوساطة وتايد الحكومة لان تكون هناك سلطة اقليمية لاقليم دارفور واسعة لتلبية متطلبات الجميع واضاف ان الحكومة وافقت علي ان يكون نائب الرئيس من الاقليم.
ولكن لم تمضي ثلاثة ايام علي تصريحات آل محمود التي زينت بها الصحافة السودانية صفحاتها، بل ذهب بعضها في تحليلتها الي تفصيل المنصب علي من يستحقه من أهل دارفور، وابدت بعضها تخمينات حول المنصب هل سيخصص للحركات أم سيكون لغيرها، حتي جاء الرد سريعا من مسئول ملف دارفور مستشار رئيس الجمهورية الدكتور غازي صلاح الدين عتباني، الذي اعلن من خلال رفض الحكومة لاستحداث اوضاع استثنائية لاية ولاية أوجهة أو جماعة، مؤكدا سعي الحكومة لجبر الضرر الذي حدث في دارفور من خلال التعويض والتنمية والعدالة والمصالحات دون أتباع ترتيبات دستورية تفضي الى التمييز بين السودانيين، وأكد أن ما تناولته وسائل الاعلام بأن الحكومة وافقت في اطار مباحثات الدوحة على تخصيص منصب نائب رئيس الجمهورية بدارفور وانشاء اقليم دارفور بصلاحيات خاصة غير صحيح، موضحاً انه لا يوجد في الدستور الحالي نص يحرم مواطناً من دارفور ان يصبح رئيساً اذا استحق التكليف عبر انتخابات عامة، مبيناً ان الدستور يكفل تحقيق العدالة بين جميع السودانيين، واشار الى ان موقف الحكومة هو تقوية نظام الحكم الفيدرالي القائم وتعميمه على جميع انحاء البلاد دون اختصاص لجهة على حساب الاخرين. وقال الدكتور حسن الساعوري استاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية لـ"الصحافة" ان مسألة اعطاء دارفور منصب نائب رئيس بهذه الطريقه يمكن ان تخلق مشاكل مع الاقاليم الاخري التي يمكن ان تطالب بذات المنصب اسوة بدارفور، واضاف "في تقديري مطالبة ناس دارفور بنائب رئيس يبدو مطلب متواضع لأن اهل دارفور لو توحدوا يمكن ان يظفروا بمنصب الرئيس في الانتخابات لأنهم الاكثر عددا من بقية الولايات، مشيرا الي ان هذه القضية لاتحل الا بتحديث الاحزاب ومفاهيمها التي يمكن ان تراعي مثل هذه التوازنات في ترشيحاتها المستقبلية للانتخابات" واشار الساعوري الي ان مطلب الاقليم الواحد لدارفور ليس من مصلحة دارفور لاسباب كثيرة اذا نظرنا له من باب "نظرة المصالح" لأنه في تقسيم السلطة كلما تعددت الولايات يكون توزيع السلطة علي القبائل كبير وكلما قلت الولايات قل توزيع السلطة، كما ان توزيع الثروة في حالة الاقليم لايوجد ضمان توزيعها بعدالة علي الولايات، كما ستضرر الولايات في حالة الاقليم من تجارة الحدود مع تشاد وافريقيا الوسطي والكنغو، وكذلك ستخلق بعض الاشكاليات الامنية في حالة الاقليم الواحد فيما يتعلق باختصاصات التأمين، مشيرا الي ان الولايات لديها فرص في جلب ايرادات من المركز حسب الانتماءات السياسية أكثر من حالة وضع الاقليم الواحد".
