دور الاستخبارات الغربية في خلق حركات الإسلام السياسى لإضعاف المسلمين من الداخل

 


 

 

بسم الله الرحـمن الرحـيم

أهداء:
نحيى الجبهة الوطنية العريضة للمقاومة ونهديهم هذا المقال.
نحاول في هذه السلسلة من المقالات تسليط الضوء على دور الاستخبارات الغربية فى خلق حركات الإسلام السياسى بهدف إضعاف المسلمين من الداخل. فالصراع لا يزال محتدما بين المسلمين والغرب: الغرب الذي تسيطر عليه قوى اليمين المسيحى المحافظ في تحالف مع الصهيونية العالمية. هذا الصراع السرمدي له مرتكزاته العقائدية والحضارية, إذ ترى الحضارة الغربية في الإسلام مهددا ماثلا لكياناتها العقدية واطرها في فلسفة الحكم وهيمنتها الثقافية وريادتها الحضارية للعالم الرأسمالي "الحر". فهي تخشى لكل ذلك من صحوة الإسلام الكونية فيدثر كيانها ويذهب ريحها, وهي لذلك تسعى- بكل ما أوتيت من وسائل العلم والمعرفة والمكيدة - إلا تتم صحوة الإسلام, بل تسعى دوما لإضعاف المسلمين بشتى الوسائل.
خلق قيادات متسلطة باسم الاسلام:
إن احد أهم الأدوات التي استخدمها ويستخدمها الغرب فى اضعاف المسلمين هي اختراق المجتمعات الإسلامية بخلق قيادات تدعى أنها تتسنم حكم المجتمعات الإسلامية باسم الإسلام فيما يعرف بحركات الإسلام السياسى. هذه الحركات الإسلامية تستغل في حقيقة الامر شعارات الدين كوسيلة للوصول إلى الحكم والجاه والسلطان ثم سرعان ما تتخلى عن الشعارات الدينية الإسلامية ويبقى همها الشاغل هو الاستحواذ على كنوز المال والذهب والتشبث بمنعة الحكم وقوة السلطان, فتدخل في دوامة من المعاركـ التي لا تنتهي على جبهتين: الجبهة الأولى تدخل المجموعات التي تتسلط باسم الإسلام في مواجهة مستديمة من جموع المسلمين المستضعفين الذين يتم استغلالهم وتجهيلهم ويقع عليهم الحيف والظلم نتيجة لجور الحكام. إما الجبهة الثانية للمعركة فهي دخولها في مواجهات حتمية مع القوى الخارجية بقيادة الدول الغربية والرأسمالية إلى تصطف جميعها ضد أي صحوة محتملة للإسلام الذي ترى فيه مهددا لبقائها, بل تؤلب المجتمع الدولي قاطبة ضد تلك الدولة التي ترفع شعار الإسلام تحت دعاوى انتهاكات حقوق الإنسان وحقوق المراة والقانون الدولى.
وباحتدام المعارك على الجبهتين الداخلية والخارجية تضطر المجموعة المتسلطة باسم الإسلام إلى تحويل موارد الدولة التي يجب إن تذهب لتحسين أوضاع المسلمين في معاشهم وصحتهم وغذائهم وتعليم أبنائهم, تذهب إلى الصرف على المؤسسات القمعية co-ercive forces)) - الأمن والجيش والشرطة – حتى يتسنى تثبيت دعائم الحكم وضمان استمراره على حساب المصلحة العامة لجموع المسلمين, وبذلك تضعف الأمة ضعفا بائنا - ضعفا في الصحة العامة نتيجة سوء الأحوال المعيشية وسوء الغذاء, وضعفا ماديا نتيجة الفقر المستشرى بين عامة المسلمين, وضعفا في القدرات والمهارات نتيجة لتفشي الجهل وتدني مستويات التعليم, وضعفا في الأبدان نتيجة لتفشي الإمراض وعدم توفر الخدمات الصحية. ويصيب المسلمين عامة الانهاك التام كنتيجة حتمية لتسلط الجماعات المتحكمة باسم الدين. وبذلك تكون الحركات الإسلامية المسيسة وبالا على الأمة تسدى خدمة جليلة تحسد عليها للقوى المعادية للإسلام فى كونها تقوم بالدور المطلوب منها تماما وهو إضعاف المسلمين من الداخل وابقائهم فى حالة مستديمة من الضعف والانهاك والتخلف المادى والمعرفى.
