الانقلاب العسكري الوشيك
سالم أحمد سالم
4 July, 2011
4 July, 2011
الجماعة الحاكمة في السودان استنفذت كل خططها وقمعها وحيلها من أجل الاستمرار في الحكم، ووصلت اليوم إلى نهاية النفق الذي أدخلت فيه نفسها والبلاد. لكن بقيت في يد الجماعة ورقة واحدة هي الانقلاب العسكري. الانقلاب العسكري كان وسيلة السطو على الحكم، والانقلاب العسكري أضحى اليوم آخر ورقة للاستمرار في الحكم، ثم المخارجة!. الانقلاب العسكري لأن الجماعة الحاكمة لم تقدم عملا ولو ضئيلا يشفع لها عند الشعب، فما أبقت على ظهر تمتطيه إلى الأمام أو تعود به عقبا. والجماعة الحاكمة تعلم جيدا أن التخريب والدمار والحروب وتقطيع أوصال البلاد والتجويع والتعذيب ليست ضمن المنجزات المحببة عند الشعب السوداني! نعم الجماعة الحاكمة ألقت ما فيها لكنها ما تخلّت عن الاستمرار في الحكم لا لسبب إلا لأنها لم تعد قادرة على الحكم ولا على تركه. فلا سبيل إلا بالانقلاب العسكري ..
حماقة كبرى الاستمرار في الحكم بعد عقدين من الفشل الداوي و"ثورة التدمير الشامل" والانهيارات المالية وإفلاس الحكومة وانفصال الجنوب بآخر أمل في آخر دولار. كلام سيلفاكير أنه لن يترك الشمال ينهار مجرد "طبطبة" على قفا الجماعة إلى حين الانفصال وهم يعلمون ذلك، وفيه غمز صريح أن مصير حكومة الشمال أصبح في يده. هي حماقة بل هو جنون الاستمرار في الحكم فوق ركام وطن وعارض رفض شعبي مركوم كعارض ثمود. وفي ظني، لو كان بوسع الجماعة الحاكمة ترك الحكم اليوم لتركوه فورا وفرارا. لكن ترك الحكم له تبعات خطرة تضاهي خطورة المغامرة في الاستمرار في الحكم! فهنالك المحكمة الجنائية الدولية، ثم القصاص عن الجرائم التي طالت الشعب زرافات ووحدانا، ثم هنالك الأموال التي اغترفوها والقصور التي شيدوها والأراضين التي اغتصبوها ونمارق مبثوثة وأحجار كريمة وكواعب أترابا وكأسا دهاقا، كلها ستغدو أثرا بعد عين حال مغادرة الحكم. الحكم أضحى مرا وتركه أشد مرارة ومضاضة. تجسيد حب لقصة الرجل الذي امتطي ظهر حيوان مفترس، لا يستطيع البقاء ويخشى عاقبة النزول إلى الأمعاء الغليظ!
طبيعي إذن أن تبحث الجماعة الحاكمة عن "ممر آمن" يمر بين مرارة الاستمرار في الحكم الدكتاتوري وبين مرارة تركه. ممر آمن وطريق ثالث يجعل الجماعة الحاكمة حاكمة لكنها غير موجودة كحكومة! دي تجي كيف؟ .. فقط بانقلاب عسكري. ولكي نصل إلى قسمات سيناريو مثل هذا الانقلاب، لابد أن ننتقل بتفكيرنا من القراءة السياسية إلى الاستقراء السياسي، أي أن نرفع كل كلمة تصدر عن رؤوس الجماعة الحاكمة وننظر المخبوء تحت الكلمة من معان قصدها المتحدث أو كانت "زلقة لسان" عن عقله الباطن دون وعي! حتى لو بدت لنا الكلمة تافهة أو شتيمة، وما أكثر شتائمهم، فإنها في مثل هذه الظروف تخبئ تحتها الكثير من المعاني! وسوف أهتم هنا فقط بعبارتين وردتا أو تفلتتا في أحاديث رئيس الجماعة المشير عمر حسن أحمد البشير، عبارتا تافهتان لكن لهما مدلولات.
ضابط شاب ..
