والتبر فى أرضه نوع من الحطب !؟

 


 

أدم خاطر
20 February, 2011

 


ظلت البلاد مشدوهة لعقود طويلة ومستغرقة حتى أخمص قدميها فى اشكالات كبيرة ومعضلات جمة ، بعضها من صتع الداخل وجلها من مخططات الدول الكبرى واسرائيل التى تسنهدف السودان ككيان وأمة ، لم يرتاح الوطن من عنت المكابدة والاستدراج والانهماك فى اطفاء النيران والحرائق التى أكلت أطرافه ويوشك أن تقضى على ما بداخله !. نقول بذلك رغم المحاولات الجادة للانقاذ وهى تخاطب هموم الوطن من يومها الأول وتدرك أن بعض الحلول تحتاج لجراحة دقيقة  لا غنى عنها تطال الوجدان الجمعى كما فى انفصال الجنوب ووقع على النفوس ، ولكن ما ضمن فى اتفاقيات السلام من قسمة للثروة والسلطة وكفالة حق تقرير المصير ، لم تكن مجرد محاولة تكتيكية من الفريق المفاوض باسم الدولة بقدر ما هى استقراء لتاريخ طويل وسجال مرير جربت فيه كل صنوف العلاج بما فيها خيار الحرب ، والنتيجة التى كشف عنها الاستفتاء 98% كانت خير برهان لمن ظل يراهن على وحدة لم تكن من هموم الجنوبيين ومطالبهم حتى اولئك الذين ولدوا وتربوا بالشمال ، لذلك لم يكن غريبا أن قبل الشمال حكومة وشعبا بمخرجات الاستفتاء وتجاوزها الى ما بعدها بنفس متعقل وتفهم كبير ينم عن عقل يحسب لمستقبل الدولتين لجهة الأمن والاستقرار والتعايش فى ظل التداعيات التى تحيط بالخارطة العربية من وحى الثورات الشعبية التى اجتاحت تونس ومصر قبل أسابيع قليلة ، وأقتلعت هذه الأنظمة بطريقة دراماتيكية تطاولت بها الأيام لكن المحصلة النهائية كانت واحدة !, فالذين يتحدثون بابتهاج وفرح عن هذه الثورات وما أحدثت من واقع فى عالمنا العربى ومدلولاتها فى تغيير الأنظمة وكتابة تاريخ سياسى جديد ، يتناسون عن ادراك أو جهل أن السودان  كان سباقا فى هذا المضمار رغم اختلاف الظروف والأسباب والآليات فيما ما أنجزه من ثورات مشابهة فى الأعوام 1964 – 1984 !. وهذا يدل على وعى سياسى مبكر وتوق عارم للحياة الديمقراطية والحرية السياسية وارساء نظام سياسى ناضج منذ وقت طويل ، ولكن تلاحق الانقلابات العسكرية جراء العطب الذى لازم مسيرة أحزابنا السياسية وما أكتنفها من ضعف وخل ظل يقعدنا عن بلوغ الغايات فى اصلاح الحياة السياسية بأزماتها الكثر حالت دون النهوض بأمتنا الى مدارج الحضارة والاستقرار السياسى !. بل ان متلازمة التمرد والتدخلات الخارجية فى شأننا الداخلى كانت هى من تولت من بعد ما أصابنا من رهق ومعاناة حتى يومنا هذا وأوشكت أن تفتت البلاد الى كانتونات على طريقة تبنى خيار الانفصال فى الجنوب كتجربة يقاس عليها ما سيأتى من بعد وارهاصاته تحيط بدارفور على اختلاف الأسباب هناك!. فالذين يتهيبون الثورات الشعبية فى بلدانهم عليهم أن يدركوا أن السودان سطر سفرا رائدا فيها ولا مجال لاسقاط هذا المثال على واقعنا من باب التخويف والرهبة وبلدانا قادت وجربت هذه الخيارات وانحازا شعبها الى العسكر فى أكثر من مرة والانقاذ قد بدأت بالانقلاب لكنها لم تنغلق ولم ترفض الحوار ولا المشاركة مع الآخرين ولم تتردد فى أن تعود للشعب عبر الانتخابات ، بل خاطبت القضايا الكبرى والمسكوت عنها وقبلت نتائجها وتعمل جهدها كى تبقى ولكنها لم تفرض مبادئها ولا حزبها على أمتها ولم تقهر شعبها ولن ترفض أن يحاكمها على افعالها ومكاسبها وما أنتهت اليه حتى الآن من نجاحات واخفاقات حتى يستدام السلام ونجنى الوحدة الجاذبة حقا لا تكلك التى هى محض رماد ظل على العيون ولا بواكى لها عقب نتيجة الاستفتاء  !.
