انفصال الجنوب هل طوى صفحته !؟
أدم خاطر
13 July, 2011
13 July, 2011
adam abakar [adamo56@hotmail.com]
بعيدا عن الاجراءات البروتوكولية المراسمية التى رافقت احتفال اعلان الدولة الوليدة فى الجنوب ، من استقبال لائق لرئيس الجمهورية والوضع الذى منح له فى المقصورة الرئيسية والكلمة التى القاها قبل أن يختتم سلفا الاحتفال بكلمة ، وما سبقها من اطراء لشخص الرئيس على لسان نائبه مشار ، كل ذلك مثل اشارات ايجابية بلا شك قد تكون هى لازمة لطبيعة الحدث ونشوة الفرحة الغامرة التى علت الوجوه والمشاعر الملتهبة فى استقبال مولد دولتهم !. هذا حقهم فى الاحتفال وتعظيم مكانتهم ونضالهم لأجل هذه الغاية لا نريد ان نغمطهم فيه أو نزايد عليهم ، ولكن الكل يدرك أنه لولا البشير وحكومته وحزبه الذى راهن على هذه التسوية بارادة سياسية متفهمة ، وعزيمة قوية تدرك أن الهدف الأسمى هو حقن الدماء واستدامة السلام والاستقرار لشعبى البلدين وسلامة وأمن الاقليم !. بدون هؤلاء وجهدهم الذى بذل ومثابرتهم على بلوى الاتفاق ومحنه وقدرتهم على تجاوز الصعاب وهزم التحديات والفتن والمؤمرات من وراء ميثاق السلام ، ما كان لهذا الحدث أن يأخذ مكانه وزمانه من بعد توفيق الله وهديه وأقداره ووفاء رجال الانقاذ !. كثيرة هى التضحيات التى قدمت كى يصار الى هذا اليوم ولكن المكافأة المرجوة تنتظرها الانقاذ من شعب الشمال الذى وفى البشير حقه يوم أن جاء به مرات ومرات عبر الانتخاب المباشر رغم الكيد الدولى والعقوبات والحصار والتضييق والتمرد والجنائية وغيرها من أدواتهم !. كل أهل الشمال بالعاطفة يعتصرهم الحزن والألم لحظة طى علم السودان الموحد ظهيرة التاسع من يوليو واعلان ميلاد دولة جنوب السودان ، لكن الناظر الى ويلات الحرب والدماء والأشلاء والجرحى والأسرى والمفقودين والنازحين واللاجئين ، فضلا عن الخراب والدمار يعى أن نظرة الانقاذ عملت لأجل هدف استراتيجى كبير وسامى قدر بقاء الانسان آمنا مطمئنا على وحدة لا توجد عناصرها ولا تتوفر لها البيئة الصالحة كى تنمو فكان حق تقرير المصير !. سنوات طويلة من عمر الانقاذ مضت للبحث عن السلام والطمأنينة والاستقرار ولكن البطون الخارجية المتخمة بنزعة الابتزاز والهيمنة والتسلط تتمادى فى غيها واستهدافها للبلاد ، كيف لا وهى ترى كل التضحيات التى قدمتها الدولة فى الشمال وسعيها الدءوب لأجل وحدة ما كانت فى أجندة قادة الحركة الشعبية ولا فى سعيهم وبرامجهم ، وهم يضمرون الانفصال منذ اليوم الأول ويتلاعبون بالمواقف عند كل محطة ، وأربابهم الكثر لا يريدون أن يروا البشير وحزبه يلتزمون ما واثقوا عليه ، وبالأمس كتبت المؤلفات عن نقض الشمال لعهوده ومواثيقه باقلام جنوبية جسدها ابل ألير وفرانسيس دينق وغيرهم ، زرعت الكراهية والأحقاد على أوسع نطاق، لكن عالم اليوم بقيادة أمريكا لا يعرف الوفاء اذا ما كان مستحقاً للانقاذ وقادتها !. راينا فى يوم الاحتفاء بدولة الجنوب الاذاعى والاعلامى باقان بصوت أجش وعبارات متناثرة وترتيب بئيس أفسد غالب مرامى المناسبة ، وهو لا يترك لغيره أن يعتلى المنصة لأنه يعشق النجومية والتهريج كى يرى مكانه فى ذلكم اليوم ليقول للحضور انا من صناع هذا الحدث وهو داعية حرب بارع ونازى متمرس !. صبر الشمال وأهله على ترهات باقان وعرمان وألور ومضت الدولة والداء بداخلها يحمله هؤلاء فى حملات الهدم والتشويش والارباك السياسى ولكن ميثاق البشير لابد له من أن يبلغ مأمنه مهما كلف وفاءً للشهداء والجرحى والمعاقين وأسرهم كى تؤسس الجمهورية الثانية على هدى التوافق الوطنى والانسجام والتعاضد لا التنافر والنعرات والجهويات التى كرسها موكب الحركة الشعبية داخل مؤسسات الحكم وانتقص من سيادة الدولة وهيبتها وأوهن من جسدها الذى عتقته الأورام بفكاك التاسع من يوليو ، ليولد التحرر والعمل الجاد والمسئول لأجل الوطن وتطلعات أمته بعيدا عن العواطف وأمانى الوحدة الكذوب والمجاملات التى أضرت بمصالحنا !.