بوعى أم من دون وعى؟
السؤال الذي يتبادر بداهة: هل تقوم حركات الإسلام السياسي التي تتسلط باسم الإسلام, هل تقوم بهذا الدور بوعى منها أم من دون وعى؟ هل يدرك قادة حركات الاسلام السياسى انهم مجنّدون من قبل الاستخبارات الغربية وهم يقومون بهذا الدور بوعى منهم؟ أم أنهم يقومون بهذا الدور من دون وعى, يندفعون بدافع الحمية الدينية والغيرة على الإسلام فيرتكبون من الأخطاء وسوء تقدير العواقب مايكون مردوده وبالا على أنفسهم, وعلى صورة الاسلام وعلى عامة المسلمين؟
نحاول فى الحلقات القادمات الإجابة على هذا السؤال المحوري إن شــــــاء الله, مستندين على العديد من المراجع والوثائق والمعلومات التي تشير إلى ترجيح الاحتمال الأول وهو إن  قادة  حركات الإسلام السياسى في الغالب الأعم هم مدركون للدور الهدّام الذى يقومون به فى تخذيل المسلمين واضعافهم وفى تشويه صورة الاسلام المشرقة.
ان تجارب الحكم الماثلة التي استطاعت فيها حركات الاسلام السياسى الوصول الى سدة الحكم تقف خير شاهد على ما ذهبنا إليه. فالعبرة ليست في الشعارات, بل في المآلات. انظر ما آل إليه حال المسلمين فى السودان وفى افغانستان ابان وبعد حكم طالبان. ثم اعد النظر الى حالة الاقتتال والتناحر بين حماس وفتح فى فلسطين: أليس هو عين ماتصبو اليه اسرائيل أن تقتتل حماس وفتج حتى الأنهاك التام؟ تاركين قضيتهم الأساسية عاجزين عن فعل شي ضد عدوهم المشترك بسبب التطاحن فيما بينهم حول شعارات الإسلمة والعلمانية؟
تسلط الاسلامويين واضعافهم للأمة السودانية:
إن التدهور المريع الذي أصاب السودان يشهد بان حكم الجماعات الإسلامية المسيسة هو وبال على ألامه وعلى المسلمين. فقد غدا السودان رجل أفريقيا المريض, بل رجل العالم المريض, يتبوأ ذيل قائمة دول العالم فى كل شي: فى فساد الدولة وسوء الحكم, فى انتهاك حقوق الناس وأكل أموالهم بالباطل, فى انتهاك الحريات العامة وحرية التعبير وتكميم الأفواه والتنكيل بالصحفيين, فى شظف العيش وغلاء المعيشة الطاحن, فى الحروب المدمرة التى تشنها الدولة على مواطنيها وقتل الملايين منهم وتشريد ملايين أخرى, فى تآكل الدولة من أطرافها بسبب الظلم الواقع على المجموعات المهضومة, فى تدنى مستويات التعليم حتى غدت الشهادات الممنوحة من السودان لايعترف بها أحد, فى استشراء الجهل والتغييب المتعمد لوعى الأجيال الناشئة, فى الافقار المنهجى الذى تتبعه الدولة لحرمان المواطنين من استحقاقاتهم فى العيش الكريم وتحويل موارد الدولة للصرف على الأجهزة القمعية التى تحرس الدولة وتحميها من غضبة المواطنين المغلوب على أمرهم. حتى لقد أصبح الشعب السودانى امة ضعيفة لاتقوى على الدفاع عن نفسها او رفع الظلم عن كاهلها, بعد أن كان الشعب السودانى ذات يوم يثور فى شوارع الخرطوم وأم درمان والأبيّض ومدنى أذا ما انتهكت حقوق الناس او امتهنت كرامتهم فى القاهرة أو فى بيروت أو فى بغداد.
