اعلان الدولة الوليدة والفؤوس على رأسها !؟ … بقلم: آدم خاطر

 


 

أدم خاطر
4 April, 2011

 


حرب متطاولة اتخذت أكثر من شكل وآلية منذ أن تفجر تمرد الأنانيا قبيل الاستقلال ، مرورا باتفاقية أديس أبابا عام 1972والمعادلة التى جلبت لجعل الجنوب فى ثلاثة اقاليم ادارية ،  وحتى بروز الحركة الشعبية  عام 1983بكل تقلباتها وانتماءتها الاثنية والعقدية  ، كان الصراع بدافع الوضع الاقتصادى المتردى هناك وكسر حدة الفقر والتهميش ، وتحقيق وضع أفضل لمواطن الجنوب وعتقه من براثن التبعية للمركز ظلت هى الشعارات الملهمة !. وكانت هذه هى الدعوات حتى عهد قريب هى التى تقود دينماكية النزاع فيما بقيت فكرة تقرير المصير خاملة لم تكن واردة فى العديد من النقاشات التى تجريها الحركة ولا هى فى أدبياتها وتحركاتها الخارجية ، ولكن سرعان ما تبدلت الأحول وتغيرت المسارات  حينما زايدت علي هذا الخيار الأحزاب التقليدية فرادى ومجتمعة فى حوارها مع زعيم التمرد وقتها د. قرنق  فيما عرف باتفاق المهدى قرنق واتفاقية الميرغنى قرنق بكوكادام ، وتم فيما بعد عتماد الفكرة  كورقة رسمية فى اللقاء الذى جمع المفاوض الحكومى وقتها د.على الحاج محمد مع د . رياك مشار ود. لام أكول فى 1992 بفرانكفورت كمفاوضين عن الحركة الشعبية  ، لتأتى أحزاب التجمع وبعض العسكر داخل كيانها لاقرارها كمبدأ أساسى فى وثيقة مقررات أسمرا المصيرية فى 1995 م ، عندها انتقل الصراع الى غايات وسقوف كان لها ما بعدها بتأييد اقليمى كما فى مبادرة الايقاد ، وسند دولى تقف كبريات الدول مساندة له فى الغرب والولايات المتحدة وباسناد اسرائيلى ظل يغزى الصراع فى الجنوب ويغرى بقادة الحركة للاصطفاف وراء تحقيق مصير الجنوب ، ولكن أى مصير  وأى ثمن ستدفعه الدولة الوليدة ؟ ولماذا انساقت الحكومة وراء هذا الخيار واقراره فى اتفاقية السلام الشامل والتأكيد عليه فى تنفيذ الاتفاق حتى بلوغ الاستفتاء رغم أن المؤشرات كانت تقلب خيار الانفصال وترجحه؟!. وكيف هى الوضعية التى عليها جنوب السودان من حيث الامكانانات ومقومات الدولة ومطلوباتها ، وقد توفر لها قدر من الحكم الذاتى خلال الفترة الانتقالية وموارد مالية وفنية ليست بالقليلة من عائدات النفط ودعم المركز والعالم عبر ما اتيح من منح وقروض وهبات  لكنه سرعان ما تبدد أيدى سبأ ، واستكبرت بعض قيادات الحركة فى قبول مقترح تمديد الفترة الانتقالية لخمس سنوات أخرى كى تقوى الدولة الوليدة وتؤسس بعض البنيات التى يمكن أن تقود الى الدولة وأسس الحكم ومستحقاته !. الارتباك الذى انساقت فيه الحركة الشعبية من وحى فكرة تقرير المصير انبنى على شحنة عاطفية جياشة بشعارات ونعرات وأحقاد مشربة ، اضافت اليها الحميات والعصبيات والشخصنة بعدا آخرا دون اكتراث الى ما ستسفر عنه الأيام والظروف  وواقع الحال ، وما يوجد بالشمال من منسوبى الجنوب ربما يفوق عداد أولئك الذين هم بالجنوب أو المهاجر ومعسكرات النزوح !. الفكرة كانت معروفة النتائج وتجاربها