عبر هذا اليوم الكالح فى تاريخ أمتنا بكل ابتلاءته وظلاماته وتقديراته التى تشفع لصانعيه من قادة الشمال ، ولكن المحطات التى خلفها الاتفاق وراءه ما تزال عالقة والطريق أمامها طويل وشاق ، والتفخيخ لبعضها وارد وحتمى ، لأن هذا اليوم الذى مضى حملته المشاعر العاطفية فيما صدر من حديث وادع فى يوم اعلان الاستقلال ، ومدى صمود هذه الروح العابرة رهين بانطلاقة المفاوضات لسبرغور القضايا التى تحمل المهالك والثبور فى طياتها !. لقد شهدالناس كيف تنكبت الشعبية الطريق الى أبيى قبل أيام من انتهاء أجل الاتفاق وغدرها بقواتنا المسلحة ، وراينا كيف كانت روحها وهى تخسر الانتخابات فى جنوب كردفان وقد قبلتها عندما جيرت لصالحها فى النيل الأزرق ، وكيف حولتها الى مشاهد للحرب والدمار فى أيام قلائل وانطلاقة الحملات الدولية قد بدأت تماما كما حدث فى دارفور من قبل، بدأت على نحو ما صرح به نائب والى النيل الأزرق من اعادة نشر لقواته وعلى نحو ما يتوعدنا حاكمها عقار !. هكذا يستمر الصراع والمعاناة لما تبقى من خارطة السودان الشمالى لأن المخطط الدولى لتقسيمه وتجزئته كما عبر بذلك ايفى ديختر مدير عام جهاز الأمن الداخلى الاسرائيلى منذ سنوات ، فان الاشارات التى انطلقت بالمنطقتين وقادة الى دخول مجلس الأمن الدولى الى الخط مرة أخرى واصدار البيانات والقرارات وتوعده فى حال فشل الترسيم للحدود بنهاية أغسطس فانه سيحول القوات الدولية التى قوامها 7 آلاف جندى ستتحول بموجب الفصل السابع الى قوات لحفظ السلام فى هذه المنطقة أو هكذا يريدون !. الكل يدرك الاشارات التى تضمنها خطاب سلفا للمتمردين فى دارفور ومنطقتى جنوب كردفان والنيل الأزرق والجبال وهو يقول لهم لن ننساكم ، والجميع يدرك التأثير الايجابى على هؤلاء من وحى العلاقة الطويلة التى تجمع بين مكونات التمرد والحركة الشعبية التى رعت كل هذه المجاميع وقدمتها لمراكز الاستخبارات العالمية والاعلام الخارجى ومكنتها من الدعم والاعتراف بمشروعيتها ، وكلنا يدرك مدى تأثيرهم على بعض والتقائهم والدول الراعية لهم فى أوربا واسرائيل وأمريكا والكنائس العالمية ، فى تفتيت البلاد وكسر الانقاذ ، لذلك كان الخطاب الاحتفالى مغايرا فى لغته وروحه ومقاصده التى لن تصمد كثيرا والأيام القادمة ستكف أن المخطط الجديد يبدأ من انطلاقة المفاوضات الجادة لبحث قضايا ما بعد الانفصال !. واليقين أن الخطاب السياسى للحركة الشعبية سيتغير وسيكون جانحا ومهاترا ومستفزا فى سلوك عدوانى جهير لأنها وجدت السند الدولى لدخول الخطة (ب) ، رغم أن ميلاد دولتهم كان بتمثيل أدنى فى غالبه ولم يشهده من كانوا يتطلعون لهم أن يكونوا حضورا جسديا ودعما لمناسبتهم ، فقد اكتفت معظم هذه البلدان بوزير خارجيتها فى أحسن الأحوال ، ولكن البيانات التى صدرت عن عواصمهم على لسان الرؤساء حاولت أن تستعيض عن الحضور بالاشارات التى تضمنها البيان على نحو ما كان فى بيان أوباما الذى آثر أن يتنكب وعده للخرطوم برفع العقوبات أو الحديث الممجوج عن حزمة الحوافز التى ظل يتمشدق بها مبعوثيه بين الفينة والأخرى !. حرص أوباما الى الاشادة بميلاد الدولة الجديدة ونسى أن البشير هو السبب والضامن لوجودها ، وهو قد دعاه الى التزام وعوده من جوبا ، لكنه كحال أمريكا فى مواقفها تجاه السودان الشمالى وشعبه آثرت أن تدوس على عواطف ومشاعر أكثر من ثلاثين مليون نسمة فقدوا جزءً عزيزا من وطنهم لغاية السلام والأمن والاستقرار ، عز على أوباما أن يواسى هذه الأمة فى جراحاتها وتضحاياتها للسلام وما قدمته من قرابين وتنازلات يندى لها الجبين !. الرئيس الأمريكى رفض أن يتحدث عن رفع العقوبات عن الشمال، واستعاض بسياسته القديمة أن يضغط على الجرح ليصبح أكثر ايلاما ونزيفا ، لذلك فانى لا أستبعد أن تنعكس روح خطاب رئيس دولة الجنوب الجديدة وخطابه السياسى بطريقة دراماتيكية بعد أيام قليلة من هذا التاريخ لاعتبارات جلية فى هذا الصراع الذى حاول تركيع الخرطوم فتابت عليه لذا عمد للتجزئة وطى المراحل والانتقال بها من مرحلة الى أخرى !.
