الوطن الذى ننشده تبنيه دولة المؤسسات !؟

 


 

أدم خاطر
5 March, 2011

 


هاهو الجنوب يتوجه نحو اعلان دولته عقب نتيجة الاستفتاء التى أفضت للانفصال وفق اتفاق وتراض بين أطرافه ، والبلاد قد شقيت وعانت كثيراً جراء العلاقة المتنافرة بين شمال البلاد وجنوبها لعقود متطاولة ، وأن الحرب التى دارت ردحا من الزمان وأنظمة الحكم التى جربت للابقاء على لحمة الجنوب لم تكتب لأى من الأطراف السلامة والاستقرار والنماء !. وقد آن الأوان أن تلتفت الدولة الى معالجة التشوهات التى لصقت بجدارها بعد أن وضعت صخرة الجنوب عن كاهلها ، وهى تجرى مراجعة شاملة لشكل البناء الوطنى الجديد وما يمكن أن تؤول اليه وجهة الأمة وقبلتها بعد هذا الصراع والتشاكس والنزاعات التى لم تسلم منها أطراف البلاد جميعها ، وقد أفلحت الانقاذ وحزبها فى اخماد أكبر الحرائق مهما علت كلفتها فى الأرواح والممتلكات !. والناس تنظر فى مآلات الانفصال بكل ايجابياتها وسلبياتها وما يمكن أن تسفر عنه المرحلة القادمة ومستحقاتها ، لابد من وقفة تأمل فاحصة تنظر برؤية مستبصرة وأفق يتجاوز بأمتنا أية مشاعر وجدانية سالبة اعتملت الوجدان الجمعى للأمة ، حتى يتم تأسيس الدولة الجديدة للسودان وفق أسس ومبادىء سوية  ترمى من خلفها كل أشكال الماضى وطرائقه فى تأسيس الدولة ونظام الحكم فيها !. نريد معايير مختلفة لا تأخذ بمبدأ المحاصصة والولاءات القبلية والجهويات التى أضرت بالحس الوطنى واضعفت الروح القومية ومكنت لاستشراء العصبيات !. لعل واحدة من ميزات الانفصال أن استبانت عبره هوية الأمة على اختلاف مشاربها ومكوناتها وأحزابها السياسية مهما علت بعض الأصوات التى تزايد على الاسلام والعروبة والافريقانية كى تصان السوداناوية وتميز باطر راسخة هى جماع هذه  العناصر التى أضرت بها نعرات العرق وارتباطات الخارج وفواتيره ، بمثل ما أصاب الخلل بعض أحزابنا التقليدية وقيمها وهى تحاول تفكيك الانقاذ ودحرها عبر التكتيكات والتحالفات والتكتلات خارج الأخلاق والقيم  !. علينا أن نعلى من قيم الأمة وسماتها وهويتها دون التفات للمزايدات والتدليس والمجاملات التى تمس عصب التزامنا وعقيدتنا ، فهى الأحرى بالتمييز والتمسك والبقاء !. على قيادة الدولة وهى تنظر فى الدستور وتقويمه وشتى القوانين التى تنظم حياة الناس وحركتهم أن  تستصحب مطالب أمتها ومواثيق أحزابها وبرامجها التى بسطتها للناخب على عهد الانتخابات الأخيرة وفى سجالها السابق ، حتى لا يخدعنا أحد من بعد وغالب أحزابنا ارتضت مبدأ الاسلام وشريعته السمحاء كانت الجمهورية الاسلامية أو الصحوة الاسلامية أو المشروع الحضارى ، فالحزب الذى لا يحترم مبادئه وبرامجه لا يستحق أن يجد تعاطف الناس واحترامهم !. نريد للدستور أن يتجاوز بنا هذه الخلافيات فى الرؤى والطروحات بمقاربة تقود الى الاطمئنان على مسيرتنا كانت بالانقاذ أو غيرها من الأحزاب حتى يستقيم بناء الأطر القانونية للحكومة والمعارضة على هدى قواسم مشتركة تعرضت فى السابق للابتزاز والتضليل لارضاء هذا وكسب ود