القريبة والبعيدة  كانت تعزز خيار الانفصال للاقليم أو الدولة بتجارب آسيا وأوربا أو الاتحاد السوفيتى ، لذلك كان الخطاب السياسى للحركة يعلى من وتيرة المناداة بهذا الخيار وينخفض حسب مؤشرات القياس ودرجات الحرارة التى يتطلبها الموقف الداخلى والتكتيك وهى تتعاطى مع الداخل والاقليم والعالم بأكثر من خطاب ولسان ، وتظن أنها كانت تتماهى مع الوحدة التى لم تكن من خياراتها بمكان الى أن حانت ساعة الصفر وأنكشف الغطاء وجرى الاستفتاء فى موعده المقدس ، وكانت النتيجة على النحو الذى مازح به رئيس الجمهورية السيد وانى وهو يقول بأن النتيجة ستكون أكثر من 98% لكنها مضروبة ومعدة سلفا ، لذلك جرت الموافقة على النتائج وقبولها من الشمال بشكل دراماتيكى افسد نشوة الانتصار لتنتهى الاحتفالات بالنصر فى غضون يومين فقط !. والذى يعيش واقع مدن وأرياف الجنوب بعد اعلان النتيجة يشفق أن يكون بريق هذا الانجاز الذى ظل ينتظره هذا الشعب لأكثر من خمسة عقود آخذ فى الأفول ، ترى هل زهد الشعب فى الانفصال أم قياداته أم هو المصير الحالك الذى ينتظرهم والمهالك تتبدى بشكل أوآخر فى أكثر من مشهد وواجهة تذهب بكل حلم ، فينقلب السحر على الساحر ، وبلدان العالم الكبرى منشغلة بمخرجات الثورات الشعبية فى تونس ومصر وما ستؤول اليه الأوضاع فى كل من ليبيا واليمن والأردن وسوريا ، واليابان هى الآخرى تعيش مأساة ربانية فوق تصور البشر وقدراتهم هكذا يقول المشهد الذى اجتاحها لثوانى معدودة ، فالى أين يتجه الجنوب ودولته وسط هذا الركام ، وأى مصير يتوعده !؟.
كان الأمل فى عقلاء الحركة عوضا عن هذا الشك والعدو المتوهم من الشمال أن يوظف عائد النفط  والثروة فى مكانه وحاجته ، بأن يصار الى بعض البنيات التحتية والخدمات الضرورية من صحة وتعليم ، وبعض ضرورات الحياة والمعيشة والجنوب بكاملة يرقد فى محيط جغرافى مغلق يعقد من حياة الناس ومدنه تشهد غلاءً فى الأسعار يفوق طوكيو  ، ومن حوله جوار جديد تتهدده بؤر توتر ونزاعات قادمة وصراع مرير له تبعات وتداخل فى المصالح وفواتير كبيرة تنتظر قادة الشعبية !. هذا الى جانب مطلوبات القانون وهيبة الدولة ونواب الحركة على أعلى مستوياتهم يرغبون فى البقاء بالخرطوم رغم انتفاء دواعى البقاء بالبرلمان والمسارعة لفك الارتباط  ، وكأنهم زاهدون فى أن يجودوا على الوطن الوليد بخبرتهم وتجربتهم فى التشريع ووضع القوانين واللوائح التى يحتاجونها أم هو الهروب الى الأمام !.ومن قبل ذلك كانت أزمة الانتخابات العامة التى يشهدها الجنوب لأول مرة فى تاريخه والحركة تستحوز على مفاصل السلطة والثروة وفئة بعينها تحتكر المال وتشيع الفساد والمحسوبية ، فيتمرد أطور فى مناطق عطار بعيد الانتخابات لتصل رقعة التمرد فى فترة وجيزة مناطق اللاونوير فى واط وأكوبو وجنوب السوباط حتى مناطق أيود وشمال بور وشرق ملكال مؤخرا !. ولا يقف التمرد عند حركة قلواك قاى وحركة الكوبرا أو ما يعرف بياو ياو من أبناء المورلى الى تمرد السلطان