جانب من ملامح هذا الانقلاب العسكري الوشيك نجدها قابعة تحت عبارة قالها عمر البشير قبل فترة هي أنه سوف لن يترشح لفترة رئاسية أخرى، وأنه سوف "يتيح الفرصة للشباب". سوف نقطع الجزء الخاص بالترشيح ونرميه بعيدا لأن البشير لا يفوز بالترشيح ولن، ونتمسك بشق عبارته الخاص بإتاحة الفرصة للشباب. أي شباب يعني؟ أولا ومن حيث أنها حكومة عسكرية، فلن تكون الخلافة لشاب ملكي. لا يمكن لملكي، مدني يعني، أن يغدو رئيسا لحكومة عسكرية. لن توجد حكومة عسكرية على رأسها عمامة، وانظروا إلى مصر من محمد نجيب إلى يوم مصر الانتقالي هذا. إذن المشير قال بشكل موارب أن وريثه شاب عسكري، أو مجموعة أو خلية من الشباب الضباط. فالثابت المعروف أن المشير البشير، بدون صرف النظر عن سوءات فترة حكمه، ظل حريصا على عسكريته وعلى تمتين علاقاته داخل المؤسسة العسكرية خاصة بين أوساط الضباط الشباب في الرتب الوسيطة. فالانقلابات العسكرية تتم في الغالب على أيدي ضباط الرتب الوسيطة الشباب لأنهم يجمعون بين القيادة المباشرة للفيالق وصداقة الجنود وبين الحماس والطموح والتمرس داخل المؤسسة العسكرية، بخلاف الضباط الجدد وخلافا عن الرتب الكبيرة التي تنتظر نهاية الخدمة وامتيازاتها. والبشير يعلم هذه البديهيات سلفا، وله اهتمام خاص بالشباب الضباط ويسعى دوما إلى كسب ودهم وصداقاتهم. إذن لم يعد من شك أن عمر البشير قد جنّد حوله خلية صغيرة من الشباب الضباط الذين يثق فيهم نوعا. وكل ملكي أو عسكري قديم يفكر في الخلافة عليه أن يشرع في لحس كوعه من الآن فصاعدا!
انتهى زمن "الجبهة" ..
ولكون "الوريث الرئاسي" شاب ضابط، يكون البشير كما ذكرت فوق قد شطب بعبارته تلك كل احتمال "خلافته" بأي واحد من رؤوس حكومته من العسكريين والملكيين الذين نصبوه ولازموه على مدي العقدين الماضيين. زد على ذلك فإن استبعاد المشير لحرسه القديم وتحديده هوية خليفته المنتظر في كونه شاب ضابط، تفضحان معا أن البشير هو وحده مدبر الانقلاب على نفسه دون أن يشرك معه القدامى ممن بقي من رفاقه العسكريين ... المشير ضد البشير! وحسب المواصفات التي عثرنا عليها تحت عبارة البشير، فإن وريثه الشاب سيكون ضابطا من داخل المؤسسة العسكرية وليس من بين صفوف أجهزته الأمنية. فالأجهزة الأمنية عند المشير لا تعدو كونها "كاميرات خارجية" لمراقبة الثكنات والشارع.
والأهم من ذلك أن مسعى البشير لتوريث شاب ضابط تكشف "بالواضح" أن المشير لم يعد يهتم بالملكيين من زعامات ما كان يعرف بحزب الجبهة الإسلامية، ولا يعرهم مجرد التفاته من فوق نجومه! صحيح أن "الجبهة" قد رفعت المشير إلى مصاف رؤساء الحكومات الدكتاتورية، لكن الواقع أن سنوات الاستفراد بالحكم والركض وراء جمع الثروات قد مزقت هذا الحزب الذي شادد الدين شر ممزق بعد أن ولغت قيادات "الجبهة" في المال العام الذي جمعوه من بين جلد الشعب وعظامه وأثقلوا بأحماله وأوزاره وأكل السحت فترهلوا ورزنت مجالسهم.
جماعات المال الاسلاموية الطفيلية بدورها لا تأبه للمحكمة الجنائية ولا القصاص عن الجرائم الذي، حسب ظنهم، سوف يطال الرؤوس الكبيرة المتوضئة بالدم وأيضا الناهبة للمال. الجماعات المالية الإسلاموية الطفيلية تود فقط الحفاظ على ما اكتسبت من أموال وعقارات وأطيان ومن حرث النساء وصافنات السيارات. لكن مشكلة هذه الجماعات الاسلاموية الطفيلية أن ما اكتسبته رهين باستمرار الجماعة الحاكمة على سدة الحكم!