ذاك دون أن يكون الوطن هو المقدم على ما سواه !. نريد لقوانيننا أن تراعى حاجات الناس وقابليتها للتطور والمواكبة دون ترهل أو استطالة كما هو الحال فى الاتفاقيات التى ظن الناس أنها حوت وجمعت ، ولكن الذى تكشف عند التطبيق كان خانقا ومحبطا جراء الثغوب والافتئات والهلامية التى حوتها بعد المواد والفقرات !. نريد للدستور والقانون أن يستدام بعد هذا المسير الشاق ، بل الواجب أن يجد الناس دولة القانون وهيبته ومن يقومون على تطبيقه التزاما بالنص والروح ، حتى نسدل الستار على ما يشاع من قصص وحكاوى وارجاف احيانا فى التطبيق وما يواجه المؤسسات التشريعية من خطل على غرار ارتفاع معدلات الفساد والمحسوبية ومبدأ الشفافية والمحاسبة ، دون أن تقام لها المؤسات الضابطة وكبح جماح الثراء الحرام وتقوية دائرته القديمة ، والنهوض بادارة مكافحة الفساد الجديدة التابعة لرئاسة الجمهورية على هدى المعانى التى أنشئت من أجلها ، واطلاق يدها ومنحها من الآليات والرجال والمعينات ما يمكنها من أداء مهمتها على الوجه الأكمل لا مجرد واجهة فحسب !، ان أردنا لجم الفساد وسد هذه الزاوية التى كادت تهدد كيان الأمة بأكملها وهدم أركان الدولة والاساءة لقادتها وتشويه سمعتهم صورة البلاد عالمياً !.
نقول بذلك والدولة تتوجه نحو ميلاد جديد وقد أرست فى الفترة الماضية لبنات مقدرة يمكن أن يبنى عليها ، وأقامت من البنيات التحتية الأساسية والمشروعات الهامة فى مجالات الطرق والجسور ، وأحسنت فى ثورة التعليم العالى ، وتوسعت فى الخدمات من كهرباء وصحة وهى تدخل مظلة التأمين الصحى بثوابت وغايات رغم هذا التأرجح فى الكادر الصحى واشكالات قطاعه نتيجة الخلافات الشخصية التى كم أضعفت قطاع الصحة ومكنت للشلليات والفساد مما جعلها تلف فى دائرة أشخاص وأسماء بعينها والمواطن هو الضحية فى أهم قطاعات المجتمع التى تعنى بصحته وبيئته !. بعد أكثر من عقدين من الزمان تنشأ فتن واشكالات كنا قد ظننا أن الانقاذ قد تجاوزتها ، ولكن الأيام أثبتت أننا فى مبتدأ الطريق نعود القهقرى ونتراجع فى قطاعات بعينها بمعدات مخيفة لا تشبه هذا الذى نعمل لبنائه وهنالك من الرجال الصادقين وأصحاب الأفكار الكبيرة والنفوس الأبية والكفاءات والقدرات والدربة والكفاية ينتظرون دورهم فى بناء أمتهم وحضارتهم ، ولكن بعض صناع القرار لا يرون بغير الترضيات والضعفاء سبيلا فى قيادة أجهزة الحكم والوزارات وريادة المؤسسات العامة والنتيجة على نحو ما نرى اليوم !. كيف لنا بهذا التراجع المريع فى الأداء لكثير من مؤسسساتنا واشغال قيادة الدولة بتفاصيل دون مقامهم والهائهم بتعيين هذا واعفاء ذاك دون أن ندفع بالأشخاص المؤتمنين على قيادة المصلحة العامة ونترك لهم فسحة فى تسيير مؤسساتهم ووزارتهم واستكمال مطلوباتها !. لماذا يلهى قائد البلاد بتعيين صغار الموظفيين فى العديد من أجهزة الدولة ودوره المرجو ينبغى أن يكون فى الكليات والقضايا الكبيرة والاستراتيجيات ، لا الاستغراق فى مهام وشئون يمكن أن ينهض بها من هم دونه ، مما يصيب