المؤتمر الوطني والحركة الشعبية والاحتفال بتفتيت الوطن
عبدالبديع عثمان
8 July, 2011
8 July, 2011
يستعد ثنائي نيفاشا المؤتمر الوطني والحركة الشعبية بعد ساعات للاحتفال بميلاد دولة جنوب السودان المزمع قيامها في التاسع من يوليو للعام 2011 والتي انبثقت كنتيجة للاتفاق الثنائي الذي تم توقيعه بضاحية نيفاشا الكينية بين الطرفين في العام 2005 بحضور المجتمع الدولي والإقليمي وشركاء الإيقاد و(المانحين) وغياب الشعب السوداني . وبذلك تحقق انفصال السودان إلى دولتين بإرادة نيفاشا الثنائية لا بإرادة أبنائه في الشمال والجنوب . دليلنا على ذلك علمنا التام بان المؤتمر الوطني لا يمثل الشمال كما أن الحركة الشعبية لا تمثل الجنوب وما هما إلا حزبان سياسيان بجانب أحزاب سياسية أخرى و ليس لهما الحق في تجزئة الوطن .
من مآخذنا على نيفاشا الثنائية أنها قد تم توقيعها في ظروف استثنائية حيث تمت في ظل حكومة شمولية جثمت على صدر الوطن عبر انقلاب عسكري أجهض الديمقراطية وخرج على الإجماع الوطني الذي صاغته جموع الشعب السوداني في العام 1986 في انتخابات حرة ونزيهة لم تشوبها شائبة وليس فيها (شق) ولا (خج) .
من الناحية الأخرى نجد أن الناخب الجنوبي الذي قرر انفصال السودان قد أدلى بصوته تحت تأثير الحركة الشعبية ليكون الانفصال بذلك معبرا عن إرادة الحركة الشعبية لا إرادته وكنا نعتقد على الدوام بأن أواصر المودة والعشرة بين أبناء الجنوب و الشمال قادرة على إقناعهم بتبني الوحدة لو لا هذا التأثير والدليل على ذلك أنهم يودعون بعضهم بعضا بالدموع والعبرات . أن انفصال السودان وفقا للقراءة المنطقية والواقعية يعبر عن رؤية الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني (ثنائي نيفاشا) ولا يعبر بأية حال من الأحوال عن وجهة نظر الشعب السوداني في الشمال والجنوب كما أن الاتفاقية لا تعبر عن إرادة الشعب السوداني في الشمال والجنوب.
إن اتفاقية نيفاشا ما هي إلا صنم سياسي عكف ثنائي نيفاشا على تطبيق بنوده التي صيغت بعيدا عن الشعب السوداني والتي لم تضع في حساباتها المصلحة الوطنية للسودان في الوقت الذي عقد أبناء السودان الآمال العراض على تلك الاتفاقية و أيدتها الأحزاب السياسية الشمالية والجنوبية من منطلق أنها اتفاقية أوقفت الحرب و تحتاج لبعض التعديلات حتي تصبح شاملة وعادلة وغير ثنائية. ولكن أصحاب نيفاشا ضربوا بعرض الحائط كل الأصوات التي تطالب بتوسيع ماعون نيفاشا وجعله كما الوطن شاملا ومتعددا ويسع الجميع ، كما نجد طرفا نيفاشا تعاملا مع الاتفاقية وكأنما هي كتاب منزل لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ما أدى إلى طريق مسدود. فلو فتحت الاتفاقية للشعب السوداني ما كان الوطن الآن في هذا المارق وفي مفترق طرق وعرة تنتاشه سهام الأعداء من كل صوب وحدب وأبناء السودان ينظرون إليه في حيرة وحسرة ولا يجدون إلى حمايته سبيلا.
إن انفصال اكبر أقطار أفريقيا والعالم العربي لم يأت من فراغ ولا تم بمحض الصدفة بل تم مع سبق الإصرار والترصد وقد كانت البداية الفعلية وضربة البداية لفصل الجنوب في العام 1989 حينما نفذت الجبهة الإسلامية القومية انقلاب الإنقاذ المشؤم بهدف إجهاض الاتفاق الذي تم توقيعه بين السيد محمد عثمان الميرغني رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي والدكتور جون قرنق رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان في العام 1988 بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا والمعروف باتفاق الميرغني قرنق والذي نص على وحدة السودان ترابا وشعبا .
فقد استبقت الجبهة الإسلامية ذلك الاتفاق والذي ترى من وجهة نظرها القاصرة بأنه يمثل نهاية لبرنامجها السياسي لتهجم على الديمقراطية بليل –وهي احد مكوناتها- وتجهض التجربة الديمقراطية وتقطع طريق الشعب السوداني نحو ترسيخ التجربة الديمقراطية بعد أن مضي السودان خطوات مقدرة في طريق الديمقراطية وقال الشعب كلمته واختار من يمثله وارتضي الديمقراطية شرعة ومنهاجا ولكن (الإنقاذ) قالت كلمتها لتصل الأمور لهذا الوضع الخطير ، وهاهو الوطن الذي جاءوا لإنقاذه يتبعثر تحت أنظارهم ويضيع من بين أيديهم وتنفرط حبات وحدته بسبب سياساتهم الاقصائية والتعسفية التي رفعوا من اجل تطبيقها رايات غير حقيقية ونكلوا بالشعب باسم الدين وفصلوا اكبر أقطار أفريقيا والعالم العربي باسم السلام.