ظل نظام الحكم الذي تسيطر عليه ألنخبه الإسلاموية منذ نيف وعشرين سنه في حروب ضروس بين الحكام والرعية, حروب ظاهره ومستترة. حارب النظام الاسلاموي المواطنين الجنوبيين في حرب جهاديه جائرة راح ضحيتها ملايين الأنفس من المواطنين السودانيين, مسلمين وغير مسلمين. فجنوب السودان به ما لايقل عن .35% من مواطنيه يدينون بالاسلام. ثم شن نظام الحكم الاسلاموي في الخرطوم حربا باغية ضد مواطنيه من أهالي دارفور الذين هم مسلمون مائه بالمائة وتتعدى نسبه حفظه القران بينهم 60% . فلا يمكن تسمية هذه الحرب حربا دينيه ,بل فصلا من فصول الفوضى الإنقاذية الخلّاقة كما اشارت إلى ذلك الأستاذة أم سلمه الصادق المهدي في مقالها المقرؤ "الفوضى الخلاقة سياسة إنقاذية كاملة الأركان", هى فى حقيقتها رجع لصدى "الفوضى الخلّاقة" الأمريكية على أرض السودان مثلما كان الحال فى العراق, القصد منها خلق واقع جديد و"أعاده صياغة الإنسان السوداني" حسب ألهوي الإنقاذي/الأمريكى.
ثم إن نظام الحكم الاسلاموي فى الخرطوم ظل طوال سنى حكمه في حرب أخرى لا تقل فداحه, لكنها اقل زخما من حروبه الظاهرة ضد مواطنيه, هي حرب استهدفت كل سوداني وسودانيه في حياته ولقمه عيشه وقوت عياله وتعليم أبنائه وصحته وأمنه واستقراره,  حرب دمرت الشخصية السودانية وغيبت وعي الأجيال وأصابت أخلاق ألامه في مقتل:
إذا ما أصيب القوم في أخلاقهم                    فأقم عليهم مأتما وعويلا
انتشر الفقر المهين بين كافه قطاعات  الشعب السوداني حيث تقدر نسبه الفقر ب 95% من مجموع السكان يعيشون تحت الفقر, على الرغم من الموارد الوفيرة التي يذخر بها السودان, ما أشرنا اليه في مقالات سابقة يؤكد إن الحالة ليست فقرا, بل إفقارا منهجيا متعمدا انتهجته الحكومة لإضعاف المواطنين حتى يسهل ترويضهم واتلاف أخلاقهم وإفساد ذممهم, ما يدخل في خانه تعمد إضعاف أخلاق الأمة واضعاف إيمانها.
عمد النظام إلي سياسات شيطانيه استهدفت القطاعات المستنيرة من أبناء الشعب وضيّقت عليهم الخناق بالفصل والتشريد والملاحقة و"تجفيف منابع الرزق" ما اضطر هذه الشريحه المتعلمة إلي الهرب خارج الوطن يبغون رزقا حلالا يعيلون به أسرهم, فشرد النظام خيرة المهنيين والإداريين والأطباء والمهندسين واساتذة الجامعات والصحفيين وموظفي الخدمة المدنية , فتفرق السودانيون في إصقاع المعمورة أيدى سبأ, إذ تقدر إعداد السودانيين في المهاجر ما بين 6- 9 ملايين نسمة (ما يعادل ربع السكان), معظمهم من خيرة  الكفاءات المميزة بسبب سياسات حكومة الاسلامويين الشيطانية  التى عمدت الى افراغ البلاد من العناصر الفاعلة التى يمكنها أن تحدث قلاقل للنظام, حدث ما يمكن تسميه بهجره العقول (brain drain), وما ترتب على ذلك من ترد مريع فى كل جوانب الحياة فى السودان بسبب أن تبوأ ذووا المقدرات الضعيفة والمتوسطة قياده الأمور في البلاد لأنهم من أهل الولاء, وهم  ليسوا بأهل لإدارة البلاد. والنتيجة النهائية كانت هذا الضعف والاضمحلال والتدهور والضمور والتفكك المفضى الى الزوال. وهذا هو عين  الهدف النهائى لأعداء الأمة تقوم به حكومة الاسلامويين بالوكالة, بوعى أو من دون وعى.

د. أحمد حموده حامد
fadl8alla@yahoo.com
الجمعة 27 ذو الحجة 1431ه الموافق 3 ديسمبر 2010م

 

آراء