انتهى عهد الابتزاز والرهان على قيام دولة الجنوب بوضع الاشتراطات والضغوط علينا رغم أنها تفتقد لأدنى مقومات الدولة ، وتوجب على السودان الشمالى أن يعود لرشده ويضع مصالح أمته نصب عينيه ويعمل لأجلها ليعوض ما كان فى السلام من منقصات و انتقاص وافتئات وتسامى ومكرمات فى غير مكانها . نحن أمام فصل جديد من المراوغة والمداهنة الغربية – الأمريكية علينا أن نتنبه لها منذ الان ، فالخطاب الخارجى بين يدى الاحتفال يكرس ذات الواقع من الضغط والقطيعة والانتهازية لصالح الدولة الوليدة ولا شى يمكن أن يستشف كان فى كلماتهم لارضاء الشمال أو خطب وده أو أى وعد بالدعم والمساندة بل على نقيضها سيستمر عطائهم !!. لقد كان حديث أمريكا لمجموعات التمرد بنيروبى وأبوجا لحظة توقيع السلام فى 2005 أن من لم يذهب للتوقيع سيقتاد الى العدالة الدولية ، ولكننا لم نفاجأ أن يطلب البشير لدى المحكمة الجنائية الدولية التى تقود حملتها أمريكا فى الخفاء وتدعى بأنها ليست معنية بها ولا عضوا فيها !. وعلى خلفية ما ورد على لسان الرئيس الأمريكى فى فرحته بدولة الجنوب بات واقعا أن واشنطون لا ترغب فى التواصل مع الخرطوم الا بقدر ما يحقق أهدافها ويقوى حلفائها فى الحركة الشعبية ، أمريكا ماخوذة بقادة الجنوب على فشلهم وفسادهم الحتمى وناغمة على النظرة الايديلوجية للمؤتمر الوطنى وتوجهاته التى تراها مخالفة لاستراتيجتها فى المنطقة ، وطالما بقى على سدة الحكم ينهض ببرامجه ومشروعاته فان التحدى والمواجهة قادمة لأن الوعود باتت مفضوحة وآخرها ما جرى لوزير الخارجية كرتى فى زيارته الأخيرة لواشنطون ووعدها له بأنها اتخذت خطوات عملية لأجل ازالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب ، ولكن الشواهد لا تبشر بوفاء لهذا الوعد الذى سيمضى كسابقاته !. طويت صفحة الجنوب بما منحناه له من استقلال جاء بالانفصال ، لكن معاناتنا معه لن تطوى اذا ما أرتدت كراته الى مرمانا وواقع انسانه وما يستقبله من تحديات فى حياته ومعاشه وأمنه ربما تضطره للعودة للشمال واردة ، علينا أن نحسب لها ألف حساب وقد خبرنا قادته يهربون من مسئولياتهم ويكلونها للآخر ، فشماعة السلام والوحدة والاخاء الزائف وكل المفاهيم التى تعلقت بها لم تعد تحتمل أن يوضع عليها ، أو أن نشرب من هذا الكأس المأزوم مرة أخرى بعد كل الرهق والتعب الذى استقبلناه وتحملناه فى هذا السبيل !. نحن بحاجة لاعادة صياغة أولوياتنا على هدى الخارطة الجديدة لوطننا لا نقبل فيها أى أعباء اضافية أو تبعات من صنع الاخر ، أو صناعة أزمات واعادة تصديرها كى نظل قابعين على هذا الجحيم ونيران التمرد والشظف والامبالاة !. لدينا مسئولياتنا تجاه شعبنا تستوجب أن نضعها فى المحك ونعمل سهرا لاجل راحته وتعويضه عن الهموم والويلات التى لقيها على زمن السلام بما لم تجلبه الحرب !. تركنا لكم الجنوب منذ أن وقعنا على اتفاق السلام الشامل فاتركوا لنا الشمال يا هؤلاء دون حركة شعبية أو قطاع شمال أو أى من المفردات التى يلوكها هذا الجاهل الموتورعرمان !.