من يأبى الرحمة أيها البطل؟!

 


 

 


على هامش سيرة الشيخ يوسف الخليفة أبي بكر


(إهداء إلى مستودع الحكمة والخير المرتضى)

قبل فترة كتب الأستاذ المصطفى البطل الذي لا يحبذ أن يأتي اسمه مسبوقا بصفة الدكترة مقالا ذكر فيه محاسن رجال عملوا في إدارة الرئيس الأسبق جعفر  نميري منهم العلامة الشيخ يوسف الخليفة أبو بكر.
إلا أن الكاتب المحترم قدم لاسم الشيخ الكريم بصفة المرحمة.
وهي صفة لا يأباها لنفسه أحد، ولا يرفض أحد بذلها  لأحد.
ولكن إيحاءاتها بصيغتها التي جاء بها البطل هي بلا شك مروعة جد مروعة.
وقد انتاب الروع بأثرها كثير من القراء، ومنهم كاتب هذه السطور، ففزع كما فزعوا إلى سؤال الناس والتثبت والتبين.
وقد اتصل البعض من القراء بعد تبينهم من الأمر واتضاح جليته بالأستاذ بالبطل، راجين منه أن يتكرم بشجب الإشعاع المرعب الذي أطلقه لفظه غير المستحب.
وعندما اتصلت به (إيميليا) وأخبرته بنتيجة تحرياتي بأهل البيت، وبذلت له النصح بأن يعتذر  رد سريعا قائلا إنه قد اعتذر بالفعل.
ولم أسكت عنه، بل كررت عليه أعابثه طالبا منه بذل تعويض مجز لأسرة العلامة (غير الفقيد)، ولي شخصيا لقاء ترويعنا بهذا الخبر الصاعق.
ورد ببديهة (حلفاوية) حاضرة، وبمكابرة (هل أقول حلفاوية أيضا؟) بينة، قائلا: إن له على أسرة الخليفة عامة، وعلى المرتضى منهم خاصة، دين كبير جزاء وفاقا على كلامه الطيب عن عميدهم الكريم.
وإن عليهم -  بالتالي - أن يبذلوا له المكافأة بما يليق.
وطلب مني أن أتوسط  لصالحه لدى القوم، طالما أني أعرفهم، لأجلب المكافأة منهم. وطلب أن يتم ذلك كله من خارج نطاق القضاء، لكيلا أحظى منها - كما يحظى المحامون عادة-  بنصيب.
شيخ الجامعة الإسلامية:
تعرفنا على الشيخ الناشط المفكر الدكتور يوسف الخليفة أبي بكر من بعيد عندما التحقنا بجامعة أم درمان الإسلامية في منتصف السبعينيات، ورأينا آثاره متجلية في الجامعة التي أسهم في التخطيط لها، ومن ثم ابتعثه لنيل درجة العالمية من إحدى جامعات الولايات المتحدة الأمريكية.
وآثار الرواد لا تخفى على من له دربة بقضايا الدعوة والفكر والتاريخ.
وفي غضون غيبته عن البلاد تحطمت الجامعة على يد الشيوعيين المايويين ثم عادت مزدهرة شامخة من جديد.

(وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ). الأعراف:58.
ولكن ما عاد الخليفة إلى الجامعة حيث استوعبته إدارات أخرى من إدارات التعليم والإرشاد.
ولم ينس الرجل عهده في ميثاق الدعوة فطفق يقدم دروسه في التجويد بمسجد جامعة الخرطوم.
شيخ الشؤون الدينية والأوقاف:
ثم  اختير في أوخر سبعينيات القرن الماضي وزيرا للشؤون الدينية والأوقاف.
ثم أعيد إلى تلك الوزارة في منتصف الثمانينيات.
وهناك التقيته لأول مرة وعرفته عن قرب، حيث كنا نجتمع بمكتبه يوميا من الصبيحة إلى الظهيرة نناقش قضايا الاحتساب.
ولا أدري على وجه التحديد - فقد طال الزمن – ما الذي بعث بي إلى تلك اللجنة المختصة بقانون الحسبة، التي كان فيها علي عثمان محمد طه وحسن مكي وحافظ الشيخ فيما أذكر: هل الحركة الإسلامية أم الجامعة الإسلامية؟
وأغلب ظني أن الأخيرة هي التي بعثت بي إلى هناك لأن الحركة الإسلامية قلما تأبه بي.
وطالما سمعت من تبكيت أخينا (المرحوم) ماجد يوسف وتنكيته أنهم لا يعتمدون علي ولا يوكلون إلي إلا محقَّرات الأعمال.
ولما سألته - رحمه الله - وما هي محقَّرات الأعمال في نظركم؟
قال: الندوات والمحاضرات والمقالات!
وهكذا عرفت قدري عندهم وما زلت ألزمه منذ ذلك الحين.
العفوية والتشدد ومكافحة الفساد:
وبمكتبه بوزارة الشؤون الدينية شهدت من مكارم الشيخ الخليفة فوق تواضعه وعفويته ورسميته وتشدده في الوقت نفسه الشيئ الكثير.
فقد رأيته يتبسط لحفظة القرآن الكريم وإن لم يكونوا من حملة الشهادات ولا ممن نالوا من التعليم القدر الوفير.
وقد نصب على باب مكتبة لافتة صغيرة تقرر أن دخول حفظة القرآن لمكتبه يتم فورا وبدون أن المرور على مكتب السكرتير.
ورأيته أكثر ممن مرة يطالب الشباب وأحداث السن بأن يقولوا آراءهم  بلا  تهيب ويشجعهم على ذلك قائل إن أفكارهم طازجة لا كأفكار الشيوخ.
ولا مرية أنه كان يقتدي في ذلك بسنة لسيدنا أبي حفص الفاروق، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وقد كان يأبه كثيرا برأي الأحداث، ومنهم العبادلة: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص.


ومن ناحية أخرى رأيت الشيخ الخليفة يجاهد أقطاب الفساد الضارب الذي  يتظاهر من داخل النظام المايوي ليطيح بالتوجه الإسلامي.
ورأيته ذات مرة في حادثة ليست معزولة يعالج حالة إمام مسجد متورط في الفساد وقد تشفع له كما يتشفع للمفسدين عادة الكثيرون من الكبار.
ولكن الشيخ الوزير أصر على قراره قائلا إن الفساد عندما يتأتي ممن يؤم الناس في الصلاة فهو شيئ كثير لا يستحق سوى التعزير.
وأذكر أنا كنا نصرف جزءا غير يسير من وقت اللجنة في تتبع أخبار المؤامرات التي كانت تصاغ في  دهاليز الاتحاد الاشتراكي وأقبية القصر الجمهوري للإطاحة بالتوجه الإسلامي وبالإسلاميين.
ولم يكن غريبا علينا أن يبدأ نميري عندما قرر أن يغدر بالإسلاميين ويتخلي عن الشريعة بإعفاء الوزير الخليفة أول ما بدأ.
ربما لأن في ذلك إشارة سياسية لمن ترسل إليهم الإشارات السياسية بأن العهد القادم هو عهد غير الإسلاميين.
ولكن خاب فأله إذ سقط هو وتعالى صوت الإسلام الحنيف.
ومضى الخليفة يجاهد بعلمه في سبيللا الله تعالى حتى خلف في كل بلد حوار.
رجاء إلى كهنة الضاد بواشنطون:
وقد سمعت من بعض حوارييه بأمريكا من كهنة الضاد من أمثال العلامة هاشم محي الدين الإمام، والدكتور تاج السر حمزة الريح، والدكتور محمد آدم الشيخ، والدكتور إبراهيم خالد المهدي، أحاديث كثيرة تمجد مناقبه المثلى.
وأرجو ان يتكرم هؤلاء الأفاضل وأن يتكرم سواهم من تلاميذ الشيخ وحوارييه بتسجيل تجاربهم  وانطباعاتهم عن آثاره لتصدر في كتاب يهدى إليه ويبقى ذكرى خالدة تحمل من فيض تاريخه ما يظل - بإذن الله تعالى- رحمة للعالمين.


mohamed ahmed [waqialla1234@yahoo.com]

 

آراء