مخطئ من ظن أن انفصال جنوب السودان قد تم بالصدفة أو بالضغوط الخارجية بل تم وفقا لبرنامج الجبهة الإسلامية التي فعلت كل ما في وسعها لتحقيق برنامجها السياسي القائم على فصل الجنوب وقد نفذت الجبهة برنامجها بتخطيط دقيق طيلة سنوات الإنقاذ بدأته بتأجيج نيران الحرب في الجنوب وتحويل الحرب إلى حرب دينية ليتم بذلك تقطيع كل العلائق القائمة بين شطري السودان ليتم بعد ذلك توقيع الاتفاقية التي تشتمل على تقرير المصير والذي سيقود حتما للانفصال بعد أن مهدت الحرب لذلك .
وفي ضاحية نيفاشا الكينية وافق شن طبقة وتم زواج المتعة السياسي بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني و تم التوقيع على الاتفاقية والتي تمهد في نهاية فصولها لانفصال السودان وتكوين دولة الجنوب فتقاسم السودان على الخريطة أسهل من تقاسم ثروته وسلطته هكذا كانت القاعدة النيفاشية والحكمة الثنائية التي نطق بها الشريكان وبذلك وبإرادة الناخب الجنوبي وفقا لتقرير المصير الذي تم تحت تأثير الحركة الشعبية وعصاها وجزرتها خسر السودان 25% من مساحته و تراجع إلى المرتبة الثالثة من حيث المساحة بين البلاد العربية كما فقد ثلاثا من الدول المجاورة و تراجع عدد الولايات السودانية من 25 ولاية إلى 15 ولاية، بينما أصبح عدد المحليات 176 محلية. كما فقد السودان نسبة 80% من غطائه النباتي خرجت نسبة 75% من النفط . ألا ليت شعري متي يتحفنا ثنائي نيفاشا بفؤائد الانفصال الذي عملا من اجله وبذلا في سبيله الغالي والنفيس.
أما الحركة الشعبية فقد انحرفت عن مسارها الذي رسمه الدكتور جون قرنق عقب وفاته والقائم على وحدة السودان ترابا وشعبا ونكصت عن كل العهود التي أبرمتها وفضلت الانفصال ، وقريبا سيرفرف علم جنوب السودان الذي كان بالأمس علما للحركة الشعبية وهذا إن دل على شيء إنما يدل على أن جنوب السودان ما هو إلا الحركة الشعبية كما أن الشمال الحالي يمثله المؤتمر الوطني فقط وبذلك فليستعد أهل الشمال والجنوب إلى الشمولية الجديدة الوليدة والتي سيتم تدشينها في التاسع من يوليو 2011 والمتمثلة في الجبهة الإسلامية (الإنقاذ) والحركة الشعبية لتحرير السودان .
إن انفصال جنوب السودان وتفتيت اكبر أقطار إفريقيا والوطن العربي وتبعاته سيكون نقطة قاتمة السواد في تاريخ ثنائي نيفاشا كما ستكون للانفصال عواقب وخيمة على الطرفين وان لعنة الانفصال ووصمة عاره ستطارد الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني طال الزمن أم قصر فقد استنا سنة سيئة لكل شعوب العالم مفادها أن عصر الانشطارات لا زال يمشي بين الناس ولا زال بين الساسة من يفرط في الوحدة الوطنية لبلاده بكل (قوة عين) ومع سبق الإصرار والترصد ، فيوم التاسع من يوليو لن يكون من أيام السودان السعيدة ولن تكون اللحظة لحظة احتفال أو فرح وستثبت الأيام أن الانفصال حدثا جللا وخطيرا وان التاسع من يوليو سيكون يوما عبوسا قمطريرا.
نتمنى أن يعكف أبناء السودان في الجنوب والشمال على توحيد السودان من جديد وفقا لأسس جديدة قائمة على العدالة الاجتماعية و الاحترام المتبادل بين الطرفين واعتماد الديمقراطية خيارا أوحد للحكم وتحويل دولة الحزبين لدولة الوطن الواحد.
فيا أصدقائي:
إذا عاد حر إلى أرضه في الصباح
وعادت مع النور تبسم كل الجراح
وكفت عن البغي نار السلاح
وذابت مع اللون كل العناصر
وبادت من الأرض كل المجازر
وماتت عليها رياح التآمر
وسطو العصابات من كل باغ وغادر
وفكت عراها حبال الخيام
ولم يبق فيها شريد مضام
وغنت مع الطير أم وطفل
وسبح للحب غصن وظل
سأشدو
ونشدو جميعا بلحن السلام
من قصيدة السلام الذي اعرف للشاعر محمود حسن إسماعيل .
abduosman osmanmajop [abdosman12@hotmail.com]