عبد الباقى أكول المستشار السابق لسلفا وانتهاءا  بتمرد بيتر قديت الذى له وزنه وثقله العسكرى والقبلى ، ولا يفوتنا أن نذكر بثقل لام أكول وما يثار حوله من اتهامات لجهة تحريك هذه المجاميع على تباين منطلقاتها وارتباطاتها ، اضافة الى السلطان اسماعيل كونى ووضعه المتأرجح وتململ فاولينو ماتيب الذى يرابض بنيروبى  ، والمناوشات التى تجرى مع القائد قبريال تانك وغيرهم من قادة المليشيات الظاهرة والمستترة التى تسعى لتشكيل حلف سياسى وعسكرى يعيد الى الأذهان جبهة المنبر الديمقراطى وبعض القادة والزعماء السياسيين والقبليين ينظرون من طرف خفى الى الحركة الشعبية وهى تكرس واقع الفرقة والانقسامات الداخلية بين يدى اعلان الدولة الجديدة عوضا عن احتوائها ودعوتها للمشاركة واقتسام السلطة ، وقضايا كبرى تلفها تتمثل فى استيعاب الكوادر البشرية العائدة من الشمال  من قوات نظامية وخدمة مدنية تفوق ال140 الف كادر وقدرات الجنوب الحالية لا تستوعب أكثر من 10 آلاف فى أحسن المعادلات !. وملف أبيى سيبقى علامة فارقة فى ظل هذا الواقع غير المؤاتى ولا يمكن للأطراف أن تصل الى تسوية سياسية تطوى هذا الملف الحساس فى غضون أيام ، ولا يمكن لملف الحدود أن ينجز هو الآخر ولا بقية القضايا التى تنتظر المقاربات فى الشئون الاقتصادية والعسكرية والترتيبات الأمنية وغيرها لتداخل بعضها مع بعض واستعصام كل طرف بمواقفه لكسب النقاط كل ذلك يجعل الحبل فى عنق قيادة الحركة وهى قد أحاطت نفسها بهذا السياج الكثيف من الهموم دون حلول ، وأرتهنت لصياح باقان وعرمان ووعودهم الكذوب وتحالفاتهم الميتة مع الأطراف الخارجية والتجارب فى هذا أمر من العلقم ، والحلو ينتظر نصرا سحريا سبق وأن تحقق لعقار بالنيل الأزرق بمعادلة وتقدير معروف ، ولكن الوقت والظروف مختلفة فى جنوب كردفان ، والدروس المستفادة تكتب واقعا جديدا يخالف رغبات قادة الشعبية ان لم يكن مشنقة أخرى تنصب قرب صيوان اعلان ميلاد الدولة الوليدة !. يضاف الى ذلك الوجود الدولى الكثيف بغطاءاته المتعددة والمخابرات الأجنبية واسرائيل تتسربله وان تنكرت الحركة لهذا الزعم فالشواهد كاشفة عن ذاتها لمن يبصر ويراقب حركة الوجود الأجنبى وما وراء أجندة الأمم المتحدة التى ستنتهى مهمتها بالشمال لكنها باقية بالجنوب بقاء عسيب حتى اشعار آخر !.
جملة من المشاهد والتطورات السياسية والأمنية والعسكرية تحيط بواقع الجنوب لا يحسب حسابها بدقة ، وشهور ثلاثة تفصلنا عن موعد اعلان الدولة والأولويات غير واضحة والقيادة فى ارتباك واضح والتداخل فى الاختصاصات يكاد يكون سيد الموقف ، والاتصالات بالأطراف الخارجية تريد استدعاء صراع الفيلة والتشاكس والتشويش على أيام تطبيق الاتفاق ولا وقت لدى الحكومة فى الشمال تصرفه على دعاوى ومزاعم باقان الذى يملك سودانا جديدا بالفعل على أرض الجنوب  ! وعرمان دعى الحريات العامة والتحول الديمقراطى هو الآخر أصابه الذهول وهو يرى المعارضة الشمالية تتهاوى بعد فك ارتباط تحالف جوبا