تمرد الجبال وأجندة الحلو !؟
أدم خاطر
16 June, 2011
16 June, 2011
بالأمس انخدعنا باسم السلام ومستحقات الوحدة الجاذبة فقدمنا تنازلات كبيرة وتقديرات لم تكن فى مكانها فسلمنا ولاية النيل الأزرق لمالك عقار ، وهو ابن الحركة الشعبية المدلل وعاشق قرنق بل كم هو مفتون بأفكار خاله فيليب عباس غبوش ونزعته العنصرية ، وحلمهم فى دويلة على أنقاض هدم السودان تكن قاصرة على أبناء تلكم المنطقة وما ستقيمه من تحالفات مستقبلية !. وعلى خلفية الانتخابات التكميلية فى منطقة جنوب كردفان كانت خيارات الحركة الشعبية اما فوز الحلو على أى نحو أو تقويض البناء بكامله وبدء معركة جديدة مفتوحة الخيارات والمآلات ، خاصة وأن أبيى قد خرجت من قبضة الشعبية بما كسبت يدها فى الكمين الذى نصبته للقوات المسلحة وهى تتأهب للخروج حسب الاتفاق ، حتى وان كان قائد قواتها من ضباط الحركة كما قضى الاتفاق بين الطرفين وبعلم رئيس الادارية وقوات اليونيمس ،خرجت أبيى ولو الى حين حتى يصار الى اتفاق نهائى لمشكلتها ، ولكن مآسى الشعبية لا تقف عند هزيمتها هناك أو فقدان الانتخابات لان مصيبتها تكبر كلما اقتربت من موعد اعلان دولتها والتحديات تحيط بها من كل اتجاه !. وباستعادة أبيى كسب الرئيس البشير العديد من النقاط وحقق مكاسب سياسية وعسكرية كبيرة ، أقلها أنها استعادة ميزان القوى ووازنت التنازلات الكبيرة التى قدمتها الدولة لأجل السلام والأمن والاستقرار والوحدة التى كم سعى البشير باتجاهها بجد وعزيمة ولكن هيهات !. وقد كانت القوات المسلحة التزمت بنصوص اتفاق السلام الشامل ومرجعياته رغم رأيها فى الكثير من بروتوكولاته ، وأوفت بالانسحاب من الجنوب حسب الجداول الزمنية احتراما للمواثيق بغية الوصول الى فك ارتباط سلمى وسلس ، يقود لعلاقات تعاون بناء فى المستقبل حتى تحدد الأطر والمرجعيات للتعامل عقب اعلان الدولة الوليدة !. الشمال أقدم على تنفيذ الاتفاق واحترام مرجعياته لأنه كان يدرك أن عرمان وباقان وألور لن يفوا بما هو مطلوب اليهم وجميعهم قد دعا لمد الفترة الخاصة بترتيبات المنطقتين خارج الموعد المضروب حتى يصلوا الى مرحلة الحريق الحالى، وكم تسلقوا بالمشورة الشعبية وعولوا على آلياتها وتفسيراتهم لها !. ولا غرو أن تسارعت الأحداث فى هذه المناطق وعاد صوت الحرب والسلاح فى تمرد واضح المعالم على الدولة وسلطانها ولن تعجز أطرافه عن ايجاد المبررات والدعاوى رغم الخطأ العسكرى الذى أرتكبته الحركة الشعبية فى أبيى، طالما هى تجد الاشارات من الراعى الأمريكى وتحريكه لمجلس الأمن ووعيده الذى تنضح به بياناته التى تستعيد حقبة التسعينيات الى الأذهان !. عاد الفلتان الأمنى الى كادوقلى والدلنج وربما دلامى وبدأ القتل والتصفيات الجسدية والحريق يتمدد ويلتهم كل شىء بتدبير محكم وأهداف واضحة المعالم !. وهكذا كان متوقعا أن يشعل الحلو منطقة جنوب كردفان بتمرد جديد وهو الذى تربى فى أحضان الحركة الشعبية وكم كان مولعا بالمدرسة الأمريكية واستراتيجيتها