لا المشير يهتم بطفيليات المال الاسلاموية ولا هم يهتمون بمصيره، لكن بينهما "عقد تعاون" يقوم على بندين: المشير البشير ورؤوس الحكومة لا يريدون الخروج من بيت السلطة خوفا من العدالة، وجماعات المال الاسلاموية تخشى زوال ما اكتسبوه من ثروات إذا طارت الحكومة. لذلك تظل الجماعات الاسلاموية الطفيلية هي السند والمحرض الأول للجماعة الحاكمة على الاستمرار في الحكم، تبذل بعض المال لتثبيت حكومة المشير، وفي المقابل أطلق المشير أيديهم واستباح لهم العباد والبلاد. نعم يستطيع المشير أن يركل زعامات بقايا حزب الجبهة في أي وقت ويضعهم تحت جزمته كما يقول، لكنه يحتفظ بهم كمظهر سلطوي حتى لا تبان الشقوق الكبيرة في جدار حكومته فيستقوى عليه الشعب ويلحقه بجدار برلين!
المشير سبق أن تذوق لحم ما كان يعرف بحزب الجبهة الإسلامية عندما ذبح الجبهويون عرّابهم حسن الترابي. ساعتها تلذذ البشير بأطايب من لحم رأس أو "نيفة" الجبهة حسن الترابي، فما أسهل عليه اليوم أكل الكتفين والأفخاذ! كان ذلك خلال العشرة الأولى، ثم مضت العشرة الثانية وتحول رموز حزب الجبهة إلى مجرد مجموعة معزولة من "شاغلي" مواقع دستورية، طبعا لا يوجد دستور، ووزراء ووكلاء وحكام ولايات لكنهم لا يحكمون ولا يتحكمون في شيء بعليهم ونافعهم وناقعهم وقوشهم. فالصراع بين الأخوين الأعداء علي عثمان ونافع علي نافع يقع ضمن أدوات لعبة المشير في الحكم، وفي تكريسه انقسام ما تبقى من فتات ما كان يعرف بحزب الجبهة الإسلامية. وتجريد قوش قطعة قطعة في الهواء الطلق مع أنغام موسيقى جنائزية دون أن يهب فيلق أمني ويلقي عليه قميصا فيه أيضا الدليل على مدى هزال القيادات الاسلاموية وعزلتها، وفيه دليل أن المشير قد وضع عازلا بين قوش وبين فيالق أمن الحكومة قبل أن يغرفه ويلقيه بعيدا. ولا تنسوا أن نافع كان يخترق مجموعات قوش وقوش يخترق مجموعات نافع، وكلاهما يرفع التقارير إلى "ريّس" واحد هو المشير! ثم إن نحر الجماعة لزعيمهم الترابي على مذبح السلطة كان كافيا أن يجعل المشير يقول لنفسه: "ديل نحروا شيخهم ذاتو .. أنا حيعملوا فيني شنو؟" .. وفهم عمر الكلام!
لكن حديث البشير عن خليفته "الشباب الضابط" يؤكد أن المشير أدرك مستحيلين. أولا استحالة الاستمرار على سدة الحكم تحت ظلال سيوف الهواجس وغيوم الغضب الشعبي، وثانيا عرف المشير استحالة الاستمرار في "عقد التعاون" إلى ما لا نهاية. فالترهل الذي أصاب بقايا حزب الجبهة أو المؤتمر الوطني أقعدهم عن الفاعلية في زمن حار قد بدأ، فأضحى العقد محفوفا بكثير من المخاطر التي قد تأتي المشير من مكمن من غير جماعة الجبهة. نعم من غير جماعة الجبهة لأن البشير أضحى على بينة من ضعف وتمزق حزب الجبهة وحركات الإسلام السياسي، وإن كان يستخدمهم عند الضرورة.
على من إذن يعتمد البشير؟
جيل جديد ..