والبلاد تستكمل احدى أهم حلقات السلام كان لزاما أن تحسب حساباتها بدقة فى حال ذهاب الجنوب وما ظل يأتى منه من خيرات النفط ظللنا نتشاركها باتفاق وقسمة فى الموارد حسبما نص عليه الاتفاق ، كما يظل الجنوب يحتاجنا فى معاشه وقوته حتى يصار الى معنى الدولة الحقيقية فيه !. فالحدود فى افريقيا ليست ثابتة وستظل فى تغير كبير عقب تجربة السودان وما فيها من مؤشرات ودروس لمن يظنون أنهم فى مأمن كانوا فى حدود محيطنا العربى أو الافريقى ، لابد من ان تطال حدودهم روح التغيير والتشكل من واقع الاشكالات التى تعصف بالعديد من الدول وتيارات التحرر والانعتاق فى تمدد ، لكن التعاون المشترك وبناء حدود آمنه يفرضه الواقع الجديد ، علينا أن نعد له عدته وفق أسس ومعايير تكفل لكل طرف حماية ظهره والافادة من ما ينتجه الآخر ، وبكلا الدولتين من الموارد والطاقات الكامنة ما يتجاوز الوصف والخيال ظل حبيسا ودون القدرات التى تمكن من تفجيره واستغلاله من ذهب ونحاس وحديد وفوسفات ويورانيوم وغيره من المعادن النفيسة ، لم يكن بمقدور أحدنا أن يستخرجها أو يستثمر فيها بكميات تصلح للتجارة والسوق العالمية وتعود بالفائدة لانفاذ المشروعات الكبرى !, لذا ونحن نتجاوز محطة السلام الأخيرة بالانفصال علينا أن نخاطب هذه الموارد ونعيد مسوحاتها وخارطتها الجيولجية وتحديد اسبقياتها وما يمكن أن يستجيب لأولوياتنا فى حدها الأدنى  و يسهم فى ترتيب اقتصادياتنا  التى ينبغى أن نعلى فيها من شأن الزراعة والموارد غير البترولية بكل مطلوباتها والبنك الزراعى فى نسخته الحديثه احدى اهم مطلوباتها  ، يلزمنا النظر فى طرائق وآليات حديثة ومبتكرة تتجاوز ما هو جار الان فى كل شق ، وأن نوظف ما كان يصرف خارج هذه القطاعات وأن يجير لصالحها وفق دراسات علمية وتخصصية لمن يقومون على أمرها بعيدا عن الهراء السياسى الذى يسيطر على غالب السياسات فى هذه المحاور والنهضة الزراعية الحالية احدى النماذج الشوهاء !. وكثير من المناهج العلمية العملية تتحدث عن أن العبرة فى استغلال الثروات ليست بما هو كامن فى باطن الأرض منها بقدر ما هو استنهاض للعقل البشرى فى الاقبال عليها بعزيمة وجد لاستخرجها وتحوليها الى واقع يغير من حياة الناس ومعاشهم فى ظل التقلبات العالمية والضوائق الاقتصادية التى تأكل فيما هو متاح من موارد شحيحة وأن التعويل على مورد واحد بعينه وان كثر واستمر ستكون نهاياته بمرور الزمن كارثية وافقار للدول والشعوب وبيدها من الثروات والبدائل العظيمة ما يسد حاجتها ويجعلها فى رفاه ودعة ، وذهاب الجنوب على ما به من تبعات ووفرة فى خام النفط بأراضيه هو احدى معالم طريق الانطلاق لمسيرتنا الاقتصادية اذا ما أحسنا دراسة واقعنا على أيام الوحدة ومصارفها التى ظلت محل استنزاف ، وضرورة استقراء مالات الانفصال وما سيخصم من الفاتورة التى كانت تجمعنا والجنوب !.  لقد شهدنا بالواقع المعاش كم قادت السلطة للفساد فى شتى صنوفه من واقع المشاركة مع الحركة الشعبية والتشوهات الكبيرة التى لازمت سياساتنا ورؤانا الكلية ابان وجودهم داخل الجهاز التنفيذى رغم صدق خطابنا السياسى ، لقد عشنا على أيامهم كيف أن قادة الشعبية حققوا مرادهم فى الانفصال ودولتهم التى يريدون ، ولكنهم بالمقابل شوشوا وأحدثوا من الاختلالات  والارباك فى صفنا ما سيظل ملازما لنا لسنوات ، لكن القفز عليه سيكون باعادة دورة الاقتصاد على هدى محددات وغايات جديدة تشكل الواقع الجديد لأمة السودان الواحدة فى الوجهة والمصير المشترك  !.