فى تفكيك السودان لتنهض فكرة السودان الجديد من بعد موات !. فسجن كوكو واستعدى تابيتا وجلاب وغيرهم ، وطال تجنيده بعض الأفراد والضباط فى القوات النظامية تماما كما هو الحال فى المشهد الدارفورى !. وتناغمت هذه المحاولات مع ايقاع ما يسمى المجتمع الدولى ودعوته للحكومة للانسحاب من أبيى ، وأتحد خطاب الحركة الشعبية والحلو وتمرد دارفور والأمم المتحدة مرورا بامبيكى والخيارات التى يطرحها ، ليتها تبقى على يوناميس لعام آخر أو تمدد صلاحيات يوناميد المتواجدة فى دارفور كأولى حلقات الضغط والمساومة على الحكومة كى تقبل الوصفة التى ترسل بها أمريكا فى قبول أثيوبيا كخيار يسمى (بالطرف الثالث ) يستند الى تجربة القوات الاثيوبية فى كلبس ويا لها من تجربة فى استخدامها المفرط لاطلاق النار واقتل والترويع بدعوى الحماية والدفاع عن النفس !. الهدف الذى ترسل به الأطراف الخارجية بين يدى خواتيم السلام أن ما فات تنفيذه فى مخططهم الآثم عقب الانفصال يمكن جنيه وتحقيقه من واقع الحرب الحدودية المفتوحة على طول الحدود المشتركة من دارفور وجنوب كردفان والنيل الأبيض وسنار حتى النيل الأزرق، سيما وأن الجيش الشعبى يضع يده على جودة والمقينص وكافيا كنجى وكاكا التجارية !.
التصعيد الذى حدث فى أبيى مؤخرا وبعض تبعاته تحيط بجنوب كردفان وربما أمتد الى النيل الأزرق هو واحدة من حلقات التآمر لمرحلة ما بعد الانفصال فى تعكير صفو الشمال وجره الى منزلقات جديدة تعمد لتكريس حالة اللا سلم فى الشمال واستمرار الاستنزاف والاضعاف !. والتحدى الذى يراد لنا من وراء القبول بفكرة الطرف الثالث النشط (اثيوبيا) كما دفعت بها الادارة الامريكية فى تكريسها لحاجز عدم الثقة بين الطرفين ،هو لفتح جبهة شرقية جديدة واحداث كارثة حتمية وأن تدمر العلاقات السودانية الاثيوبية فى أحسن السيناريوهات ، بدخول أثيوبيا من جديد الى حلبة الصراع بعد أن فشلت جهودهم فى تشاد وانشغلت كل من ليبيا ومصر بالأحداث الداخلية التى أحاطت بهذه الدول وغيرت من واقعها السياسى والجيوبولتيكى !.هذا الرهان الخاسر ان قبلنا به فهو بطريقة أخرى ربط لكل المسارات العالقة للجمع بين الحدود العادية والنقاط الحدودية المتنازع عليها وأبيى ومنطقتى جنوب كردفان والنيل الأزرق خارج ترتيبات 1956 ، مرورا بالحدود المشتركة المقترحة (ِCBZ) ، وتواجد القوات الأثيوبية فى أى شبر سيكون محكوم بالوصول الى تسوية فى كل هذه المعضلات مما يعنى بقائها الى الأبد واستمرار الخلافات وانتقال الصراع الى بعد اقليمى ودولى آخر ، وكبار ضباط أثيوبيا كان قائدا لقوات الحركة ابان التمرد ، ومكاتب الحركة وتجييشها وامدادها كان وما يزال عبر أثيوبيا ، وأهل السودان لن ينسوا معرض السلاح الذى أقامته أثيوبيا بالجنوب والسلام فى بداياته ، وعلاقات أثيوبيا بأمريكا أقرب وأوفر وأهم من علاقاتها بالسودان الشمالى طالما هى تعتمد عليهم فى الكثير من احتياجاتها !. هنالك هدف استراتيجى للدول العظمى بقيادة الولايات