عقدان من كانت كافية لنشوء جيل جديد تحت كنف هذه الحكومة. وبديهي أن المشير وأركان حكومته وظروف المعيشة القاسية ومشقة البحث عن عمل والسنوات العجاف وتدمير المشاريع الإنتاجية والإفقار الممنهج، كل هذه ضمن عوامل تضافرت ومكّنت الحكومة من استقطاب بعض الشرائح الشابة للانضمام للحكومة في الجيش والشرطة والخدمة المدنية، وطبعا في أجهزة أمن الحكومة حيث المال والسلطة المطلقة لقاء "تأمين" الحكومة، وما أكثر ضعاف النفوس الذين يغريهم بعض المال والتسلط، والاستقواء بحمل السلاح، يتلذذون باضطهاد النساء واستحياء الحرائر وسحق الأبرياء. أصبحت هذه الفئات الجديدة هي العصا الغليظة التي يلهب بها المشير وبطانته نافوخ الشعب وبنات المدارس.
مشكلة هذه المجموعات الجديدة التي تم استقطابها أنها تحلم أن ترتفع أرصدتهم وطوابق عقاراتهم إلى مصاف الذين أثروا في زمن هذه الحكومة، ويحلمون بركوب سيارات مثل السيارات التي يحرسونها. لكنها أحلام بعيدة التحقق، إذ لا يمكن أن يصل جيلان إلى الثراء القذر في عهد رئيس دكتاتوري واحد إلا من داخل نفس الأسر المسيطرة. أنظر في التجربة المصرية إلى أثرياء زمن السادات ثم أثرياء زمن مبارك، وكذلك الحال أثرياء سوريا في زمن الأسدين واليمن وليبيا وكل دكتاتوريات الأرض. ومع ذلك يمنّي المستقطبون الجدد أنفسهم بالثراء، والحكومة ما فتئت تغذي فيهم هذا الحلم السراب بفتات من المال والمناصب وكثير من المواعيد ونفخ بالون الأحلام. ما يهمنا هنا أن هذه الفئة الجديدة المستقطبة هي التي تسند المشير اليوم، فلا حاجة له ببقايا "الجبهة" وأن البشير قد انتخب وريثه الضباط الشباب ومجلس وريثه من بين هؤلاء.
ما جينا ندافع عن حكومة ..
هكذا قالها عمر البشير " .. نحن يا اخوانا ما جينا ندافع عن حكومة .." وزاد في نفس خطابه الارتجالي في بورتسودان أنهم "جاءوا من قاعدة الشعب أبناء مزارعين وعمال وفجروا ثورة الإنقاذ الوطني لخدمة الوطن وأهله". ليس من الضروري أن نناكف المشير حول ما فعله بالشعب فهو واضح وطافح. كذلك نصرف النظر عن ظاهر عبارة المشير "نحن يا اخوانا ما جينا ندافع عن حكومة" لأن ظاهر العبارة لا تدخل العقل. فالمشير رئيس حكومة عسكرية دكتاتورية مفروضة بقوة السلاح، حكومة مستمرة السلاح والتعذيب، فكيف له أن يقول أنه لا يدافع عن حكومة؟ إنه مثل قول معمر القذافي "أنا مش رئيس" وهو يحكم ليبيا بالحديد والنار وكل قرار في يده بما في ذلك قرار "طبق اليوم" الذي سوف يأكله الشعب الليبي! انظر كيف تشابهت قلوبهم وتطابقت أقوالهم وأفعالهم "أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ" سورة الذاريات. المهم أن عبارة البشير المذكورة "ما جينا ندافع عن حكومة" تخفي تحتها نعي المشير لحكومته الراهنة التي سوف يخنقها بيديه بانقلابه الوشيك. نعم لن يدافع البشير عن حكومته الراهنة لأنه ببساطة يستنبت تحتها حكومته الجديدة التي سوف لن يكون هو رئيسها ..
إذا بدا كلامي غريبا، تعالوا إذن نفرش ورق المشير على حقيقة صلدة هي استحالة استمرار الحكومة الراهنة وانغلاق كل الطرق أمامها وأن التغيير أضحى قدرا محتوما. ورقتان لا أكثر. الورقة الأولى تقول: أن فرص التغيير من خارج الحكومة بدأت تضغط بشدة على المشير وحكومته. والتغيير في هذه الحالة يتم إما عن طريق انقلاب عسكري مباغت خارج حسابات المشير أو بثورة شعبية أو اعتقال المشير بعد استكمال إجراءات فصل الجنوب. التغيير من خارج الحكومة وارد بقوة برغم الاستكانة الشعبية الظاهرة وبرغم ظن الحكومة أنها تسيطر على المؤسسة العسكرية بواسطة أجهزتها الأمنية. طبعا التغيير سواء بالثورة الشعبية أو الانقلاب العسكري المباغت يعني المحاكمات والقصاص واستعادة الثروات المنهوبة.