المؤسسيىة فى معظم القطاعات بالشلل والانحراف ويغرى بالخلافيات والصراعات والنزاعات ، وكثرة التدخلات والأهواء الشخصية وتعطل مصالح الناس ويتصاعد الكيد فينهار الأداء وتقوض البرامج والخطط وننتهى الى لا دولة !. الانقاذ جاءت وبقيت بالمعانى الكبيرة والطموحات العراض وبعض أهلها الان يرتدون بها الى عقود للخلف ، والمشاكل الصغيرة تكبر وتستعصى على الحل فى معظم الوزارات والمؤسسات الحكومية ، والمسئولين فى تبادل للكراسى وكأن رحم الأمة لم تلد غيرهم والبعض ما يزال يتشبث بالكرسى والوظيفة وليس له من جديد يضيفه الى ما قدم من تجربة وخبرة من موقعه ، وقلة قليلة من تزهد فى الوظيفة العامة أو تترجل عنها طواعية وقد تجاوز عمر البعض العقد السابع !. أين قيادة القدوة التى كنا نرومها وندعو لها ونحن نتأسى بقدوة الأمة من لدن رسول الله (ص) وصحابته فى معانى الايثار وتقديم الأصلح لشغل المنصب العام !. أين نحن من كفاءات مهولة خارج أطر الحزبية الضيقة لهم رصيد وافر فى الكسب الأكاديمى والمؤهلات وتجارب رائدة وروح وطنية تملؤهم وتفان واقتدار لكن مواعين الدولة لا تستوعبهم وهم أكبر من أن يتزلفوا للوظيفة وأبواب الحكام ، على قيادة الدولة أن تسعى باتجاههم وتخطب ودهم ان أردنا تثوير الخدمة المدنية وتحصنيها بالعلماء وأهل الكفاءة والتجارب كى يصار الى الرفاه والتنمية  !. متى نجد القيادة التى تضرب المثل فى التنحى طواعية لأجل الوطن عن مناصبها وتفسح المجال لمن هم أٌقدر للاسهام فى بناء الوطن وتجارب السلام قد أرهقتنا بما جلبت من عوام الناس دون علم ولا دراية ولا مؤهل الا السلاح والقبيلة والنعرات والحميات وسوق التمرد وما أنجب!.
الانقاذ شقت طريقها وسط وحل وركام كثيف ومطبات وعواصف لكنها استطاعت أن تصمد وتقاوم كل الرياح الهوجاء وسبحت ضد تيار الهدم والخراب والمؤامرت لعقدين ، ولكن الواقع الذى يحيط بنا الآن والتطورات بمنطقتنا العربية والعالم من حولها تفرض علينا أن  ننظر خارج رقعة الحزب وما يمكن أن يقام من تحالفات حديثة تراعى هذه المستجدات وتشحذ كافة الهمم والأطياف بما يقوى الارادة السياسية للأمة ويقود الى الاجماع الوطنى الحقيقى ونحن نتوجه نحو بناء لدولة جديدة ليست هى الجنوب وانما دولة السودان التى أعقبت الانفصال !. على قيادة الدولة ان أرادت تقوية بنائها الشامخ فى ملحمة النفط والتعليم العالى وثورته ومشاريع الخدمات التنموية والنهضة الزراعية والتصنيع التى تنتظم البلاد وغيرها ، عليها أن تعمد الى التجويد و الكيف بعد ان تمددنا فى الكم حتى نؤسس مشروعات بامكانها أن تصمد لقرون لا تلكم المشروعات الهشة التى تنطوى فى أيام كما هو الحال فى الطرق والمجارى وغيرها ، فالناموس والقاذورات تضرب بيئتنا وتفتك بالانسان ومستوى التخطيط والتنمية العمرانية والحضرية لا تبنى على أمد  طويل وكبريات المدن عندنا أشبه بالريف  !. لقد كان نجاح الانقاذ مكلفا فى مسيرة الشهداء والتضحيات التى قدمت عبر ثورتها المتجددة وأخشى أن يكون فشلها قد بدأ فى العد ان لم نحسن حراسة ما