هل كان الدكتور جون قرنق وحدويا؟
مقالات بأثر رجعي
يجب تأجيل الإستفتاء وحتى إكمال التنمية الإقتصاية الشاملة للشمال والجنوب معا
1-3
الكلمات التالية جذء من مقالة نشرت في 5 مارس 6200م بصحيفة الأضواء. بعنوان "فهم القوة".
(الدكتور جون قرنق، رئيس الحركة الشعبية، ليس فقط تحصل على بكالاريوس من جامعة جرينيل، وليس فقط الدكتوراه في الاقتصاد الزراعي من جامعة آيوا، وليس فقط تلك المنحة المالية لعضوية الزمالة بمركز واتسون بدار السلام، وليس فقط خريج مدرسة المشاة العسكرية الأمريكية، بل أيضا قرأ العشرات من كتب فهم "القوة" المرتبطة بالعمل "الإستراتيجي". وهنا ننبه مجددا، "فإستراتيجية" جون قرنق، وفهمه "للقوة" هما بالمفهوم الثقافي الغربي، وليس هو ذاك الفهم "الاستراتيجي" الذي يفهمه السودانيون بثقافتهم المحلية، لأنهم لا يملكونه بالسليقة، فالسودانيون لا يزيد فهمهم للإستراتيجية عن تلك التي تطبق مدلولاتها في التسويق – أي عندما يقول بعضهم إستراتيجية تسويقية!! الفارقة هي فهم "القوة" أولا وأخيرا، لا غيرها، بينما الإستراتيجي هو تعبير ثانوي، لأنك لو فهمت "القوة" فهي التي سترسم لك الإستراتيجيات والتكتيكات الصغيرة، وهي التي ستوصلك للنهاية، والتي ليس أقل من سحق خصمك بلا رحمة وتحقيق أهدافك، بأقل جهد ودون خسائر تذكر.
لقد فهم الدكتور جون قرنق "القوة" understanding power كما نفهمها نحن في هذه المقالة وليس لدينا شك، أنه يخادع. فهو يطبق الثمانية وأربعين قانونا "للقوة" بحذافيرها، ليس فقط على حكومة المؤتمر الوطني، أو على السودانيين الشماليين، أو على السودانيين الجنوبيين، بل أيضا يمارسها على وفي داخل حركته التي تسمى الحركة الشعبية. فمثلا مؤتمر رومبيك الأخير عبرت كل قيادات الحركة أنها لا تفهم جون قرنق، خاصة القائد سلفا كير. فخذ كلماته: (إذا كنا زعماء وطنيين - وأنا لا اصدق إن الأمر كذلك لأننا لا نملك تماسكاً داخل البنية القيادية - دعنا نكون صادقين مع أنفسنا. بعد أداء الاجتماعات فإننا نهرول نحو الأقطار الأجنبية. ليست هناك قاعدة سلوك ترشد بنيات الحركة. عندما يغادر الرئيس إلى الخارج فانه لا يترك توجيهات. وليس هناك من يعمل نيابة عنه. لا اعرف مع من تترك الحركة. فهل يحمل «القائد» الحركة في حقيبته؟).
هذه الحقيقة التي عبر عنها سلفا كير (نائب رئيس الحركة الشعبية وقتها) تتفق مع القانون الثالث لفهم "القوة" الذي يقول "أخفي نواياك":
Keep people off-balance and in the dark by never revealing the purpose of your actions. If they have no clue what you are up to, they cannot prepare a defense. Guide them for enough down the wrong path, envelope them in enough smoke, and by the time they realize your intentions, it will be too late.
وترجمته: دع خصومك يترنحون بوضعهم في الظلام وعدم كشف الغرض من حراكك. فالتعتيم يربك الخصم ويدفعه لكي يترنح ويفقد التوازن؛ وعندما لا يمتلك خصمك المعلومات ماذا تنوي أو تنوي أن تفعل لن يكون في إمكانه عمل دفاعاته أو خططه الهجومية نحوك. بل الأفضل أن تخدعه بأن تقوده إلى مسارات خاطئة ليست ذات أهمية، غلفه بما فيه الكفاية بغلاف من الدخان وعندما تأتي اللحظة التي يدرك فيها خصمك نواياك الحقيقية، يكون الوقت قد فات.
هذا بالتمام ما يفعله جون قرنق، وكذلك الولايات المتحدة في تكتيكاتها نحو الدول المستهدفة عامة، والسودان واحدة منها.
هذه مقدمة صغيرة لعنوان القانون الثالث (أخفي نواياك) وبما أننا نقصد حث الجميع على قراءة الكتاب نفسه الذي في يدنا، نشير إلى أسلوب طرح الكتاب ومعالجة شرح "القوانين" هي ليست مملة، ولا يضعها المؤلف بصيغ شبه "قانونية"، أو وعظية جامدة، أفعل ذلك ولا تفعل ذلك..!! بل يجيد تشريح القانون، ويضع أمثلة تاريخية حقيقية غطت النشاط البشري من أجل تفهيم القانون موضوع الشرح، أو تفهيم "القوة" عامة، هذه الأمثلة غطت كافة أنماط البشر ومواقعهم وأنشطتهم فمن النساء المحظيات وحتى قادة الحروب، من مدام بومبادو وحتى بسمارك..!!
