فاصل ونواصل … بقلم: د. احمد خير/ واشنطن
منا من يتحين الفرصة ليشاهد على تليفزيون جمهورية السودان برنامجا له هدف غير سياسى ويركز على ما يدور . ولكن سرعان ما تأتى الطامة الكبرى التى تنغص حياة البعض منا ألا وهى " فاصل مع أغنية ... " كنت أشاهد برنامجا أستضيف فيه أحد أولئك ممن يشيرون إليهم بـ " العالم" ... إقتربت من التلفاز وفى يدى فنجان الشاى ممنيا النفس بلحظات تطرح فيها معلومات يمكن الإستفادة منها . وبالطبع العقل لابد وأن يكون منفتحا على كل جديد يضاف إلى خزينة المعلومات التى نستقيها من الإعلام المرئى الذى هو الوسيط الأخف والأسهل الذى يأتينا بالمعلومة فى إخراج وإنتاج وتقديم يحاول فيه مختصون أن يقدمونه للمشاهدين فى أجمل صورة لتنال القبول والإستحسان. فى العالم الغربى يبحث ويتسابق أصحاب الإعلانات لبث إعلاناتهم فى البرامج الأكثر مشاهدة ترويجا لسلعهم . ولضمان إبقاء المشاهد على مقعده للإستمرار فى المشاهدة أصبح سوق الإعلانات فى تنافس مستمر من ناحية الجودة فى المادة المقدمة والإخراج لإنتاج أنفق فيه الكثير لتخرج المادة إلى الجمهور بالصورة الجاذبة المحببة التى تدفعه ليواصل مشاهدة البرنامج والمادة الإعلانية . وبرغم التسابق فى سوق الإعلانات يجد المشاهد فى وقت الإعلان فرصة لإستخدام الريموت كنترول للتجوال بين الكثير من القنوات الأخرى فى سبيل العلم بما تبثه تلك القنوات . ثم يعود إلى مواصلة مشاهدة البرنامج . ويجد البعض الآخر فى وقت الإعلان فرصة لعمل فنجان قهوة أو وجبة خفيفة يتناولها خلال مشاهدته للبرنامج .
فى حالة تليفزيون جمهورية السودان, هناك قناة واحدة يعنى ليس هناك مجالا للتنقل . كما أنه ليس هناك إعلان يجذب المشاهد . ,إستعاضت البرامج الحوارية بتقديم فاصل أغانى . والشئ الذى دفعنى لتسطير هذه السطور هو أن البرنامج الذى كنت أشاهده والذى لاينتمى للبرامج الترفيهية وجدت مقدم البرنامج يقاطع الضيف قائلا: فاصل نستمع فيه إلى (الفنان) ونعود . وكان أن هل على الشاشة مغنى مبتدئ لم يطرب إلا مقدم البرنامج حيث أنه الوحيد الذى ظل يتمايل مع كلمات الأغنية والضيق بادى على وجه الضيف الذى وجد نفسه فى موقف لايحسد عليه . وإنتهى فاصل الأغنية ويهل مقدم البرنامج ليقول " نواصل ما إنقطع من حوار مع البرفسور .... " ويبدأ قائلا: إحنا وقفنا وين ؟
ويدله البروفسور إلى النقطة التى توقفا عندها . وبعد قليل يقاطع مقدم البرنامج " فاصل ونعود لنستكمل حوارنا مع البروفسور ... " وتنتقل الكاميرا إلى ( الفنان) ويتكرر نفس المشهد الذى يتمايل فية مقدم البرنامج ولا نعلم إن كان طربا أو مجاملة لذلك الشخص ( الفنان) الذى أتى به إلى الأستوديو ليعكر مزاج المشاهد أو لينفره من مشاهدة تليفزيون جمهورية السودان الديمقراطية .
ثم يختم قائلا: نشكر لكم مشاهدتكم ونتمنى أن تكونوا قد إستمتعتم بما قدمنا وإلى لقاء بعون الله !
أعلم ان هناك العديد من البرامج التى تأتى بفنانين حتى وان كان نوع البرنامج لايمت للفن من قريب او بعيد وهذا مايدفعنى للتساؤل: من الذى ادخل الفواصل الغنائية فى البرامج التليفيزيونية فى السودان ؟ ومتى ادخلت ؟ وماهى الأسباب او الحاجة لتلك الفواصل ؟ ان لم تخنى الذاكرة ادعى القول ان ذلك حدث مع بدء البث التليفزيونى فى السودان فى بداية الستينيات من القرن الماضى ، اى قبل حوالى النصف قرن من الزمان . وبنظرة سريعة إلى التطورات التى حدثت فى البث التليفزيونى حول العالم ، ومن التحول من الأبيض واسود إلى البث الملون والى الديجيتال والريموت كنترول والى البث من خلال الفضائيات والبث الإلكترونى . كل تلك المتغيرات والتكنولوجيا المتطورة لم تحفز قريحة احدهم لينتقل بنا ما اساليب منتصف القرن الماضى الى نوع جديد من البرامج التى تحترم المشارك والمشاهد ؟! من هنا نتقدم بنداء لمعدى البرامج فى تليفزيون جمهورية السودان بأن يعملوا على الخروج من تلك الظاهرة المتكررة ( فواصل غنائية) ويترك الغناء فقط للبرامج التى هدفها الترفيه وليتركوا هذا الخلط الذى يؤذى المشاهد وينفره من مشاهدة تليفزيون جمهورية السودان .
موضوعى هنا لم ينتهى بعد ... فقط فاصل ونواصل ... وبدون فنان !
Ahmed Kheir [aikheir@yahoo.com]