لئن ظل التلاوم والتطاول والابتزاز السياسى هو السياج الذى أحاط بنا كدولة وكيان فى حقبة السلام وشراكاته المتشاكسة التى لم تكن تحمل من معانى الشراكة الكثير ، فان المطلوب فى المرحلة القادمة ان نقلل من السجال السياسى والانجراف تجاه من يريدون جرنا لذلك ، والكف عن المزايدات التى كانت احدى غايات من يقفون خلف الحركة الشعبية والطبول التى تقرعها للتغطية على نواياها الحقيقية ، وبعض قادتنا كان حالما فى الوحدة ومطلوباتها وكيفية الوصول اليها لدرجة القداسة وكأن ما كان فى شأنها بالاتفاق من باب الوحى والتنزيل الذى لا يمكن ان نتجاوزه  !.  قبلنا هذا الاتفاق بخيره وشره ولكننا لن نقبل أن نظل عاكفين على محرابه فيما بقى من قضايا وموضوعات يراد لها أن تكون بابا للخبال والقعود الذى يؤدى لتفتيت ما تبقى من كيان ، واشكالات الجنوب فى اقامة دولة لا تخطئها العين ، ويلزم الشمال أن يحافظ على كيانه الجديد برؤى واعادة تشكيل لكل شىء لاننا نواجه واقعا جديدا يحتاج الى مؤتمرات وورش عمل وسمنارات تناقش قضايا السودان الجديد الذى نحن بداخله ليس ذلك الصنم الذى كانت تتمناه الحركة الشعبية وزعيمها الهالك قرنق  وقد مات دون أن يبلغه !. لئن فشلوا هم فى تحقيق هذا الحلم وان نجحوا فى الانفصال فان الذى يريده أبناء الشمال أن يصاروا الى سودان يحمل فى طياته بذرة الأمل والتقاؤل والوحدة الحقيقية بين مكوناته الحالية التى يجمعها قاسم مشترك واحد فى الدين واللغة والعقيدة والموروث الثقافى والعادات والتقاليد !, علينا ان نعمق من حوار الداخل مع أحزابنا الشمالية وتعظيم هامش التراضى حتى تستعيد ثقتها فى نفسها وكياناتها وصولا الى حكومة قوية تنهض بمسئولياتها ومعارضة متوازنة تعرف كيف تحقق أهداف أمتها دون أن تخرج عن جادة الطريق وترتمى فى أحضان الأجنبى كى تصل الى السلطة ويهدم الوطن !. نريد بناءً وطنيا خاصا يتداعى لنصرته كافة أبناء الوطن بكل تياراتهم فى تلاحم وانصهار يعلى من قيم تمساك البناء المجتمعى وينأى عن صراع الجهويات والعرق الذى نخر فى مكوننا عميقا !.فالعنبر الخام روث فى مواطنه لا يمكننا اكتشافه نفاذه ومكنونه دون أن نعمق المصالحة الوطنية بمعانيها الكبرى ونترك الأجندات الحزبية و الشخصية لأجل الوطن وهذا التزيد والرهان على الأحصنة الأجنبية وشواهدها فى العراق وأفغانستان ماثلة ، وتبعاتها فى مصر أكبر منارة للوعى والثقافة فى محيطنا العربى والافريقى أجلى واوضح  من الشمس فى كبد السماء ولكننا لا نعى الدرس ولا نحسن الاستفادة من تجاربنا وواقعنا  !. الأحزاب الشمالية بحاجة كبيرة للثقة فى بعضها البعض فى سياق الحوار الوطنى الذى يجرى بين الحكومة وبعض التنظيمات السياسية خارجها لابد ان نستحضر فيه تضحيات أمتنا وتوقها للعيش الكريم والاستقرار السياسى وما استفدناه من دروس وعبر من حالات التشرزم والكيد والتآمر على بلادنا ، وبيدنا تبروكنوز فى الفهم السياسى وثروات طبيعية غزيرة وكبيرة ووافرة لكنها حطام لا فائدة من ورائه وهى تغط فى نومها داخل الأرض والشجار السياسى والتدابر هو سيد الموقف فى تعطيل المسيرة واستمرار المعاناة !. المعارضة تتحدث عن تنازلات تقدمها الحكومة بلا سقف موضوعى ،  ولكنها بقيت حبيسة أمانيها بدون ايجابية وقد فقدت حليفها الرئيسى الحركة الشعبية  كما فقد عرمان والحلو وعقار قطاع الشمال الى غير رجعة ، الا من  وهم سيظل يلفهم وربما بات الحال ذاته فى أروقة تشكيلات المعارضة ان آثرت ما هى عليه من مواقف دون تقدم  !. نريد للكل أن يتغير لآجل الوطن فى ظل توفر ارادة سياسية مرنة ومنفتحة وتحرك موجب وتفاعل سلس مع الأحداث والتطورات من الآخر، ومشاركة جوهرية نرومها حتى نمتلك وطنا يكفل العيش والسياسة والتبادل فيها فى سلم واستقرار وجو ديمقراطى لاحت بوادره ، فالفرصة كبيرة تحتاج لمن يحسن التقاطها ، والمبادرة بتقديرى بيد بعض أحزاب المعارضة الكبيرة ان أحسنت اغتنامها وتوظيفها لأن وقوف الماء دون حركة فى مكانه يفسده فان لم يجر لم يطب  !.
   

adam abakar [adamo56@hotmail.com]

 

آراء