وبما أنه ليس هنالك سبيل لتفصيل القانون الثالث أو بقية القوانين، لضيق المجال، لكننا نقف لنتأمل عبارة "غلفهم بما فيه الكفاية من الدخان" envelope them in enough smoke فالسودان الجديد، والتحالف مع التجمع الوطني القاهري، وكوش الجديدة، والمهمشين، وفتح مقرات لحركته في كل مدن السودان..الخ يمكن اعتبارهم بالمجموع ذلك الدخان، ولكن قبل هذا وذاك، وضع الدكتور جون قرنق الجميع في الظلام، حتى الجنوبيين، وأجبر الجميع على أن يترنحوا ويفقدوا توازنهم، لأنه أبدا لا يكشف نواياه الحقيقية ماذا يرغب. وتحت هذا الستار من الدخان يؤسس "دولته" القادمة، ولم لا أليس الجميع في حالة ترنح؟ وعندما يكتشفون نواياه الحقيقية، يكون الوقت قد فات..!!
نحن بمقالتنا هذه لا نؤسس نبؤة بأنفسنا لكي نحققها بأنفسنا، ولا ندعو أحدا على أن يعمل على فصل جنوب السودان، أو قلب الطاولة على رأس الدكتور جون قرنق وحركته، ولكن كلنا يعلم أن التشخيص الجيد، هو نصف العلاج. فليس كل السودانيين الجنوبيين يرغبون في الانفصال، ولا يمثل جون قرنق وحركته كل الجنوب. ولكن ما فعله الدكتور جون قرنق من مظاهر حتى الآن هي لتأسيس دولة قادمة تحت ستار كثيف من الدخان. فإذا نجا في رومبيك، فكيف ينجو في المرات القادمة خاصة أنه يرغب في قبض المناصب الثلاثة نائب الرئيس، ورئيس حكومة الجنوب، ورئيس الحركة!! وهذه الرغبة في جون قرنق، ليس لأنه مريض بالسلطة، بل لأن قانون"القوة" الثالث والعشرين يقول ذلك – "كثف كل قواك".
- Intensity defeats extensity every time.
لأنه إذا توزعت هذه المناصب على غيره فليس هنالك ضمان ألا تفلت الأمور كلها من يده. وكيف تفلت؟ نقول مثلا، إذا تعشقت clutching مقومات اقتصاد الجنوب في الاقتصاد السوداني ككل تضعف قوى عوامل الانفصال، والدكتور جون قرنق لا يرغب في هذا التعشيق - إذ فاجأنا بقطاره، وأنابيبه البترولية المنطلقة نحو ممباسا تحت وابل من شعارات السلام، والسودان الجديد، وفتح مقرات حركته في كافة أنحاء السودان، وهي ليست سوى دخاخين. لذا فضل أن يكون الحوار الجنوبي- جنوبي في كينيا، بعيدا عن القوى الشعبية المؤثرة داخل الجنوب، وهنالك يمكن طبخ طبخته بتليين القيادات السودانية الجنوبية بواسطة ضغوطات الكينيين والألمان والأمريكيين، ومعهم عملاء الأمم المتحدة. ألا ترى الدكتور جون قرنق يهرب من جوبا إلى عاصمة جديدة، فسكان جوبا راغبون في الوحدة) أ.هـ.
هذه الكلمات المعبرة أعلاه كتبت في 5 مارس 2006م أي قبل وفاة الراحل الدكتور جون قرنق. فعندما ينقلب ابناء جون قرنق ثلاثمائة وستين درجة على أعقابهم القهقرى ويرفعون راية الإنفصال في هذا التوقيت تكتسب هذه المقالة مصداقية خاصة. والآن فقط يمكن أن نفهم بأثر رجعي لماذا سحق الدكتور جون قرنق الفصائل المسلحة الجنوبية التي رفعت شعار الإنفصال في التسعينيات، ليس لإيمانه بالوحدة، بل للإختلاف في الأسلوب والتكتيك وفهم قوانين القوة. برفع شعار الإنفصال من ضرية البداية لن تحقق شيئا يذكر – لن يجلس معك أحد ولا حتى الخنازير ولن تحقق الإنفصال!! هكذا علم الدكتور جون قرنق الحركات المسلحة الدارفورية، فهؤلاء بدأوا "كفاحهم" المسلح تحت شعار: حركة تحرير دارفور، ولكن الراحل المقيم الدكتور جون قرنق نصحهم أن يغيروا شعارهم إلى حركة تحرير السودان، لكي يطبقوا نفس خدعته!! ليتأمل القارئ قانون القوة الثالث أعلاه ويتذكر عبارة السيد باقان أموم too late التي كررها مرارا، ولا نشك أنه أخذها من نفس الكتاب الذي بيدي، فهل كلف سياسيو المؤتمر الوطني أنفسهم بشراء هذا الكتاب قبل أربعة سنوات وأجادوا المذاكرة أم أنهم قد خدعوا؟ الجواب في المقالة التالية.
Shawgi Osman [shawgio@hotmail.com]
شوقي إبراهيم عثمان
كاتب ومحلل سياسي
كتبت هذه السلسلة من المقالات في 22 أكتوبر 2010م، أي قبل الإستفتاء، ولم تنشرها لي صحيفة مشهورة أحتفظ بأسمها، رغم تأكيد رئيس التحرير لي أنها ستنشر. أنشرها للتاريخ وتسجيل موقفي من الذي يجري في السودان.