اجعلوا وثيقة السلام من الدوحة نهائية !؟
أدم خاطر
18 July, 2011
18 July, 2011
adam abakar [adamo56@hotmail.com]
المتتبع لمسيرة السلام فى السودان يلحظ كم هى متعبة وشاقة مهمة البحث عن الأمن والاستقرار لبلاد تحيط بها دول عديدة بجوار مأزوم ، وتتهددها مخاوف كبيرة لما تكتنزه أرضها من ثروات وخيرات ، وما يمثله شعبها من قيم ومبادىء ترتكز الى ذات الله وشريعته ، لذا ظلت بلادنا منطقة مطامع وتنازع وتقاطعات لمصالح الدول الكبرى واستراتيجياتها فى المنطقة والاقليم تتناوشها هذه الأيدى الخربة والفتن المنظمة !. شهدنا كيف استطالت حرب الجنوب التى انتهت بكل خلفاياتها ومراراتها الى الانفصال واعلان ميلاد دولة جديدة ، وعلى انقاض معالجة الوضع فى الجنوب برزت المغريات وقادت لتكاثر حركات التمرد وسماسرة الحرب ، وانفجرت الحروب والنزاعات فى الغرب والشرق وجنوب كردفان وربما النيل الأزرق وغيرها من أطراف الوطن ، وعالم اليوم تحت الهيمنة الأمريكية لا يرغب فى تسويات سلمية لأى من خلافاتنا الداخلية مهما جاءت هذه التسويات مبرأة من كل عيب !. بل تريد هذه الدول الماكرة من خلال أجهزتها الاستخباراتية وما تقوم به اللوبيات اليهودية بمنظماتها الكنسية و آلتها الاعلامية المشوشة التى تحسن صياغة الرأى العام العالمى الذى تقوم عليه بعض الدوائر الغربية ، تريد هذه الدول لمشروعاتها أن تتمدد ويستشرى الحريق فيتقطع السودان الى دويلات ، وتبقى على حالة اللاسلم واللا استقرار طالما بقيت أجندتها ورهانها فى تفكيك السودان دون غاياته رغم انقصال الجنوب !. ومنذ اندلاع الأزمة فى دارفور فى عام 2003 م وبروز العديد من الحركات والواجهات والتيارات التى تدعى أحقية تمثيل أهل دارفور ، والتى فاقت فى مجملها 38 حركة لن يكون آخرها (الجيل المعاصر) الذى انضم الى موكب السلام مؤخرا، ومن هنا تكمن صعوبة الحل وفرصه والتعقيدات أمامه ، كيف لا والزعامات فى تسابق والقادة فى تباين والأجندة بجراب الحركات خارج هموم وتطلعات انسان دارفور فى غالبها، والثغوب الكثيرة فى بناء هذه المجاميع مكن للوجود الأجنبى الذى ظل وراء تعطيل واعاقة الوصول الى سلام مستدام فى دارفورورهن التسويات فيها بمدى تحقيقه لخططه ! . وما بين صيغ الحل الداخلى والاقليمى والخارجى جرت العديد من المحاولات لم تستثنى حواضر ولايات دارفور ، وكنانة والخرطوم ، أو أبشى وانجمينا ، وأبوجا أو القاهرة وأسمرا والرياض والعديد من المدن الليبية وأسمرا وباريس ولندن وغيرها من العواصم حتى بلغنا الدوحة التى استغرقت لوحدها ما يربو عن ال 30 شهرا ، كلها محاولات جادة ابتغت الحل والسلام للمشكل فى دارفور لم تترك الدولة بابا لم