عدوى الغضب السياسي …. بقلم: عثمان أبوزيد

 


 

 


"بعض الناس أفقهم ضيق في الحكومة والمعارضة على حد سواء. إن الشعب المصري هو الأكثر وعياً من رجال السياسة ... إن من لا يفهم هذا لا يجب أن يعمل بالسياسة".
هذه فقرة من رواية مصرية كان يتوقع تدشينها في معرض القاهرة للكتاب الذي تعطل بسبب الأحداث.. رواية محمد سلماوي وعنوانها "أجنحة الفراشة" تسرد وقائع متخيلة لتغيير يؤدي إلى حياة جديدة في مصر ، تغيير تسعى به قوة غير تقليدية من الشباب.
ما يحدث في مصر كان أمراً متوقعاً ، وإن جاء مفاجئاً للنظام الدولي الذي بدا مرتبكاً حتى اللحظة أمام غضب سياسي بدأ بتونس ثم عمّت عدواه مصر ، ويتساءل الناس على من يكون الدور؟
ويلحّ السؤال عليّ هذا الصباح من زملاء صحفيين وآخرين: هل يأتي الدور على السودان بعد الذي حدث في تونس ومصر؟ وأجيب بهدوء: لا يذهبنّ بكم الخيال بعيداً. ويلح السائلون: ولكن السودان عرضة للقلق والتوتر السياسي مع انفصال بات أمراً واقعاً ، وفي أجواء مشكلة دارفور التي تراوح مكانها؟ ويكفيكم عداء مستحكم يعرفه الجميع من النظام الدولي.
يضيف محدّثي: في هذه الساعة التي أتحدث معك فيها ، تشتبك الشرطة في الخرطوم مع الطلبة (منتصف نهار الأحد 30 يناير).  
أقول: لا أختلف معك في وجود توتر سياسي بسبب الانفصال ولا أنفي وجود تربص من القوى الدولية بالحكم في السودان ، ولكن ذلك بالتحديد  ما يجعل الوضع في السودان مختلفاً عما هو في مصر أو تونس.
لا يستطيع أحد أن ينكر إمكانية وقوع توترات أمنية ، أو وقوع حوادث ذات أثر سلبي على الاستقرار، ولكن ما أستطيع تأكيده هو أن قياس ما حصل في تونس ومصر بما في السودان قياس فاسد ، وكما يقول الأصوليون : "إذا وُجد بعض العلة فقط فسد القياس لأنه قياس مع الفارق، كما لو قاس الشافعي التفاح على البر بجامع الطعم".
ـ يا أخي قل كلاماً مفهوماً ومعقولاً.
ـ طيب ، أقول كلاماً مفهوماً ... تسنى لي خلال الأسبوعين الماضيين أن أحضر اجتماع الرئيس عمر البشير مع أعضاء مجلس أمناء جامعة إفريقيا العالمية. لم أر الرئيس أكثر يقيناً وتفاؤلاً مما رأيت. وقابلت اثنين من الولاة ، أحدهما جلست إليه أكثر من ساعة، هو الأخ الأستاذ فتحي خليل والي الولاية الشمالية في حاضرة الولاية بدنقلا. ومن ينغمس في عمق الحياة في الريف البعيد وفي المدن يحس بحيوية غير عادية وبحراك سياسي ملموس ، ذلك على الرغم من أن الأحزاب تسجل غياباً كاملاً عن الساحة ، بما في ذلك حزب الحكومة.
النظم السياسية التي يمكن أن تتأثر بعدوى الغضب السياسي هي النظم التي تخشّبت وتجمّدت وانسد أفقها السياسي. نظام السياسة في السودان يمر بتغيير كبير، أهناك تغيير أكبر من الانفصال. قد يرى البعض ذلك تغييراً سلبياً ويراه آخرون تغييراً إيجابياً ، ولكنه تغيير على كل حال. نظام السياسة في السودان يستجيب لنداء التغيير. ثم إن الحكومة تحظى بسند شعبي ، ورغم الضائقة الاقتصادية تنشأ المصانع والطرقات والجامعات. أما تربص القوى الدولية بالحكم في السودان ، فهو عنصر إيجابي لمصلحة النظام وليس خصماً عليه.
ـ يا صديقي ، إنك تقول وهماً ، تتكلم بثقة وكأنك قرأت كتاب المستقبل حتى نهايته. إن الوهم هو ما يقود إلى تصوّر ما ليس موجوداً. ألم تر إلى أولئك السياسيين الذين انعدمت عندهم القدرة على رؤية الأشياء وتمييزها بسبب الأوهام ، حتى رأيتهم كالأطفال في سذاجتهم.
ـ لا أختلف معك كثيراً. هناك خيط رفيع في السياسة بين الحقيقة والخيال ، والسياسي الشاطر يستعين بالخيال وربما الوهم للتحفيز على المغامرة والعمل. المشكلة أن ينعدم الخيال وتنعدم الرؤية.
ـ ولكن ما يدفع إلى الغضب السياسي اليوم هو الجوع والمسغبة، ألا تعلم أن نداء البطون الخاوية أشدّ من نداء الضمائر.
ـ أما في هذه فقد أتفق معك تمام الاتفاق. اتقوا الجوع ، فإن الجوع كافر.
 
 عن صحيفة الرأي العام الأربعاء 2 فبراير
osman abuzaid [osman.abuzaid@gmail.com]

 

آراء