وفيما يصف محللون مواقف الحكومة من مسالة الاقليم الواحد بدارفور ومنحها منصب نائب رئيس بأنه مراوغة اكثر منه رفضاً مطلقاً لتلك المطالب، ويشيرون الي ان الحكومة قد لا تمانع في منح دارفور الاقليم ولكنها تشترط ان يتم ذلك الاختيار عبر الاستفتاء الذي اقرته اتفاقية ابوجا الموقعة في العام 2006م، فيما تبدي تحفظها فيما يتعلق بمنح دارفور منصب نائب رئيس ليس اعتراضاً علي المنصب وانما علي من يشغله، حيث ان الحكومة تري بأن حركات دارفور لاتمثل الاغلبية في دارفور حتى تعطي المنصب كما أنها منقسمة لأكثر من حركة وبالتالي اعطاء المنصب لأي منها قد يخلق كثير من المشاكل قد لا تسهم بشكل كبير في تحقيق السلام والاستقرار. وكان الناطق الرسمي باسم الوفد الحكومي لمفاوضات الدوحة دكتور عمر ادم رحمة، استبعد في تصريحات صحافية أن تعطي الحكومة منصب نائب رئيس الجمهورية إلى أهل دارفور من خارج الحزب الحاكم، وقال إن الرئيس ونائبه حزمة لا تتجزأ، بإعطاء منصب نائب الرئيس إلى شخص خارج المؤتمر الوطني، وأوضح أن وجود الفريق أول سلفا كير ميارديت في المنصب اقتضته ضرورة نيفاشا، ووصف الأمر بالإستثنائي في الوضع الحالي، وأشار إلى ضرورة أن يكون توجه الرئيس ونائبه واحداً، وقال "متمسكون بأن يكون نائب الرئيس من الحزب ذاته، هذا هو المنطق". ولكن الدكتور ادم محمد احمد، عميد كلية الدراسات الاستراتيجية بجامعة الازهري، قال لـ"الصحافة" ان الحكومة يمكن ان توافق علي الاقليم ونائب رئيس ولكنها تواجه بضغوط من حلفاءها من ابناء دارفور في المؤتمر الوطني وبعض القبائل الذين يرفضون فكرة الاقليم الواحد بل يتحدثون عن زيادة عدد ولايات دارفور، مشيرا الي ان منصب "نائب رئيس" الحكومة تتحدث عن انه يعطي لي من ابناء دارفور، وفي نفس الوقت الوساطة والحركات المسلحه تري ان يكون من الحركات، وقال "ان ابناء دارفور في المؤتمر الوطين يعدون الان ان يكون الدكتور الحاج ادم يوسف القادم حديثا من صفوف المؤتمر الشعبي ليكون نائب رئيس" وقال ادم "الفترة القادمة سيكون فيها ضغط كبير علي الطرفين من المجتمع الدولي، لذا نري آل محمود يريد ان يوثق للاتفاقية في مجلس الامن الدولي، لذا حث الحكومة علي الموافقة عليها، واضاف: مستقبلا اما ان يتوصل الطرفان لاتفاق عاجل او ان الاوضاع في دارفور ستنفجر بشكل عنيف وهذا ليس في مصلحة الطرفين "الحكومة والحركات المسلحة".
وعلي غير النقطة التي تقف عندها الحكومة برفض مقترحات الوساطة الخاصة بمنح دارفور اقليم ونائب رئيس جمهورية، يبدو الطرف الاخر "حركة التحرير والعدالة" وكثير من الذين يشايعونها ويشاركونها ذات الرؤي كمدخل لحل ازمة دارفور، يبدون أكثر سعادة بطرح الوساطة الذي وجد القبول والترحيب لجهة انه يمكن ان يشكل بداية مرحلة جديدة لطي لصراع السلطة والثروة في دارفور بصورة نهائية من خلال التفاوض. وكان المتحدث باسم حركة التحرير والعدالة، عبدالله مرسال، قال لـ"الصحافة" بقبولهم لمقترحات الوساطة حول القضايا الخلافية مع الحكومة، مؤكداً تقديم الوساطة مقترحا يعطي إقليم دارفور سلطات تنفيذية وتشريعية بصلاحيات واسعة يمكن أن تشكل أساساً لحل مشكلة دارفور، مشيراً لاشتمال مقترح الوساطة على تمثيل الحركة في المجالس التشريعية لولايات دارفور، بالإضافة لممثلين للحركات، وإعطاء الحركة مناصب في الوزارت والمفوضيات الإقليمية لدارفور، وفي ملف التعويضات، قبلت الحركة رؤية الوساطة حول المبلغ المخصص لصندوق التعويضات الذي حددته بـ(300) مليون دولار، بزيادة (100) مليون دولار عن المبلغ الذي قدمته الحكومة .
صراع الحكومة والحركات حول الاقليم الواحد ومنصب نائب ريئس كاليات يمكن من خلالها ايجاد حلولا ناجعة للازمة التي استطالت في الاقليم تبدوا غير بعيدة عن مجمل الاوضاع السائدة في البلاد خصوصا بعد ان اصبح الجنوب جزء خارج منظومة السودان القديم، وهو امرا سيلقي بظلاله علي مجمل العملية السياسية، وبدت هذه التداعيات تبرز في مناطق النيل الازرق وجنوب كردفان والتململ الناشب هناك حتما لن تكن دارفور بعيدة عن هذا الحراك وستظل جزء منه وهو امر يري الكثيرون انه ربما يزيد من حجم المطالب التي يجب ان تقدم من الطرف الدارفوري وربما يدفع بالحكومة للموافقة علي الاطروحات الان قبل ان تستفحل وتصعب السيطرة عليها مستقبلا.
khalid balola [dolib33@hotmail.com]
\\\\\\\\\\\\\\\