المتحدة من خلف هذه الأحداث لاحداث فراغ أمنى يقود لتشكيل قوات حماية دولية ، وهى فكرة مطاطية تحمل العديد من المخاطر بعد أن أراح الله البلاد من قوات يونيمس !. الذى يجهله الكثير من الناس أنه لا يوجد نص فى اتفاق السلام الشامل ولا توابعه فى ترتيبات المناطق الثلاث يقول باستيعاب أبناء هذه المناطق فى القوات المسلحة ، وأن الحركة استخدمتهم فى مرحلة الصراع وتريدهم اليوم وقودا جديدا للحرب ، ولكن القيادة السياسية لا تمانع فى مبدأ الاستيعاب على أسس ومبادىء قومية يتفق عليها تقديرا لتاريخ هؤلاء فى تكوين القوات الوطنية ، متى ما تحللوا من قبعة الحركة وأجندتها السياسية التى يمتطيها الحلو !. كان هنالك موعد لفك ارتباط معلن بين الحركة الشعبية وأبناء المنطقتين بحلول 31 مايو 2011م ، نسفه الحلو لأنه كان يستخدمهم فى الانتخابات ويدخرهم للمرحلة التى تليها فى حالة الفشل كما هو الحال الآن !. فالحركة لم تكمل انسحابها جنوبا والحلو هو المسئول عن اجهاضه ، كما أنه عمل لنسف المشورة الشعبية لتحقيق أهدافه لأنه أيقن من نتائج تجييرها لصالح وحدة البلاد واستقرار الشمال ، لكن الأجندة الغربية تمنعه من التقدم والمناورة لارضاء أربابه الكثر خارج نطاق الحركة الشعبية !. لذلك والقوات المسلحة قد أمسكت بزمام المبادرة العسكرية فى كل المحاور ، وأن الحوار الذى يجرى بين الطرفين لأجل استكمال استحقاقات ما بعد الانفصال فى حالة شلل تام ان لم يكن قد تعقدت فرصه للوصول الى تسوية نهائية، فان هامش المناورة عند عقار بالنيل الأزرق بات ضعيفا ، وقد بدأ بالمغازلة بعد دخول الجيش الى أبيى وفرار الحلو من جنوب كردفان والمناطق التى سعى للسيطرة عليها، وأن قواتنا ستصر على انسحاب الجيش الشعبى جنوبا ، وعليه لعقار أن يقرر ان كان يريد السلام والأمن والاستقرار وبقائه على حكم الولاية أم أن يحمل على الفرار هو الآخر على نحو مماثل ان توجه الى البندقية ومحاولاته وتصريحاته التى كان يلوكها من أيام وهو يرتكز الى قواته وسلاحه هناك !.
لاشك أن اتفاق السلام الشامل أعطى للقوات المسلحة حق الانتشار والانفتاح شمالا داخل خط حدود 1956 ،وأن هذا الحق لا يتغير حتى فى أبيى الا بنتيجة الاستفتاء الذى أصبح فى محك ، وأن اتفاق كادوقلى بعد حرب الحلو بات فى مهب الريح كما هو الحال فى بروتوكول أبيى ، والأمم المتحدة قد أثبتت فشلها فى التزرع بأن قواتها غير مدربة وغير مسلحة ولن تقوى على الحماية لنفسها كى تفتح الطريق للخيارات الدولية بممارسة أكبر ضغط لازم على الحكومة ل تقبل بخيار الطرف الثالث أو تجد نفسها فى مواجهة جديدة أو هكذا يصور المشهد الذى تريده الحركة الشعبية وأبناء أبيى فيها والحلو وعقار !. ما فعلته القوات المسلحة الآن أنها أعادة الوضع الى المربع الأول قبل تشكيل الوحدات المدمجة ، وأن ما قامت به قوات الشعبية فى ابيى جعل القوات المسلحة فى حالة أشبه بالاقامة الجبرية وكذا المسيرية والقبائل الأخرى ، فضلا على المضايقات والخريف على الأبواب ! .