ضمن هذه الورقة الأولى قد يفترض البعض احتمال أن يتنحى البشير لمصلحة أحد أطقم حكومته. هذا الافتراض ساقط من كل الأوجه. أولا لأنه لن يكون تغييرا مقبولا عند الرأي العام المحلي ولا الدولي، بل سيكون ممهدا ومحرضا للتغير بالقوة من خارج الحكومة سواء بالثورة الشعبية أو بانقلاب عسكري مباغت، الأمر الذي سوف يضع المشير وجماعته الكبار في أقفاص المحاكم وربما أعواد المشانق وأمام "الدروات". زد على ذلك أن هدف المشير من انقلابه الذي نعرض له هنا هو أن يبقى في مأمن وهو خارج الحكم. وفي حال اتخاذه خليفة من بين أطقم حكومته الحالية، فإن الخليفة سوف لن يقبل بعد حين بوجود "شبح رئيس" حيا يحوم في البلاد .. يوجد رئيسان! وبديهي أن من يتولى المقاليد من أطقم الحكومة الحالية لن يتورع عن تسليم المشير إلى أوكامبو عند محطة بترول كوبر أو لفة القوز أو الفتيحاب! .. وبعد التسليم يسهل على من سلمه الإنكار، ثم إصدار البيانات النارية في إدانة المحكمة الجنائية الدولية .. عندها سوف تغدو "زرّة" تركمانستان مجرد نزهة فوق طيات السحاب .. وتلك ما كنت عنها تحيد يا عمر!
إذن كل الطرق أمام المشير إما مغلقة أو غير آمنة. لم يعد أمام البشير من ممر شبه آمن إلا أن ينفذ عملية "تبديل رئاسي" أي هذا الانقلاب الرئاسي الوشيك، يقطع به المشير الطريق أمام أي تغيير مباغت من خارج أو داخل حكومته لعله يخلص نجيّا وينام هنيّا في منزله المحروس بضباطه الشباب.
سيناريو الانقلاب الرئاسي .. الرئيس يفوض صلاحياته ..
لن يعلن عن انقلاب عسكري كلاسيكي، بل يعلن رئيس مجموعة ضباط المشير أن الرئيس قرر التنحي عن موقعه الدستوري ورتبته العسكرية وتفويض كل وكامل صلاحياته إلى "المجلس الرئاسي الانتقالي" ويقوم الضباط الشباب بإعلان "توجيهات المرحلة الانتقالية" التي سوف تستمر لعامين،
يتم إعلان "تفويض الصلاحيات" بهدوء وبدون مظاهر الانقلابات العسكرية وبلا ضوضاء أو مارشات عسكرية أو حظر تجول. ويتم توجيه الشعب لممارسة حياته العادية والتزام الهدوء والسكينة وحظر مظاهرات التأييد،
يتضمن البيان الأول حل الحكومة وتشكيل وزارة جديدة لها رئيس وزراء من خارج "المجلس الرئاسي الانتقالي" وتضم العديد من الأسماء غير الحزبية التي تحظى باحترام الرأي العام السوداني ومقبولة دوليا، ليس من بينهم واحد ممن استوزر من قبل.
سوف يعترف المجلس الرئاسي العسكري الانتقالي بالأخطاء الاقتصادية والمعيشية التي وقعت فيها الحكومة السابقة، ويعلق الفشل على رقبة "الجبهة" التي "ترك لها الرئيس السابق،المشير، حرية التصرف لكنها لم تحسن صنعا" ..
يتم وضع المشير البشير وكل أطقم حكومته تحت الإقامة المنزلية الجبرية،
الإعلان الفوري عن عدم تسليم أي مواطن سوداني لجهة عدلية دولية، و"العمل لاحقا" على تشكيل محاكم من قضاة سودانيين للنظر في "ادعاءات" المحكمة الجنائية الدولية،
إعلان الاعتراف بدولة السودان الجنوبي والعمل على تطبيق كل ما ورد في الاتفاقات والبروتوكولات وتجميد قرارات "الحكومة السابقة" المقيدة لحرية الجنوبيين في الشمال إلى حين التوصل إلى اتفاق مرض بين الحكومتين،
يعلن رئيس "المجلس الرئاسي الانتقالي" فورا عن موعد إجراء انتخابات "ديموقراطية حرة ونزيهة" خلال فترة لا تجاوز العامين، وكفالة حرية الأحزاب السياسية في ممارسة نشاطاتها خلال الفترة الانتقالية،
الإعلان عن التزام السودان بالمواثيق وعضويته في الهيئات الدولية والإقليمية،
الإعلان عن عدم تعاطي المجلس الرئاسي الانتقالي في الشؤون الاقتصادية والإدارية اليومية، وتكليف مجلس الوزراء بهذه المهام .. بموافقة المجلس الرئاسي الانتقالي ...