تطرقه ولا سبيلا لم تتقدم باتجاهه ولا وسيطا أو مبعوثا الا وحل بأرض دارفور ، واشتهرت مدنها واريافها على خلفية دعاوى التطهير العرقى والابادة الجماعية التى يزعمونها وحملات الاغتصاب والاسترقاق من وراء معسكرات اللجوء والنزوح فكانت الحملات الممنهجة والدعاية الكذوب والخيانة للوطن والمتاجرة بقضايا شعبنا وحاجة أطرافه للتنمية والاعمار والنهضة !. لمسنا بعض بشريات الحل والتسويات السلمية فى الأفق بجهد وطنى خالص ، ولكن حركتى تحرير دارفور والعدل والمساواة آثروا أن يكونوا خارج صيغ الحل بارادتهم أو ربما بارادة أربابهم ومن يقفون خلفهم ويقدمون لهم الدعم والتدريب والعتاد والمشورة التى قادتهم لاستباحة أم درمان فى رابعة النهار عام 2008 م !. عاد مناوى باتفاق سلام دارفور من أبوجا فى مايو/2006 م وكون سلطته الاقليمية وبدأ فى بناء مملكة قبيلته دون السهر على مصالح ومطالب انسان دارفور ، لكن ارتباطاته الخارجية ونزواته والدوائر التى كانت تحيط به جعلته حبيس متناقضات لم تعد على شخصه ولا حركته بأدنى فائدة وكان الخاسر الأكبر مواطن دارفور وأنتهى مناوى الى مذبلة التاريخ !. وكم كانت الفرصة أمام المغامر خليل كبيرة لانجاز السلام والتقدم باتجاهه ، لكنه ظل بين حلم المؤتمر الشعبى وتوجيه قيادته وبين مآربه الشخصية وطموحاته الشاطحة وكماشة الخارج ، الى أن ضربت عواصف السياسة وتقلباتها بينه وبين القيادة التشادية واضطر الى مغادرة انجمينا مطرودا هائما على وجهه الى أن آوته ليبيا بخدعة ارتدت الى نحرها ، وانتهى به الحال الى ثورة ليبيا ومصيرها المجهول لخليل والزعيم الأممى الذى يختبى الآن تحت الأرض زنقة زنقة !. وبات عبد الواحد ربيب اسرائيل الشاطح تحت قبضة المخابرات الفرنسية ، توهمه ببطولة مزيفة من باريس ظل يمتطى معسكرات النزوح ووعوده السراب التى ظل يقطعها لقاطنيها ، فتفككت المعسكرات وبقى نور يرابض بأفخم فنادق باريس الى جانب لبنى الحسين صاحبة السروال الشهير، ينتظر السماء أن تمطر معجزة وحلا يقوده للحكم والرئاسة للسودان بكامله !.
من خلال هذه التقلبات التى تصلح رواية درامية تلفها المآسى والخيبات ، تقلبت دارفور بين فتن وحرائق التمرد الى رياح السياسة والتطورات العنيفة وبرغمها غشيتها الانتخابات والدورة المدرسية القومية ، وطالتها المحكمة الجنائية ووعود اوكامبو وتهديدات أجهزة المخابرات العالمية التى تعمل لصالحه ،وزارها أمبيكى وكبار رجالات الحكم والسياسة فى العالم ، وعلا صوت التمرد وفلتانه وخروقاته التى حاولت تكريس حالة عدم الاستقرار ، لكنه لم يمكث بأى من مدنها ولو لليلة واحدة ، وصال البشير وجال بمدن وأرياف دارفور وخاطب أهلها ومؤتمراتها ، وانتظمت مشروعات التنمية والاعمار والبناء والمصالحات القبلية كأنها تقول لعبد الواحد وخليل (وليد مرة كداب – والله كداب) !. وبقيت حالة التوتر وأعمال العنف عرضية ، واستقر حكم الولايات وبرامجها ومشروعاتها ، حيث يحاول الوجود الكثيف للمنظمات الانسانية وقوات يوناميد التى تقتات على رسم صورة لمأساة مستمرة أن ينال من الوضع الأمنى لولايات دارفور الكبرى والانجازات الباهرة التى حققها الولاة وحكوماتهم !. هكذا اختطفت دارفور بمؤامرة دولية كبرى شهدت أشهر تجارة للاستراق وتهريب الأطفال من قبل منظمة فرنسية عبر تشاد ، واستماتت الأطراف الخارجية التى تقف وراء تمزيق البلاد فى حربها بدارفور ، وأفلحت فى أن تبقى على خليل وعبد الواحد خارج أى تسوية سياسية الى أن يتم اعلان ميلاد دولة جنوب السودان فى اشارة لامكانية تحقيق مبدأ تقرير المصير على دارفور ، الأمر الذى لم يكن فى أدبيات حركات التمرد هناك ولا فى توجهاتها ، لكنه تمت المناورة به لأجل رفع سقف المطالب الى أن انتظمت مفاوضات الدوحة بوساطة عربية افريقية أممية رعتها دولة قطر الشقيقة بصبر وحياد وتجرد ابتغى السلام والطمأنينة لأهل السودان وانهاء المعاناة الانسانية فى دارفور !. جاءت العدل والمساواة الى الدوحة وقطعت شوطا كبيرا فى ارساء المبادىء العامة فيما عرف (باتفاق النوايا الحسنة ) فى 17/2/2009 م، وشهدنا الدعم السياسى الذى وجده هذا الاتفاق، لكنها سرعان ما تراجعت عنه لأسباب ذاتية وعادت الى ميدان العمليات فانتهت الى ما أنتهى اليه مناوى ودبت الخلافات والانشقاقات الى صفوفها وتفرقت بها السبل أيدى سبأ !. وأجتهدت الوساطة القطرية أن تعيد العربة الى المسار ولكن استنكاف خليل وزيارات الترابى المتكررة الى الدوحة جعلت من المستحيل أن يصار الى سلام مع هذه الحركة ، مما اضطر الوساطة لتجاوزها والتركيز على ما تراضت عليه مجموعة من الحركات الدارفورية تحت مسمى (حركة التحرير والعدالة) برئاسة د. التجانى السيسى والجدية التى لازمت مواقف هذه المجموعة ، وجاء الفريق الحكومى بقيادة د. غازى صلاح الدين مستشار رئيس الجمهورية مسئول ملف دارفور ، وأسندت قيادة الفريق الحكومى المفاوض الى د. أمين حسن عمر!. وبلا شك فان وجود هذه الثنائية فى فريق الحكومة والخبرة التراكمية التى توفرت لهم من خلال مشاركتهم فى اتفاق السلام الشامل بالجنوب من نيفاشا ، ووقوفهم على مواضع الضعف والمنزلقات والنقاط الرمادية فيه مكنتهم من تجاوز الكثير من مكامن الضعف التى طرحتها الوساطة ، وجرى احكام الوثيقة من حيث المادة والصياغة على نحو يضمن عدالة المطالب وامكانية التزامها داخل حظيرة الوطن الواحد وسيادته القائمة !.
