يِفرق كتير طعم “الحلو” لو يبقي مُر

 


 

 



من واشنطن للخرطوم
عبد الفتاح عرمان
fataharman@yahoo.com

كانت صحافتنا السودانية ولوقت قريب تكيل عبارات المدح والثناء بصورة تقارب الغزل لأحمد هارون، والي ولاية جنوب كردفان وعبد العزيز الحلو، نائبه –السابق-، لا سيما على تناغمهما في حكم ولاية جنوب كردفان. وطالب بعض كتاب المؤتمر الوطني حزبهم بتطبيق نموذج شراكة "هارون/الحلو" على الشراكة مع الحركة الشعبية في المركز.
ما يُحزن المرء أن نفس الكتاب الذين رسموا هذه الصورة الزاهية عن عبد العزيز الحلو- وهي بلا شك صورة حقيقية للرجل- أهالوا عليه التراب طيلة الأسبوعين الماضيين.  وما يُحيّر المرء- وما بتحيّر إلا مغيّر- هو كيف يستطيع المرء تغيير جلده بين عشية وضحاها دون أن يطرف لهم جفن؛ وأن يناموا بعد أهالوا هذا التراب الكثيف على الرجل ملء جفونهم عن شواردها. هذا أمر يدعو للقلق ويحتاج إلى دراسة نفسية لكشف مواطن الخلل حتي يتسنى علاجها، هذا إن لم يكن قد فات الأوان- والإنكتب على جبينا الليلة بان.
غير المتابعين للشأن السياسي ربما يتساءلون عن مسالة تغيير الجلود هذه، وعن من أهالوا التراب على الحلو، ردنا هو بأن الأشخاص ليسوا مطلبنا بل أفكارهم هي موضع بحثنا.
بعد تأزم الوضع في جنوب كردفان هذه الأيام، دلق بعض الكتبة حبر غزير في سياق النيِل من الحلو بصورة تجافي الموضوعية، بل هي كذب صراح؛ بحكم معرفتي بالحلو.
كتب أحدهم بأن الحلو يحمل الجنسية الأميركية، ويمتلك بعض العقارات والأملاك في براري الولايات المتحدة، ولعمري هذا زعم لا يجرؤ عليه سوى الوالغين في بحر السلطة، وبعض الكتبة الذين تجد أسمائهم متربعة في جدول رواتب الأجهزة الأمنية.  لكي تحصل على الجنسية الأميركية، إما أن تكون مولودا لأبوين أحدهما أو كلاهما أميركي، أو متزوج من أميركية لفترة محددة، أو أن تأتي مهاجراً إلى الولايات المتحدة وتقيم فيها لخمس سنوات حسوما لتحصل على الجنسية الأميركية- بإمكانك التقديم للجنسية بعد مرور أربعة أعوام وستة أشهر لكنك في معظم الأوقات لا تحصل عليها إلا بعد مرور خمس سنوات تقريبا. منا هنا يتضح لنا إن ما كُتب عن جنسية الحلو الأميركية لا يعدو سوى أن يكون محاولة لشيطنته (Demonizing)  ناجمة عن الخلاف السياسي؛ لا سيما أن الحلو لم يتزوج من أميركية من قبل، ومولود لأبويين سودانيين، وعند قدومه لاميركا في 2006 مغاضبا لم يقم فيها لمدة خمس سنوات. ربما يقول البعض أن الولايات المتحدة أسبغت على الحلو بهذه الجنسية متجاوزة لأشراطها نسبة للعلاقة الجيدة التي تربط بين الحركة الشعبية والإدارات الأميركية المتعاقبة على الحكم في واشنطن، وهذا ايضا زعم لا يقف على ساقين، لأن قوانين الولايات المتحدة لا توجد بها "مكرمة" كما يفعل ملوك وأمراء دول الخليج، بل لا يستطيع أي مسؤول أميركي التوسط لمنح أي شخص الجنسية الأميركية.
أما قصة امتلاك الحلو لعقارات في أميركا، فهذه تصب في تشويه وأبلسة الرجل بعد أن حمي الوطيس في جنوب كردفان. فمن أين للحلو بالأموال لشراء عقارات في أميركا؟ خصوصا بان الرجل كان يقطن مع بعض أقاربه في فرجينيا عند مغادرته للخرطوم في 2006م، وكنا حينما نزوره في البيت في عطلة نهاية الأسبوع، يصّر علينا بالمبيت معهم، و أن ننام في غرفته، وكان هو يفترش الأرض. فالحلو لا يملك من حطام هذه الدنيا الزائلة سوى سمعته وشرفه.
في 2006م تسلم الحلو رئاسة قطاع الشمال في الحركة الشعبية كان تيلار دينق، مدير مكتب النائب الأول ووزير الدولة برئاسة الجمهورية- وقتئذ- في حرب خفية مع الحلو وكثيرا ما رفض دينق للحلو مقابلة سلفا بحجج واهية، وعمل دينق مع اليو أجانق، وزير الدولة بالداخلية- حينذاك- على ضرب وعرقلة مساعي الحلو في تنظيم قطاع الشمال- ومعركة إنتخابات إتحاد المحاميين كانت ما ظهر من جبل الجليد. قرر الحلو وقتها مغادرة موقعه في صمت، وجاء مغاضبا إلى واشنطن. فهو كان وما زال من الزاهدين في السلطة، وعندما قررت قيادة الحركة الشعبية بالإجماع عودة الحلو من أميركا، تحدثت إليه بعض قيادات الحركة وعلى رأسهم سلفاكير لإقناعه بالرجوع للعمل مع الحركة- وهو ما حدث بالفعل- فعاد الحلو إلى الخرطوم في هدوء، وثمن عودته كان الإطاحة ببعض الرؤوس المعلومة للجميع. طلب سلفا من الحلو أن يصبح وزيرا لوزارة مجلس الوزراء بديلا لباقان أموم- وقتها- لكنه ركل الوزارة التي كان يسيل لها لعاب الكثيرين داخل الحركة الشعبية.
خلاصة الأمر، نُسجي نصيحة خالصة لقيادة المؤتمر الوطني أن لا تلفت إلى شياطين الإنس داخل المؤتمر الوطني وخارجه، وأن تتفاوض مع الحلو للوصول إلى ترتيبات أمنية جديدة لا تُنقص من هيبة الدولة، وتطمئن الحلو وجيشه بأن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. لأن من يرفعون السلاح في وجه الدولة لا يقدمون على ذلك من أجل التسرية عن أنفسهم بل لرد مظالم بعينها، والدولة لا يتم تحصينها بالدبابات وطائرات الأنتينوف بل برد الحقوق إلى أهلها، والحكم بين الناس بالعدل والقسط. وعلى بعض الكتاب عدم الركون إلى حقيقة أن دولة الجنوب في طور التأسيس ولن تدخل في حرب أخري مع الشمال ولن تدعم الحلو، وبإمكانهم التحقق من هذا الأمر مِن مَن قاموا بقذف منطقة جاو في ولاية الوحدة.

*عنوان المقال مأخوذ من أغنية للأستاذ الفنان محمد ميرغني، نعتذر له إن كنا قد إستخدمناه في غير سياقه.

 

آراء