لا تأميم ولا مصادرة، بل الإعلان عن "عزم" المجلس الرئاسي الانتقالي تكوين لجان تحقيق في الفساد المالي والإداري على أن يتم تشكيل اللجان بواسطة مجلس الوزراء الانتقالي والهيئة القضائية،
تتضمن لغة البيان العديد من الآيات القرآنية الكريمة التي تدعو إلى إقام العدل والإحسان، والآيات التي تنكر الظلم وأكل حقوق الناس. وهي لغة المقصود منها طمأنة المجتمعات المسلمة وخفض رأس الجماعات المتأسلمة وإقصاء الأحزاب والتيارات السياسية غير الدينية،
صيف التغيير
تلك هي الملامح الأساسية لسيناريو الانقلاب العسكري الرئاسي الذي أتصوره في ضوء المعطيات الراهنة. طبعا هنالك العديد من التفاصيل الواردة ضمنا في خطوط هذا السيناريو. كذلك نستطيع أن نقرأ تكرار عمليات الانتشار العسكري في العاصمة كمقدمة لمثل هذا السيناريو. ولا يفوت على الفطنة أن مجلس الوزراء الحالي لحكومة المشير ظل مجمد الصلاحية، بينما يقوم الوزراء بمهام تصريف الأعباء.
ومهما اتفقنا أو اختلف الناس حول إمكانية تحقق سيناريو هذا الانقلاب العسكري الرئاسي، تظل الحقيقة أن السودان قد دخل فعلا في مرحلة التغيير، أو إن شئت، التبديل الحكومي الوشيك أو سمه ما شئت. وهو تغيير كامل أيا كانت الوسيلة، ثورة، انقلاب مباغت أو سيناريو هذا الانقلاب الرئاسي. فسيناريوهات الحكومة العريضة والمستطيلة والمثلثة قد سقطت جميعها وتجاوزها الزمن. وإذا لم يدر مثل هذا السيناريو بذهنك يا عمر، فها هو أمامك قد فتحنا لك به "سكّة" في صفرجت المعوجة التي رسمتها أنت بنفسك وتعقّدت عليك ..
هي مرحلة أشبه بالمرحلة التي سبقت انقلاب "الترابي، علي عثمان، البشير" برغم الاختلافات الظرفية وتبدل مواقع الأحزاب واختلافات أوضاع البلاد الاقتصادية والسياسية والسكانية. وأختم بتذكير علي عثمان حديثي معه قبل انقلابهم داخل مكتبه في البرلمان عندما كان زعيما للمعارضة، وقولي له أن السودان دخل مرحلة الانقلاب العسكري. ولعله يذكر أنه استبعد بشدة احتمال الانقلاب العسكري! ثم عاد يسألني عن مسببات وجهة نظري تلك فشرحتها له، فعلق باقتضاب أنه إذا كانت الأحزاب الأخرى تتحرك داخل الجيش فإنهم أيضا يتحركون! والمدهش حقا أن الحديث نشر في جريدة سودانية لم يفتح الله على الصادق المهدي رئيس الوزراء أو أعضاء حكومته مطالعتها! .. علامات التغيير أو التبديل أضحت اليوم واضحة أمام من له بصيرة، ومجسدة يلمسها الأعمى بيده إن كانت له بصيرة. لقد أزف الوقت يا علي، فخذها يا بروتس من قيصر الذي صنعتموه وقلتم للناس قعوا له ساجدين. ليس في الأمر تنجيم، بل محاولة اهتداء بنجوم واقع أكدرتموها، ونجوم وطن غيبتموها ووطن نجوم جعلتم معيشة أهله ضنكا "وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ"
سالم أحمد سالم
salimahmed1821@yahoo.fr
أول يوليو 2011