وبقاء جيشنا هناك لا شك أنه سيواجه بحملة دولية قوامها العديد من الاتهامات والضغوط والاحتقان والتفلتات ، تحتاج الى مواجهة حاسمة ان أردنا ان تعاد للسلام هيبته ونبقى على المعانى التى من أجلها كتب ونفذ ، وأن الوصول لترتيبات أمنية جديدة على نحو ما تريده الحركة الشعبية والقوى الدولية من خلفها عبر أمبيكى سيعيدنا الى مربع سابق كم أرهقنا ونال من أمننا وسيادتنا الوطنية وترابنا واستقرارنا ، اذا ما أخذنا فى الاعتبار التواجد الدولى الكثيف فى ظل قوانين محلية هشة تتيح لهولاء حرية الحركة واختراقنا أمنيا والوصول الى مواطنينا بالفتن والنعرات التى كم فككت نسيجنا المجتمعى !. انسحاب الجيش فى هذه المرحلة قبل التاسع من يوليو سيصيب الشعب بالاحباط ويذهب بهيبة القوات المسلحة وما أعلنه السيد الرئيس من قرارات وهو يدرك حجم التآمر الخارجى والأجندة التى دفعت بها هذه الأطراف عبر الحلو وما يبثه عرمان على لسان التنظيمات اليسارية خاصة الحزب الشيوعى وبقايا تحاف جوبا !. لابد من خارطة طريق جديدة تقلب الخيارات الوطنية بعيدا عن أية وصايا دولية أو اقليمية أو ما يسمى بالطرف الثالث حتى وان كان سلبيا ، ولنا شواهد وتجارب حية فى تأطير علاقتنا بتشاد وترتيب الأوضاع على الحدود وما حققته من نجاحات !. ليس من المصلحة ولا الأبعاد الاستراتيجية أن نربط بين يونيمس ويوناميد اذا ما تفحصنا فى تجربة هذه القوات والبلاوى التى جرتها على البلاد مهما تكاثفت الضغوط !. لا يوجد جار مؤتمن الآن يمكن أن يصلح ليكون طرفا ثالثا نزيها واليد الأمريكية والغربية والصهيونية والكنسية على الكل بلا استثناء !. نحن بحاجة لتصحيح بعض الاجراءات الادارية والدستورية والاجتماعية والسياسية فى ظل عدم وجود ترتيبات أمنية تلى المشورة الشعبية !. علينا أن نعلى من هيبة القوات المسلحة وروحها المعنوية لأن المبادرة الآن بيدها ولابد من تناغم الارادة السياسية كى ترتقى الى المكاسب التى تحققت وأفضت الى ما نحن عليه الآن رغم الاحاطة ونذر التدويل والتطويق !. لابد من المفاوضات الكلية الآن طالما أن المحور الاقتصادى لم يحقق النجاحات المرجوة منه ، والوصول الى تحديد حجم قوات أبناء المنطقتين بعيدا عن المزايدات وحملات الارباك والتشويش والمغالاة التى يقودها الحلو !. فالحركة الشعبية بحاجة لأبناء النوبة لحماية جوبا ، وليس هنالك معيار للتسريح والدمج لديها كما هو الان فى القوات المسلحة ،ولا هى تعاملهم كما تفعل الحكومة !. فالحركة الشعبية فى وضع أمنى وعسكرى لا تحسد عليه وسلامة القرار السياسى فى الافادة من هذه الأجواء لتعظيم المكاسب واضاعة الفرصة على تمرد الحلو الجديد بكل واجهاته ومآلاته أمر يمكن حسمه الآن حتى لا تتفاقم الأوضاع ونعاود كرة دارفور ودوامة الصراعات !. أطلقوا يد القوات المسلحة وآلياتها الفرعية ان أردنا سلامة البلاد من المهددات التى ينطوى عليها هذا التصعيد الخارجى من بوابة الحلو !.
adam abakar [adamo56@hotmail.com]