هكذا كان بحث الدولة المضنى لغاية السلام فى دارفور لأكثر من عامين ونصف من الدوحة وحدها ، والكل شهد الزيارات الرئاسية عالية المستوى للدوحة والمملكة السعودية وحجم الانفتاح والمشاورات والحوارات التى ظلت تقودها الحكومة مع كافة الأطراف وتوسيع المشاركة لكامل أهل دارفور ومكونهم دون اقصاء لأحد !. وقف الجميع على قيمة التنازلات والمرونة التى ظل يبديها الفريق المفاوض بالدوحة فيما كانت الحركات ومن يقف وراءها تماطل وتسوف وتبنى على عامل الزمن وتسجيل النقاط ، وبقيت الضغوط عليها كثيفة من الخارج وممن يدعون تمثيل دارفور حصريا !. لزم أن نقول بأن وجود غازى وأمين كان دليل جدية لاحلال سلام شامل ومستدام فى دارفور ، وقدرتهما على التزام ما يبرم وتوفير الضمانات والمعينات لانفاذه ، وشواهد تجربة قيادتهما للملف مع الجارة تشاد وما انجز فىى ملف الحدود معها خلال الفترة الماضية وما أوجد من آليات للمتابعة برهن قوة الارادة و العزيمة لمعالجة جذور المشكل وليس المسكنات كما ظل يتصور !. هذا الانجاز الكبير من الدوحة فى يوم الخميس 14/7/2011م عق خمسة أيام من ميلاد دولة الجنوب ، وبعد كل هذه المدة الطويلة فى التفاوض ، يعتبر نجاحا خارقا ويدلل على حرص الدولة على أعلى مستوياتها أنها تبتغى السلام واستقرار دارفور ورفاهية انسانها !. لذا لزم أن يعمل الجميع كانوا فى الحكومة أو الحركات الموقعة أو المكون الداخلى لأهل دارفور أن ينزلوا هذه الوثيقة مكانها اللائق ويعضوا عليها بالنواجز !. لقد تراضت الأطراف على تسميتها وثيقة نهائية للسلام فى دارفور واحاطتها بكل هذا الحضور الدولى المقدر دليل على اصباغ هذه الصفة عليها ، مما يمكن لأى طرف أن يلتحق بها ويعمل من خلال بنودها ومضامينها لا أن نرتد عليها ونهد بنائها فيذهب عنصر بريقها على نحو ما كانت أبوجا وقادتها من أمثال مناوى !. هذه الوثيقة رمت لايجاد الحلول المستدامة لجوهر المشكل فى دارفور علينا أن نحميها من الانتكاسات ونحبسها من محاولات اختزال دارفور فى أشخاص بعينهم على نحو ما ينادى به بعض أعداء السلام بالداخل والخارج فى الانتقاص والنيل من هذه الوثيقة كونها لم تستوعب خليل وعبد الواحد !. بعد كل هذا الوقت والجهود المتعاظمة التى جرت مع هؤلاء القادة للانضمام لركب السلام فى دارفور ، وتمنعهم بحجج واهية ومواقف لا تقوم على أسس ولا تراعى حاجات انسان دارفور الملحة ولا تقدر معاناتهم ، ليس مفهوما أن نعاود فتح منابر جديدة للتفاوض أو تقديم مغريات وحوافز لن تعدوا أن تكون شخصية ولن تجلب سلما ولا أمنا مهما غالى هؤلاء من ذواتهم ومكانة حركاتهم والرهان الذى يعولون عليه من مواقعهم الحالية !. أى خطوة من قبل الحكومة لتجاوز هذه الوثيقة بفتح نوافذ جديدة من شأنها أن تهد بناء السلام فى دارفور وتنتقص من الجهود التى كرست لها مضامين الوثيقة وعوامل نجاحها !. والدولة ترسم معالم الجمهورية الثانية عليها أن تقلل من هامش الاختراقات لحالة السلم التى توافرت بعد الانفصال ، والمضى قدما فى مشروع أمن واستقرار دارفور على هدى هذه الوثيقة لا من خارجها ، يلزمنا أن نحتفى بها ونعمل لانفاذ بنودها وترتيباتها على نحو دقيق يلتزم مواقيتها و الجداول الزمنية التى حددت لها ، وتوفير الموارد اللازمة للمشاريع التى تعنى بتوطين اللاجئين والنازحين واعادة البناء والاعمار وكل ما من شأنه رفاهية مواطن دارفور !. أى توجهات بعيدة عن الوثيقة ومن وقعوا عليها ستكون من قبيل التشويش والارباك ومؤشر عدم جدية سينعكس سلبا ويولد حركات جديدة ودوامة تعود بنا للمربع الأول ، فاجعلوا وثيقة سلام دارفور من الدوحة نهائية هداكم الله !!.