دة الكلام يا عصام!! من الذي قال: ما يقبلوش!!

 


 

 

عندما سمع الرئيس المصري السابق، المدعو حسني مبارك، اقتراحا من جانب الحكومة السودانية، بأن تقدم بلادنا لبلاده أرضا واسعة، تناسب زراعة القمح، ويكون الإنتاج فيها قائما على نوع من الشراكة المرنة، وفي ظل تفاهم اقتصادي استراتيجي بين البلدين، لم يكلف خاطره ببحث الموضوع بحثا جديا، ولا تأمَّله مليا، وإنما قطع بقوله من دون تبصر أو تريث، وبلا أدنى قدر من اللباقة أو الكياسة أو الاحتياط وأجاب:
- ما يقبلوش!
- وعندما لم يفهم محدثه السوداني معنى هذه الإجابة المبهمة، عاد وسأله قائلا:
- من هم هؤلاء الذين ما يقبلوش؟!
- فرد الرئيس المصري المنخلع بكل فجاجة وفهاهة قائلا: الأمريكان ما يقبلوش!
وازداد محدثه السوداني اندهاشا، لا لأنه لم يكن يعرف أن الأمريكيين يعترضون على أي محاولة لسلب سلاح القمح من بين أيديهم، هذا السلاح الرهيب الذي كم ركّعوا به من العباد والبلاد، وإنما لأنه استغرب أن يتحدث الرئيس المصري السابق في هذا الموضوع الفائق الحيوية بهذه التلقائية العبيطة، وبهذا التسليم المطلق، الذي يعطي للأمريكيين الحق الذي لا يستحقونه في الانفراد بسوق القمح، واستخدامه سلاحا سياسيا لتتبيع بلاد كبيرة كثيرة لبلادهم، كان في طليعتها الاتحاد السوفيتي سابقا، وبقيت في طليعتها مصر الآن!
ولكن هكذا كان حسني مبارك، وهكذا ما زال أمثال له من حكام عهود التتُبع والتبعية، يخضعون بلادهم لأسيادهم الأمريكيين، وييسرون لهم أمر السيطرة والهيمنة على أقدارها.
ولحسن الحظ فإن هذا العهد على وشك أن يتولى عن مصر وينقضي، فها هي أرض الكنانة العظيمة قد آلت على نفسها أن تتحول بحول الله  تعالى عن الخط السياسي المتخاذل، الذي مَرَدَ على السير عليه رئيسها المخذول المخلوع، وها هو فخامة الدكتور عصام شرف رئيس مجلس الوزراء المصري الحالي يتمرد على هذا القيد الذي تطوع حسني مبارك بتكبيل بلاده به لصالح الأمريكيين.
وقد بان هذا التحول جليا بمخالفة هذا السياسي العصامي الشريف، المنبثق من قلب الثورة التي قلبت حسني مبارك، لإرادة واشنطون المريبة ورفضها المغرض لتحسين العلائق بين مصر والسودان، واعتراضها على أي تنسيق اقتصادي بينهما، ولو كان تنسيقا في أهم أساسيات الحياة والعيش ومطالب القوت.
وقد جاءت مخالفة هذا العصامي الشريف للوصاية الأمريكية على بلاده جريئة جدا، حيث اختار السودان محطا لأولى زياراته خارج مصر، وجعل زيارته لبلادنا تطول في الزمن، مخالفا بذلك من نحو آخر دأب الرئيس المصري السابق حسني مبارك، الذي كان بالغ الأنفة والازدراء والكبرياء المفتعل الكاذب، حيث لم يكن يزور بلادنا - إذا زارها - إلا لساعات قصار!
وقد جاءت مخالفة هذا العصامي الشريف للوصاية الأمريكية على بلاده جريئة حاسمة، عندما جعل على رأس أولويات سياسته، وعلى رأس أولويات زيارته لبلادنا التنسيق في ذات الشأن الاقتصادي الذي رفض حسني مبارك أن يفكر فيه مجرد تفكير بدعوى أن الأوصياء ما يقبلوش!
وفورا بعد أن وصل رئيس الوزراء المصري الدكتور عصام شريف لبلادنا، بشرت صحيفة (الأهرام) القاهرية مواطنيها، بأن رئيس وزرائهم قد اجتمع بسعادة نائب الرئيس السوداني، الأستاذ علي عثمان طه،‏ وبحث معه أمر استيراد خمسمائة طن لحوم (بِتَلْو) طازجة يوميا من السودان، من إجمالي مليار طن تم الاتفاق عليها، علي أن يباع الكيلو في مصر بخمسة وثلاثين جنيها‏,‏ كما تم الاتفاق علي تقليل الاجراءات البيطرية المصرية بما لايخل بالأمن والسلامة‏.
وهذه الخبر الذي زفته (الأهرام) إلى أهل شمال الوادي الكرام سيسعدهم بلا شك كما يسعد أهلنا السودانيين الكرام.
فإن كان مما يهم إخوتنا في الله المصريين أن تتوفر اللحوم في أسواقهم وأن يتمكنوا من شرائها بنصف سعرها الذي تباع به هناك الآن.
وإن مما يهم السودانيين جدا أن تنفتح لاستهلاك منتجاتهم الحيوانية ثمانون مليونا من أفواه جيرانهم المصريين الذين يشكلون أكبر سوق في العالم العربي.
وقد زادت (الأهرام) في البشرى فذكرت أن الجانبين المصري والسوداني قد اتفقا علي زراعة‏ مائة‏ ألف فدان بالسودان، تضم‏ مائة‏ ألف عامل، تزداد في المرحلة المقبلة الي مليون فدان.
كما تم الاتفاق بين الشركات المصرية والسودانية علي زراعة أرض السودان‏,‏ حيث سيقوم الاتحاد العام لمنتجي الدواجن في مصر باستيراد جزء من احتياجاته من الذرة والبالغ‏ عشرة‏ ملايين طن من السودان، وبأسعار أفضل من الأسعار التي يحصل عليها بأقل من‏ عشر بالمائة، وتم الاتفاق بين القاهرة والخرطوم بما يقفز بالتجارة بين البلدين من ‏سبعمائة‏ مليون دولار الي مليار دولار‏.‏
ولا شك أن هذه كلها طموحات ضخمة مشروعة وممكنة التحقيق.
وقد فئنا أخيرا لنتفاءل كثيرا بعد انهيار النظام المصري الذي لم يقعد بمصر وحدها وإنما أسهم بجهد هائل طائل في تعويق نهضة السودان.
ونرجو من حكيم الأمة السودانية وأمينها، الأستاذ علي عثمان محمد طه، نائب رئيس الجمهورية، أن يجعل رعاية هذه المشروعات النهضوية الاستراتيجية المشتركة، التي يسرها لنا القدر أخيرا، في عهدة الشرفاء الأقوياء.
وأن يبعد عنها سوس الفساد المنتمي إلى المؤتمر الوطني، والمتنامي بحقوله، والمتصاعد بغروسه، بغية أن يتمكن من أن يلتهم نصيبا من الرشاوى والأنصبة الحرام في أمثال هذه المشروعات الاستراتيجية الموعودة.


mohamed ahmed [waqialla1234@yahoo.com]
 

 

آراء