ابيي القشة التي قصمت ظهر نيفاشا .. بقلم : عبدالبديع عثمان

 


 

 



واجهت  اتفاقية السلام الشامل  "نيفاشا" جملة  من المصاعب ومرت بعدد من المنعطفات الدقيقة والحرجة وهي  في طريقها نحو  إرساء السلام الشامل في السودان . وكانت بعد كل منعطف تخرج منهكة وخائرة القوى .  ولاحظنا أن  عثرات نيفاشا بدأت منذ اللحظة الأولي وحبرها  لم يجف بعد ،   ولا يتسع  المجال هنا لحصر عثرات نيفاشا في مسيرها في   طريق السلام غير  الممهد و المحفوف بشيطان التفاصيل ولكننا نود  أن نوضح  بأن أزمة ابيي وما صاحبها من تبعات  كارثية  لم تكن المشكلة الوحيدة التي واجهت نيفاشا بل هي   بمثابة القشة التي قصمت ظهر نيفاشا .

المدهش  في الأمر أن الإشكالات التي واجهت  نيفاشا لم تكن من صناعة طرف خارجي بل كانت من صناعة "ثنائي نيفاشا"  المؤتمر الوطني والحركة الشعبية وكانت الثروة والسلطة هما السبب الكامن وراء تلك الخلافات ولم يكن المواطن السوداني في الشمال أو الجنوب طرفا في هذه الصراعات كما لم تكن هذه الخلافات من اجله في كل مراحلها .

عقد  المواطن  السوداني الآمال العراض علي نيفاشا  لإخراجه من ظلمة الشمولية وظلم الدكتاتوريات  وجحيم الحرب إلى فضاء السلم والأمن والديمقراطية تحت سقف سودان جديد تصاغ العلاقة فيه بين الشمال والجنوب وفقا للعدالة الاجتماعية والتداول السلمي للسلطة بجانب  تقاسم التبعات والمعضلات المحدقة بالوطن  في الشمال والجنوب  وإقامة العلاقات المشتركة  وفقا لمعايير جديدة  يعكف الخبراء في الوطن الموحد على صياغتها وفقا لما تقتضيه اللحظة التاريخية في عالم يقوم على التكتلات والأحلاف والتوحد . والمحزن  في الأمر أن  السودان وفي هذه اللحظة التاريخية أصبح يغرد خارج سرب العولمة باختياره الانفصال بفضل نيفاشا وانقسم إلى دولتين كل واحدة منهما اضعف من الأخرى إحداهما موعودة بمشاكل وصراعات قبلية والأخرى موعودة بضائقة اقتصادية خانقة في الوقت الذي تنخرط فيه عدد من الشعوب في سلك التوحد والاندماج .

منذ توقيع الاتفاقية وبروز الصراع المحموم  بين  المؤتمر الوطني والحركة الشعبية (ثنائي نيفاشا) لاحظنا أن الصراع برز حول  نقطتين تمثلان لب  نيفاشا وسنامها  وهما السلطة والثروة ،  حيث تم تجيير  الاتفاقية من جانبهما  بلون السلطة والثروة ، مما جعل الاتفاقية ثنائية المعني والمبني ، حيث لم نشهد طوال تلك الفترة خلافا حول تقديم الخدمات للمواطن أو تحقيق العدالة و التنمية وتحسين الظروف الاقتصادية الصعبة  في الشمال والجنوب  بل كان الصراع حول المناصب الوزارية والأموال النفطية ،   دليلنا على ذلك أن الصراع  أول ما  برز إلى السطح كان حول  وزارة الطاقة والتعدين  في أول أيام الاتفاقية ، ومنذ تلك اللحظة أصبحت نيفاشا تنتقل من صراع إلي صراع حتي وصلت إلى صراع  ابيي الحالي وماهو إلا جزء من الصراع القديم المقيم حول الثروة والسلطة . ولان ابيي منطقة نفطية برز هذا الصراع ولو كانت غير ذلك ما حدث ما حدث ومخطئ من ظن أن الصراع في ابيي على  ما فوقها من بشر بل بسبب ماتحتها من نفط وبترول .  يعضد هذا المنحي  نيفاشا نفسها فقد بنيت على الثروة والسلطة ولم تضع  المواطن السوداني جنوبا  وشمالا في حساباتها ولا بين بنودها وطياتها . فلو وضعت نيفاشا الثنائية  المواطن السوداني بين سطورها بدلا من  شيطان تفاصيلها  لجنبها ذلك كثير من العثرات والنكبات ، وجعلها تسير في طريق محفوف  بالدعوات الصالحات .

في نظري أن النزاع  حول  ابيي اندلع منذ  احتكام  المؤتمر الوطني والحركة الشعبية (الحكومة) إلى محكمة التحكيم الدولية لحسم الصراع والنزاع الذي نشا بينهما  حول المنطقة و حدودها الجغرافية حيث صدر حكم المحكمة  حول ابيي  في العام 2009 . وهذا  يمثل سابقة دولية جديرة بدخول السودان بفضلها  لموسوعة "غينيس"  للأرقام القياسية .  فلجوء حزبان  في حكومة واحدة ودولة واحدة إلى محكمة التحكيم الدولية لحسم نزاع حدودي  داخلي لهو أمر لم نسمع به من قبل ، وهذا يدل على أن المؤتمر الوطني والحركة الشعبية كانا يتعاملان بعقلية انفصالية قبل وقوع الانفصال  باعتبار أن الشمال والجنوب دولتين لا دولة واحدة وحسب رؤيتهما أن الانفصال واقع لا محالة  حيث لم يتركا  منفذا تنفذ منه الوحدة فقد سدا دونها كل المنافذ .

بالنظر للمشكلات التي تواجه نيفاشا حاليا يبدو أن الموعد المضروب لانفصال الجنوب في  التاسع من يوليو القادم ستسبقه عدد من العواصف السياسية ،  وان ذلك  اليوم الموعود  سيكون لحظة صعبة وحاسمة ،  ليس كما كان يظن " ثنائي نيفاشا " ويظهر بجلاء أن  ميلاد دولة  الجنوب سيكون عسيرا  بحسب من لاح لنا من إشارات وغارات وثارات وتصريحات  كما نجد أن  الأم ليست في كامل عافيتها وهذا يجعلنا في قمة القلق على  المولود!. ومما لا شك فيه أن  سالفة الذكر نيفاشا أمام امتحان عسير وتواجه  مرحلة عصيبة بسبب  أزمتي  ابيي وجنوب كردفان وهي  الآن أمام تحدي حقيقي أن تكون أو لا تكون .

نأمل  أن يوفق الجميع في الشمال والجنوب في عبور هذه اللحظة المفصلية من عمر الوطن بكل سلاسة ويسر و ندعو  الشريكين بتحكيم صوت العقل ، وتغليب المصلحة العامة ،  على الخاصة وتدارك أمر الوطن ،  وإشراك جميع السودانيين  في أمر وطنهم ،  والابتعاد عن الثنائية ما أمكن ذلك ، فإشراك الجميع في هذه اللحظة بالتحديد يمثل معبر وجسرا للتغلب على المشكلات  المحدقة بالوطن  في الشمال والجنوب .

والله ولي التوفيق

abduosman osmanmajop [abdosman12@hotmail.com]

 

آراء