تم انجازه ومراجعة النفس والبطانة قبل أن نحمل الآخرين فى المعارضة والجوار والعالم تراجعنا ونعلق اخفاقاتنا على شماعاتهم !. علينا أن نلتفت لترقية القطاعات الحيوية فى كلياتها واعدادها على أسس وطنية سليمة بعد ان استقام عود البناء ، وعلى هديها يكون الاستوزار وادارة المؤسسات العامة لا الرتق والترضيات !. كيف بقطاع خاص فاعل وناهض يضطلع بدوره ليكمل الجهد الحكومى الرسمى ، فى ظل قطاعات حكومية لا تمتلك شبة المؤسسية ، والشركات الفاشلة والهلامية فى جل قطاعات الدولة تتمدد دون حصر أو رقابة  أو تخصصية وبعضها مجرد لافتات ، والتجارة الداخلية فى شلل وجمود وكساد أفقرها وتجارة الخارج تعصف بها الاجرائيات والقرارات العشوائية والموازنات ، والقطاع الاقتصادى تجاوزه الزمن وقعدت به الأفكار وأصبح يحتاج الى ثورة شاملة لا مجرد تبديل للأشخاص الذين يديرونه ، وخارطة الاستثمار ومخرجاتها خلال عقدين بمشروعاتها التى نفذت تظل دون الطموح ،  والقطاع المصرفى فى قعود وتدنى وخسائر وروائح فلتانه تكاد تزكم ، والنتيجة الحتمية قطاع خاص كسيح واتحاد أصحاب عمل بلا عمل حتى اشعار آخر !. المطلوب من قيادة الدولة أن تعكف على اعادة المؤسسية لقطاعاتنا ومنحها الثقة والمساحة للانطلاق والتشكل من داخلها اذا ما أحسن التصميم فيها وفق ثورة حقيقية تطال الأشخاص والنظم العاملة والقوانين حتى نصل الى معدلات حقيقية فى التنمية والرفاه ، وتبادل فعلى  للسلطة تكون له آجال للمنصب العام لا تتجاوز العقد من الزمان حتى نجدد الأفكار وتتلاقح الخبرات !.  نهضت الانقاذ بقيم كبيرة وقرارات حاسمة وانتقال سلس من الثورية الى الدستورية ، ولكن دولة الدستور ينغى أن تؤسس على هداه ، وتتبعها ثورة تشريعية فى القوانين ، واعمال لمبدأ الكفاءة والتخصصية ،ولا يعقل أو يتصور أن يقود قطاع الزراعة طبيب مهما كانت امكاناته وقدراته وعداد حملة الدكتوراة فى القطاع الزراعى بالبلاد تتجاوز العشرة آلاف، وعلى شاكلته قطاعات أخرى تدار بقيادات من خارجها لا ندرى ما الميزة أو المقصد فى ذلك ان كان العلم والشهادة بلا جدوى !. الدولة الرائدة تقوم على العلم والقدرات ان توفرت الارادة السياسية وفعلت المهمام والواجبات من داخل المؤسسات وأحكمت الرقابة عليها ، وأعملنا مبدأ المحاسبة والشفافية وخلصنا الى امكانية أن يستقيل الشخص المسئول طواعية فى حال العجز والفشل لا الاصرار على الاستمرار والكيد !.الدولة التى ننشدها فى عصر اليوم لا يمكن أن تكون بلا مؤسسات فاعلة وقادرة على التطور والمواكبة بعيدة عن هيمنة الأفراد والبيوتات والأمزجة والعصبيات التى تولد ديكتاتورية الأفراد !. والبناء العصرى الذى نرومه أكبر ما يهدده الفساد والمحسوبية التى أضحت داءً يحتاج الى جراحة وبتر يقدم المثال ان أردنا للبناء الصمود والديمومة ، ورسالتنا لقائد الانقاذ أن يأخذ بزمام المبادرة وهو يقدم على تشكيل جديد للحكومة التى ستعقب اعلان دولة الجنوب !. الا هل بلغت اللهم فأشهد ،،،،،   
 
adam abakar [adamo56@hotmail.com]
 

 

آراء