عمليا لعدة اعتبارات جوهرية ، وأن مصير قطاع الشمال بات فى كف عفريت أهون منه مصير تلفون كوكو الذى يقبع فى سجون الحركة التى ستمتلى بالنشطاء والمعارضين كلما أقتربنا من موعد الاعلان ان لم تستمر التصفيات والقتل ودوامة العنف ، والتلاسن على أشده وعشرات الالاف لا تعرف مصيرها بين الخرطوم وكوستى تنتظر قطار وبارجات العودة الى مدنهم وقراهم والدولارات التى رصدت لهم قد جرى نهبها كما نهبت مليارات البترول التى يرى بعضها فى طائرات عسكرية جاسمة بمطار جوبا وبعض الصرف الدفاعى والعسكرى غير المرشد يعكس عقلية باقان الذى يريد أن يحول خطوط الأنابيب من الشمال الى شرق افريقيا بقرار سياسى هكذا دون ترتيب أو خبرة ودراية فى مزايدة سياسية رخيصة لا تنطلى على فطنة ، وعشرات الالاف من أبناء الجنوب يفقدون حظهم فى التعليم والدراسة على مستوى المدارس والجامعات هكذا بقرار فوقى لا تملك قدرات الجنوب أن تستوعب هذا الكم من الطلاب بحلول منتصف مايو الا أن تتنزل معجزة والهام على الوزير بيتر أدوك !. وهؤلاء هم كل المستقبل الذى ينتظره الجنوب ان قدر لاستقلاله أن يصمد وسط هذه العواصف والتقلبات التى لاشك أنها ستولد تيارا احتجاجيا ربما باغت الجنوب بثورة شعبية تفوق التجارب الماضية الآن على الساحة العربية ، وهشاشة الوضع الداخلى وتكاثر السلاح فى أيدى القبائل والمليشيات الى جانب احتكار السلطة وانشغال الأطراف الدولية عن الجنوب يفاقم من موجات التبرم ويجعل فؤوس هذه المجاميع تلتقى عند رأس الحركة الشعبية التى مكنت للكراهية والأحقاد التى حفرتها فى ذهنية العديد من أبناء الجنوب على ما حققت من نجاح تاريخى لجهة الاستفتاء الذى افضى لتقرير المصير !. لا نملك أن نكون أوصياء على زعامة الحركة الشعبية وهى تدرك أو لا تدرى هذا المحيط الذى يتهددها ، وهل تملك الخيارات لادارة هذا الصراع والعمل داخل هذه التباينات ، وهى ما تزال تحتاج الى الدولة الأم لاستكمال مطلوبات الفكاك السلس وتجييره لصالح استقرار الدولتين ، ولكن الشواهد تقول بغير ذلك وهنالك من يهيىء للحرب كانت داخل المحيط الجنوبى أو عودتها بين الشمال والجنوب ، رغم التأكيدات التى تصدر عن القيادة فى الجانبين بعدم رغبتهما فى العودة الى مربعها مرة أخرى ، ولكن كيف ذلك لا أحد يملك الاجابة وارهاصات التغيير تكاد تبرز ، والمعادلة الأمثل هى أن تتقوى الشعبية بالنظام الحاكم الآن طالما كان هو الطرف الذى مكن للاتفاق وضمن تنفيذه وحقق الانفصال وقبل نتيجته عن رضى ، ويرغب فى التعاون والتعايش وتبادل المصالح ، ولكن ان ظل سلفا يركن الى فتاوى الجهلة فى صفه وشطح أصحاب الأجندات الخارجية ومتعجلى القفز الى سدة الحكم فانه ودولته الوليدة هالكون لا محالة ، وبعضهم يعمد الى سوء التقدير ومغالاة الحسابات والأوزان التى لا يملكون ناصيتها بعد هذا الذى أشرنا من رأس جبل الجليد ، وعندها لن ينفع الندم وعلى الباغى تدور الدوائر !!.           
adam abakar [adamo56@hotmail.com]
 

 

آراء